لماذا تتجاهل الشركات المرشحين للعمل البارعين من أبنائها

4 دقائق

في حين أن أيام التقاعد من العمل بالشركة بعد مشوار دام 40 سنة ربما تكون قد ولَّت، يعتقد كثيرون أن التوجه السائد يميل في الاتجاه المعاكس على نحو مفرط. ففي يوليو/حزيران الماضي، على سبيل المثال، بلغ معدل الدوران الطوعي للموظفين مستوى لم نشهده منذ الأيام التي سبقت ركود عام 2007، وفقاً لـ"مكتب إحصاءات العمل" الأميركي. قد يبدو أن اتجاه تبديل الوظائف يشير إلى تخلي الموظفين عن ولائهم للشركات التي يعملون بها.

وقد ينطبق ذلك على البعض. ومع ذلك، فقد أثبتت دراسة اتجاهات المواهب الحديثة التي أجرتها شركة "لينكد إن" خلال الفترة بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2016 على أكثر من 26 ألف موظف أن 25% من موظفي اليوم يعقدون الآمال على الترقي. وهم لا يريدون الرحيل عن شركاتهم، بل التشبث بها وارتقاء السلم الوظيفي. المشكلة أن الدراسة أثبتت أيضاً أن التغاضي عن ترقية الموظفين هو السبب في أن 24% منهم يقولون إنهم منفتحون على فكرة العمل في شركات أخرى.

هذه الظاهرة جعلتنا نتساءل عن الاختلاف هنا؟ هل تغفل الشركات المهرة داخل أروقتها؟

ربما لذلك. نرى 3 سيناريوهات مشتركة يمكن أن تؤدي إلى بحث أرباب الأعمال عن العمالة الماهرة خارج شركاتهم (ولو على حساب أعمالهم).

لا يشعر مديرو التوظيف أن المرشحين الداخليين يتمتعون بالمهارات الضرورية. يمكن أن يحدث ذلك بطريقتين: إما أن يعتقد مدراء التوظيف أن الموظفين الحاليين يفتقرون إلى المهارة المحددة التي تُطابق ما يبحثون عنه، أو أن هؤلاء المدراء يبحثون عن مهارات أحدث لا دليل على وجودها حالياً داخل شركاتهم.

إليكم سيناريو شائع عندما يتعلق الأمر بالحالة الأولى: يشارك مدير التوظيف قائمة متماسكة لمتطلبات الوظيفة ويطلب من مسؤول التوظيف البحث عن شخص يُطابق تلك المتطلبات. لكن من الصعب العثور على مرشحين تُطابق مهاراتهم المهارات المطلوبة تماماً، خاصة إذا نظرنا إلى الوتيرة الحالية للتغيير. فالمهارات تتطور وتنشأ بسرعة مهولة جداً لدرجة أنه ما لم تكن لديك ركيزة على مستوى المؤسسة على التعلم والتطوير المهنيين، من المستبعد أن يكون فريقك قادراً على أداء مهمته اليومية مع متابعة أحدث المهارات بالسوق في الوقت نفسه — وخاصة عندما يتعلق الأمر بالوظائف التي تركز على التكنولوجيا.

والوظائف نفسها تتبدل سريعاً أيضاً. كما جاء في "المنتدى الاقتصادي العالمي" "ثمة وظائف متاحة حالياً لم نسمع عنها منذ عقد مضى". ويوحي أحد التقديرات بأن 65% من الأطفال الذين يلتحقون بالمدرسة الابتدائية الآن سينتهي بهم الأمر للعمل في أنواع من الوظائف جديدة كلياً ليست ضمن نطاق بحثنا بعد".

وهذا يحدث في وقتنا هذا بالفعل. لننظر إلى المهنيين الذين يعملون مطوري تطبيقات، أو مدراء وسائل إعلام اجتماعي، أو مهندسي سيارات بدون سائق. منذ 5 سنوات فقط، لو كان هناك مدير توظيف يبحث عن تلك المهارات ضمن العاملين لديه، لما كان وجدها إلا فيما ندر. ومع ذلك، فإن الذين لا يملكون خبرة محددة، بشكل أو بآخر، بتلك الوظائف كانوا قادرين على التعامل معها بنجاح وبراعة.

إحدى طرق التعامل مع فجوة المهارات الداخلية المتصورة في النظر ليس فقط إلى ما حققه المرشح من داخل الشركة، ولكن أيضاً إلى ما يمكنه إنجازه وفعله. ابحث عن مرشحين يتمتعون بمهارات متقاطعة؛ كأن تبحث عن تعيين شخص من فريق العلاقات العامة بالشركة في منصب يتعلق بتسويق المحتوى. ولقد تجاوزت شركات مثل شركتي "مارس" و"كلاود ون" (وكذلك شركة "لينكد إن")، تلك الخطوة وبَنَت عليها حيث اقترحت برامج تدويرية تساعد الموظفين على تطوير مهاراتهم المتقاطعة المهام وإكسابهم منظوراً جديداً. ونفذت شركة "هوتسويت" مؤخراً برنامج "توسعة مهارات" الذي تسعى من خلاله إلى كسب ولاء الموظفين.

تخطط الشركات لاستنزاف الموظفين بدلاً من التدريب للاحتفاظ بهم. صحيح أن العاملين في عصرنا هذا أكثر انفتاحاً على الفرص التي تلوح لهم (وأكثر تأهباً للعثور عليها) مما كان عليه في الماضي. وبعض الشركات تُعاني من سرعة دوران العمالة فيها الكبير لدرجة أنها اعتادت تعيين الموظفين الذين يؤتون ثمارهم فوراً بدلاً من تدريب القوة العاملة الموجودة بالشركة بالفعل.

لكن تجاهل المرشحين من داخل الشركة على فرض أنهم سيحصلون على الترقية ثم يرحلون عن الشركة في النهاية (ومعهم التدريب الثمين الذي حصلوا عليه) يخلق سيناريو "البيضة أولاً أم الدجاجة". غالباً ما تتردد الشركات في ترقية مهارات قوتها العاملة نظراً للمخاوف التي تنتابها بشأن ولائهم لها، ولكن هل تراجع هذا الولاء لأن العاملين بدورهم يشعرون وكأنهم سلع تُباع وتُشترى؟ من اللافت أن نرى ما إذا كان الموقف سينعكس إذا ركز عدد أكبر من الشركات على التدريب والتطوير وبناء مسارات مهنية لعمالهم اليوم.

وعندما لا تطور الشركات مهارات عمالها ولا توظف منهم داخلياً، فإن ذلك التوجه يشي برسالة ضمنية لهؤلاء العاملين. سيتفاقم هذا الوضع بشدة خلال السنوات العديدة التالية إذ يواصل جيل نهاية الألفية الأولى وبداية الألفية الثانية في الاندماج في نسيج القوة العاملة بتوقعات وآمال للنمو والتدريب المهنيين وهيبة أقل لوصمة عار التنقل بين الوظائف. وإذا لم تقدم الشركات فرصاً للارتقاء الوظيفي، فسيرحل عنها موظفوها.

في النهاية، سينتهي الأمر بدورة استبدال الموظفين إلى تكبيد الشركة تكلفة أعلى من الارتقاء بالمهارات؛ فبحسب دراسة أجراها "المركز الأميركي للتدريب والتطوير"، وجِدَ أن استبدال موظف بآخر يكلف الشركة حوالي 20% من راتبه.

ثقافة الشركة تشجع على سرقة العمالة. أغلب المؤسسات لا تتمتع بثقافة السوق المفتوحة. وغالباً ما تفضي سياسة المدراء الذين يحصرون تفكيرهم في سياق الجزء الخاص بهم في مقابل الكل والذين ليس لديهم استعداد للسماح بتحركات أصحاب المهارات داخلياً إلى سعي الموظفين وراء فرص خارجية. وكثيراً ما يكون العثور على وظيفة خارجية أسهل من العثور على منصب داخلي لأن الشركات بالخارج لا تتسم بالروتين أو قواعد الالتزام.

إن خلق سقف للموظفين أصحاب أفضل أداء يعزز مناخ التقييد لن ينفع مع هؤلاء الموظفين المتحمسين الطموحين. يشرح خبير الموارد البشرية جون سوليفان أنه في شركة "جوجل"، على سبيل المثال، "شعور الموظف بأنه غير مستغل على النحو السليم مؤشر قوي على خطر رحيله". والأهم من ذلك أن قصور حرية التنقل بين الوظائف يحبط الموظفين المتمسكين بمناصبهم ويثنيهم عن تحقيق إنجاز عظيمة. وعلى النقيض من ذلك، فإن الموظفين الذين يرون مسارات مهنية واضحة في الأفق يجدون الحافز لمواصلة الإسهام بإنجازاتهم بمستوى عالٍ.

وختاماً، من المفيد أن نتذكر أن الولاء يبدو مختلفاً الآن عما كان عليه أيام التوظيف الطويل الأجل لدى شركة واحدة. اليوم قد يأتي الولاء على هيئة مدد الخدمة التي تضمن فيها ولاء الموظف لفترة محددة، ويلتزم كل طرف بإفادة الطرف الآخر طوال تلك الفترة.

إذا كانت لديك مخاوف تتعلق بالولاء لمؤسستك، فألقِ نظرة لتضمن أنك ملتزم بجانبك من الصفقة. تأكد من أن مدراءك يرسمون المسارات المهنية للموظفين أصحاب الأداء العالي والذين تبدو عليهم أمارات التقدم والتطور الطموح. شجعهم على البحث داخلياً عن مناصب جديدة كلما توفرت شواغر مناسبة لهم، وأفصح لهم عن نواياك على مستوى الشركة لتبديد مخاوفهم حول استغلالهم داخلياً. واحرص على عرض جميع الشواغر على الشبكة الداخلية للشركة. وتجنب التناقص الطبيعي المفرط للموظفين بالتذاكي في تعيين خطر رحيلهم.

في نهاية المطاف، الغاية هي تعيين المهرة الموهوبين الذين تتسق طموحاتهم المهنية مع نمو شركتك ونجاحها. إن المراهنة على إمكانات المهارة والحرص على الفوز بلعبة التناقص الطبيعي للموظفين وخلق ثقافة منفتحة على النمو والتقدم يمكن أن يكون له أثر ملموس على الاحتفاظ بأفضل الموظفين لديك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي