ملخص: لا يدرك الكثير من القادة أنهم يستخدمون لغة الرفض العاطفي وأنهم قد يؤذون موظفيهم نفسياً عند تجاذب أطراف الحديث معهم. وآفة لغة الرفض غير المقصودة تنبع في معظم الأحيان من أشخاص كانوا يقصدون إبداء الاهتمام في المقام الأول. إذ يريد القادة دعم الموظف ومساعدته على تجاوز محنته وتخفيف حدة آلامه. ولكنهم إذ يحاولون تخفيف حدة آلام الموظف قد يقعون أحياناً في مأزق الاستخفاف به هو شخصياً. من ناحية أخرى، يعتقد بعض القادة أن العواطف لا وجود لها في مكان العمل. وقد ثبت بالدليل القاطع أن الضغوط العاطفية المركبة التي شهدناها بشكل متزايد خلال العامين الماضيين توجب على المدراء توجيه تركيزهم إلى تلبية الرفاهة العاطفية لموظفيهم ودعمها. ولم يعد يكفي مجرد توفير الأدوات والموارد التشغيلية اللازمة لتمكين أفراد فريقك من أداء عملهم، بل يجب عليك أيضاً أن توفّر لهم الأمان النفسي الذي يساعدهم على الازدهار. وهذا يعني الشعور بالراحة عند إجراء محادثات غير مريحة. وتقدّم كاتبة المقالة 6 طرق تتيح للمدراء إبداء دعمهم عندما يبوح لهم أحد موظفيهم بموقف عاطفي أو تحدٍ تعرّض له.
وقد ثبت بالدليل القاطع أن الضغوط العاطفية المركبة التي شهدناها بشكل متزايد خلال العامين الماضيين توجب على المدراء توجيه تركيزهم إلى تلبية الرفاهة العاطفية لموظفيهم ودعمها. ولم يعد يكفي مجرد توفير الأدوات والموارد التشغيلية اللازمة لتمكين أفراد فريقك من أداء عملهم، بل يجب عليك أيضاً أن توفّر لهم الأمان النفسي الذي يساعدهم على الازدهار. وهذا يعني الشعور بالراحة عند إجراء محادثات غير مريحة.
قد يكون من الصعب معرفة الرد الصحيح الذي يجب أن تقوله عندما يبوح لك أحدهم بشيء مؤلم أو عاطفي. على سبيل المثال: كانت إحدى عملائنا وتدعى نيفين* حاملاً، كانت تشغل منصب مديرة تكنولوجيا المعلومات، وقد تعرّضت للسقط في أثناء عملها من المنزل قبل بضع سنوات. استنتج مديرها، ماجد،* أن ثمة مكروهاً قد أصابها، فما كان منه إلا أن اتصل بها وسألها عن أحوالها وما تشعر به آنذاك. وحينما سمعت صوته، عرفت أنها لن تستطيع الكذب عليه، لذلك أخذت نفساً عميقاً واستجمعت شجاعتها قائلة: "أتدري؟ سأصارحك القول، أريد أن أخبرك بأنني أتعرّض حالياً للسقط وأعاني آلاماً فظيعة حقاً... عقلياً وجسدياً". ظل ماجد صامتاً لفترة طويلة قبل أن يقول أخيراً: "حسناً... اتخذي الإجراءات اللازمة"، ثم أنهى المكالمة الهاتفية بسرعة. ظل رد فعل ماجد عالقاً في ذاكرة نيفين حتى يومنا هذا، بعد كل هذه السنوات. فقد شعرت بأنها غير مدعومة على الإطلاق في اللحظة التي تجرّعت خلالها آلام الخسارة والمعاناة. هل كانت هذه نيته؟ لا، لكن سلوكه ترك هذا الأثر السلبي.
نحن مُطالبون بحكم منصبنا كقادة بأن نهتم بتعلم كيفية الظهور أمام موظفينا، حتى إن كنا لا نشعر بالارتياح تجاه المواقف التي يواجهونها. وإذا أردنا ازدهار الإنتاجية والابتكار، فعلينا إنشاء بيئات يستطيع أعضاء الفريق الذين نخدمهم أن يزدهروا فيها. وقد أجرت كيلي غرينوود وجوليا أنس استقصاء شمل 1,500 شخص بالغ في الولايات المتحدة يعملون في وظائف بدوام كامل، واستطاعتا من خلاله تحديد مزايا دعم الصحة العقلية للموظفين في مقالتهما "حقبة جديدة للصحة العقلية في العمل" (It’s a New Era for Mental Health at Work). إذ تقولان:
لاحظنا أن المشاركين الذين لمسوا دعم صاحب العمل كانوا أقل عرضة للشعور بأعراض اعتلال الصحة العقلية، وأقل عرضة لتراجع مستوى الأداء والإخفاق في العمل، وكانوا أكثر إقبالاً على الحديث عن صحتهم العقلية بأريحية تامة في العمل. بالإضافة إلى ذلك، كانوا أكثر شعوراً بالرضا الوظيفي وأكثر رغبةً في البقاء بشركتهم. وأخيراً، كان لديهم آراء أكثر إيجابية حول شركاتهم وقادتهم، بما في ذلك الثقة في شركاتهم والإحساس بالفخر بالعمل فيها.
وقد سمعنا من عميل بعد فترة وجيزة من بداية الإغلاق الاقتصادي عام 2020 أن قادته كثيراً ما سألوه هو وزملاؤه عن أحوالهم، لكن كان من الواضح أنهم لم يعرفوا كيفية الاستجابة لردود الموظفين التي تختلف اختلافاً واسعاً، بدايةً من: "على خير ما يرام" إلى "أعاني بعض المنغّصات"، وصولاً إلى ردود من قبيل "أشعر بالاختناق" وغيرها من الردود المعبّرة عن الآلام المبرحة. ويُعد تفقُّد الأحوال خطوة أولى مهمة، ولكن كيفية التفاعل مع ما نتلقاه من ردود هي التي تحدد نوعية التأثير النهائي. ويُعد استخدام لغة داعمة عاطفياً جزءاً مهماً من هذه الخطوة.
كيف تبدو لغة الرفض العاطفي؟
لا يدرك الكثير من القادة أنهم يستخدمون لغة الرفض العاطفي وأنهم قد يؤذون موظفيهم نفسياً عند تجاذب أطراف الحديث معهم. وقد لاحظنا بحكم خبرتنا في الاحتكاك بمئات القادة الذين تعاملنا معهم أن لغة الرفض غير المقصودة تنبع في معظم الأحيان من أشخاص كانوا يقصدون إبداء الاهتمام في المقام الأول. إذ يريدون دعم موظفيهم ومساعدتهم على تجاوز محنتهم وتخفيف حدة آلامهم. ولكنهم إذ يحاولون تخفيف حدة آلام الموظف قد يقعون أحياناً في مأزق الاستخفاف به هو شخصياً.
من ناحية أخرى، يعتقد بعض القادة أن العواطف لا وجود لها في مكان العمل. ويؤدي انعدام التعاطف بهذه الصورة إلى الحيلولة دون فهم حقيقة الشخص ذاته والظروف التي يمر بها. إذ يتجاهلون فكرة أن المشاعر توجّه صناعة القرار وتسهم في حل المشكلات، ويفشلون في استغلال فرص النمو التي قد تتيحها العواطف. فتجاهل المشاعر لا يعني أنها ستختفي من تلقاء نفسها.
دعونا نلقِ نظرة على بعض السيناريوهات الشائعة التي تظهر عندما يتحدّث الناس عن معاناتهم العقلية والعاطفية:
- الرفض، مثل: "ولماذا الحزن؟!" أو: "يجب ألا تحزن، فلديك وظيفة أو أسرة ممتازة...".
- الاستخفاف، وقد يتخذ الاستخفاف عدة أشكال، مثل: "الجميع يشعرون بهذا في بعض الأحيان" أو: "لا يوجد ما يدعو إلى القلق".
- الإنكار، الذي يتجلّى عادةً في عبارات، مثل: "مرحى، كان من الممكن أن تكون الأمور أسوأ من ذلك!" أو: "هذه مشكلة تافهة".
- وصف الحلول، مثل قول: "لا داعي للقلق" أو: "كل ما هنالك أنك بحاجة إلى قسط أوفر من النوم".
- الإيجابية السامة، التي قد تأتي في صورة عبارات، مثل: "انظر إلى الجانب المشرق!" أو: "كل شيء يحدث لحكمة ما!". قد يكون المنظور الإيجابي مفيداً، لكنه قد يصبح غير بنّاء عندما يكون المنظور الوحيد الذي يتم عرضه.
قد يؤدي استخدام لغة الرفض بهذه الطرق إلى إرسال رسالة إلى الطرف الآخر مفادها أن مشاعره ومعاناته ليست حقيقية أو لا داعي لها، وقد تؤدي حتى إلى تضخيم أي شعور بالخجل يساور المتحدّث الذي يحس بالخجل في الأساس. فإذا جاء أحدهم إليك وقصّ عليك معاناته، فإن آخر شيء تريده أن تتركه يشعر بتفاهة معاناته أو عدم جدارتها بالإنصات أو بأنه هو شخصياً لا يستحق الدعم.
كيف تبدو لغة الدعم العاطفي؟
إذا أردت أن تصبح قائداً أكثر دعماً عاطفياً، فلا بد من تحليك بقدر معقول من الذكاء العاطفي. وقد وصفت فرح هاريس، خبيرة الرفاهة ومؤسِّسة شركة "وركينغ ويل ديلي" (WorkingWell Daily)، القادة الأذكياء عاطفياً بأنهم "يتقبّلون التعبير عن العواطف، سواء تلك التي تنبع منهم شخصياً أو تلك التي تنبع من الآخرين. فهم يخلقون شعوراً بالانتماء، لأن سلوكياتهم تسمح لأعضاء فريقهم بأن يعبروا عمّا يجيش في صدورهم وينصتون لمشاعرهم".
ويمتاز القادة الأذكياء عاطفياً بأنهم لا يختبئون خلف جدران تفصلهم عن مرؤوسيهم عندما يلجأ إليهم أحد مرؤوسيهم ليقصّ عليهم معاناته. كما يمكنهم ضبط انفعالاتهم وتقديم الدعم للآخرين لفعل الشيء نفسه.
وإليك 6 طرق تتيح لك إبداء الدعم عندما يبوح لك أحد موظفيك بموقف عاطفي أو تحدٍ تعرّض له:
الاعتراف بصحة تجربته
قد يكون الاعتراف بصحة التجارب المريرة في غاية البساطة، كأن تقول مثلاً: "أدرك أن هذه التجربة مضنية". فقد يشعر الإنسان بالوحدة، وحتى الانكسار، خاصة عند مواجهة تحديات تمسّ الصحة العقلية. ومن خلال الاعتراف بصحة تجربة مريرة تعرّض لها أحدهم، فأنت لا تقول فقط: "أعترف بمشاعرك"، بل تقول أيضاً: "أنا أصدقك"، ما قد يجلب الشعور بالارتياح خلال الأوقات الصعبة.
محاولة الفهم
امنح أعضاء فريقك الفرصة لتوضيح تفاصيل تجربتهم إذا أرادوا ذلك. فقد يكون حب الاستطلاع أمراً مؤثراً، كأن تقول مثلاً: "أخبرني المزيد عن ذلك". عندما نسعى إلى الفهم، فإننا نظهر للطرف الآخر أننا نهتم به ونريد دعمه ونريد معرفة المزيد حتى نتمكن من فعل المزيد.
توجيه الدعم العاطفي والمادي
عندما يتعرّض أحدهم لمعاناة من نوع ما، يمكنك أن تسأله: "ما أفضل طريقة يمكنني دعمك بها الآن؟" أو: "ما الإجراء الذي يمكن أن يفيدك في حالتك هذه؟". فقد يكون من الصعب على الإنسان في لحظة فوران العواطف أن يفكّر فيما قد يكون مفيداً له أو حتى يراه إذا لاح أمامه. وقد يساعده طرح هذا السؤال على تحديد ما يحتاج إليه وتوصيفه.
تقديم طريقة معينة للدعم
لا يعرف الناس أحياناً ما يحتاجون إليه، وقد يخشون طلبه أحياناً أخرى، أو قد يكونون غير متأكدين من الخيارات المتاحة أمامهم. ويمكنك في هذه الحالات أن تسألهم: "هل تعتقد أن هذا الحل مفيد لك؟". فتقديم طريقة معينة لدعمهم قد يسّهل عليهم قبول المساعدة".
عرض وجهة نظرك بدلاً من تقديم حلول معينة
إذا كنت قد مررت بتجربة مماثلة لتلك التي يمر بها أحد أعضاء فريقك، فلا تفترض أنك تفهم كل خبايا تجربته وأن ما نجح معك سينجح في حالته. فمعرفة أن شخصاً آخر مر بتجربة مماثلة يمكن أن يكون أمراً مريحاً، لكن كل شخص له ظروف مختلفة. وافتراض أنك تعرف الأصلح والأنفع قد يعكس استخفافك باحتياجات الطرف الآخر، ويركّز المحادثة عليك، ويمكن أن يُشعره بأنه غير مدعوم. وبدلاً من أن تقول: "لقد مررتُ بتجربة كهذه من قبل، وإليك ما يجب أن تفعله"، جرّب أن تقول: "هل سيكون من المفيد أن تعرف كيف خرجت من موقف مشابه؟".
الاعتراف بهم وتقديرهم
اشكر عضو فريقك على قدومه إليك. يمكنك أن تقول مثلاً: "أدرك أن هذه التجربة كانت صعبة. أنا هنا من أجلك. شكراً لك على ثقتك بي والبوح لي بهذه المعلومات". يشير هذا لك ولهم على حد سواء إلى أن مثل هذه المحادثات مهمة وتعزز الشعور بالأمان في المواقف المستقبلية.
الدعم العاطفي على أرض الواقع
غالباً ما نرغب كقادة، في مساعدة مرؤوسينا على تهدئة مخاوفهم وتخليصهم من أسباب الانزعاج. وإذا كنا صادقين مع أنفسنا، فهناك أوقات نريد فيها أيضاً التخلص من أسباب الانزعاج، ليس لأعضاء فريقنا فحسب، إنما لأنفسنا أيضاً. ليس من واجبنا أن نقدم الحلول الشافية، ولكننا مُطالَبون بتوفير بيئة آمنة تتيح لهم البوح بمشاعرهم وتقديم أي دعم يمكننا تقديمه. لا بأس إذا كنت لا تعرف ماذا تقول. فمجرد الاعتراف بذلك قد يكون ذا أثر قوي أيضاً في واقع الأمر.
في عام 2013، تم تشخيص إصابتي باضطراب الهلع، ما يعني أنني كنت أعاني نوبات هلع متكررة. وكنت لا أزال موظفة حديثة العهد بشركتي في ذلك الحين، وحاولت بشدة إخفاء هذا التحدي الجديد وتجفيف أي دموع قد تظهر آثارها في عيناي بسرعة قبل الاجتماعات. فما كان من الرئيسة التنفيذية لشؤون الموارد البشرية بشركتي إلا أن انتحت بي جانباً وسألتني عن أحوالي. وبعد أن بان عليها التردد لوهلة، سألتني: "اصدقيني القول، ما خطبك؟". وقفت على حافة بابها حتى أتمكن من الهروب إذا احتجت لذلك، ورحت أعض شفتي وقد انتابتني العصبية والحيرة فيما إذا كان من الأفضل أن أبوح لها بالحقيقة، لأفاجأ بدموعي تسيل على خدي. لقد استمعت لي واعترفت بحقي في الشعور بالرعب خشية البوح بهذا الأمر، وطمأنتني أن الشركة ستدعمني بكل السبل المتاحة. وأخيراً، شكرتني على بوحي لها بحقيقة مرضي. وهكذا أصبح العمل، وعلى خلاف ما كنت أتوقع، مكاناً أشعر فيه بالسعادة في وقت كان كل شيء يبدو فيه عبئاً ثقيلاً على قلبي.
وبينما نستمر في فصول جديدة من التعامل مع الجائحة والتمييز العنصري وحالة الانقسام وعدم اليقين، هل تريد أن تكون القائد الذي يزيد الأعباء ثقلاً أم الشخص الذي يسهم في إضفاء جو من السعادة؟ وقد يساعد تعلم كيفية إجراء المحادثات غير المريحة في ضمان قدرتك على إعداد أعضاء فريقك لتحقيق الازدهار.
*الأسماء ليست حقيقية.