إذا كنت مثل الكثير من الرؤساء التنفيذيين الذين تحدثنا معهم على مدار الأشهر القليلة الماضية، فقد استثمرت أنت وفريقك القيادي في شركتك سنوات في غرس ثقافة فعالة تتسم بأنها مناسبة ومتسقة من الناحية الاستراتيجية لأنها تعطي الأولوية للسلوكيات الضرورية لنجاح أعمالك، وقوية لأن الموظفين يثقون في أنها حقيقية وأصلية ويثمنونها. فكيف بإمكانك الحفاظ على ثقافة مؤسستك في ظل الجائحة التي يعيشها العالم؟
إن غرس الثقافات داخل المؤسسات يساعد الشركات على جذب موظفين رائعين والاحتفاظ بهم ويساهم في تحقيق أداء مذهل فيما يتعلق بالدخل الصافي بعد خصم الضريبة.
ولكن قد تُضعف جائحة "كوفيد-19" ثقافة مؤسستك. فهل ستتضرر ثقافة مؤسستك لأن الموظفين لا يستطيعون مقابلة بعضهم شخصياً، ما يجعل من الصعب ترسيخ معتقداتهم المشتركة؟ وهل سيكونون أقل قدرة على استخدام ثقافة المؤسسة بوصفها خارطة طريق لاتخاذ قرارات جيدة في الأوقات العصيبة؟ وكيف يمكنك الاستمرار في بناء ثقافة مؤسستك وتعزيزها بينما يؤدى معظم العمل فيها عن بُعد؟
أظهرت البحوث أنه حتى عندما تخلق ثقافة متسقة استراتيجياً وقوية (بمعنى أنها تحظى بتأييد واسع ومُقدّرة بشدة)، فإنها لن تساعدك على المدى الطويل ما لم تعمل أيضاً على إرساء ثقافة تكيفية بصورة آنية. في الواقع، وجدت دراسة أجرتها جيني أن المؤسسات التي كانت متسقة استراتيجياً وقوية ورسّخت القدرة على التكيف بسرعة مع البيئات الدينامية حققت إيرادات سنوية أعلى بنسبة 15% مقارنة بالشركات التي تعمل في القطاع نفسه ولكنها أقل قدرة على التكيف،
حيث تُعد القدرة على التكيف الثقافي، التي تعكس قدرة مؤسستك على الابتكار والتجربة واغتنام الفرص الجديدة بسرعة، مهمة في هذه المرحلة التاريخية بوجه خاص. لذا يجب على القادة مواصلة ترسيخ ثقافة شركاتهم لمساعدة الموظفين في التركيز على المبادرات الأكثر أهمية حتى في الوقت الذي يواجهون فيه تحديات غير مسبوقة وظروف متغيرة باستمرار بسبب الجائحة.
كيف تصبح ثقافة مؤسستك قابلة للتكيف؟
إذن، ما هي الممارسات التي يمكنك تطبيقها لضمان أن تصبح ثقافة شركتك قابلة للتكيف أو لتظل كذلك؟ فيما يلي 3 خطوات لمساعدتك:
1. وظِّف ورقِّ الموظفين المرنين والمتكيفين والذين يحافظون على هدوئهم تحت وطأة الضغط. فهؤلاء الموظفون الذين يتمتعون بروح المغامرة سوف يستجمعون قوتهم ويستخدمون مهاراتهم لمواجهة التقلبات المعقدة التي تجلبها الجائحة. كما أنهم ثائرون؛ فهم يتسمون بحب الاستطلاع ولديهم رؤية ويتبنون الابتكارات ويستفيدون من الاختلافات ويحافظون على هدوئهم حتى عندما ينقلب العالم رأساً على عقب، ويُحدثون تغييرات إيجابية.
بالطبع إذا لم تكن ثقافة شركتك قابلة للتكيف بعد، كن صريحاً عند توظيف هؤلاء الموظفين. وأخبرهم أنك تتطلع إليهم ليكونوا وكلاء للتغيير.
2. اجمع أمثلة على كيفية تمسُّك المؤسسة بقيمها الثقافية من خلال الممارسات الجديدة وأخبر الموظفين بها. نظراً إلى أن الأشياء تبدو مختلفة للغاية في عالم ما بعد مرض "كوفيد-19"، ستحتاج إلى البحث عن أمثلة جديدة على الثقافة المنشودة وجمعها وتسليط الضوء عليها.
أدرك قادة شركة أدوية كبرى ترتكز على العمل في المقر الرئيسي أن الاجتماعات التي تُعقد من خلال برنامج "زووم"، التي اقتضاها فرض الحجر المنزلي، وفّرت فرصة أكثر تكافؤاً للموظفين للعمل من مواقع أخرى، ما جعل الشركة أكثر شمولاً؛ وهي قيمة من قيمها الأساسية. ولذلك وضعت الشركة معياراً تشغيلياً جديداً: إذا احتاج أحد الموظفين إلى حضور اجتماع عن بُعد، فسوف ينعقد الاجتماع عن بُعد لكل الموظفين.
وبالمثل، بدأت سلسلة متاجر للبيع بالتجزئة، تتسم بأنها تقدر قيمة الانفتاح والشفافية، في إجراء منتديات افتراضية بصفة منتظمة أثناء الجائحة وقد كانت مفتوحة لجميع الموظفين. وفي هذه المنتديات يستمع القادة إلى ما يدور في خلد الموظفين ويجيبون عن أسئلتهم. وبمجرد أن أجبر فرض الحجر المنزلي إحدى الشركات الإعلامية والترفيهية على جعل الموظفين يعملون عن بُعد، وقد كانت في السابق لا تشجع على ذلك، أدركت أن عدم تبنّي العمل عن بُعد لا يتسق مع قيمها التي تحث على الاستقلالية وتحمُّل المسؤولية. وبالتالي أبلغ القادة الموظفين بهذه الرؤية بصراحة من خلال اتصالاتهم الداخلية وتعهدوا بتقديم خيارات للعمل عن بُعد حتى بعد زوال الجائحة.
3. أظهِر القيم السامية. عندما بدأت الجائحة، قرر قادة سلسلة مطاعم البيتزا "آند بيتزا" (pizza&) التي تتخذ من واشنطن العاصمة مقراً لها وتقدم بيتزا مبتكَرة بيضاوية الشكل، أن هذا هو الوقت المناسب لتعزيز ثقافتهم. وكما أخبروا فرانشيسكا، كانت فلسفتهم التأسيسية هي "عمل الخير مع إصلاح أنفسنا" لكي يخدموا المجتمعات التي تقع فيها مطاعمهم.
أطلق قادة "آند بيتزا" مبادرة في مارس/آذار عام 2020 لتقديم بيتزا مجانية للعاملين في مجال الصحة في المستشفيات الذين يتعاملون مع مرضى "كوفيد-19". ومع إدراكهم للكيفية التي قد تُجهد بها الجائحة وترهق موظفيهم، فقد رفعوا أجر العاملين بالساعة وزادوا المزايا؛ على سبيل المثال وفروا المشاهدة المجانية لشبكة "نتفليكس" (Netflix) ودفعوا للموظفين مقابل الذهاب إلى مقرات العمل. كما أن الشركة منحت إجازة مدفوعة للموظفين الذين أرادوا المشاركة في المظاهرات التي اندلعت بعد مقتل جورج فلويد. ونتيجة لذلك، احتفظت الشركة بـ 90% من موظفيها، والـ 10% الذين غادروها هم مَن طلبوا في الأساس المغادرة لأسباب شخصية. (بلغ معدل دوران الموظفين فيها 10% قبل الجائحة).
من المحتمل بدرجة كبيرة أن تكون مؤسستك قد تكيفت بالفعل أثناء الجائحة بسرعة وفاعلية أكبر مما كنت تعتقد. لذا، استفد من هذا التقدم من خلال إعلام موظفيك بهذا الإنجاز وإرساء الممارسات التي ذكرناها في هذه المقالة. ومن المؤكد أن فعل ذلك سيعزز ثقافة مؤسستك، ما سيساعدها على التكيف مع كل ما ينتظرها في المستقبل.