حينما أصبحت فيرجينيا جيني روميتي رئيساً تنفيذياً لشركة "آي بي إم"، في مطلع عام 2012، تبنّت بإخلاص استراتيجية سلفها سام بالميزانو، الذي تولى قبلها المنصب ذاته لمدة عقد كامل وتعهّد سنة 2010 بمضاعفة أرباح السهم الواحد من شركة "آي بي إم" في غضون خمس سنوات تقريباً. لكنها بعد مضي أكثر من عامين على تولّي منصبها، خلُصت إلى أنّ محاولة تحقيق ذلك الهدف يُفضي إلى عرقلة جهود الشركة لإعادة ابتكار ذاتها. وهكذا تخلّت روميتي عن تلك الاستراتيجية في أكتوبر/تشرين الأول 2014، ممسكة بذلك زمام استراتيجية الشركة المستقبلية وصحتها المالية. ومنذ ذلك الحين وروميتي البالغة من العمر 59 عاماً تخوض مغامرة شائقة ومثيرة لجعل"آي بي إم" شركة رائدة في تقديم "الحلول السحابية". فقد عملت على استثمار مليارات الدولارات في التكنولوجيا المتقدمة، في حين قامت ببيع فروع أعمالها التقليدية التي لا تتناسب والنموذج الجديد للشركة.
ولا تزال أعمال شركة "آي بي إم" رابحة إلى حدّ كبير. حيث بلغ صافي دخلها 13,0 مليار دولار سنة 2016 من عوائد وصلت إلى 79,9 مليار دولار. بيد أنّ الأمور لا تزال قيد التطوّر والتحوّل. ففي خضمّ ذلك، عانت الشركة في 20 ربعاً على التوالي من انخفاض الإيرادات. وحسبما تقول روميتي فإن ذلك الانخفاض يعود بشكل رئيسي إلى بيع أعمال فروع الشركة التقليدية إضافة إلى ارتفاع سعر صرف العملة الذي لا يمكن تفاديه، فضلاً عن أنّ الانتقال إلى أعمال جديدة ذات هوامش ربح أعلى يتطلب تحمّل بعض الألم على المدى القصير، كما تقول أيضاً: "مهمّتي هي بناء شركة "آي بي إم" قوية وقادرة على الاستمرار".
واستمر مجلس إدارة الشركة بدعم روميتي حتى الآن. فبالرغم من تقلّص حجم الإيرادات، وافق مؤخراً على رفع حزمة أجرها إلى 33 مليون دولار، الأمر الذي يضعها في المركز الثامن على لائحة أعلى المدراء التنفيذيين أجراً في الولايات المتحدة. ولعلّ السؤال هنا يكمن فيما إذا كان المستثمرون سيبقون صبورين أيضاً. حيث أنّ في شهر مايو/ أيار، صرّح وارن بافيت، أكبر مساهم في شركة "آي بي إم"، بأنه تخلّى عن حوالي 30% من أسهمه فيها، مشيراً إلى أن الشركة تواجه بعض المنافسين الأقوياء جداً. لكن روميتي التي تشغل أيضاً منصبَي الرئيس التنفيذي لشركة "آي بي إم" ورئيس مجلس إدارتها، تبدو شجاعة ولا تتزعزع. فهي تقول: "بأنّ مقدرة "آي بي إم" على التغيير إنما تكمن في "مورثاتها". ولا شك في أنها تدرك ما تقول. فقد أمضت 36 عاماً في الشركة واستحقت بجدارة مهامها في تطوير قسم الخدمات التجارية لدى شركة "آي بي إم" وفي قيادة عملية شراء وإدماج شركة "بي دبليو سي" للخدمات الاستشارية.
"إنّ واتسون، منصتنا للذكاء الاصطناعي، ستطال مليار شخص مع أفول هذا العام".
والآن تراهن روميتي بشكل كبير على منصة واتسون للذكاء الاصطناعي في شركة "آي بي إم". إذ ظهرت منصة واتسون لأول مرة عام 2011، عندما فازت على بطلين سابقين في برنامج المسابقات التليفزيوني "جيوباردي"، مبيّنة المدى الذي بلغته عملية تعلم الآلة. وبعد مضي سنتين، طرحت شركة "آي بي إم" نظام "واتسون" في السوق، الذي بات دماغه الكبير الآن يعمل في كل المجالات ابتداء من تقديم المشورة للأطباء فيما يتعلق بمعالجة السرطان وانتهاء بتنبؤ حالة الطقس.
وكان لهارفارد بزنس ريفيو لقاء خاص مع روميتي بمكتبها ضمن المقر الرئيسي لشركة "آي بي إم" في مدينة أرمونك، نيويورك.
هارفارد بزنس ريفيو: إنك تُديرين الآن شركة "آي بي إم" منذ أكثر من خمس سنوات، وتُشرفين على أكبر التغييرات التي اختبرتها الشركة، هل تنظرين إلى هذه العملية بوصفها منعطفاً؟
روميتي: لن أستخدم هذا التعبير، وإنما سأسمّي ذلك تحوّلاً. إننا شركة تكنولوجيا عمرها 106 أعوام، كما نُعتبر الشركة الوحيدة التي انتقلت من حقبة إلى أُخرى. فعندما تعمل في مجال التكنولوجيا، عليك التحول.
ما هو مقدار التحول الذي يمكن أن يتقبله موظفو ومستثمرو الشركة؟ ومتى ستكونين قادرة على التصريح بأنك حققت ذلك التحول؟
هذا سؤال جيد. دعني أجيبك بأكثر من طريقة. أولاً، من الضروري أن يكون هدفك من التحول واضحاً، وبالنسبة لنا كل ما في الأمر مرتبط بالبيانات ولدينا رؤية واضحة جداً عمّا سيحتاجه عملاء شركتنا في المستقبل. وعندما يتحدث عامة الناس عن البيانات غالباً ما يعنون بذلك الأمور والمسائل القابلة للبحث عبر محركات البحث العام. غير أنّ ذلك لا يشكل سوى 20% فقط من البيانات في العالم. وما نحاول الوصول إليه يمثل الـ 80% المتبقية من البيانات المخزَّنة خلف جدران الحماية (Fire walls) الخاصة بكل شخص، ذلك لأن في تلك البيانات تكمن القيمة الحقيقية. لدى أطنان من البيانات، كما أنهم لا يستطيعون توظيفها أو الاستفادة منها. حيث نعتقد أنك ستتمكن من اتخاذ القرارات بشكل أفضل إذا ما تمكّنت من الوصول إلى تلك البيانات، وبأن هنالك سوقاً بـقيمة 2 تريليون دولار يرتبط بتحسين آليات اتخاذ القرار. وذلك هو السوق الذي نهدف إليه.
كيف لكِ أن تعلمي بأنك تسيرين في المسار الاستراتيجي الصحيح؟ وهل تقومين بأية تغييرات في أثناء مسيرك؟
لقد أجريت الكثير من التغييرات، ومن المهم أن يكون لديك إيمان عميق برؤيتك، لكن ذلك لا يكفي، بل عليك النظر إلى النتائج أيضاً. وأنا واثقة من وضعنا في هذه النقطة. فأعمالنا الجديدة ذات الصلة بالسحابة والبيانات وأمنها في الشركة تحقق ما يقارب 34 مليار دولار من الإيرادات. وهي تنمو بنسبة 13% إلى 14% في السنة الواحدة وتشكّل 42% من أعمال الشركة ككل. وتُعتبر منصة "واتسون"، منصتنا للذكاء الاصطناعي، وستطال مليار شخص مع أفول هذا العام. وأنا أنظر إلى هذه الأرقام جميعها بوصفها إثباتاً على أننا نسير في الطريق الصحيح.
مع أنكم مررتم بـ 20 ربعاً متتالياً من انخفاض الإيرادات.
نعم هذا صحيح، غير أن ذلك يشمل تصفية بعض الاستثمارات وآثار الدولار الأميركي القوي. فالعملة مسؤولة عن 14 مليار دولار من ذلك الانخفاض في الإيرادات. كما أنني قمت بتصفية الأعمال المولّدة للإيرادات، وتبلغ قيمتها 8 إلى 9 مليارات دولار. إذن، من هنا نشأ الجزء الأكبر من ذلك الانخفاض.
بغض النظر عن مسؤوليتك في ذلك، هل تنظرين إلى هذا الانخفاض الكبير في الإيرادات بوصفه جزءاً من الخطة؟ أم أنه نتيجة مخيٍّبة للآمال؟
تكمن النقطة الإيجابية هنا في أن الخطة تسير كما ينبغي لها حسب اعتقادنا، إذ تنمو وتزدهر أعمالنا الكبيرة الجديدة المتاخمة للامتيازات الأساسية في شركتنا. وهذا يعني أن شركة "آي بي إم" ستنمو مجدداً، بيد أنّ ذلك النمو ينبغي إتمامه بالطرائق الصحيحة. فنحن ننتقل إلى مجالات الأعمال ذات القيمة المرتفعة ونبتعد عن تلك ذات القيمة المنخفضة. وكان بمقدورنا تحقيق معدلات نمو أعلى، غير أننا اتخذنا قراراً شجاعاً بتصفية الأعمال المتحوّلة إلى مجرد سلع تجارية قبل التقدم أكثر في تحولها ذاك. كما تمتلك المجالات الجديدة هوامش ربح أعلى، لكن علينا أولاً الاستثمار فيها أكثر ومن ثمّ توسيع نطاقها.
لقد باع "وارن بافيت" لتوّه حصة كبيرة من أسهمه في شركة "آي بي إم". فهل غفل عن إدراك تلك الرؤية لوضع الشركة؟
أنا لا أتحدث أبداً بالنيابة عن المساهمين في شركتنا، فهم يتحدثون عن أنفسهم. إلا أنّ عملاءنا يعبّرون عن آرائهم من خلال استفادتهم من عروضنا، ويُظهرون أننا على المسار الصحيح. فشركة "آتش آند آر بلوك"، على سبيل المثال، اعتمدت منصة "واتسون" في موسم الإقرار الضريبي لمساعدة محترفيها في التعامل مع ملايين الزبائن، فزادت حصتها في السوق وحققت نتيجة مذهلة في قيم صافي مؤشر المروّجين.
التحوّل المستمر
لقد قدم لو غيرستنر رئيس مجلس الإدارة السابق في شركة "آي بي إم" وكبير مدرائها التنفيذيين من خارج الشركة وعمل إلى حد بعيد على وضع خطط وقواعد تحول الشركات. فهل من الأصعب تحقيق التحوّل عندما تكونين عملتِ في الشركة لبضعة عقود؟
لا أعتقد أنّ ذلك يجعل الأمر أصعب. أنا مؤمنة حقاً بأن شركتنا تمتلك في مورثاتها المقدرة على إحداث التغيير. فقد قمنا بذلك مراراً وتكراراً. ولا شك في أن "لو" سيوافقني الرأي بأن هذا التحوّل الذي نخوضه أشمل مما سبقه، نظراً لتضافر توجهات وعوامل عدة تسرّع وتيرة التغيير. ولا يهمّ إذا كنت من داخل الشركة ما دمت لا تحاول حماية الماضي. فعندئذ تمتلك حرية إعادة ابتكار ذاتك على المدى البعيد.
ما هي أكبر الصعوبات التي واجهتك أثناء إتمام عملية التحوّل والانتقال إلى المقلب الآخر؟
عليك امتلاك الشغف، كما أنه من الضروري امتلاك الوضوح. لكن الأمر الأصعب في اعتقادي يكمن في المثابرة. فأنت أمام شركة كبيرة ذات أرباح عالية تواظب على تأدية مهمتها الحساسة في تقديم الخدمات لعملائها حول العالم، وبنفس الوقت تعمل على إعادة ابتكار ذاتها. وكأن الشركة بعملها هذا تشبه إلى حد ما مركبة تقوم بتغيير عجلاتها أثناء القيادة. ونحن نقوم بذلك جهارة وعلى الملأ. لأنه في المحصلة علينا الاستمرار في التركيز على عملائنا والمضي قدماً نحو تحقيق التحول الذي نرمي إليه. وأعتقد أنّ فريق قيادة الشركة قام بعمل جبّار في هذا الصدد.
هل تشعرين بالضغط للانتهاء من هذا التحول بسرعة؟
بكل تأكيد. فكل قائد يرغب بأن تسير الأمور بشكل أسرع. حيث يجب أن تضع أهدافاً ومعايير مرتفعة وتتابع تحركك بسرعة. لكن مهمتي تتمثل في بناء شركة قادرة على البقاء والاستمرار لحقبة بكاملها. إننا ننظر بجدية إلى مسؤولياتنا تجاه العملاء الذين يطبقون اليوم أنظمتنا لكي يجعلوا عملهم أكثر إنتاجية. حيث دعم أولئك الزبائن يخفض إيراداتي، لكنني فخورة بذلك. إذ نشغّل أنظمة العالم بأسره. فمن دون شركة "آي بي إم"، لا تستطيع البنوك العمل، ولا سكك الحديد تستطيع تسيير حافلاتها، ولا خطوط الطيران ستتمكن من تسيير طائراتها.
ألا تشعرين بالقلق من أنّ التقدم والتطور في مجال الحوسبة السحابية وتحليل البيانات من شأنهما تحويل بعض مجالات عملكم الجديدة إلى مجرد سلع تجارية؟
لا. حيث يفوق حجم أعمالنا في مجال تحليل البيانات الـ 19 مليار دولار، فما من مشكلة هناك. أما الحوسبة السحابية تضاف إلى أعمالنا الخدمية التي تشكل 60% من حجم أعمال شركتنا. كما أنها تعمل بطريقة معيارية، ما يعني أنّ هوامشها يمكنها الارتفاع. والأهم من ذلك كله إيماننا بأنّ أساس المزايا التنافسية في المستقبل سيكون البيانات. فكما قلت سابقاً، تشكل البيانات الموارد الطبيعية للمستقبل. وخذ النفط على سبيل المثال، إنّ مكان وجوده داخل الأرض ليس بالضرورة مكان تمركز الثروة، بل تذهب الثروة إلى من يستطيع تكرير النفط وتصنيعه وتحويله إلى شيء جديد.
كيف يؤثر التحول على عملياتكم والأشخاص العاملين معكم؟
بالنسبة للمبتدئين، اعتمدنا نهج "التفكير بالتصاميم" الذي عمّمناه على جميع مكاتبنا حول العالم. والهدف من ذلك جعل منتجاتنا الموجهة للشركات من النوع "بي تو بي" استهلاكية قدر المستطاع، وذلك من حيث السهولة والإحساس والبساطة. ثم تبنّينا مبدأ "تدفق العمل بسلاسة" في جميع أجزاء الشركة بغية تسريع وتيرة العمل. كما بدّلنا أدوات عملنا، وبنينا شراكات مع شركات كبرى مثل "بوكس" و"آبل" و"سلاك" وغيرها. ولعلّنا نمتلك الآن واحدة من أفضل بيئات العمل في العالم، وذلك بقوة عمل تبلغ 380,000 موظف.
ما هي خطتك بالنسبة لمجال عملكم الرئيسي؟
لقد بنينا أعمالنا الجديدة بعيداً عن امتيازاتنا التقليدية وما كانت تلك الأعمال لتنمو وتزدهر إلى الحجم الذي وصلت إليه من دون الاستفادة من تلك الامتيازات. وهذا يعني أنّ مجالات عملنا الرئيسية لا تقع بالضرورة ضمن أسواق النمو. ولذلك علينا إعادة ابتكارها باستمرار. وأحد تلك الأمثلة، "مجال عملنا في خدمات الأعمال الدولية"، إذ نتحول في ذلك المجال إلى الخدمات الرقمية، غير أنّ ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً، لأنه مجال عمل مرتبط بالناس. ومع أن مجالات العمل من هذه النوعية لا تقع ضمن أسواق النمو، إلا أنها منتجة للنقد بشكل كبير، إضافة إلى أنها تؤدي خدمات بالغة الأهمية لعملائنا.
حقبة روميتي في "آي بي إم"
يناير/كانون الثاني 2012: "جيني روميتي" تغدو مديراً لشركة "آي بي إم".
يوليو/تموز 2013: "آي بي إم" تشتري "سوفت لاير"، في إحدى عمليات استحواذ السحابة.
نوفمبر/تشرين الثاني 2013: "واتسون"، نظام التعلم الاصطناعي، ينتقل إلى السحابة.
يناير/كانون الثاني 2014: "آي بي إم" تصفّي أعمالها في سرفرات X86 وتبيعها لشركة "ينوفو".
مارس/آذار 2014: مركز نيويورك جينوم يشرك منصة "واتسون" في معالجة سرطان الدماغ.
يوليو/تموز 2014: شركة "آي بي إم" تتوصل إلى اتفاق مع مدينة بكين للمساعدة في التصدي لمشكلة الضباب الدخاني، وتتشارك مع شركة "آبل" لخلق برمجيات.
أغسطس/آب 2014: إزالة الستار عن شريحة "ترونورث" التي تحاكي الدماغ البشري.
أكتوبر/تشرين الأول 2014: "آي بي إم" تصفّي أعمالها في مجال تصنيع الإلكترونيات الدقيقة وتبيعها لشركة "غلوبال فاوندريز".
أبريل/نيسان 2015: إطلاق منصة "واتسون هِلث".
أكتوبر/تشرين الأول 2015: علماء شركة "آي بي إم”" يكتشفون طريقة لتقليص حجم الترانزيستورات.
يناير/كانون الثاني 2016: شركة "آي بي إم" تستكمل عملية استحواذ شركة "ويذر كومباني"، التي ستشكل حجر الأساس لمنصة "واتسون لإنترنت الأشياء".
تشكيل فريق الإدارة الصحيح
في بيئة عمل متغيرة ومتحولة بهذا الشكل، كيف تقوم ببناء فريق الإدارة الصحيح؟
كلّفت جهات خارجية بإعداد خمسة تقارير مباشرة حول شركتنا، فنحن بحاجة إلى أناس يفهمون فعلاً آلية عمل الأنظمة الحديثة. كما أن 15% من مدراء شركة "آي بي إم" في جميع مستويات الإدارة تم استقدامهم من خارج الشركة، وهذا يشكل عدداً كبيراً إذا ما أخذت حجم شركتنا بالحسبان. وعلاوة على ذلك أنفقنا مليارَي دولار على مدى السنوات الثلاث الماضية في التدريب على الأساليب والنهج الحديثة في المجالات الجديدة التي نعمل فيها، مثل مجال "واتسون هلث" للرعاية الصحية، حيث لدينا الآن مئات من الأطباء والممرضين. إلى جانب أننا مع منصة "واتسون" نستكشف أيضاً مجالات الإبداع والموسيقى ونوظف عدداً من الموسيقيين. وبات الآن طيفاً جديداً من أنواع الوظائف جزءاً لا يتجزأ من شركة "آي بي إم".
إلى جانب هذه التخصصات، ما هي الصفات التي تبحثون عنها أثناء التوظيفات الجديدة؟
على رأس لائحة الصفات التي تهمنا في عملية التوظيف، الذكاء والقدرة على التأقلم. ونعتمد على منصتنا "واتسون" في اختبار مدى نزوع وقابلية الناس للتعلم.
دور منصة "واتسون"
ما الذي يميز منصة "واتسون" عن مثيلاتها من منصات الذكاء الاصطناعي؟
أوّلاً وقبل كل شيء، منصة "واتسون" قادرة على التعامل مع المجالات العمودية. حيث تفهم لغة الطب، والخدمات المالية، وخدمات الاكتتاب وغيرها. حيث أنّ تحقيق ذلك أمر بالغ الصعوبة، ويمثل ميزة تفضيلية. ثانياً، ما يميز منصة "واتسون" هو نموذج عملنا، فنحن نضمن أن "واتسون" يحافظ على السرية وعلى خصوصية العملاء. وعندما يضع أحد العملاء بياناته على المنصة، تكون متاحة له حصرياً دون سواه. ثالثاً، اتساع طيف البيانات التي يمكن لمنصة "واتسون" أن تتعامل معها، بما يشمل بيانات الرؤية والصوت والكلام.
وكيف يظهر ذلك كله على أرض الواقع؟
خذ مثلاً المحادثة. فالناس الحقيقيون يخفقون أثناء المحادثة بالتقاط 5% من الكلمات. وما تنجزه منصة "واتسون" يصل إلى عتبة 5.5%، وهو ما يضعها في المرتبة الأولى بين أقرانها. وباستطاعتها أيضاً تحسس الحركة؛ فقد طورت مجموعة "واتسون لإنترنت الأشياء" لزبائنها تطبيقات مثل "المرتكزات الكروية الذكية" المزوَّدة بحساسات لتسجيل بيانات حول سير العمل. كما بوسع هذه المنصة أن ترى أيضاً، فعند تحليل سرطان الجلد على سبيل المثال، تحقق منصة "واتسون" دقة تصل إلى 95%. لذلك حاول إنجاز هذه المهمة باستخدام نظام آخر، فلن تحصل في أحسن الأحوال سوى على دقة بنسبة 50%.
لننظر إلى المستقبل بعد سنوات عدة. ما الأمور المدهشة التي ستقوم بها هذه المنصة؟
يتمثل هدفنا البعيد في إيصال خدمة الرعاية الصحية رفيعة المستوى إلى كل بقاع الأرض. ولعلّ جزءاً من ذلك الهدف يتحقق الآن على أرض الواقع. فمنصة "واتسون" يجري تدريبها في أفضل مراكز السرطان في العالم، ومن ثم تُطرح في مئات المستشفيات في الصين والهند. إذ أن بعض تلك المناطق فيها طبيب أورام واحد لكل 1,600 مريض. والناس في تلك المناطق لم تكن لديهم فرصة الحصول على خدمة رعاية صحية بسويّة عالمية. أما الآن فقد باتوا يحصلون على تلك الخدمة من خلال منصة "واتسون" بوصفها مستشاراً في اختصاص الأورام، وتساعد الأطباء على اتخاذ القرارات السليمة. وما هذا سوى البداية.
هل تنتابك مخاوف من أن منصة "واتسون" وغيرها من برامج الذكاء الاصطناعي سوف تقضي على فئات كاملة من الوظائف؟
بالطبع، سوف يكون هنالك أثر ما. ولكن في كثير من الأحيان، لن تؤتمت برامج الذكاء الاصطناعي سوى أجزاء من الوظائف، ما يعني أنّ الناس سيتمكنون من أداء ما تبقى من مهامهم بشكل أفضل. ولطالما سمعت الاختصاصيين من كيميائيين وباحثين وأطباء ومحللين ماليين على مر السنين يقولون في البداية: "يا إلهي، سوف يتم الاستغناء عني واستبدالي"، غير أنهم يقولون في نهاية المطاف: "لا أستطيع إنجاز أعمالي من دون الاعتماد على هذه التكنولوجيا". وهذا ما نتعلمه في كل مرة يحدث فيها انتقال للتكنولوجيا إلى مجال عمل جديد، إذ أننا عندئذ نتعرف حقاً على الأمور التي يقوم بها الإنسان بحكم طبيعته بشكل أفضل من التكنولوجيا.
"هدفنا البعيد هو توفير خدمة الرعاية الصحية بسويّة عالمية إلى كل بقاع الأرض"
إلى أي مدى تحاول شركة "آي بي إم" صياغة قواعد التفاعل بين الإنسان والذكاء الاصطناعي؟
نُعتبر قادة هذا المجال وسوف يكون لنا تأثير على هذه التكنولوجيات بكل تأكيد. حيث نشرنا في شهر يناير/كانون الثاني "المبادئ الأساسية لحقبة الذكاء الاصطناعي" كما نراها نحن. وهنالك ثلاثة مبادئ أساسية. المبدأ الأول مرتبط بالهدف: نعتقد أنّ الذكاء الاصطناعي سوف يطوّر القوى العاملة البشرية ويوسع مجال عملها، ولن يستبدلها أو يحتل مكانها. المبدأ الثاني هو الشفافية: يجب أن نخبر الناس، إضافة إلى كيف وأين تُستخدَم تكنولوجياتنا، كيف يتم تدريبها ومن قبل من. فإذا كنت مريضاً وكانت منصة "واتسون" تساعد طبيبك على معالجتك، فإنك سترغب في معرفة أنّ "واتسون" جرى تدريبها في أفضل 20 مركزاً للأورام السرطانية في العالم. أما المبدأ الثالث فيرتبط بالمهارات: علينا أن نساعد في بناء كادر بشري جديد كلياً للعيش في هذا العالم المتحول. وهكذا فإننا نعمل مع 50,000 طفل في 100 مدرسة ثانوية لنساعد في بناء هذه المهارات.
الانخراط بفعالية في القضايا المهمة
لقد اتخذت قراراً بالانخراط مع إدارة ترامب، على الرغم من أن بعض موظفي شركتك يعارضون ذلك. ماذا تعلمت من الخوض في الحقبة السياسية الجديدة؟
لقد كتبت رسالة إلى الموظفين مشيرة فيها إلى أنّ مدراء شركة "آي بي إم" لطالما تعاملوا مع جميع الرؤساء الأميركيين منذ وودرو ويلسون. وبنظري عليك الانخراط بفعالية في المسائل التي تعنيك لكي تكون قادراً على التأثير. ويجب أن تجلس إلى الطاولة لكي تدافع عما يهمّ شركتك والعالم أيضاً. غير أننا نتخذ مواقف من السياسات والتوجهات لا من السياسة. وفي الواقع تُعدّ شركتنا إحدى الشركات القلائل في مجال عملنا التي لا تتدخل بالسياسة.
دعينا نتحدث عن الفروق بين الجنسين. بعض المديرات التنفيذيات يرغبن بالحديث عن موضوع الفرق بين الجنسين، وبعضهن لا يرغبن، بل يفضّلن أن يُحكم عليهن من خلال إنجازاتهن. إلى أي فريق تنتمين؟
في الماضي كنت سأقول إنني غير مهتمة بهذا الموضوع، بل أفضل أن ينظر الناس إلى ما أنا قادرة على إنجازه وأن يحكموا وفقاً لذلك. لكنني أدركت منذ بضع سنوات أنّ ذلك الجواب لم يعد كافياً. إذ كنت مرة في أستراليا أُلقي محاضرة، وبعد انتهائها جاء رجل وقال: "أتمنى لو أنّ ابنتي كانت هنا ورأتك". فحينئذ أدركت أنني يجب أن أكون قدوة، أعجبني ذلك أم لا، فالسيدات والفتيات بحاجة لنماذج ناجحة يحتذين بها، وما من عدد كافٍ منها في المجتمع.
هل واجهت تحديات ذات صلة بالفروق بين الجنسين في مسيرتك المهنية؟
في هذا الخصوص، كانت أكبر العوائق التي واجهتني مفروضة ذاتياً، الأمر الذي أظنه ينسحب على العديد من السيدات الأُخريات. فغالباً ما أسرد قصة كيف أنّ مديري قبل سنوات عرض عليّ ترقية كبيرة، فأخبرته بأنني غير واثقة من جهوزيتي لمثل هذه الترقية، وبأنني أحتاج لسنتين إضافيتين لإعداد نفسي بشكل أفضل وكسب المزيد من الثقة بالذات. ولاحقاً أخبرت زوجي بالأمر، فسألني: "هل تعتقدين أنك لو كنت رجلاً لكنت أجبت بهذه الطريقة؟"، أجبته: "لا". وفي اليوم التالي ذهبت إلى مديري وقبلت بالترقية.
إذاً ما النصيحة التي تسدينها إلى السيدات اللواتي يواجهن مثل هذا التحدي؟
يجب تعلم كيفية الشعور بالراحة وأنت في وضع غير مريح، وإلا فإنك لن تنمو وتتطور. كثيراً ما أسأل الناس: "متى تشعرون بأنكم تتطورون بسرعة أكبر في مسيرتكم المهنية؟"، وغالباً ما يذكرون في إجاباتهم مرحلة خاضوا فيها غمار المخاطرة. فالتطور والراحة لا يتفقان أبداً. فإذا لم تكن متوتراً ومتأهباً حول أمر ما، فإنك لن تتعلم شيئاً.
هل ذلك هو السبب لماذا لا نجد نسبة كبيرة من المديرات التنفيذيات في الشركات؟ هل السيدات هن اللواتي يتراجعن ويكبحن تقدمهن؟ أم أنك تعتقدين أن شيئاً آخر يحدث هنا؟
هنالك الكثير من الأسباب. وأحد الأمور التي عملنا عليها في شركة "آي بي إم" هو الحفاظ على السيدات ضمن القوى العاملة. فالكثير من السيدات يواجهن في الواقع مهام إضافية مثل إنجاب الأطفال، والاعتناء بالأهل المسنّين، والدخول والخروج المتكرر إلى ومن القوى العاملة، ولذلك ركّزنا اهتمامنا على برامج عمل مرنة تساعد السيدات على البقاء ضمن صف القيادة. وعلينا أيضاً بالطبع أن نعالج مسألة التحيّز. فمن الواجب طلب لائحة مرشحين متنوعة لكل وظيفة شاغرة. ولا أتحدث فقط عن التنوع العرقي والجنسي، بل عن التنوع الفكري أيضاً. وعليك أن تضمن أنّ موظفي شركتك يشعرون بالراحة في التعبير عن آرائهم بحرية. وكما نقول في شركتنا، عليك أن "تقدّر عالياً قيمة البطات البريّات"، فالقيمة تكمن في الاختلاف.