لبناء ثقافة شاملة.. ابدأ بإجراء اجتماعات شاملة

5 دقائق
بناء ثقافة شاملة في الشركة

أغلب الظن أنك حضرت اجتماعاً اليوم، فهل انتفعت من الوقت الذي قضيته فيه، أم كان شيئاً لا طائل من ورائه سوى استنزاف قواك؟ على الرغم من أن طبيعة الاجتماعات تختلف من اجتماع إلى آخر، فإن أثرها الكلي على ثقافة الشركة أثر بالغ. الاجتماعات عنصر مهم، فهي الملتقى الذي يناقش فيه الأشخاص أفكارهم، ويتخذون قراراتهم، ويسمعون بعضهم. الاجتماعات هي التربة التي تتشكل فيها الثقافات وتنمو وتترسخ. فكيف يمكن بناء ثقافة شاملة في الشركة؟

الاعتماد على الاجتماعات لبناء ثقافة شاملة

من المنطقي أنه إذا أرادت المؤسسة التحلي بثقافة أكثر شمولية –وكان قادتها عاقدين العزم على تجسيد هذه الثقافة– فالاجتماعات هي نقطة البداية. ولكن يمكننا القول من واقع خبرتنا إن المسؤولين التنفيذيين غالباً ما يخطئون الهدف، فقيادة اجتماع أشبه بمحاولة تدوير الأطباق في السيرك، لأن الأمر يستلزم الانتباه إلى الكثير من التفاصيل: مثل تحديد جدول الأعمال، وإدارة الوقت، وحل النزاعات، وصناعة القرارات، إلخ. كل ذلك وتريد إضافة عنصر الشمول؟ مَن ذا الذي يطيق إضافة طبق آخر إلى الأطباق الموجودة بالفعل في الهواء؟

ولكن هذا واجب القادة.

أثبتت عقود من البحث أن المؤسسات الغنية بالتنوع أكثر ترابطاً وإبداعاً ونجاحاً على الصعيد المالي. يمكن قياس تعيين موظفين ذوي خلفيات متنوعة والتحكم في عملية التعيين من خلال التدقيق في الأرقام، ولكن حين نخرج بهذه الممارسة من أجواء المختبرات ونطبقها على أرض الواقع في بيئات العمل اليومية، كالاجتماعات مثلاً، فسنجد صعوبة في رصد النتائج الإيجابية.

سبق أن أجرينا دراسة بحثنا فيها تقوية الأداء بطريقة 360 درجة مجموعة من أكثر من ألف عنصر نسائي يشغل منصباً تنفيذياً، توصلنا من خلالها إلى رؤى وتصورات حول الأسباب التي تدفع البعض إلى الشعور بالاستبعاد في أثناء الاجتماعات، فقد وجدنا أن المرأة لا تستريح في الغالب إلى الجهر برأيها، كما أن كلامها يتعرض للمقاطعة بواقع الضعفين في أثناء المحادثات الجماعية – خصوصاً في القطاعات والمؤسسات التي يسيطر عليها الذكور. وتكشف لنا خبراتنا الأحدث في مجال التدريب أن الرجال المنتمين إلى الأقليات يشعرون بالمثل. وإذا فشلت المؤسسات في معالجة هذه المسألة، فستظل المعاناة من التهميش مصير المرأة والأقليات، ومن ثم، ستتعطل القدرات الإبداعية والابتكارية لدى المؤسسات.

اقرأ أيضاً: ما هي أسرار بناء الثقافة المؤسسية الناجحة؟

يتطلب تهيئة سبل النجاح أمام القوة العاملة المتنوعة التزاماً بممارسات الاحتواء. وهذا يعني أن هناك المزيد من الشركات في حاجة لترسيخ ثقافة الاجتماعات التي تمكّن المشاركين بمختلف أطيافهم من الحصول على فرص متساوية في إحداث التأثير. وأنت مسؤول كقائد عن بذل كل جهد ممكن لإتاحة الفرصة أمامهم للقيام بذلك.

ثلاثة جوانب رئيسية لبناء اجتماعات شاملة

تكمن المشكلة في أن الكثير من القادة لا يعرفون من أين يبدؤون، خاصة أن سلوكيات الاحتواء في الاجتماعات تأخذ عدة مستويات، بداية من الحرص على حصول الجميع على مقعد على طاولة الاجتماعات، وحتى إعطاء كل مشارك الفرصة في الحديث. ولتبسيط ما يرقى إلى مستوى معادلة رياضية معقدة، فإننا ندرب القادة على التركيز على ثلاثة جوانب رئيسية.

العادات

تؤكد بريا باركر، مؤلفة كتاب "فن الاجتماع" (The Art of Gathering)، أهمية تهيئة الأوضاع الملائمة لشيوع جو من الاحتواء حتى قبل أن يبدأ الاجتماع. ركز على السلوكيات الهيكلية التي تُشعر الحضور بالارتياح. قد تكون هذه السلوكيات في بساطة إرسال رسالة بالبريد الإلكتروني إلى المشاركين في الاجتماع قبل انعقاده بوقت مناسب، ودعوتهم للحضور "وهم مستعدون للإدلاء بتصوراتهم وأفكارهم بقدر استعدادهم لسماع ما سيدور من حوار". قد يبدو هذا الأمر تافهاً ويمكن أن توكل به موظفاً آخر غيرك، ولكننا نجزم من واقع اتصالنا ببيئة العمل اليومية أن القادة أحسن من يستطيع بث روح الطمأنينة والأمان في الأشخاص في مثل هذا النوع من المواقف.

وتقترح بريا أيضاً على القادة أن يُظهروا ما تُطلق هي عليه مصطلح "النفوذ الرقيق" – وهو سلوك مهذب، ولكنه لا يهز شخصية القائد. ولكي تمهد الطريق، لا بد أن تحيي الحضور بأسمائهم عند دخولهم لغرفة الاجتماع، واحرص على توفير كراسي تكفي الجميع.

وفي أثناء الاجتماع نفسه، ينبغي التأكيد على العادات والتوقعات مسبقاً. أبلغ الحضور أن بمقدورهم أن يتحدثوا بحرية وأن يقولوا آراءهم المخالفة دون خوف من العقاب. وإذا كان هناك أشخاص يظهرون ميولاً انطوائية في أثناء الاجتماع، فيمكنك البدء بنشاط قصير يشارك فيه الجميع ويُساعد الحضور على التعرف بعضهم على بعض بصورة أفضل. وإذا كان عدد المجموعة كبيراً، فيمكنك إما أن تقسمها إلى فرق أصغر عدداً، أو أن تطلب من المشاركين تبادل مقاعدهم في منتصف الاجتماع.

السلوك

إن دور قائد الأوركسترا هو التحكم في إيقاع الأداء والسيطرة عليه، حيث يستمع القائد بأذن الناقد، ليحافظ على وحدة أداء العازفين، كما يتحكم في ديناميكية الأداء، ليمنع طغيان آلة موسيقية على باقي الآلات. والأمر سيان بالنسبة للقادة في الاجتماعات – أنت في حاجة للسيطرة على السلوك والتحكم فيه من أجل إفساح المجال أمام كل فرد لأن يؤدي دوره.

في كثير من الأحوال تسيطر شخصية قوية واحدة على مجريات المحادثة. وفي أحوال أخرى، تجد "زمرة" أو مجموعة من الحلفاء يتشاطرون فيما بينهم عدة قواسم مشتركة كالنوع والاهتمامات الشخصية أو الأقدمية الوظيفية. تحتل تلك الفئة في الغالب مساحة كبيرة في الغرفة، وتدعم الأفكار نفسها وتتكلم بصوت مرتفع للغاية، ما يؤدي إلى الاعتداء على الآخرين في الكلام وإسكات الآراء المخالفة. وبغض النظر عن التفاصيل، فإن مهمتك هي أن تتدخل حين تتجاوز هذه الشخصيات القوية، وأن توقف المعتدين عند حدهم، وأن تشرك الجميع في المحادثة.

خذ النصيحة من أكثر عملائنا نجاحاً:

  • حدد قواعد واضحة وراسخة في بداية الاجتماع والتزم بها، فحين يتم تقنين السلوكيات في الاجتماعات الشاملة، فإن هذا يسلط الضوء على المخالفين، ويجعل الجميع على وعي بحقوقهم ومسؤولياتهم.
  • راقب هؤلاء الذين يميلون إلى السيطرة والذين يقاطعون غيرهم دوماً، وإذا ما حاول أحدهم السيطرة على الحديث، فتدخل وأعد توجيه المحادثة نحو المجموعة كلها.
  • سارع بالتدخل إذا ما تم قطع حديث أحدهم. قد تقول شيئاً على غرار: "انتظر لحظة، إنني أرغب في سماع المزيد مما لدى هاني" أو "انتظر، إنني مهتم حقاً بما كان يقوله سالم، هل يمكنك أن تكمل حديثك؟".

إن القادة الذين ينجحون في ضبط أوجه التفاعل في أثناء الاجتماعات بهذه الطريقة إنما يوجدون مساحة لاحتواء الجميع، وذلك عن طريق ترك مساحة يستطيع الجميع المشاركة من خلالها، علاوة على وضع قواعد تلزم الجميع بإبداء صنوف الاحترام المتبادل داخل المجموعة.

الالتزام

لقد قطعت معظم المؤسسات بالفعل شوطاً طويلاً فيما يتعلق بالتنوع على صعيد ممارسات التوظيف وتكوين فرق غنية بالتنوع، وينبغي أن يحدث المثل فيما يتعلق بالاحتواء – ذلك أننا في حاجة للتأكيد أن الاحتواء هو المعيار الأول في الاجتماعات وغيرها.

إذا كنت قائداً، فابدأ بنفسك:

  • ضع تعريفاً واضحاً للاحتواء.
  • كن واضحاً وشفافاً حيال شكل الاحتواء في أثناء الاجتماعات.
  • كن نموذجاً للسلوك الذي تتوقع رؤيته من الآخرين.
  • حمّل الفرق مسؤولية متابعة هذا النمط في كل مرة.

حينها فقط، سيشعر الجميع بالتمكين لعرض أفضل ما لديهم من أفكار، وقول الحقيقة بدلاً من قول ما يعتقدون أنك ترغب في سماعه.

من المهم أيضاً أن تتذكر أن قيادة اجتماع يهدف إلى الاحتواء إنما هو مهارة عليك اكتسابها وصقلها. اعرف السلوكيات التي تجدي، والتي لا تجدي، عن طريق طلب تعقيبات أعضاء فريقك ومعرفة آرائهم – إما في نهاية الاجتماع، أو عن طريق البريد الإلكتروني أو تطبيق يسمح بإخفاء الهوية.

قائمة مرجعية لقيادة اجتماعات تهدف إلى الاحتواء:

  • راجع قائمة الحضور: هل تفتقر إلى بعض الحضور الذين يمثلون وجهات نظر مختلفة أو معارضة؟
  • أرسل جدول أعمال الاجتماع مسبقاً.
  • قم بتحية كل مشارك بحرارة وباسمه، حتى يشعر الجميع بأن وجودهم مهم.
  • حدد قواعد المجموعة مسبقاً واحرص على أن تشجع هذه القواعد بصورة صريحة على الاحتواء.
  • العب دور الوسيط والمساعد: راقب من يتحدث – ومن لا يتحدث. ولا تظهر أي إشارة على التسامح بشأن المقاطعات، ولا تسمح لأحد أبداً بالسيطرة على مجريات الحديث أو تعطيلها أو إخراجها عن مسارها.
  • حافظ على مشاركتك في الحديث من البداية وحتى النهاية.
  • قم بأعمال المتابعة بعد الاجتماع، واشكر الحضور على مشاركتهم، واطلب منهم رأيهم وتعقيباتهم.

لقد تطورت الاجتماعات على مر السنين: فصرنا نلتقي في الفضاء الافتراضي، عبر مناطق زمنية مختلفة، وغالباً، ما يكون الوقت الذي نقضيه وجهاً لوجه أقل بكثير، لكنّ هناك شيئاً واحداً لم يتغير، وهو أن الاجتماعات ما زالت هي الوسيلة الرئيسية لبناء ثقافة شاملة تماماً تجعل الجميع يشارك في تقديم أفضل ما لديه في أثناء العمل وتعدِّهم لذلك أيضاً. ومهمتك كقائد هي أن تحرص على أنهم يقدمون فعلاً أفضل ما لديهم.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي