تدافع آن كروزان، أستاذة اللغة الإنجليزية في جامعة ميشيغان والباحثة في مجال تطور اللغة، عن لغة الأعمال ومصطلحاتها الخاصة التي تثير حنق الكثيرين عند سماعها مثل التآزر (synergy) والقيمة المضافة (value-add) والانتقال إلى طور التشغيل (operationalize)، بل وتعطيها حقها. وبرأي كروزان أن المفردات والمصطلحات التي نستخدمها في عملنا لها تأثير كبير على مدى نجاح مؤسساتنا وكذلك علاقاتنا مع الآخرين في مكان العمل. وهي تقدم لنا بعض النصائح حول استخدام هذه اللغة الاصطلاحية بطريقة متعمدة أكثر، وتشرح لنا نشأة بعض المصطلحات المكروهة والأخرى المحببة، وتناقش كيف أصبحت اللغة الإنجليزية لغة عالم الأعمال بصورة عامة وكيف أن ذلك قد يتغير.
أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة مع كروزان في أحد برامجها الصوتية (بودكاست) وننقل لكم مقتطفات من هذه المقابلة:
كورت نيكيش: أهلاً بكم في المدونة الصوتية "إيتش بي آر آيديا كاست" التابعة لهارفارد بزنس ريفيو. أنا كورت نيكيش.
هل أنت ممن يرى أن استعمال مصطلحات مجال الأعمال بكثرة في الرسائل الإلكترونية يساعد الشركات على تحقيق النجاحات وإنجاز الصفقات مع الشركات الأخرى أم أنكم ممن يزعجهم استخدام لغة الأعمال الاصطلاحية؟ على أي حال، نرحب بكم معنا في هذه الحلقة.
سواء أعجبتكم لغة الأعمال ومصطلحاتها أم لم تعجبكم، فهي حقيقة واقعة. واليوم سنتحدث حول نشأة هذه المصطلحات الخاصة بالأعمال والقصد منها وما ينتج عنها من تبعات غير مقصودة.
وللحديث حول هذا الموضوع وحول كيف تطورت اللغة الإنجليزية لتغدو لغة عالم الأعمال بصورة عامة، نستضيف آن كروزان أستاذة اللغة الإنجليزية في جامعة ميشيغان ومؤلفة عدة كتب حول اللغة، آخرها كتاب "إصلاح اللغة الإنجليزية" (Fixing English).
شكراً لك يا آن على حضورك معنا.
آن كروزان: إنه لمن دواعي سروري.
كورت نيكيش: دعينا نبدأ من الأساسيات. عندما تسمعين مصطلح "لغة الأعمال"، ماذا يعني ذلك بالنسبة لك؟ أي بماذا تختلف لغة الأعمال عن سواها وكيف علينا أن ننظر إليها وبماذا تمتاز عن اللغة التي نستخدمها كل يوم؟
آن كروزان: عندما تقول لي لغة الأعمال، أول ما يتبادر إلى ذهني هو تعبير اللغة الاصطلاحية المبهمة، وأنا لا أستخدم هذا المصطلح هنا بالمعنى السلبي الذي يستخدمه الكثيرون. فبصفتي اختصاصية في مجال اللغة، أنظر إلى اللغة الاصطلاحية بوصفها المفردات وقاموس المصطلحات الخاصة بمهنة معينة أو هواية محددة. ونعلم أنه عندما تلتقي مجموعة من الناس وينخرطون في نشاط أو مشروع مشترك، فإنهم غالباً ما يخلقون مصطلحات خاصة بهم ويستخدمونها. فمن شأن هذا النوع من اللغة الخاصة أن يوفر لك اختصارات مفيدة، وأن يخلق إحساساً بالانتماء يميز أهل المهنة أو الهواية عن الغرباء. ولذلك التمييز بين الأهل والغرباء إيجابياته وسلبياته.
كورت نيكيش: هل الإحساس بالتمييز والاغتراب والإبعاد هو ما يجعلنا ننزعج من لغة الأعمال الاصطلاحية؟
آن كروزان: أعتقد أن مصادر الانزعاج من لغة الأعمال الاصطلاحية متعددة ومتنوعة. وبالتأكيد أحد تلك المصادر هو شعور الناس بالاغتراب وأنهم خارج إطار مجموعة معينة. ومن بين تلك المصادر أيضاً القلق، المحق أحياناً برأيي، من أن اللغة الاصطلاحية غالباً ما تكون ملطِّفة للإجراءات القاسية. فالناس يقلقون مثلاً عندما يسمعون تعبير "إعادة الهيكلة" الذي يعد من المصطلحات الخاصة بعالم الأعمال والذي يعني في الواقع "الاستغناء عن القوى العاملة" أي أنه مصطلح مهذب لتسريح العمال والموظفين.
فضلاً عن ذلك، يتذمر الكثيرون حيال الكلمات الجديدة أينما كان مصدرها، فأولئك الأشخاص يشتكون من المصطلحات الجديدة التي مصدرها ثقافة وسائل التواصل الاجتماعي أو تلك المنتشرة في ثقافة الأحياء الفقيرة المكتظة بالسكان، ويرون أن جيل الشباب يدمر اللغة ويخربها. لكن لطالما تذمر الناس على مدار مئات السنين من الكلمات الجديدة، وهذا على ما يبدو أحد الأنماط الأساسية لردود أفعالنا حيال تلك الكلمات الجديدة.
وبصراحة أعتقد أن الناس عندما يتذمرون من لغة الأعمال الاختصاصية، إنما يعبرون عن قلق أكبر مرتبط بدور قطاع الأعمال في حياة الناس عموماً. وأظن أن الناس عندما يقلقون من تسرب مصطلحات لغة الأعمال إلى حياتهم اليومية وانتشارها السريع، فإنهم يعبرون بشكل أو بآخر عن قلقهم من أن تأثير عالم الأعمال في حياتهم قد تجاوز الحدود الطبيعية المقبولة.
كورت نيكيش: تبدو جميع هذه المصادر والأسباب منطقية ومثيرة للاهتمام. ولكنني أتساءل عما إذا كان هنالك خطأ ما في ثقافة عالم الأعمال يدفع باتجاه المبالغة في استخدام المصطلحات الخاصة به. فمن حيث المبدأ يعترف الناس بأهمية استخدام تلك المصطلحات وفائدتها إلى درجة ما؛ ولكن عندما يبَالغ في استخدامها في جميع الأوقات حتى عندما لا تقتضي الحاجة لذلك، فإنها تغدو نوعاً من ثقافة الشللية والتجمعات الخاصة المنغلقة التي تصهر بعض الناس في بوتقة واحدة.
آن كروزان: تماماً. ولقد شهدت ذلك عندما كنت أبحث عن المصطلحات الخاصة بعالم الأعمال على شبكة الإنترنت، حيث وجدت أشياء من قبيل "11 مصطلحاً خاصاً تجعلك تبدو غبياً". ولكن لا أظن أن ذلك بالفعل ما يقصده الناس، بل أرى أنهم يستخدمون مفردة غبي كطريقة للتعبير عن الامتعاض.
وأظن أنك محق في أن لغة الأعمال وثقافة عالم الأعمال هي مكان يحدث فيه تجديد للغة وإدخال مفردات ومصطلحات جديدة إليها. وهنالك أسباب كثيرة لذلك، بما فيها الميل إلى الابتكار واختراع العلامات التجارية المسجلة. في الحقيقة، لسنا بحاجة إلى كل هذه المترادفات التي نمتلكها في اللغة الإنجليزية؛ ومع ذلك فمن الواضح أن جميع تلك المترادفات تخدمنا وتلبي حاجاتنا بطريقة أو بأخرى.
شخصياً لا تعجبني مفردة "مؤثّر" (impactful)، التي يصنفها غالبية الناس ضمن المصطلحات الخاصة بعالم الأعمال. إنني لا أحبها. وبوصفي مختصة في علم اللغة أعترف أن ما من سبب منطقي ومقبول يبرر كرهي لهذه المفردة. إنها مصطلح مصاغ بشكل جيد ومشابه لكثير من المفردات الجميلة الأخرى مثل "مأمول" و"مُبهج" و"مُدرَك"، وليس فيها أي خطأ. ولكن لسبب ما لا أحبها، ولكنني سأتأقلم معها. وفي الواقع كنت في أحد الأيام أتحدث عن أمر ما قائلة: "إن هذا التغيير سيكون ..." وأدركت أنني كنت على وشك القول "مؤثراً جداً"، لكنني تمالكت نفسي.
كورت نيكيش: وماذا قلت؟
آن كروزان: صمتّ لبرهة ثم قلت: "ذا دلالة". لكنني قلت لنفسي: لا شك أن مفردة "مؤثر" أيضاً ستدخل إلى قاموس مصطلحاتي عاجلاً أم آجلاً. وهكذا من المفيد النظر إلى الأمر من هذا المنظار وإدراك أن بعض هذه المصطلحات سيبدو عادياً مع مرور الزمن ولن يُنظر إليه بوصفه ضرباً من المصطلحات الخاصة أو الغامضة. أما البعض الآخر فسيندثر في لحظة ما. وهذا يحدث أيضاً للمصطلحات الجديدة.
كورت نيكيش: تعرفين عموماً أن اللغة من المنظور الاقتصادي البحت تختزن قدراً كبيراً من القيمة، وبالتأكيد ينطبق ذلك على لغة عالم الأعمال أيضاً. وعندما تكونين في مكان العمل فإنك ترغبين في فهم المصطلحات الخاصة به، لا أن تنظري إليها نظرة سلبية بوصفها أموراً سيئة يتعين عليك تجنبها لأنها تجعلك تبدين سخيفة أو مضحكة، وذلك لأنها تختزن قيمة يجدر بك ألا تخسريها.
ومن جهة أخرى، قد لا يرغب المدراء بوجود تلك الحواجز الناجمة عن المصطلحات الاختصاصية في مكان العمل. فهنالك قدر كبير من القيمة يمكن أن يتحقق بتخفيف تلك الحواجز أو زوالها من خلال استخدام لغة أبسط وأوضح وأعم وتناسب الجميع بحيث يستطيع الناس العمل معاً بشكل أفضل.
آن كروزان: أظن أن هنالك عدداً من النقاط المهمة التي تشير إليها، أولها أنك عندما تدخل إلى مكان عمل جديد فإنك تحتاج بكل تأكيد إلى أن تتعلم المصطلحات الخاصة به، كما تحتاج أيضاً لتعلم طريقة استخدام اللغة في مكان العمل هذا، منها تعابير التعامل المؤدب واللطيف، ودرجة الرسمية في لغة التعامل المكتوبة والمحكية، وطريقة إرسال الرسائل الإلكترونية، وما إذا كان الموظفون يتواصلون مع بعضهم عن طريق الرسائل النصية.
فكل تلك الأمور تكون مختلفة في مكان العمل الجديد، وسيتعين علينا تعلمها ونحن نتحدث ونتراسل إلى جانب تعلم المصطلحات الخاصة بمكان العمل. ولذلك أرغب في التأكيد على أن ذلك سيكون قيد الرصد والمراقبة.
أما النقطة الثانية التي تشير إليها والتي أجدها نقطة حساسة أيضاً، فهي مسألة الجمهور المتلقي واللغة التي يجدونها مألوفة وتلك التي يجدونها غريبة، وربما على نفس القدر من الأهمية، اللغة التي يجدونها مقززة ومنفّرة.
كورت نيكيش: نعم.
آن كروزان: وأظن أنه ليس هنالك جواب موحد عن السؤال حول كيفية استخدام هذه اللغة في كل حالة محددة. لكن ما يتعين على المتحدثين والكتاب المهرة أخذه بالحسبان دائماً هو طبيعة الجمهور المتلقي وتطلعاته واللغة التي من شأنها أن تقنعه وتلك التي تشعره بالثقة والأمان وتلك التي يفهمها بشكل مباشر.
ويمكنك أن تتخيل استخدام مصطلحات مختلفة في مكان العمل تبعاً لنوع الحديث والتواصل؛ أهو حديث داخلي، أم تواصل مع أشخاص من خارج الدائرة المغلقة. ثم عليك أن تفكر فيما يمكن أن يرتبط بتلك المصطلحات في ذهن المستمع، وبالتالي أن تقرر ما إذا كنت ترغب باستخدام مصطلحات معينة أم لا.
كورت نيكيش: وإذا كان بوسعك كمدير أو موظف اتصالات في مكان العمل أن تجعل كل ذلك أقرب إلى ذهن وقلب المستمع، من البديهي أن يكون على رأس أولوياتك القيام بما هو إيجابي ولطيف بالنسبة للآخرين والابتعاد عن المصطلحات الغامضة والمنفرة.
آن كروزان: وأظن أن علينا الانتباه هنا إلى أمر في غاية الأهمية – وبخاصة بالنسبة للأشخاص الذين يعملون في بيئات دولية أوسع – وهو أن بعض الاستعارات والكنايات والعبارات الاصطلاحية التي نجدها بديهية بالنسبة للمتحدثين باللهجة الإنجليزية الأميركية قد لا تكون مفهومة بالنسبة للمتحدثين بلهجات أخرى من الإنجليزية أو بالنسبة لمن لم ينشأوا في الثقافة الأميركية. ومن الأمثلة التي تخطر لي الآن الاستعارات والكنايات الخاصة بأنواع الأنشطة الرياضية.
كورت نيكيش: نعم، هذا صحيح.
آن كروزان: ومن المتوقع أن تدخل هذه المصطلحات إلى لغة الأعمال ولن تكون مفهومة بالنسبة لمن لم ينشأوا في بيئة لعبة البيسبول على سبيل المثال.
كورت نيكيش: نعم، أعرف أن مصطلح "ملامسة القاعدة" (touch base) الذي يعني الاتصال والتنسيق يغيظ البريطانيين إلى حد الجنون عندما يعملون في بيئات عمل تسيطر عليها الثقافة الأميركية، لأنه مصطلح واسع الانتشار في الثقافة الأميركية بيد أنهم يفهمونه بشكل خاطئ لأنهم لا يعرفون بالضبط ما الذي تتم ملامسته ولذلك يبدو الأمر غريباً ومستهجناً.
آن كروزان: هذا صحيح، وأظن أن الكثيرين ممن يتحدثون اللهجة الأميركية لا يدركون أن مصطلح "ملامسة القاعدة" نابع أصلاً من لعبة البيسبول.
كورت نيكيش: هذا صحيح. إننا نعلم فقط ما يعنيه هذا المصطلح.
آن كروزان: نعم إنه يعني الاتصال والتنسيق مع شخص ما.
كورت نيكيش: لننتقل الآن إلى مصطلح "خارج الصندوق" (outside the box) الذي يبدو وكأنه نابع أصلاً من حقل الرياضة، لكنني لا أعلم حقاً منشأه الصحيح.
آن كروزان: عادة ما يستخدم هذا المصطلح مترافقاً مع مفردة "التفكير"، بحيث "نفكر خارج الصندوق". وتعود نشأة هذا المصطلح إلى ثمانينيات القرن الماضي، وكثيراً ما يُستخدم في عالم الأعمال، وعلى ما يبدو فإن أصله يعود إلى "اختبار النقاط التسع" (nine dot test). ولشرح هذا الاختبار تصور تسع نقاط منسقة في ثلاثة أعمدة وثلاثة صفوف، ويتمثل التحدي في وصل النقاط التسع بمساعدة أربعة خطوط مستقيمة متصلة فقط. وإذا ما حاولت على سبيل المثال رسم أربعة خطوط في محيط هذا الترتيب فإنك ستبقي النقطة في الوسط غير موصولة. والطريقة الوحيدة لوصل جميع النقاط التسع بمساعدة أربعة خطوط مستقيمة متصلة هي جعل تلك الخطوط تستطيل إلى خارج الصندوق.
كورت نيكيش: كم هو مدهش!
آن كروزان: وأظن من هنا جاء مصدر هذا المصطلح – فليس المطلوب هو مجرد مد الخطوط إلى خارج الصندوق، بل أيضاً التفكير خارج بنية الصندوق المحددة من أجل حل هذه المعضلة.
كورت نيكيش: أعجبني هذا الأمر!
آن كروزان: أعلم ذلك. وحسب قاموس أوكسفورد للغة الإنجليزية يعود أصل مصطلح "التفكير خارج الصندوق" إلى العام 1971، ولكنه لم ينتشر بشكل واسع إلا في الثمانينيات، حيث بدأنا جميعاً نفكر خارج الصندوق. ولعلنا نفكر خارج الصندوق أكثر مما نفكر داخله. ويمكننا القول إننا نادراً ما نفكر داخل الصندوق.
كورت نيكيش: هذا صحيح، إلا إذا كنا جالسين في حجيرات صغيرة.
آن كروزان: صحيح.
كورت نيكيش: هذا مثير للاهتمام. أعرف أن هذا هو أحد المصطلحات التي تستخدم بصورة مبالغ فيها أو التي باتت منتشرة إلى حد أنها قد تكون فقدت معناها. فإذا كنا جميعاً خارج الصندوق، يتعين على المرء أن يكون خارج خارج الصندوق لكي يكون حقاً خارج الصندوق.
آن كروزان: هذا صحيح تماماً. وأظن أن هذا الأمر ينسحب على اللغة بشكل عام، وهو أن الكلمات تفقد معناها مع مرور الزمن. ولدينا أمثلة متعددة وكثيرة حول هذه الفكرة.
كورت نيكيش: إحدى الكلمات التي تتبادر إلى ذهني الآن مفردة "تآزر". فهي من حيث المبدأ كلمة قوية وتعكس مفهوماً قوياً جداً، لكننا نسمعها بكثرة من عدد كبير من الرؤساء التنفيذيين لشركات فاشلة، حتى بتنا نمتعض من سماعها، مع أنها فكرة قوية ومعبرة جداً.
آن كروزان: عندما بحثت في تاريخ مفردة "تآزر" وجدته مدهشاً ومثيراً للاهتمام. منشأ هذه المفردة في الأصل من علم الدين. وعندما دخلت في قاموس اللغة الإنجليزية في القرن السابع عشر كانت تدل على تضافر إرادة الإنسان مع النعمة الإلهية.
كورت نيكيش: يا له من أمر مدهش حقاً.
آن كروزان: نعم هذا هو منشأها. ثم باتت في القرن التاسع عشر تشير في مجال علم وظائف الأعضاء إلى تنسيق الأفعال فيما بين عضلات الجسم وأجهزته، بحيث أن العضلات تتآزر لإتمام الحركة. ومن ثم شهدناها في علم الصيدلة. وبتعبير آخر فإن مفردة "تآزر" مثلت اصطلاحاً خاصاً في العديد من العلوم والمجالات المختلفة عبر تاريخها. وفي خمسينيات القرن الماضي باتت هذه المفردة تدل على أي نوع من التفاعل والتعاون والتعاضد الدينامي بين الناس بما يقويهم ويمكّنهم ويعزّز ربحهم بصورة متبادلة. وهكذا أصبحنا نشهد أمثلة عدة على استخدام هذه الكلمة في عالم الأعمال.
هنالك مقالة مدهشة في مجلة "ذي أتلانتيك" للكاتبة "إما غرين" حول اللغة الاصطلاحية في عالم الأعمال، تتتبع فيها كيف أن بعض هذه المصطلحات – ومنها مصطلح "تآزر" – دلت على فلسفات مختلفة مع تطور الأعمال والشركات وأمكنة العمل، ووجدت أن مصطلح "تآزر" يمكن النظر إليه بوصفه جزءاً من تحول حدث داخل نموذج ثقافة المؤسسات من الاهتمام بالفاعلية والإنتاجية إلى الاهتمام بالإمكانات البشرية وبالتآزرات الممكنة لخلق تلك الإمكانات في المؤسسات.
كورت نيكيش: هنالك بعض المصطلحات الأخرى التي أريد أن أسألك عنها بسرعة وهي "الثمار الدانية" (low-hanging fruit)، حيث يتحدث الناس عن "الأرباح السريعة" (quick wins). كما أريد أن أسألك عن مصطلح "تحريك الإبرة" (move the needle). ولكن فلنبدأ بالثمار الدانية والأرباح السريعة. فما الذي يتبادر إلى ذهنك عندما تسمعين هذين المصطلحين؟
آن كروزان: حسناً، أرى أن "الثمار الدانية" تمثل كناية رائعة. وبالمثل يمكن النظر إلى مصطلح تحريك الإبرة. وفي حين أن غالبية الناس يتذمرون دائماً من المصطلحات الخاصة بالأعمال، لا بد لي من النظر بإعجاب شديد إلى بعض الاستعارات الجميلة المستخدمة في لغة الأعمال. وأرى أن مصطلح الثمار الدانية يمثل طريقة رائعة جداً للتعبير عن أن أمراً ما هو في متناول اليد ويمكن الحصول عليه بسرعة – أي أنه بعبارة أخرى "ربح سريع".
كورت نيكيش: نعم إنها كناية بيانية. أليس كذلك؟ إنها صورة بلاغية معبرة وقوية.
آن كروزان: نعم قوية جداً. ولذلك فإنني لا أرغب في خسارة هذه الاصطلاحات القيمة فقط لأن الناس يتذمرون من لغة الأعمال المتخصصة، حيث إنّ مصطلح الثمار الدانية على لائحة المصطلحات التي يرغب البعض في التخلص منها. ولكن من وجهة نظري ليس هنالك من خطأ في استخدام مثل هذه الكنايات والاستعارات المعبرة التي يمكن تصورها وتذكّرها كما أسلفت أنت. وقد يكون استخدام مثل تلك العبارات ممتعاً ومسلياً. وأعتقد أنه من المسموح لنا الابتكار واللعب باللغة، حيث إنّ من بين الأشياء التي تجعلنا بشراً أننا نحب أن نبتكر ونلعب باللغة.
وبحسب قاموس أوكسفورد للغة الإنجليزية يعود أصل مصطلح "الثمار الدانية" إلى العام 1972، حيث استُخدم لأول مرة في مجال التصنيع. وبحلول العام 1981 سُجّل استخدامه من قبل مجلة فورتشن التي ذكرت أن شركة "إنتل" بدأت بما وصفه "نيفين" "بالثمار الدانية"".
وقد وضع القاموس عبارة الثمار الدانية بين علامتي اقتباس في مؤشر واضح على أن هذا المصطلح كان جديداً نسبياً. وحسبما جاء في القاموس أن الثمار الدانية بالنسبة لـ "نيفين" هي الأقسام ذات الأنشطة الروتينية والحسابات القابلة للدفع وسجلات الموظفين التي يسهل ترشيقها. وبهذا المعنى انتشر استخدام هذا المصطلح على نطاق واسع في تسعينيات القرن الماضي. وفي تلك الفترة انتشر أيضاً استخدام مصطلح "الأرباح السريعة" الذي يمثل كناية نابعة أصلاً من ميدان الرياضة.
كورت نيكيش: حسناً، لقد كانت شركة إنتل ذات نفوذ كبير لمدة طويلة من الزمن ولأسباب كثيرة، ولكنني لم أكن أعلم أنها هي التي أدت إلى انتشار مصطلح الثمار الدانية الذي كان مصدره أساساً قطاع التصنيع. ولكنني مندهش مما تقولين.
آن كروزان: نعم، وعلينا ألا ننسى أن قاموس أوكسفورد يستمد اقتباساته مما يقع في متناوله من مواد. وربما يكون ذلك من قبيل المصادفة.
كورت نيكيش: ولكن من دون تلك المقالة في فورتشن، ما كان بوسعنا أن نعرف ما يمكن أن يحصل.
آن كروزان: هذا صحيح. كما أن "تحريك الإبرة" هي عبارة عن كناية أخرى، وهنا يمكننا تصور مقياس سرعة أو مقياس ضجيج لاكتشاف الأحداث ذات الأثر الكبير. فإذا أدى حدث ما إلى ضجيج كثير، فإنك سترى الإبرة تتحرك بشكل كبير. وإذا دست على دواسة البنزين وتسارعت سيارتك فإنك ستلحظ حينئذ إبرة مقياس السرعة تتحرك. وهكذا يمثل مصطلح "تحريك الإبرة" كناية عن القول إن ما تقوم به هو أمر مؤثر وله نتائج كبيرة وواضحة للعيان.
وعلى العموم هذه هي حال المصطلحات، حيث يحاجج البعض بأنها غير منطقية وبأن معناها غير مستمد من مكوناتها؛ فأجيب بأن تشكيل المصطلحات لا يجب بالضرورة أن يكون منطقياً. فالمصطلحات تعني ما تعنيه اصطلاحاً من دون الرجوع إلى المعنى الحرفي لمكوناتها. فإذا كان مصطلح "تحريك الإبرة" يعني أن يكون لأمر ما تأثير ملحوظ، فإن هذا هو معناه حتى لو لم يعرف الناس ما هي تلك الإبرة التي تتحرك والتي نتحدث عنها.
والآن سوف أذكر لك أحد أمثلتي المفضلة لأنه مصطلح قد تغير معناه بشكل جذري مع مرور الزمن، وهو مصطلح "أن يرفع المرء نفسه بشريط حذائه" (pull oneself up by one’s bootstraps).
كورت نيكيش: نعم وهو مصطلح يبدأ بالانتشار على نطاق واسع في هذه الأيام أيضاً.
آن كروزان: حسناً، دعني أخبرك أولاً عن منشأ هذا المصطلح. ظهر أولاً في اللهجة الأميركية الإنجليزية في منتصف القرن التاسع عشر وعندما استخدم أول مرة كان يعني محاولة فعل المستحيل. ففي الواقع إذا كان لحذائك رباط أو شريط صغير على الجهة الخلفية منه وحاولت أن ترفع نفسك عن الأرض بوساطة ذلك الشريط، فإن ذلك غير ممكن.
كورت نيكيش: هذا صحيح.
آن كروزان: لا تستطيع فعل ذلك. وإذا ما قرأت تلك الاقتباسات المبكرة في منتصف القرن التاسع عشر، ستجد فيها أنك عندما تحاول أن "ترفع نفسك بشريط حذائك" فكأنك تضع نفسك في عربة يد وتحاول أن تتحرك بقدرتك الذاتية؛ فعبثاً تحاول ذلك لأنه محال.
كورت نيكيش: هذا ممتع. ولكننا بتنا اليوم نفهم من هذا المصطلح أمراً إيجابياً جداً.
آن كروزان: هذا صحيح. لقد بات هذا المصطلح يعني أن ينجح المرء من دون مساعدة خارجية، أي أن ينجح بجهوده الذاتية. ولم نعد نهتم بحقيقة أنه من المستحيل أن يرفع المرء نفسه من شريط حذائه ولم نعد نعيرها أي اعتبار. فهذا المصطلح بات يعني أن ينجح المرء بقواه الذاتية ومن دون مساعدة الآخرين، ونقطة على السطر.
كورت نيكيش: لقد اكتشفت يا "آن" للتو سبب فشل ذلك العدد الكبير من الشركات الناشئة. والآن أريد أن أسألك حول اللغة الإنجليزية بوصفها لغة عالم الأعمال بشكل عام وحول وجهتها المستقبلية. وإنني لأدرك جيداً أن استشراف مستقبل اللغة أصعب بكثير من فك شيفرة تاريخها. وهل سبب سيادة اللغة الإنجليزية بوصفها لغة الأعمال في العالم بالنسبة لكثير من الشعوب، هو نفس السبب الذي جعلها اللغة العالمية الأولى والأكثر انتشاراً؟
آن كروزان: نعم. أعتقد أنه يتعين علينا أن ندرك أن تطور اللغات لتغدو لغات عالمية قوية لا يأتي نتيجة لأسباب لغوية بحتة. ولا علاقة للأمر ببنية اللغة الإنجليزية وبخصائصها الذاتية؛ بل إنه مرتبط بعوامل القوة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ومن المنطقي أن يتعلم الناس اللغة التي تمنحهم فرصة امتلاك عوامل القوة تلك. وفي الوقت الراهن فإن تلك اللغة هي الإنجليزية، وتحديداً اللهجتان الأميركية والبريطانية وهنالك نوع من التنافس بين هاتين اللهجتين عبر الزمن.
كورت نيكيش: سبق لي أن درّست اللغة الإنجليزية في كلية لإدارة الأعمال بالنمسا. وقد شعرت بذلك التنافس بشكل قوي جداً.
آن كروزان: وكانت لي تجربة مشابهة. فلقد درّست اللغة الإنجليزية لعدة سنوات في وسط الصين، وكان طلابي قد تعلموا سابقاً اللهجة البريطانية، وكانوا تواقين جداً لتعلم اللهجة الأميركية لأنها كانت تمثل قيمة ثقافية خاصة بالنسبة لهم.
كورت نيكيش: نعم.
آن كروزان: نعم، والآن أرغب في الرجوع إلى التاريخ. فلا بد لي من فعل ذلك بما أنني متخصصة بتاريخ اللغة الإنجليزية. لو كنت قلت قبل 500 عام أي في القرن السادس عشر إن اللغة الإنكليزية ستغدو لغة عالمية، لكنت عرضت نفسك لضحك واستهزاء الآخرين. فلقد كان يُنظر إلى اللغة الإنجليزية بوصفها لغة قاسية وبربرية بالمقارنة مع اللغة الفرنسية أو اللاتينية، يتم التحدث بها في هذه الجزيرة البعيدة عن سواحل أوروبا. هذا ما كانت عليه اللغة الإنجليزية في ذلك الوقت.
لكنها انتشرت بعد ذلك، طبعاً من خلال الإمبريالية والاستعمار وغيرهما من أشكال التوسع، كما عزز انتشارها وجود هذه الدول القوية بما فيها الولايات المتحدة التي تسود فيها اللغة الإنجليزية. وهكذا وصلت هذه اللغة إلى هذا الانتشار الواسع الذي أصبحت معه اللغة العالمية الأولى على الساحة الدولية. لكنني لا أستطيع أن أجزم بما سيحدث في المستقبل، لأنه ليس بمقدوري معرفة ذلك. لكن ما أعرفه هو أن ذلك سيعتمد كثيراً على التحولات في توزع القوة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وبمقدورك تخيل سيناريوهات متعددة ومختلفة لتطور الأمور، وقد يكون أحدها صعود لهجات متنوعة ومختلفة من اللغة الإنكليزية لتحتل مكانة أعلى.
فهنالك طيف واسع ومتنوع من اللهجات الإنجليزية في بلدان تتحدث لغات أخرى غير الإنجليزية أيضاً، الأمر الذي يؤدي إلى تغير اللغة الإنجليزية في تلك البلدان. وهكذا يمكننا أن نتصور اختلاف حظوظ ومستقبل ودرجة أهمية اللهجات الإنجليزية مع مرور الزمن. كما إنني لا يمكن أن أنفي احتمال أن تغدو لغات أخرى غير الإنجليزية كالصينية أو العربية لغات عالمية.
وأرى أن الحياة طويلة وتسمح بحصول أشياء لا نتوقعها اليوم. ففي الماضي لم يكن الناس يتوقعون أن تغدو اللغة الإنجليزية لغة عالمية. ولذلك أجد من الواجب توخي الحذر الشديد في إطلاق التوقعات والأحكام، حيث إن ما يحدد اللغة التي ستغدو عالمية هو ما يرتبط بها من عوامل قوة ورؤوس أموال تجذب الناس لكي يتعلموا تلك اللغة.
كورت نيكيش: ما يدهشني بخصوص اللغة الإنجليزية هو أن غالبية المتحدثين بها حول العالم لم يتعلموها بوصفها لغتهم الأم، بل تعلموها إلى جانب لغتهم الأم. وأظن أن هذا يحدث للمرة الأولى في تاريخ العالم. أليس كذلك؟ أليست هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها أن عدد المتكلمين بلغة ما ليست لغتهم الأم أكبر من عدد المتكلمين بها بوصفها لغتهم الأم؟
آن كروزان: هذا صحيح تماماً، وأظن أن جزءاً مهماً من مستقبل اللغة الإنجليزية سيتحدد من خلال حقيقة أن الغالبية العظمى من المتحدثين بها يتكلمون إلى جانبها لغة أخرى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع لغات أيضاً وأن الإنجليزية ليست لغتهم الأولى.
كورت نيكيش: ما رأيك بتلك الجهود الهادفة إلى الوصول إلى شكل قياسي وبسيط من اللغة الإنجليزية ليطرح بالتداول حول العالم؟ وأنت تعرفين أن العديد من الناس يضربون مثل سنغافورة والهند من بين البلدان التي تستخدم نسخة إنجليزية مبسطة كلغة تواصل مشتركة في صفقاتها التجارية. كما أود أن أشير إلى أحد المدراء التنفيذيين السابقين في شركة آي بي إم، الذي طرح ما أسماه لغة "غلوبيش" العالمية، حيث تقوم وجهة نظره على أنكِ تستطيعين إبرام غالبية الصفقات وإنجاز غالبية الأعمال باستخدام مخزون صغير من المفردات الأساسية في اللغة الإنجليزية. لدي فضول كبير لأعرف رأيك بهذا الطرح، وبخاصة مع توفر التكنولوجيا القادرة على ترجمة ذلك في أيامنا هذه. كيف تنظرين إلى تلك الجهود الهادفة إلى تشكيل لغة أعمال أكثر سهولة وانتشاراً وعالمية؟
آن كروزان: من المؤكد أنه بالإمكان إنتاج نسخ مبسطة من اللغة خاصة بالأغراض التجارية يمكن أن تحقق أهدافاً محددة. وحينئذ سيكون استخدام تلك النسخ من اللغة محصوراً بالأغراض التجارية. بيد أنني أعتقد أن الجهود الهادفة لإنتاج نسخة من أي لغة، ونحن نتحدث الآن عن الإنجليزية، لكي يتحدث بها العالم أجمع، لن تكلل بالنجاح لأنه من الصعب جداً السيطرة على المتكلمين بتلك اللغة ولو تخيلناها موجودة.
وكما ذكرت سابقاً، فإن من سماتنا الأساسية كمتكلمين هو أن نكون خلاقين ومبدعين في تعاملنا مع اللغة. وإذا ما جمعت جميع الناس في لحظة ما وأعطيتهم نفس اللغة ومن ثم بعثرتهم في أنحاء الأرض فإنهم سيستخدمون تلك اللغة بطريقة إبداعية، كل في مكانه، الأمر الذي سيؤدي إلى تغير تلك اللغة الأولية بطرق وأشكال مختلفة وستكون النتيجة لغات متعددة ومختلفة. هذا لا يعني طبعاً تعذر الوصول إلى نسخ مشتركة وأساليب ناجعة في الاتفاق على لغة تجارية مبسطة يمكن اعتمادها في الصفقات حول العالم. بيد أن اللغة بحد ذاتها التي سيستخدمها الناس للتواصل فيما بينهم في حياتهم اليومية ستكون خاصة ومختلفة في كل زاوية من زوايا الأرض. فذلك من السمات الأساسية للغات الحية التي تتغير باستمرار. إنها سمة أساسية من سمات اللغات البشرية. يمكنني طبعاً أن أتخيل إنتاج نظم تواصل عابرة للثقافات المختلفة، وهذا ممكن جداً. لكن تلك النظم لن تتحول إلى لغات حية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، بل ستبقى مجرد نظم تواصل لأغراض تجارية بحتة.
كورت نيكيش: شكراً لك يا آن على قدومك إلى "إيتش بي آر آيديا كاست". لقد عالجتِ الموضوع بشكل شامل.
آن كروزان: أنا سعيدة جداً لأنك منحتني فرصة المشاركة. شكراً على الدعوة.
كورت نيكيش: هذه آن كروزان أستاذة اللغة الإنجليزية في جامعة ميشيغان، وآخر مؤلفاتها كان كتاب "إصلاح اللغة الإنجليزية" (Fixing English).