هل تقول لنفسك إنك ستحسّن أداءك "في المرة المقبلة" لكن لا يشهد أداؤك أي تغيير لاحقاً؟ هل تقرر أداء مهمة ما "لاحقاً" لكنك لا تنفذها مطلقاً؟
إذا أجبت بـ "نعم" على أي من هذين السؤالين، فمن المحتمل أنك تتجاهل حقيقة أن السلوك الذي تمارسه اليوم هو مؤشر قوي على السلوك الذي ستمارسه غداً.
لكن تذكّر أنك لست وحدك، توصّلت مؤلفة كتاب "غريزة الإرادة" (The Willpower Instinct)، كيلي ماغونيغال، في دراسة بحثية إلى أن المشاركين لم يبدوا قوة الإرادة في اتخاذ قرارات مرتبطة بالصحة لافتراضهم وجود فرص أخرى في الأسبوع التالي. فعندما طُلب منهم الاختيار بين الزبادي الخالي من الدسم وشوكولا تويكس، اختارت نسبة 83% من الذين افترضوا وجود فرص أخرى في الأسبوع التالي شوكولا تويكس. كما افترضت نسبة 67% منهم أنهم سيختارون الزبادي في المرة القادمة، لكن نسبة 36% منهم فقط غيروا قرارهم. ومن ناحية أخرى، استمتعت نسبة 57% من الذين أدركوا أن هذه هي فرصتهم الوحيدة بخيارهم استمتاعاً كاملاً.
وثبتت صحة هذا النمط نفسه من التفاؤل المفرط حيال المستقبل في دراسة أُجريت على أشخاص طُلب منهم توقع مقدار ممارستهم التمارين الرياضية في المستقبل بواقعية، حيث بقوا متفائلين بحقيقة أن "الغد سيكون مختلفاً"، حتى عند قراءتهم البيانات الموثقة والمخزنة حول أنماط ممارساتهم السابقة.
وقد تكون عادات الأكل وممارسة الرياضة جيدة بالفعل، لكن بصفتي خبيرة في الاستثمار الفعال للوقت، رأيت الكثير من الأفراد الذين يختارون التسويف في العمل لافتراضهم أنهم "قادرون على إنجاز الكثير لاحقاً". ولسوء الحظ، نادراً ما يقود الاعتماد على المستقبل إلى نتائج مثمرة. إذ عادة ما تؤدي هذه العقلية إلى تدمير غير واعٍ للذات بسبب عدم استغلال المرء فرص إنجاز مهامه في الوقت الحالي، ما يجعله لاحقاً يشعر بالذنب والاستنفاد والإحباط لاختياره تسويف المهام التي لا يُنجزها بعد ذلك مُطلقاً.
ويظهر هذا النمط من السلوك في الوظيفة عندما تكون المهمة الوحيدة التي تنجزها خلال اليوم هي الرد على البريد الإلكتروني لافتراضك أنك ستقدم أداءً أفضل لاحقاً عندما يخلو المكتب من الموظفين، لكن بعد أن يغادر الجميع المكتب في نهاية اليوم، تجد نفسك متعباً للغاية بحيث يصعب عليك التفكير على نحو سليم، فتعود إلى المنزل خالي الوفاض. أو يظهر عندما تختار عدم إحراز أي تقدم بسيط في مشروع ما في أوقات فراغك لرغبتك في تخصيص يوم كامل لأدائه دفعة واحدة، ثم تفشل في تخصيص ذلك اليوم له، ما يجعلك تعمل بكل طاقتك في اللحظة الأخيرة. أو قد يظهر عندما تقبل كل دعوة إلى اجتماع دون أن تترك وقتاً لأداء مهامك، لتتساءل بعد ذلك عن سبب شعورك بالضغط في العمل وعدم امتلاكك أي وقت للراحة.
لكن سوء إدارتك الوقت اليوم سيؤدي إلى سوء إدارتك الوقت غداً ما لم تبذل جهداً واعياً لتغيير سلوكك. ضع في اعتبارك هذين النهجين لزيادة إنتاجيتك على نحو ملحوظ.
احذف الخيارات المستقبلية
إذا كنت تميل إلى إخبار نفسك أنك ستنجز عملك المهم لاحقاً، ربما في الليل أو في عطلة نهاية الأسبوع، مثل العديد من الأفراد المُرهقين، فإنك تزيد بالتالي فرصة التسويف في العمل خلال النهار. وفي الواقع، قد تجد صعوبة في إنجاز مهامك بكفاءة لاحقاً لشعورك بالتعب والاستياء من حقيقة أنك لا تستطيع التوقف عن العمل من دون الشعور بالذنب. وللتغلب على هذه الثغرة النفسية، عليك إلغاء خيار أداء المهام لاحقاً.
تحدّ نفسك أولاً لتخصيص أوقات محددة خلال يوم عملك لإكمال التزاماتك، وانظر إلى قائمة مشاريعك وقدّر المدة التي قد تستغرقها لإنجاز بعض عناصرها. على سبيل المثال، إذا كان لديك عرض تقديمي في نهاية الشهر، فحدد المدة التي قد تستغرقها في جمع المعلومات وإعداد العرض التقديمي ومراجعته مع فريقك والتدرب عليه، ثم خصص أوقاتاً محددة في جدول مواعيدك لإكمال كل شريحة منه، بدءاً من الوقت الحالي وحتى موعد إلقاء العرض التقديمي. سيساعدك هذا النهج المتمثّل في دمج قائمة المهام مع جدول مواعيدك على إدراك أن الوقت سينفد منك إن لم تستغله في العمل على المشاريع الرئيسية. باختصار، تجنّب تأجيل عمل اليوم إلى الغد، لأن ليوم غد مجموعة جديدة من المهام التي تنتظرك بالفعل.
بالإضافة إلى ذلك، تخلص من وقت الفراغ بعد ساعات العمل، فإذا لاحظت وجود وقت فراغ في جدول مواعيدك، فقد تميل إلى تأجيل العمل لافتراضك وجود فرصة لاحقاً، حتى لو اضطررت إلى أدائه خلال وقتك الشخصي، بل خصص ذلك الوقت للالتزامات الشخصية. قد يعني ذلك الخروج لتناول العشاء مع صديق ما، أو حضور مباراة كرة القدم التي يشارك فيها أطفالك، أو الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، أو بدء العمل على مشروع جانبي. فعندما تحدد ما تريد أداءه خارج المكتب، فإنك تحفز نفسك بذلك على الاستفادة القصوى من وقتك خلال اليوم حتى لا تضطر إلى إلغاء التزاماتك المسائية.
قلل التفاوت في جدول مواعيدك
إذا كنت تتصفح الإنترنت معظم اليوم بحجة أنك ستعمل دون توقف لاحقاً، فأنت تسير في درب الإحباط، لأنك عندما تبدأ العمل بالفعل، قد تشعر بالذنب تجاه نقص الإنتاجية، ما يصرف انتباهك عن المهمة التي تؤديها، أو قد تُجهد نفسك بالعمل بشدة لدرجة تستنفد قواك.
لحسن الحظ، ثمة طريقة للتغلب على حيلك العقلية، إذ أظهرت الدراسات التي أجراها الخبير في الاقتصاد السلوكي، هوارد راتشلين، أنه عندما طُلب من المدخنين تقليل التفاوت في سلوكهم في التدخين، أي تدخين الكمية نفسها من السجائر كل يوم، انخفض عدد السجائر التي يستهلكونها تدريجياً، على الرغم من أنه لم يُطلب منهم تقليل عدد السجائر. فعندما ركّزوا على حقيقة أنهم إذا أنهوا علبة سجائر اليوم، وأن عليهم إنهاء علبة أخرى في اليوم التالي وعلبة في اليوم الذي يليه، وجدوا أن تدخين تلك العلبة أصبح أقل جاذبية.
ويمكن تطبيق المبدأ نفسه لتحفيز الإدارة الفعالة للوقت، فبدلاً من أن تقول لنفسك: "لا بأس إذا كنت أتصفح الإنترنت على مدى نصف اليوم لأنني سأعمل كثيراً خلال هذا الأسبوع"، اسأل نفسك هذا السؤال: "هل أرغب في تصفح الإنترنت على مدى نصف كل يوم لبقية حياتي؟" ستكون إجابتك على الأرجح: "بالطبع لا، سيكون ذلك مضيعة للوقت"، وتقرر تخصيص هذا الوقت لأداء عمل أكثر إنتاجية على أساس منتظم. فاختيار أداء المقدار نفسه من العمل كل يوم مع اختلاف بسيط في جدول المواعيد يزيل الثغرة الذهنية التي تحفزك على التهرب من إنجاز مهامك الآن.
وقد تساعدك الاستفادة من وقتك الحالي بحكمة بدلاً من الاعتماد على المستقبل على الحفاظ على التزامك بأهدافك. وإذا كان لديك مشروع في العمل تتجنّبه منذ أشهر أو بعض تقارير المصروفات التي تأخرت في تسليمها، فجرب تطبيق هذه الاستراتيجيات لتحقق تقدماً بسيطاً في هذه المهام اليوم وتتخلص من عادة التسويف في العمل.