كيف يستثمر الأطباء كاريزما “كوفيد-19″؟  

4 دقائق
shutterstock.com/Jaroslav Moravcik

من الدروس المبكرة لتداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد، تحول نظرات الاهتمام الرسمي والمجتمعي إلى أبطال الصفوف الأمامية مقابل أفول نجم مشاهير التواصل الاجتماعي ومؤثريه. هذا التحول الطبيعي في تحول الاهتمامات والأولويات العامة فرضته الأحداث المتسارعة التي جعلت من المعلومة الصحية الدقيقة والموثوقة كنز يسعد الناس بسماعه كل صباح. فهل يستطيع أبطال الصفوف الأمامية وتحديداً في قطاع الرعاية الصحية الحفاظ على هذا الزخم الإعلامي والمجتمعي الإيجابي لما بعد الأزمة؟

بات ملحوظاً تزايد الاهتمام العام بالشؤون الصحية خلال الوقت الراهن، ومتابعة الناس لكافة المستجدات الصحية المرتبطة بفيروس "كوفيد-19" أو كورونا المستجد، وتتبّع سبل الوقاية أو الفحص أو حتى أخبار لقاحات العلاج التي تشغل العالم اليوم بأبحاثها وتجاربها.

ولعل هذه الجهود التوعوية التي تقود مسيرتها منظمة الصحة العالمية مع جهود مركزة من السلطات المحلية في كل دولة، باتت أكثر تداولاً وقبولاً بين أوساط العامة مما سبق. ومن المبادرات الاتصالية اللافتة للمنظمة خلال هذه الأزمة، قيامها بتوظيف مبتكر للجهود المجتمعية من خلال استقطاب الكفاءات الإبداعية في صناعة المحتوى المؤثر بشكل تطوعي ضمن أولويات ورسائل اتصالية محددة.

التواصل الصحي 

الحقيقة أن تواصل القطاع الصحي بشكل عام مع المجتمع، قضية ذات اهتمام واسع في مهنة التواصل والعلاقات العامة، حيث تسمى بمسميات متعددة كالإعلام الصحي أو التثقيف الصحي، وسأسميها مجازاً هنا "التواصل الصحي" لأن هذا الوصف فيه شمولية أكبر لوظائف الاتصال التي لا تقتصر على الإعلام والتثقيف فحسب، بل تمتد لجوانب حيوية أخرى منها التواصل بين الأطباء والمرضى وما يرتبط بذلك من تقنيات نفسية واجتماعية عالية فضلاً عن اعتبارات الخصوصية.

وكذلك يشمل التواصل الصحي مجالات بناء العلامات الطبية التجارية والترويج لها سواء على صعيد الكوادر المؤهلة أو المعدات أو الأدوية، حيث ترتبط عادة هذه الأمور بقيود قانونية وأخلاقية تحد من انتشارها في الأماكن العامة ووسائل الإعلان أو الإعلام التقليدية كالطرق العامة وصالات السينما وغيرها.

وفي المقابل، هناك أمثلة أخرى لتشريعات مرتبطة بجهود التواصل بحيث تنظّم مسؤوليات الأفراد والمجتمع فيما يخص قطاع الرعاية الصحية. ومن ذلك مثلاً القرار الصادر أخيراً من مجلس الوزراء الإماراتي، الذي يقضي بتنظيم نشر وتبادل المعلومات الصحية الخاصة بالأمراض السارية والأوبئة، وذلك في سياق مجابهة تداعيات "فيروس كورونا المستجد". فوفق هذا القرار، سيتم فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم لكل من يستخدم الإعلام أو حساباته في التواصل الاجتماعي وغيرها من طرق في مجال نشر المحتوى المضلل أو حتى إعادة نشر هذا المحتوى من حسابات أخرى. ويشمل ذلك المعلومات والإرشادات الكاذبة أو المضللة أو المغلوطة أو غير المعلنة رسمياً أو المخالفة لما تم الإعلان عنه.

ومن منطلق تعزيز احترافية عملية التواصل لهذا القطاع الحيوي الذي يمس حياة كل إنسان على هذه البسيطة، فقد بادرت العديد من الشركات الاستشارية العالمية باستحداث وحدات متخصصة في "التواصل الصحي"، والتي يمزج مستشاروها الخبرة الاتصالية بالمعرفة الصحية بحيث يكونوا أكثر قدرة على تصميم الاستراتيجيات الملائمة والمبادرات المؤثرة. وهو ما توفره بعض شركات التواصل التسويقي العالمية في منطقة الشرق الأوسط، ولكن دون وجود ظهور شركات محلية متخصصة في هذا القطاع الحيوي كما شهدنا في القطاعات المالية أو العلامات الفاخرة وغيرها.

وفي هذا السياق، ترتبط وظيفة التواصل الصحي ارتباطاً وثيقاً بعملية بناء السمعة المؤسسية، حيث تشير دراسة صادرة عن مؤسسة الأبحاث الوطنية (NRC) إلى أن سمعة المستشفى مهمة جداً لدى حوالي 87% من المرضى الذي يتخذون قرار المكوث فيه أو البحث عن بديل موثوق لتلقي العلاج اللازم. وتشير نفس الدراسة التي تم استخلاص نتائجها عبر استطلاع آراء ما يقارب الـ 270 ألف مريض أن حوالي 44% من الناس يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن المعلومات الطبية الموثوقة في سياق استخداماتهم المرتبطة بالجانب الصحي.

ويبدو مهماً الإشارة هنا إلى أن مصداقية أي منتج قد تزيد في حال تم الاستعانة بطبيب متخصص ومعروف لترويج المنتج أو على أقل تقدير النصح باستخدامه كمعجون أو فرشاة الأسنان، أو العدسات اللاصقة أو المكمّلات الغذائية أو الواقيات الذكرية وغيرها من منتجات العناية الشخصية ذات الارتباط بصحة الإنسان. لذلك تعمد بعض المؤسسات الصحية العريقة لتبني سياسة معلنة حيال ذلك حفاظاً على نزاهتها.

هذا الأسلوب يسمى في علم العلاقات العامة بشهادة الأطراف المحايدة أو الموثوقة (Third Party Advocacy or Endorsement)، وهو أسلوب مدروس مبني على فهم سيكلوجية الإقناع لدى المجتمع. ويستخدم بطبيعة الحال في أغراض أخرى تجارية كانت أو حتى سياسية لتسويق أفكار ورؤى ذات أجندة معينة، كأن يتم الاستعانة بمراكز الأبحاث والأكاديميين (المعروف بتوافق رأيها مع الجهة المتعاقدة سلفاً) لاستعراض رأيهم في قضية فرض الضرائب في دولة معينة على سبيل المثال.

تبسيط العلوم أساس التواصل الفعال

وتتقاطع مبادئ "التواصل الصحي" مع مفهوم متخصص آخر هو "التواصل العلمي" والذي يعتبر أنضج نسبياً في وطننا العربي من حيث الممارسة، وبات منهجاً تميّزت فيه العديد من الجهات والمبادرات الرائدة في المنطقة، مثل مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ومؤسسة دبي للمستقبل، ومبادرات خاصة مثل مجلة العلوم للعموم وناشيونال جيوغرافيك، وفي وقت سابق إنتاجات مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية كبرنامج سلامتك وغيرها. وتتلخص فكرة "التواصل العلمي" باعتباره مجالاً يهتم بتبسيط العلوم والمفاهيم الفنية المعقدة لتكون بمتناول العامة بقالب جذاب وعصري. وتكون نتائج هذا التواصل على شكل برامج تلفزيونية او مقاطع مصورة أو حسابات توعوية في التواصل الاجتماعي أو مجلات أو مؤتمرات أو مسابقات وغيرها من الأفكار المبتكرة والتفاعلية التي تجعل من العلم وسيلة ممتعة وفي متناول الجميع.

هل يستطيع القطاع الصحي استثمار هذا الوهج لما بعد الأزمة؟

وعودة لسؤالنا في بداية المقال، إن كان يمكن الاستفادة من هذا الاهتمام المتزايد بالقطاع الصحي والعاملين فيه لأغراض توعوية وإيجابية. فإن الحقيقة الواضحة التي ينبغي التأكيد عليها أن التواصل الصحي ليس مجالاً مقتصراً على ظهور الأزمات فحسب، بل هو وظيفة استراتيجية تستحق الاستثمار بها بعد هذه الأزمة.

ويمكن تلخيص فرص تطوير التواصل الصحي في المنطقة بعد إنجلاء الظروف الاستثنائية، من خلال المجالات الـ 7 التالية:

  1. تقييم (وإعادة هيكلة عند الحاجة) لإدارات التواصل من حيث الحوكمة والمسؤوليات والكوادر البشرية، بشكل يجعلها قادرة على تولي مختلف المسؤوليات الاتصالية من تخطيط استراتيجي، وبحوث استطلاعية، وتقييم للحملات التوعية، وتنفيذ البرامج والأنشطة باحترافية عالية.
  2. بناء القدرات المتخصصة من المتحدثين الرسميين والفرق العاملة في المؤسسات الصحية بما يجعلها قادرة على تولي أدوارها بكفاءة.
  3. المبادرة بالتواصل مع المجتمع بشكل مبتكر وتفاعلي حول ما يمس قضايا الصحة العامة.
  4. إشراك المؤسسات الإعلامية أو الشركات العاملة في القطاع الصحي بمبادرات مرتبطة بالمسؤولية المجتمعية يتم من خلالها تكثيف الجهود التوعوية بقضايا الصحة العامة كيوم الصحة النفسية أو مواجهة أمراض مجتمعية مزمنة كالسكري والسمنة وغيرها.
  5. تشجيع الدراسات المجتمعية المعنية بتحليل سلوك المتعامل/ المريض (متلقي العلاج) وتفضيلاته في التعامل مع المعلومات الطبية والمؤسسات الصحية، مع توظيف علم التحفيز السلوكي وفق مخرجات تلك النتائج عبر تقنيات الترغيب (Nudging).
  6. تكثيف برامج تعزيز التواصل الوظيفي وبناء ثقافة العمل الإيجابية تحت مظلة إدارات التواصل الصحي.
  7. أخيراً، يمكن أن تلعب النقابات المهنية بقطاع الرعاية الصحية دوراً في تبني مواثيق أخلاقية لتنظيم عملية الترويج للعلامات التجارية الطبية والأدوية بشكل يحد من تضارب المصالح إلى جانب ضبط التعامل مع مبادئ خصوصية المعلومات والشفافية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي