لا تعطِ عميلك النفوذ كله

4 دقائق

أصبحت عبارة "تمكين العميل" واحدة من أكثر العبارات رواجاً اليوم، وهي تصف فكرة بديهية ظاهرياً، تفيد بأنه في حال تزويد العميل بكم أكبر من المعلومات ومنحه القدرة على اتخاذ القرارات، سيُظهِر مستويات التزام أكبر حيال شركتك.

وتتزايد شعبية مفهوم تمكين العميل كثيراً، حتى في السياقات المعقدة لاتخاذ القرارات، حيث يعتمد العميل غالباً على نصائح خبراء مثل المحاسبين والمستشارين والأطباء والمحامين. على سبيل المثال، غالباً ما تُستعمل شعارات "تمكين المريض" و"مشاركة المريض" و"الاتخاذ المشترك للقرارات" لوصف النموذج المعتمد الجديد لاتخاذ القرارات الطبية في القرن الحادي والعشرين.

ويصرّ مؤيدو مبدأ تمكين المريض على أن المريض الذي بات يتمتع بنفوذ سيتبع على الأرجح نصائح الخبراء في نهاية المطاف. ولكن استطلاعاً جديداً يُظهِر أن العكس صحيح في معظم الأحيان.

وفي مراجعة لآلاف التفاعلات بين الأطباء والمرضى، خلصت دراسة أجراها ستيفان ستريميرش من "معهد الدراسات العليا التجارية" في "جامعة نافارا" الإسبانية، ونونو كماتشو ومارتن دي جونغ، إلى أن تزويد المريض بكمية مفرطة من المعلومات ومنحه القدرة على اتخاذ القرارات سيقلصان على الأرجح فرص التزامه بنصائح الطبيب.

وفي مجال الطب، قد تكون التداعيات خطيرة على صحة المريض في حال لم يلتزم الأخير بالنصائح، والآثار الجانبية كبيرة على الاقتصاد. إلى ذلك، يسهم عدم الالتزام بنصائح الطبيب في تقدم المرض ويسبّب زيادة نسبة الوفيات. وتشير التقديرات إلى أن قطاع الأدوية العالمي يخسر 564 مليار دولار سنوياً بسبب عدم الالتزام بأوامر الأطباء.

وعندما يطلب طبيب من مريض تناول حبة دواء ذات تأثير جانبي غير مرغوب فيه، يمكن أن يؤدي ذلك إلى "تمكين العملاء" بثلاث طرق رئيسية – وفقاً للدراسة.

في أحد السيناريوهات، قد يسأل المريض طبيبه عن الحلول البديلة لتجنب التأثيرات الجانبية، فيستعرض الطبيب معلومات إضافية حول فعالية العلاجات البديلة وتأثيراتها الجانبية، مجيباً بالتالي عن أسئلة المريض، فيما تعتبره الدراسة "تمكيناً إعلامياً بتوجيه من العميل".

وفي سيناريو آخر، حتى قبل أن يسأل المريض، يتخذ الطبيب قراراً مسبقاً لتزويده بمعلومات إضافية عن الدواء والعلاجات البديلة، فيما اعتبرته الدراسة "تمكيناً إعلامياً بتوجيه من الخبير".

وأخيراً، قد يستعرض الطبيب خيارات عدة، وبعكس الحالتين السابقتين، يضع مهمة اتخاذ القرار النهائي بين يدي المريض، فيما تعتبره الدراسة "تمكيناً تقريرياً".

أجرى ستريميرش وشريكاه في التأليف استطلاعات للمرضى، سمحت لهم بتحليل 11,735 حالة تفاعل بين مرضى وأطباء في 17 دولة في أربع قارات. وحدد الباحثون نوع التفاعل بين المرضى وأطبائهم، وصنفوهم وفقاً لأنواع التمكين الثلاثة المذكورة أعلاه. وبعد ذلك، تمعنوا فيما إذا كان نوع التمكين الحاصل قد أثّر في احتمالية اتباع المريض في النهاية النصائح الطبية المعطاة له. ومن بين الأشخاص الذين لم يتبعوا نصائح أطبائهم، فرّقت الدراسة بين عدم الالتزام العرضي، كذاك الذي يشمل نسيان تناول الدواء، والتجاهل المقصود، الذي يحصل عندما يقرّر مريض إيقاف علاج بالأدوية قبل أوانه.

وتستنتج الدراسة، أن نموذج التمكين الأكثر إفادة للمريض هو التمكين الإعلامي بتوجيه من العميل، حيث يتشارك الطبيب مع المريض معلومات إضافية عن فعالية العلاجات البديلة وتأثيراتها الجانبية، ولكن فقط عندما يطلب المريض معرفة المزيد.

ولا شك أن طلب المعلومات وتلقيها يشركان المريض في عملية اتخاذ القرار، ويزيدان من احتمالية تذكره للنصائح التي حصل عليها، ما يقلص، وفقاً للدراسة، حالات الفشل غير المقصودة، وكذلك حالات الفشل المقصودة، لأن المريض يصبح أكثر قناعة بالنصيحة التي يحصل عليها متى أخذت ظروفه ومخاوفه كلها بالاعتبار.

بيد أن الحال ليس كذلك مع نوعي التمكين الآخرين، حيث يشعر المريض بالغرق عندما يزوده الخبير بمعلومات لم يطلبها، أو عندما يحصل على حلول متعددة ويُطلب منه الاختيار بينها. وتشير الدراسة إلى أن ذلك يزيد احتمالية نسيانه لمعلومات حيوية وتكبده فشلاً غير مقصود.

وكذلك، تتزايد مستويات الفشل المقصود في حالات من هذا القبيل، إذ إن العميل يكتسب ثقة مفرطة في طريقة حكمه على الأمور، وغالباً ما ينتهي به المطاف بالشعور أنه مخول لاتخاذ المزيد من القرارات، على غرار إنهاء علاج وصفه له الطبيب قبل أوانه، ما قد يحمل تداعيات خطيرة على صحته.

فهل تختلف هذه النتائج بين الثقافات؟ استخدم ستريميرش وزميلاه إطار عمل راسخ لتحديد القيم الثقافية المعتمدة في الدول السبع عشرة المشمولة في الاستطلاع، واستنبطوا ثلاثة أنماط ثقافية رئيسية.

يعود النمط الأول إلى الدول ذات مستويات الاستقلالية العالية، التي تشدد على الطابع الفردي والاستقلال، في مواجهة الدول الأكثر التزاماً بفكر محدد، والتي تشدد على العلاقات وعلى احترام التقاليد. أما النمط الثاني، فيعود إلى الدول التي تولي أهمية كبرى للمساواة، حيث يتم التشديد على توزيع النفوذ بالتساوي، في مواجهة الدول الشديدة الالتزام بمبدأ التسلسل الهرمي، التي تشدد على عدم تساوي الأدوار والنفوذ في النظام الاجتماعي. أما النمط الثالث، فيعود إلى الدول ذات مستويات الاحتراف العالية التي تشدد على النجاح والجرأة والكفاءة، في مواجهة الدول ذات مستويات التناغم العالية، التي تركز على التأقلم مع العالم الاجتماعي والطبيعي.

وقد اكتشفوا أن الثقافة الوطنية تخفف من تأثيرات تمكين العميل في عدد من العلاقات. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة – التي يُنظر إليها على أنها دولة تعتمد ثقافة ذات مستويات عالية من الاستقلالية والاحتراف – يطغى التمكين التقريري بمستويات أقل، فلا يظهِر العميل ثقة مفرطة بالذات إلى هذا الحد، ونرى بالتالي عدداً أقل من حالات عدم الالتزام بالمقارنة مع دول أخرى. وفي الثقافات الشديدة الاعتماد على التسلسل الهرمي، تزداد احتمالية أن يبذل المريض جهداً إضافياً لتذكر نصيحة المحترف، أي الطبيب في هذه الحالة، حتى لو حصل على معلومات إضافية.

تحمل هذه الاستنتاجات تداعيات عملية مهمة إلى الأطباء، وإلى مزودي الخدمات المحترفة في عدد كبير من التخصصات على غرار المحاسبة وقانون الاستشارات والخدمات المالية.

وعندما يتوق العميل لمناقشة حلول مختلفة، من شأن الخبير أن يبدي رغبة في ذلك. ولكن عندما يكون اهتمام العميل محصوراً بالحصول على حل لمشكلته، لن يأتي إغراقه في تفاصيل أو حثّه على اتخاذ القرار المناسب بالنتيجة المرجوة. ويصح ذلك خاصة في الثقافات التي تقيّم التناغم والاستقلالية الفكرية على حد سواء، كما هو الحال في عدد كبير من دول أوروبا الغربية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي