إليكم هذه القصة التي تتحدث عن تدمير المستقبل المهني لأحد الموظفين. أمضى زهير سنوات في العمل مع مدير داعم ومشجِّع في شركة تقنية كبيرة مقرها في وادي السيليكون. لقد كان مديره يحبه كثيراً، يمنحه أعلى تقييمات الأداء، وأتاح له هامشاً للعمل والإبداع، ولم يحاول يوماً التحكم به. لقد كان، بحسب زهير، لطيفاً جداً على الدوام. هذه صورة المدير المثالي، أليس كذلك؟ للأسف، لا.
لقد أمضى مديره في الشركة 25 عاماً تعلم خلالها كيفية النجاة من البيروقراطية: لا تُثِر الكثير من الضجة، ولا تسبب المشاكل. لقد أتقن لعبة السياسة بما يكفيه للبقاء في عمله، لكن ليس بما يكفي لتقوية سمعته. فقد بدأ نفوذه السياسي يتضاءل تدريجياً. وبالنتيجة، تقلص حجم فريقه إلى جزء أقل مما كان عليه في السابق.
اقرأ أيضاً: هل نزاهة مديرك تضطرك للتضحية بجزء من نزاهتك؟
وقد امتد تأثير سمعته النازفة إلى أعضاء فريقه، وهو الأمر الذي كان له تأثير كبير على المسار المهني لزهير: فاتته الترقية 3 مرات بعد أن كان قد وُعد بها. ليست المشكلة فيما كان يفعله المدير، بل سببها ما لم يكن يفعله.
تدمير المستقبل المهني بسبب المدراء
على مدى اثني عشر شهراً، جمعت بيانات من ألف مدير عن تجاربهم في أكثر من 100 شركة منها "آبل"، و"سيسكو"، و"هيوليت-باكارد" (آتش بي)، و"آي بي إم"، و"إنتل"، و"مايكروسوفت"، و"سيمانتك". أردت أن أفهم الظروف التي كان الأشخاص يؤدون في ظلها أفضل عمل في مساراتهم المهنية. كنت أتوقع رؤية أمثلة تُظهر مبالغة من المدراء في الإدارة والسيطرة والاستبداد. وبالفعل أكد نصف المشاركين فرضياتي هذه، أما النصف الآخر، فقد فاجأني: لقد تحدثوا عن مدراء لطفاء لكن ضعفاء في الإدارة.
قضيت مرة يومين أدير جلسة عن الاستراتيجية مع واحد من هذا النوع من التنفيذيين. كان يتحدث بهدوء ورقة، ولم يقاطع أحداً يوماً. كان يلقي بكلمات لطيفة إلى الجميع عند دخوله إلى الاجتماعات. في كل مرة يصاب فريقه بـ "الإحباط الإيجابي" الذي يمكن أن يدفعه لإجراء التغيير المطلوب والانتقال إلى مستوى أفضل كان يقف ويقول بلطف "أردت فقط أن أذكركم جميعاً بمدى التقدم الذي حققناه". بضع جمل إضافية بعدها كانت كفيلة بإطفاء شعلة الطموح في الغرفة. كان يشير بطريقة غير مباشرة إلى أن الوضع الحالي جيد بما يكفي. لا حاجة إلى الاجتهاد أكثر أو إلى تغيير مسار الأمور.
مدير تنفيذي آخر عملت معه كان لديه قدرة أشبه بالسحر على إبطال رغبة الناس في الحراك. كان يبدو وكأنه يقول: "ليست هذه أشياء عليكم أن تهتموا بتغييرها". كنت ترى الناس يركلون ويشتمون قبل دخوله الغرفة، لكنهم بعد دخوله بقليل يبدؤون بالتساؤل عما كان سبب إحباطهم. إنها خطة جيدة لحل المشاكل مؤقتاً بكل تأكيد لكن نتيجتها تقييد المسار المهني لكل عضو في الفريق. فقد كان كل فرد في الفريق موسوماً بأنه ذو مستوى متوسط، وبالتالي تم التخلي عنهم جميعاً في إعادة الهيكلة التالية.
اقرأ أيضاً: الشعور بمشاعر مختلطة تجاه مديرك يؤثر سلباً على أدائك
يمكن لهؤلاء المدراء البقاء في مناصبهم دون أن يلاحظهم أحد لعقود. فالمدراء المتسلطون يصرخون طوال الوقت ويلاحظهم الجميع: يتسببون بألم كبير فيشتكي الناس ويلفتون الأنظار. بالمقابل، فإن الألم الذي يتسبب به هؤلاء المدراء "المثبطون" هادئ مزمن. يستفحل الألم رويداً رويداً وببطء. فترى الموظف يقول دائماً: "الموضوع ليس بهذا السوء، فهو لا يزال شخصاً لطيفاً في نهاية المطاف". لكن تأثيره المتراكم على مسارك المهني قد يكون مدمراً.
إنها مشكلة مختفية في وضح النهار. لطالما كانت هذه المشكلة مموّهة عن غير قصد من قِبل مفكري القيادة (وأنا منهم) الذي كانوا يؤنِّبون الإفراط في الإدارة ولا يؤنبون التقليل منها. هذا ما فعله معظم أدب القيادة على مدى 25 عاماً. وما الذي يحدث عندما يقرأ مدير لا يمارس إلا قليلاً من الإدارة مقالاً أو كتاباً أو يحضر تدريباً من هذا النوع؟ سوف يشجعه هذا على الاستمرار في نهج عدم التدخل والبعد عن التحكم. وقد يحدّثون أنفسهم "نعم، صحيح أنا لا أحب أن أكتم على أنفاس من يعملون معي أو أتحكم بهم". هو يتحدث عن التمكين والتأهيل، بينما كل ما يفعله هو التسبب في انحدار تدريجي للمسارات المهنية لمن يعملون معه.
اقرأ أيضاً: كيف ينأى المدير بنفسه عن ثرثرات العمل؟
في حالة زهير التي كان فيها عرضة لموضوع تدمير المستقبل المهني الخاص به، كانت مجرد معرفة المشكلة سبيله إلى النجاة. فبدأ يتحرك حالما لاحظ مدى خطورة الوضع. قابل شخصاً يستشيره دوماً، وزار بعض معارفه. وفي غضون أسابيع قليلة قام بخطوة جانبية للابتعاد عن مديره اللطيف. بعد سنة من ذلك أصبح في مكانة جيدة في شركة أفضل وفُتحت الكثير من الأبواب أمامه. لقد كان مجرد التحلي بالوعي للمشكلة كافياً له. ففي نهاية الأمر لا يمكننا حل مشكلة لا نراها.
اقرأ أيضاً: هل أنت أذكى من مديرك؟