التوتر ليس محموداً، سواء شعرَ به الإنسان بنفسه أو كان يحوم حوله. 80% من الأميركيين يقولون إنهم يشعرون بالتوتر خلال النهار. ويبدو أن التوتر أصبح متغلغلاً في ثقافة العمل في معظم المؤسسات، حتى بات الكل يسأل ماذا يمكن أن نفعل حياله.
فالتوتر ينتقل للآخرين كالمرض المُعدي. حيث يمكن أن نتوتر لمجرد رؤية آخرين متوترين ولا نستطيع الحد من تأثير التوتر. ببساطة إذا رأينا أحداً متوتراً، يمكن أن يتسبب ذلك في إطلاق هرمون الكورتيزول المسؤول عن شعورنا بالتوتر. عندما كنت أجري مقابلات شخصية، فهي جزء من عملي في مجال التدريب، كنت أسمع الأشخاص يعبّرون عن زملائهم المتوترين بقول:
- عندما أراه متوتراً، أتجنب الاقتراب منه.
- الكل يلاحظ أنها تمر بيوم عصيب، فهو يبدو جلياً من ملامح وجهها.
- عندما يكون منفعلاً فإنه يجعل الآخرين حوله منفعلين. هذا أمر متعب ومجهد.
- أنا قلق جداً بشأن صحتها.
فمعظمنا يفكر في خطر التوتر وما يسببه لنا. ومع ذلك فقلة منا يفكرون بالتأثير السلبي لشعورهم بالتوتر على الآخرين. وهو بالتأكيد يؤثر سلباً على الآخرين، خاصة إذا كان الشخص المتوتر مديراً. فإذا توتر القائد أو المدير، فإن ذلك في الحقيقة يؤثر على مشاعر فريقه بأكمله.
والناس بطبيعتهم يتجنبون الزملاء النزقين المتوترين حمايةً لحالتهم النفسية. فإذا تجنب الناس شخصاً ما، ولم يجدوه مشجعاً ويستأهل العمل معه، فإن ذاك الشخص أبعد ما يكون فعالاً في عمله. فمن لا يحب التعاون مع أشخاص يتمتعون برباطة جأش ومرونة؟
كيفية الحد من تأثير التوتر
ولكي يحدّ شخص ما من تأثير توتره على الآخرين (وإصابته بالإحباط والإنهاك) فعليه اتباع الخطوات التالية:
تحديد مسببات التوتر بدقة
فعندما يتحدث الناس عما يوترهم، فإنهم عادة ما يذكرون أموراً عامة، مثل: "العمل" أو "المواعيد النهائية غير الملائمة" أو "المدير الجديد". فلأننا عادة لا ننغمس في الأمور التي تثير توترنا، نفضّل عدم الغوص في تفاصيلها. ولكننا لا نستطيع حلّ مشكلة ما إذا كنا لا نفهم كنهها حقيقةً.
لنجرب الاحتفاظ بدفتر يوميات ندون فيه المواقف التي تسببت في شعورنا بالتوتر لشهر واحد. وفي آخر كل يوم ندون متى شعرنا بالتوتر، بما في ذلك تفاصيل الموقف المحدد الذي تسبب في هذا الشعور. ولنجب على هذه الأسئلة: ما الظروف التي سببت لي ذلك التوتر اليوم؟ ماذا عن الأمر الذي شعرت أنه مهم في ذاك الوقت؟ وما مدى أهمية الأمر بالنسبة لي؟
جربت إحدى العميلات، التي قدمت لها خدمات استشارية، تلك الخطوات ووجدت أن أسلوبها الإداري بمنح فريق العمل الثقة وتركه يعمل لوحده، الأمر الذي كان من المفترض أن يقلّل من أعباء عملها، كان عملياً يزيد من توترها بسبب عدم اطلاعها على خط سير الأعمال بالتفصيل. لقد كانت قلقة أن ينتهي بها الأمر إلى اتخاذ إجراء طارئ وسريع في حال لم يكن العمل تاماً في الوقت المحدد، فقد كانت تمضي معظم وقتها تفكر في سيناريوهات محتملة. كانت ما تزال تشعر بالتوتر حتى وإن لم تكن تقم بالعمل.
اقرأ أيضاً: كيف تتأقلم مع التوتر السلبي؟
فبالكشف عما يسبب التوتر، يمكن إيجاد حلول عملية لمعالجة الأسباب الرئيسة للتوتر وليس أعراضه فحسب.
تفاعل مع الموقف بطريقة مختلفة أولاً ثم اتجه إلى تخفيف أعباء العمل ثانياً
تحدث جيسون فريد وديفيد هاينيماير هانسون في كتابهما "لا ضرورة لأن تكون مهووساً في عملك" (It Doesn’t Have to be Crazy at Work) عن كيف أن أعباء العمل المفرطة توصف في كثير من المؤسسات على أنها أوسمة شرف، حتى وإن اشتكى الموظفون من إجهاد العمل الإضافي الذي يضرّ بصحتهم.
في الحقيقة الهدف الرئيس للكثير من عملائي المتوترين هو ضبط أعباء العمل بإيجاد سبل تقلل من كميته ومنها تفويضه على أفضل نحو أو تحديد توقعات. وكان ذلك مجدياً لكن ليس بكاف. حيث يمكن أن نقوم ببعض التعديلات والتكييفات لكن يبقى هنالك عمل لنقوم به.
اقرأ أيضاً: عزّز مقاومتك الداخلية كي تتغلب على التوتر الزائد
هناك بديل آخر، وهو دراسة شعورك اتجاه أعباء العمل. فهل تشعر مثلاً أنك مجبر على أن تؤدي مهامك بدرجة عالية من المثالية؟ هل أنت دائماً في حالة شك وعدم يقين مما تقوم به؟ هل أنت ممن لا يقولون "لا" على أي طلب في العمل؟
لقد رأيت على الأرجح كيف أن الوظيفة نفسها، ذات أعباء العمل نفسها، يمكن أن توتر شخصاً دون الآخر. على سبيل المثال، هناك مندوبة مبيعات عملت معها وكانت تتعجب كيف أن زميلها لا يأخذ اعتراضات الزبائن على محمل شخصي. بل كان يقول إنها "جزء من عملية البيع". لقد انتهى بها الأمر إلى انتهاج أسلوب زميلها عندما وجدت أنها تعذب وترهق نفسها بالتفكير فيما إن كان من الممكن أن تفعل أكثر مما فعلته لإرضاء العملاء. وبذلك فهي لم تغيّر وظيفتها لكن غيّرت الطريقة التي تتعامل بها مع مختلف المواقف.
خصص أوقاتاً للراحة للحفاظ على سلامة عقلك
في كل وظيفة هناك فترات مشحونة بالعمل، وأفضل استراتيجية هي أن تنتظر آملاً أن تمر بسلام. ولكن يصبح الأمر منهكاً للنفس عندما لا تخف أعباء العمل أبداً.
إذا كانت طبيعة عملك لا تسمح لك بأخذ فترات استراحة طبيعية، فأوجِد هذه الفترات لنفسك. ويمكن الحصول على تلك الاستراحات أثناء فترات الضغط المعتادة في العمل بأن تكون مثلاً أثناء رحلات العمل أو الاجتماعات الأساسية، أو يمكن أخذ استراحات على فترات زمنية منتظمة. لا تشعر بالذنب أو التقصير إذا حددت في جدولك مواعيد للأنشطة التي تهدئ من نفسك كما تنظم المهام المتعلقة بعملك.
أحد عملائنا الذي كان يشعر بالإنهاك والاستنزاف من كثرة رحلات العمل، أعاد تنظيم وقته ليتمكن من أخذ قسط من الراحة أثناء تلك الرحلات. فقد كان يختار فنادق ذات خدمات استجمام واسترخاء ويحجز جلسات تدليك في فترة إقامته، وهي أشياء لم يكن يجد لها وقتاً ليفعلها في موطنه. وإن وجد متسعاً من الوقت فإنه يمدد فترة رحلته لليلة أخرى ليزور أحد أصدقائه في ذاك البلد، كما ألزم نفسه بألا يعمل أثناء رحلة العودة إلى البيت. كما يحرص على ألا يعطي مواعيد للاجتماعات في اليوم الذي يلي سفره حتى يلتقط أنفاسه.
اقرأ أيضاً: كيف تُحسّن استجابتك الافتراضية على التوتر؟
بإمكانك إيجاد متسع من الوقت لأخذ فترات من الراحة دون إجراء تعديلات كثيرة على حياتك، كالخلو بالنفس نصف يوم في الشهر للتأمل وإعادة النظر في الأمور، وهو ما يساعد في إعادة تحديد الأولويات ويقلل من التوتر. حتى اللحظات القليلة التي تستغرقها للمشي إلى المطعم لتناول الغداء على سبيل المثال، تُعد نوعاً من فترات الراحة وستفي بالغرض.
لا تكتفِ بقول أنك متوتر، بل شارك الآخرين ما تفعله لإدارة هذا التوتر
لأن التوتر منتشر وسائد في أوساط العمل فإننا نتحدث عنه كثيراً. وبينما نحن ننقل توترنا إلى الآخرين بالحديث عنه، فإن هذا يريحنا قليلاً لكنه يساهم فعلياً في غرس ثقافة التوتر لأن المشاعر تنتقل وتنتشر. باختصار، إذا قلت "أنا متوتر جداً" فهذا يزيد من نسبة التوتر عند الآخرين. وما نركّز اهتمامنا عليه يصبح أقوى، لذلك فإننا نزيد من توترنا عندما نفصح عنه.
هذا لا يعني ألا نتصرف على طبيعتنا. وإنما النهج السليم الذي يمكن اتباعه يتمثل في أن تخبر الآخرين بأنه في حين أن العمل يشعرك بالتوتر، إلا أنك تحاول أن تدير هذا التوتر وتتحكم في مشاعرك للتخفيف من وطأته. فعند مشاركة الآخرين بطرق إدارة التوتر التي تستخدمها، ستكون قدوة للآخرين، وستوضح لهم أنه بالإمكان مواجهة الأمر بدل الإذعان له. وعلاوة على ذلك، عندما تبيّن للآخرين كيفية معالجتك للأمور، فمن المرجح بدرجة كبيرة أن تتمكن من الوفاء بالتزاماتك.
على سبيل المثال، أخبرت مديرة، تعمل في مجال عمل مضطرب، فريق عملها أنها لن ترد على الرسائل الواردة إلى بريدها الإلكتروني خلال عطلة نهاية الأسبوع لتحصل على راحة من العمل، فما كان من الفريق إلا أن وجد نفسه معفياً بذلك من تفقد رسائل البريد والرد عليها. وكان الفريق بأكمله متنبهاً إلى عدم إرسال أي رسائل طوال عطلة نهاية الأسبوع إلا للضرورة القصوى، وعندما عادوا إلى العمل في بداية الأسبوع التالي بدا عليهم النشاط والحيوية.
جهّز نفسك لمواجهة التوتر
مع أن معظمنا يتقبل فكرة وجود التوتر في العمل، إلا أننا ما زلنا نتفاجأ عندما يحاصرنا. حتى أننا قد نصاب بالتوتر مقدماً، أي أن نتوتر من أن يحدث ما قد يتسبب في توترنا. وربما يكون الحل الأفضل هو اعتبار أن حدوثه أمر طبيعي، والتخطيط لمواجهة هذا الشعور وإدارته. فهناك وظائف مثيرة للتوتر ومجالات عمل مليئة بالاضطرابات، كما أنه نادراً ما يكون لدينا ما يكفي من الموارد أو الوقت. فإذا كان الأمر كذلك، فكيف نتجنب أن نزيد الطين بلة؟ وما هي الطرق التي يمكننا بها الحفاظ على طاقتنا وطاقات الآخرين؟
اقرأ أيضاً: تعلم كيف تتجنب التوتر الذي يفضي إلى القرارات السيئة
لسنا ضعافاً ولا عاجزين كما نظن ونستطيع الحد من تأثير التوتر. ولكن عندما نفعّل شعورنا بالقوة والقدرة على التصرف، يمكن حينها أن نحد من شعورنا بالتوتر، وأيضاً أن نبين للآخرين كيف يمكنهم القيام بالأمر ذاته. كل ما عليك هو تغيير طريقتك في التفكير فحسب. فكما أن التوتر مُعدٍ، فإن الشعور بالهدوء والسكينة معدٍ أيضاً.
اقرأ أيضاً: ثلاث خطوات للتحرّر من دوامة الإحباط والتوتر والنزاع في العمل