ماذا تفعل عندما تفقد الشغف من منصبك القيادي؟

4 دقيقة
المناصب التنفيذية
unsplash.com/Ben Rosett
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تخيل أنك استثمرت سنوات من الجهد والعرق والدموع في العمل، ونجحت في ارتقاء السلم الوظيفي في الشركة وأصبحت مديراً، لتستيقظ يوماً وتدرك أنك لم تعد تحب عملك. لا شك في أنك كنت تحبه فيما مضى، وكلما زاد نجاحك ارتقيت في السلم الإداري. ولكنك الآن تجد نفسك غارقاً في مهام إدارية كثيرة مثل إعداد الموازنة والإشراف على الموظفين ولم تعد تؤدي عملك الذي كنت تحبه، وذلك يشعرك بالتبلد إن لم يكن الأمر أسوأ. تجد نفسك في موقف محير، إذ أوصلك عملك الشاق ونجاحك إلى وظيفة تُشعرك بالفراغ والإحباط وعدم الرضا. هذا ما حدث لي، ولكن كيف؟ وبالأحرى، لماذا؟

ارتقيت في المناصب التنفيذية حتى وصلت إلى منصبي الأخير، وهو نائبة الرئيس التنفيذي والمديرة العالمية للإبداع في شبكة نيكلوديون التلفزيونية (Nickelodeon)، وبدلاً من أن أشعر بأنني على صلة مباشرة بإنتاج البرامج والمواد الأخرى التي نقدمها، وجدت نفسي أقضي الوقت في الاجتماعات مع زملائي وكبار المسؤولين. نظرياً، يجب أن أكون سعيدة، فقد كنت أعمل مع أشخاص جيدين ومبدعين (ما يزال العديد منهم أصدقاء مقربين)، وكنت أكسب دخلاً كبيراً، وكانت الشركة تنتج مواد رائعة يحبها أطفالي الصغار. و و كنت أتولى إدارة الأشخاص الذين يؤدون العمل وينجزون المهام لا غير. لم أعد أعمل في المجال الذي أحببته، فقد كان شعوري بالإنجاز بعد إتمام صفقة صعبة أو إطلاق منتج جديد يتوقف على تحقيق إنجاز ملموس وأن جهودي كانت جزءاً لا يتجزأ من نجاحه. تسببت الإدارة في الشعور بالانفصال عما وصفه المحلل الوظيفي دانيال بينك بأنه المحفزات الثلاثة الأساسية للسلوك، وهي الاستقلالية والإتقان والهدف. لم أكن أتمتع باستقلالية تذكر، ولم أكن مهتمة بإتقان مهارات الإدارة (على الرغم من وجود عدد لا يحصى من المدربين)، وشعرت بأنني شخص آخر لا يشبهني.

لماذا نكافئ الناجحين في عملهم بتركه وتولي مناصب إدارية؟ وهي ظاهرة تكشف عن عيوب قديمة في التصميم التنظيمي، إذ لم يعد كل من الموظفين والشركات مهتماً ببناء الولاء على المدى الطويل، فضلاً عن الخلل في فهم الأسباب الحقيقية التي تدفع الناس للعمل الذي يعود إلى عصر ما قبل ظهور الاقتصاد السلوكي في القرن العشرين. تستمر الشركات في التشبث بفكرة أن الآلية الوحيدة للاعتراف بموهبة الموظفين هي ترقيتهم إلى مدراء ومن ثم الاستمرار في ترقيتهم في المستويات الإدارية، ما يعكس الافتراض الخاطئ بأن البراعة في أداء العمل تعني بالضرورة القدرة على إدارة الآخرين الذين يؤدون العمل نفسه (والرغبة في ذلك). وعند الوصول إلى منصب إداري، لا ترضي مزاياه التي تشمل حزم التعويضات والمكاتب الكبيرة والرواتب التقاعدية العالية والألقاب الرفيعة الكثير من الذين يتوقون مثلي إلى العمل الفعلي. ولكن بما أننا نعرّف عن أنفسنا غالباً بمسمياتنا الوظيفية (أنا مدير التسويق)، فمن الصعب تصور العمل في غياب الألقاب، إذ نقتنع بفكرة أن الألقاب الواضحة تمنحنا المكانة والهوية. تتيح لنا الألقاب الإدارية الإشارة إلى نمونا ونضجنا. ولكل هذه الأسباب، استغرقت وقتاً طويلاً حتى أدركت أن العمل في الإدارة كان خطأ بالنسبة إليّ.

من خلال بحثي في علم العواطف، أعرف الآن أنني بصفتي مسؤولة تنفيذية في الشركة كنت أشعر بأنني يجب أن أتظاهر بأنني شخص آخر لا يشبهني، فلم أحب الإدارة، لكنني كنت مديرة، وكان علي أن أظهر الاهتمام بكل ما يتعلق بالإدارة. وهذا ما يسميه علماء الاجتماع "العمل العاطفي"؛ أي ما تختبره عندما تشعر بالالتزام بالتصرف بطريقة تخالف ميولك الطبيعية. وفي نهاية المطاف، استقلت من وظيفتي، وبعد سنوات عدة وبدايات خاطئة، بدأت مسيرة جديدة بالعمل صحفية ومؤلفة، وهي مهنة لا أدير فيها أحداً (الاستقلالية)، وأضع قواعدي الخاصة (الهدف)، وأحصل على نتائج ملموسة (الإتقان) عندما تنشر أعمالي.

عندما اتخذت هذه الخطوة اكتشفت أنه لا توجد خطط توجيهية للاستمرار في النجاح في حال قررت ترك منصبك الإداري على الرغم من وجود عدد لا يحصى من الكتب والدورات التدريبية حول السبل التي تجعلك مديراً أفضل. لذا، وبناءً على تجربتي الخاصة، إليك بعض الأفكار للذين يشعرون بأن الإدارة لا تناسبهم:

ابقَ في شركتك وابحث عن مسار جديد

قد لا تكون مضطراً إلى المغادرة كما فعلت، تحدّث إلى مدرائك عن مشاكلك وتعاون معهم لكي تجد لنفسك مساراً مختلفاً. عندما بدأ زوجي العمل كاتباً شاباً في مجلة التايم (Time magazine)، كان لديه مسار مهني واحد فحسب، وهو العمل كاتباً في هيئة التحرير، وفي النهاية قد يترقى إلى منصب محرر أول. استحدثت مجلة التايم في أوائل الثمانينيات منصباً لمن لا يرغبون في العمل في الإدارة وهو "كاتب أول"، الذي ترافق مع مكانة داخلية مرموقة وزيادات متناسبة في الراتب.

يحتاج الكثير من الشركات إلى فعل ذلك، تحتاج المؤسسات إلى ابتكار طرق مبتكرة لتشجيع الإبداع ومكافأته لكي تظل قادرة على المنافسة عالمياً. قد تبدو الألقاب غير التقليدية التي تتبناها الشركات الناشئة سخيفة، مثل مدراء المتعة ووزراء الإعلام، لكن من الضروري التركيز على ابتكار طرق جديدة لممارسة الأعمال. علاوة على ذلك، توصل بحث أجراه فريق شركة أوفيس تيم (Office Team) إلى أن ما نسبته 76% من الموظفين لا يرغبون في العمل في مناصب مدرائهم. إذا لم يعد الموظفون يستجيبون لوسائل المكافأة القديمة، فقد حان الوقت للشركات لإنشاء وسائل جديدة لمكافأة المواهب.

ابحث عن شركة تشاركك قيمك

ثمة الكثير من الشركات التي لا تتبنى الهياكل التنظيمية التقليدية. على سبيل المثال، لدى العضو في مجتمع فالف (Valve) لمطوري البرمجيات، مايكل أبراش، مفهوم جديد لهيكلية الشركة، إذ تندمج فرق المشروع وتتفكك باستمرار داخل المؤسسة. وهو يعتقد أن الهيكل التنظيمي الثابت يعوق الابتكار، والكثير يعتقد ذلك. قد تجد نفسك أكثر انسجاماً مع مؤسسة لديها هذا النوع من التراتبية المسطحة.

انطلق بمفردك

بالطبع، يمكنك دائماً شق طريقك بنفسك، ولكن احرص على التفكير في الآتي قبل الإقدام على هذه الخطوة:

  • كوّن فكرة واضحة عما يعنيه النجاح لك. يبدو الأمر بديهياً، لكن معظمنا يتبنى تعريفات الآخرين للنجاح دون تفكير.
  • اعلم أن مستوى الدخل سيتراوح بين ارتفاع وانخفاض. القليل منا يحالفه الحظ في الحصول على عملاء دائمين، لذا عليك أن تفهم من البداية أن دخلك سيتقلب من شهر لآخر.
  • لا تستقل قبل أن تحدد مصاريفك الشهرية، وبخاصة الرعاية الصحية، ثم ابحث عن طريقة لتقليل النفقات. اضبط نفقاتك لكي تتناسب مع حلمك وليس العكس. ولا تنسحب دون أن تمتلك مبلغاً احتياطياً للأوقات التي يكون فيها دخلك الشهري ضئيلاً أو معدوماً، وتوقع أسوأ السيناريوهات. فقد واجهت مشكلة بعد بضعة أشهر من استقالتي من منصبي المهم عندما طُرد زوجي من وظيفته (الإدارية) ذات الأجر الجيد.
  • عليك أن تدرك أنك يجب أن تكون بارعاً في التسويق لنفسك عندما تعمل لحسابك الخاص، وعليك تنمية قدرتك على تحمل الرفض.
  • اعلم أنك ستواجه أياماً ستشعر فيها بالوحدة وأنت تعمل بمفردك. لحسن الحظ، يخفف عالم الإنترنت حدة هذه المشكلة أكثر من أي وقت مضى.
  • تبنَّ فكرة الانتقال من مشروع إلى آخر باعتبارها وسيلة للتعلم والنمو والبقاء مواكباً للتطورات.

أحد الأشياء التي يستهين بها من يتركون مناصبهم الإدارية هي صدمة عدم القدرة على تحديد ما هو مسماهم الوظيفي. ما تزال المسميات الوظيفية مهمة على الرغم من التغيرات التي يشهدها عالم تقاسم مساحات العمل والعمل الحر والمسار المهني المتغير، ويتطلب الأمر وضوحاً وشجاعة لقول "لا شكراً" للمنصب الإداري. ولكن خذها مني نصيحة، من الخطأ أن تحاول جاهداً في مسيرتك المهنية أن تتأقلم مع منصب لا يناسبك طموحك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .