في قاموس الإدارة، الرئيس التنفيذي هو مثال القيادة وتجسيدها الأكمل. لكنّ المفاجئ في الأمر هو أننا لا نعلم الكثير عن هذا المنصب الفريد من نوعه. ورغم أنّ الرؤساء التنفيذيين يمثلون السلطة النهائية في شركاتهم، إلا أنّهم يواجهون تحدّيات وعوائق لا يدركها إلا قلة من الآخرين.
إنّ إدارة شركة كبيرة هو مهمّة في غاية التعقيد. كما أنّ نطاق العمل المطلوب لإدارة المؤسسة واسع وينطوي على جداول أعمال خاصّة بالوظائف، وجداول أعمال خاصّة بالوحدات التجارية، ومستويات مؤسسية متعدّدة، والكثير الكثير من القضايا الخارجية. كما يشمل مجموعة واسعة من الجهات التي ينبغي التعامل معها من مساهمين، وزبائن، وموظفين، ومجلس إدارة، ووسائل إعلام، وحكومة، ومؤسسات مجتمعية، وغيرها. وخلافاً لأي تنفيذي آخر، فإنّ الرئيس التنفيذي يجب أن يتعامل معها جميعاً. وإضافة إلى ذلك، يجب على الرئيس التنفيذي أن يكون الواجهة الداخلية والخارجية للمؤسسة في السرّاء والضرّاء. وبطبيعة الحال، فإنّ الرئيس التنفيذي يحظى بالكثير من الدعم والموارد الموضوعة تحت تصرّفه. لكنّه أكثر من أي شخص آخر في المؤسسة يواجه ندرة حادّة في أحد هذه الموارد، ألا وهو الوقت. فليس هناك البتّة ما يكفي من الوقت لفعل كل شيء يعتبر الرئيس التنفيذي مسؤولاً عنه. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ الرؤساء التنفيذيين يظلون مسؤولين عن كل أعمال مؤسساتهم.
والطريقة التي يوزّع بها الرؤساء التنفيذيون وقتهم وحضورهم – حين يختارون المشاركة شخصياً – تعتبرُ حاسمة، ليس فقط بالنسبة لفعاليتهم في العمل وإنما فيما يخص أداء شركاتهم أيضاً. فالأماكن التي يتواجد فيها الرؤساء التنفيذيون والطريقة التي يشاركون بها تحدّد المهام التي يقومون بإنجازها وتبعث بإشارات عن أولوياتهم كما أنّ ذلك يؤثّر على مصداقيتهم. فالرئيس التنفيذي الذي لا يقضي وقتاً كافياً مع زملائه سيبدو معزولاً ومنقطعاً، في حين أن الرئيس التنفيذي الذي يقضي وقتاً زائداً عن اللزوم في عمليات اتخاذ القرارات غير المباشرة معرّض لخطر النظر إليه كشخص يتدخل في أدق التفاصيل ويحدّ من المبادرة من جانب الموظفين. وبالتالي، فإنّ جدول أعمال الرئيس التنفيذي (لا بل جدول أعمال أي قائد)، هي تعبير عن الطريقة التي يقود بها وتبعث برسائل قوية إلى باقي المؤسسة.
ثمّة حلقة مفقودة أساسية في فهم كيفية توزيع الرؤساء التنفيذيين لوقتهم وكيفية زيادة فعالية هذه العملية. وتتمثّل هذه الحلقة المفقودة في غياب البيانات المنهجية التي تبيّن ما الذي يفعله الرؤساء التنفيذيون في واقع الأمر. فالأبحاث التي تناولت هذا الموضوع كانت إمّا تغطّي حفنة صغيرة من الرؤساء التنفيذيين، كما هو الحال مع دراسة أجريت عام 1973 واعتمد فيها هنري مينتزبيرغ على المراقبة الوثيقة لخمسة رؤساء تنفيذيين (بعضهم كان يقود مؤسسات لا تتوخّى الربح) لمدّة خمسة أيام لكل واحد منهم، أو كانت تعتمد على مسوح كبيرة تغطّي فترات قصيرة (مثل دراسة زميلتنا في كلية هارفارد للأعمال رافاييلا سادون عام 2017 والتي تستند إلى مسوح هاتفية يومية مع 1114 رئيساً تنفيذياً من مجموعة متنوّعة من الشركات في ستّ دول على مدار أسبوع واحد).
تقدّم دراستنا، التي أطلقناها عام 2006، أوّل استعراض شامل ومفصّل للكيفية التي يستعمل الرئيس التنفيذي بها وقته في الشركات الكبيرة والمعقّدة على مدار فترة طويلة. وحتّى تاريخ اليوم تتبّعنا كيفية استعمال 27 رئيساً تنفيذياً (امرأتان و25 رجلاً) لوقتهم على مدار ثلاثة أشهر (ربع سنة بالكامل). وقد بلغ متوسط الإيرادات السنوية لشركاتهم التي تعتبر بصورة أساسية مدرجة في البورصة 13.1 مليار دولار خلال فترة الدراسة. وكان هؤلاء القادة جميعهم من المشاركين في "ورشة العمل الخاصة بالرئيس التنفيذي الجديد"، وهي عبارة عن برنامج مكثّف يجمع سنوياً الرؤساء التنفيذيين المعيّنين حديثاً في شركات كبيرة في كلية هارفارد للأعمال ويقسّمهم إلى فئتين تضم كل واحدة منهما 10 إلى 12 شخصاً. وقد بلغ العدد الإجمالي للرؤساء التنفيذيين الذين شاركوا في البرنامج أكثر من 300 رئيس تنفيذي.
في هذه الدراسة، درّبنا المساعد الشخصي (أو المساعدة الشخصية) لكل رئيس تنفيذي على ترميز وقت الرئيس التنفيذي ضمن فترات زمنية يبلغ طول كل واحدة منها 15 دقيقة، على مدار 24 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع، وعلى تدقيق هذه الترميز مع الرئيس التنفيذي بصورة منتظمة. وقد كشفت مجموعة البيانات الناتجة أين، وكيف، ومع من أمضى الرئيس التنفيذي وقته وفي أي أنشطة ومواضيع ومهام. وبما أنّ هذا الأمر يغطّي أيضاً ما يفعله الرؤساء التنفيذيون خارج أروقة العمل، فإننا قادرون على الاطلاع على مدى التوازن بين العمل والحياة الشخصية للرؤساء التنفيذيين. وبالإجمال، جمعنا البيانات وقمنا بترميزها لتغطي ما يقارب 60 ألف ساعة في حياة هؤلاء الرؤساء التنفيذيين.
بعد أن استكمل الرؤساء التنفيذيون مرحلة تتبّع الوقت، راجعنا معهم بياناتهم، وقارّناها مع بيانات الرؤساء التنفيذيين الآخرين الذين درسناهم حتى ذلك الوقت بعد إخفاء أسمائهم. وغالباً ما شملت جلسات المراجعة المكثّفة هذه تأمّلات الرؤساء التنفيذيين للضغوط التي واجهوها في إدارة وقتهم، ولأخطائهم، والدروس المستفادة. كما عرضنا البيانات المتراكمة على المشاركين في كل ورشة عمل للرؤساء التنفيذيين الجدد. وقد أسهمت الملاحظات والأسئلة والمقاربات الشخصية المتّبعة في توزيع الوقت وتخصيصه والتي عرضوها علينا في إغناء فهمنا.
في هذه المقالة، سوف نفعل ثلاثة أشياء: أولاً، سوف نستعرض تحليلاً وصفياً للبيانات لنتعرف من خلاله على ما يلي: ما حجم الوقت الذي يمضيه الرئيس التنفيذي في العمل مقابل الوقت المخصّص للأنشطة الشخصية؟ كم يقضي من الوقت في الاجتماعات مقابل التفكير والتأمّل الذاتي والاختلاء بالنفس؟ ما حجم اعتماده على البريد الإلكتروني في مقابل المحادثات التي يعقدها وجهاً لوجه؟ هل يقضي وقتاً أطول داخل الشركة أم خارجها، وهل يقضي وقتاً أطول مع الزبائن أم مع المستثمرين؟ سوف نجيب عن هذه الأسئلة وغيرها الكثير.
ثانياً، سوف نقدّم وصفات تبيّن للرؤساء التنفيذيين كيف يديرون وقتهم بفعالية أكبر أثناء اضطلاعهم بالعديد من المسؤوليات. واحدة من أكثر الملاحظات إثارة للذهول هي وجود تباين هائل في طريقة توزيع القادة لوقتهم. (راجع الفقرة الجانبية التي تحمل عنوان "التطلّع إلى تجاوز المتوسطات"). يعكس بعض هذا التباين الفروقات الموجودة في أعمال شركاتهم وممارساتهم الإدارية. لكنّ العديد من القرارات الخاصّة بتوزيع الوقت مثل المشاركة في طقوس الشركة التي لا تقدّم إلا عوائد محدودة، تعكس معايير وثقافات موروثة، فضلاً عن العادات الشخصية لكل رئيس تنفيذي. وفي اجتماعات المراجعة اللاحقة التي عقدناها مع الرؤساء التنفيذيين أقروا جميعا بوجود مجالات مهمّة كان بوسعهم استعمال وقتهم فيها بشكل أفضل. وبناءً على هذه النقاشات وكذلك النقاشات التي خضناها مع مئات الرؤساء التنفيذيين في ورش عملنا، نحن مقتنعان بأنّ كل قائد قادر على تحسين إدارته لوقته.
أخيراً، سوف نتأمّل في الخلاصات التي تكشفها بياناتنا الغنيّة عن الدور الإجمالي للرئيس التنفيذي الذي يتعيّن عليه في الوقت ذاته إدارة عدّة جوانب للنفوذ، وكلّها تنطوي على ثنائيات، أو تناقضات ظاهرة، ويجب على الرئيس التنفيذي الفعّال أن يضمن تكاملها. وبالتالي فإنّ فهم النظرة الأوسع للدور هو أمر أساسي للنجاح كما أنّه يوفّر منظوراً هامّاً لإدارة الوقت أيضاً.
ورغم أنّ بحثنا يركّز على دور الرئيس التنفيذي في الشركات الكبيرة والمعقّدة إلا أنّ لنتائجه تبعات على جميع القادة (بما في ذلك التنفيذيين في المنظمات التي لا تتوخّى الربح) الباحثين عن طرق وسبل لاستعمال وقتهم ونفوذهم بقدر أكبر من الفعالية.
وظيفة شديدة الاستنزاف
الرؤساء التنفيذيون هم دائماً على أهبة الاستعداد وهناك دائماً المزيد الذي يجب فعله. فقد عمل القادة الذين شملتهم دراستنا 9.7 ساعات في المتوسط في يوم العمل الواحد في المتوسط. كما أنجزوا أعمالاً في 79% من أيام عطلة نهاية الأسبوع، حيث عملوا 3.9 ساعات يومياً في المتوسط، وفي 70% من أيام الإجازات السنوية، بمعدّل متوسط بلغ 2.4 ساعة يومياً في المتوسط. وكما تظهر هذه الأرقام، فإن وظيفة الرئيس التنفيذي هي عمل لا هوادة فيه.
نصف عمل الرئيس التنفيذي (47%) تقريباً كان يُنجز في المقر الرئيسي للشركة، أمّا بقيّة العمل فقد كان يُنجز أثناء زيارة مواقع أخرى تابعة للشركة، أو في اجتماعات خارجية مع الجهات المعنية، أو أثناء الانتقال بين العمل والسكن، أو خلال السفر، أو في المنزل. وبالإجمال، فإنّ الرؤساء التنفيذيين في دراستنا عملوا في المتوسط 62.5 ساعة أسبوعياً.
فلماذا هذه الأجندة المرهقة؟ لأنها جزء أساسي من الدور. فكل جهة مرتبطة بالشركة تريد التواصل المباشر مع الشخص الجالس في القمّة. ومهما كان اعتماد الرؤساء التنفيذيين على تفويض مهامهم إلى الآخرين كبيراً، ليس بوسعهم تسليم كل شيء إليهم. ولا بدّ أن يقضوا بعض الوقت مع كل جهة من هذه الجهات المعنية بهم لتقديم التوجيهات، وضمان التواؤم، وكسب الدعم، وجمع المعلومات المطلوبة لاتخاذ قرارات جيّدة. كما أنّ السفر هو أمر إلزامي بالمطلق، فليس بوسعك أن تدير شركة محلية، ناهيك عن شركة عالمية، من المقر الرئيسي فقط. فإذا ما كنت رئيساً تنفيذياً فإنك يجب أن تكون حاضراً على الدوام حيثما يكون وجودك مطلوباً.
إيجاد الوقت للرفاهة الشخصية. بما أنّ العمل قد يستهلك كل ساعة في حياة الرؤساء التنفيذيين، إلا أنّه يجب عليهم أن يفرضوا حدوداً من أجل المحافظة على صحّتهم، وعلى علاقاتهم مع عائلتهم وأصدقائهم، وقد أدرك معظم الرؤساء التنفيذيين في دراستنا ذلك. فقد كانوا ينامون 6.9 ساعات في المتوسط في الليلة الواحدة، والعديد منهم كان يتّبع أنظمة للتمارين الرياضية المنتظمة، كانت تستهلك 9% من ساعات حياتهم خارج أوقات العمل (أو ما يعادل 45 دقيقة يومياً). وإذا ما أراد الرؤساء التنفيذيون المحافظة على ديمومة الكثافة في عملهم، فإنهم بحاجة إلى ممارسة التمارين حالهم حال نخبة الرياضيين بالضبط. وهذا يعني تخصيص الوقت للصحة واللياقة والراحة.
أولينا اهتماماً خاصّاً لنسبة الـ 25% المتبقية من الوقت – أي ما يعادل 6 ساعات يومياً تقريباً – والتي يكون الرؤساء التنفيذيون خلالها مستيقظين لكن لا يعملون. هم عادة يقضون نصف هذه الساعات مع عائلاتهم، ومعظمهم تعلّم كيف يكون منضبطاً للغاية في هذه النقطة. كما أوجد معظمهم بعض الساعات على الأقل (2.1 ساعة يومياً في المتوسط) للاسترخاء، تشمل كل شيء من مشاهدة التلفزيون والمطالعة إلى ممارسة الهوايات من قبيل التصوير وغيرها.
تُعتبرُ وظيفة الرئيس التنفيذي من الوظائف التي تتطلب جهداً ذهنياً وبدنياً. وبالتالي فإنّ الأنشطة التي تحافظ على عناصر الحياة الطبيعية تبقي الرؤساء التنفيذيين واقفين على أرضية صلبة وأقدر على التفاعل مع زملائهم وموظفيهم – في مقابل أن يكونوا منفصلين وبعيدين ومعزولين. كما يجب على الرؤساء التنفيذيين إفساح الوقت للتجدّد والتطوّر المهني (وقد أظهرت بياناتنا بأنّ هذا الجانب كان أكبر ضحايا جداول الأعمال المكتظّة بالمواعيد والمهام). ويجب أن يكونوا حذرين، كما يقول زميلنا توماس دي لونغ (توم دي لونغ)، من ألا يصبحوا "مثل سائقي سيّارات السباق ويعاملوا المنزل كمجرّد محطّة للصيانة على الطريق".
يعملون وجهاً لوجه
تنطوي الوظيفة العليا في أيّ شركة وبصورة أساسية على التعامل مع الناس وجهاً لوجه، وهذا الأمر شغل 61% من زمن عمل الرؤساء التنفيذيين الذين درسناهم. وقد أمضوا 15% أخرى على الهاتف أو في قراءة المراسلات الخطية والرد عليها. أمّا النسبة المتبقية والبالغة 24% فقد أمضوها في المراسلات الإلكترونية.
إنّ التعامل مع الناس وجهاً لوجه هو الطريقة الفضلى للرؤساء التنفيذيين لممارسة نفوذهم، ومعرفة ما هو حاصل، وتفويض المهام إلى الآخرين بهدف دفع جداول الأعمال المتعدّدة التي يجب أن تتحرك قدماً. وهو يسمح للرؤساء التنفيذيين أيضاً بتقديم أفضل دعم وإرشاد للناس الذين يعملون معهم عن كثب. فالطريقة التي يمضي بها الرئيس التنفيذي وقته في الاجتماع وجهاً لوجه مع الناس هي إشارة على الأشياء المهمّة والناس المهمّين؛ والناس يراقبون هذا الأمر بإمعان أكبر ممّا يدركه الرؤساء التنفيذيون.
تجنّب إغراء البريد الإلكتروني. من الناحية النظرية، يساعد البريد الإلكتروني القادة على التقليل من الاجتماعات وجهاً لوجه وتحسين إنتاجيتهم. أمّا على أرض الواقع، فإن الكثيرين يجدون البريد الإلكتروني غير فعّال واستنزافاً خطيراً للوقت، لكنّهم في الوقت نفسه يجدون صعوبة في تجنّب التعامل به. فالرسائل الإلكترونية تقاطع العمل، وتطيل أمد يوم العمل، وتتعدّى على الوقت المخصّص للعائلة والتفكير، وهي ليست مفيدة للنقاشات المتأنية. والرؤساء التنفيذيون يتلقّون عدداً لا حصر له من الرسائل الإلكترونية على سبيل الاطلاع. وهم يشعرون بضغوط للرد عليها لأنّ تجاهل رسالة إلكترونية قد يبدو ضرباً من قلّة الذوق.
يتعيّن على الرؤساء التنفيذيين أن يدركوا بأنّ غالبية الرسائل الإلكترونية تغطّي قضايا لا تستدعي انخراطهم فيها، وغالباً ما تستدرجهم للوقوع في وحل الجوانب التشغيلية. وعلى الجانب الآخر، فإنّ الرسائل الإلكترونية الواردة من الرئيس التنفيذي يمكن أن تخلق دوّامة من التواصل غير الضروري وتفرض معايير خاطئة، ولاسيما إذا كان الرئيس التنفيذي يرسلها في وقت متأخّر ليلاً، أو خلال عطلة نهاية الأسبوع، أو في أيّام العطلة. فعندها يصبح من السهل على الجميع في المؤسسة أن يقعوا في شراك العادة السيئة المتمثّلة في الإفراط في استعمال التواصل الإلكتروني.
لذلك فإنّه من الأهمية بمكان وضع توقعات ومعايير مناسبة للرسائل الإلكترونية التي يحتاج الرئيس التنفيذي إلى تلقيها، ومتى يُفترض منه الرد عليها. وهذه المعايير ضرورية للآخرين في المؤسسة أيضاً لمنع الرسائل الإلكتروني من ترك أثر متعاقب ومتوالٍ على الجميع وهدر ساعات ثمينة والتعدّي على الوقت الشخصي للأفراد. وإحدى الطرق التي تسمح للرئيس التنفيذي بأن يحمي نفسه من الانجراف مع السيل الرقمي هي امتلاك مساعد شخصي بارع يعمل على فلترة الرسائل وتفويض أكبر عدد منها حتّى قبل أن يراها الرئيس التنفيذي. ففي النهاية، ليس هناك بديل عن الانضباط فيما يخص مقاومة صفّارات الإنذار التي يطلقها التواصل الإلكتروني. لقد كان هذا واحداً من المواضيع التي غالباً ما أثارت اهتمام الرؤساء التنفيذيين الذين درسناهم، وثمّة ممارسات فضلى في هذا المجال لا تزال تظهر إلى حيّز الوجود.
كان بعض الرؤساء التنفيذيين في دراستنا قد بدأوا باستعمال تقنية المؤتمرات المرئية (الفيديو كونفرانس) كبديل عن الاجتماعات وجهاً لوجه بهدف تقليل زمن السفر عليهم وعلى أعضاء فريفهم الذين قد يضطرون خلافاً لذلك إلى القدوم لرؤيتهم. ورغم أنّه من الضروري السعي نحو هذه الأنواع من التقنيات التي ترفع كفاءة العمل، إلا أنّ الرؤساء التنفيذيين لا يجب أن ينسوا البتّة بأنّ عملهم يقوم في جوهره على فكرة الالتقاء بالناس وجهاً لوجه.
تحركهم جداول أعمالهم
يشرف الرؤساء التنفيذيون على عدد كبير من الوحدات المؤسسيّة وآليات سير العمل وعلى أعداد لا تحصى من القرارات. وقد توصّل بحثنا إلى أنّهم يجب أن يمتلكوا جداول أعمال شخصية صريحة وجميعهم لديهم جدول أعمال فعلاً. فجدول الأعمال الواضح والفعّال يساعد الرئيس التنفيذي على الاستفادة بطريقة مثالية من وقته المحدود؛ ودون وجود جدول الأعمال فإنّ الجهات الأعلى صوتاً هي من ستفرض مطالبها في حين أنّ الأعمال الأهم لن تُنجز.
يحدّد جدول الأعمال الجيّد أولويات واضحة لما يجب على الرئيس التنفيذي أن ينخرط به شخصياً خلال الفترة القادمة. لكنّها ليست أحادية البعد، بل هي عبارة عن مصفوفة تشمل مجالات أوسع بحاجة إلى تحسين إضافة إلى مسائل محدّدة ينبغي التعامل معها، وهي تضمّ أيضاً أهدافاً ذات إطار زمني محدّد وقدراً أكبر من الأولويات ذات النهاية المفتوحة عموماً.
طلبنا من كل رئيس تنفيذي شارك في دراستنا أن يصف جدول أعماله خلال الأشهر الثلاثة التي كنّا نتتبّعه خلالها وتسليط الضوء على الساعات المخصّصة بصورة أساسية لدفع جدول الأعمال هذا قدماً. وقد قدّم كل رئيس تنفيذي جدول أعماله. اكتشفنا بأنّ الرؤساء التنفيذيين قد استثمروا وقتاً طويلاً – بلغ 43% في المتوسط – في أنشطة عزّزت جداول أعمالهم. وقد كان بعضهم أكثر انضباطاً بكثير من غيره: وقد تفاوت الوقت المكرّس لجدول الأعمال الأساسي تفاوتاً واسعاً يتراوح ما بين 14% إلى 80% من ساعات عمل القادة.
وافق معظم الرؤساء التنفيذيين الذين تحدّثنا إليهم على أنّهم كلّما كانوا ينفقون وقتاً أطول على أجندتهم كلّما كانوا يحسّون بشعور أفضل تجاه استغلالهم لوقتهم.
بالمجمل، وجدنا بأنّ الأجندة الصريحة هي واحدة من أهم الأدوات الموجودة في يد الرئيس التنفيذي لإحراز التقدّم في مسارات عمل متعدّدة في الوقت ذاته، ومعالجة الفوارق في معدّل التقدّم المحرز في عدد من الأولويات، واستغلال الوقت بفعالية على الرغم من الحاجة إلى التجاوب الشخصي مع أحداث لم تكن متوقعة سابقاً.
دفع الأجندة قدماً. إنّ المحافظة على التواؤم بين الطريقة التي يوزّع بها الرئيس التنفيذي وقته وأولوياته القصوى هو أمر حاسم جدّاً. لذلك فإنّنا نقترح أن يسعى الرؤساء التنفيذيون كل ربع سنة (3 أشهر) للنظر إلى الوراء ليتأكّدوا مما إذا كان جدولهم مواعيدهم خلال الفترة السابقة متطابقاً بما يكفي مع أجندتهم الشخصية. كما يجب عليهم تحديث الأجندة لتعكس الظروف الحالية.
يمكن للرؤساء التنفيذيين أن يحققوا الاستفادة إذا ما أوضحوا جداول أعمالهم للآخرين. كما يحتاج مساعدوهم الشخصيون وفرق القيادة لديهم إلى أن يعرفوها ويفهموها لكي يحافظوا على توائمهم معها. (راجع الفقرة الجانبية التي تحمل عنوان "أربعة سلوكيات يتّبعها المساعدون الشخصيون الأكفاء"). يساعد هذا الفهم أعضاء الفريق في تولي زمام الأهداف والأولويات التي يحتاجها الرئيس التنفيذي للاضطلاع بدوره القيادي في العمل.
التعامل مع التطوّرات التي تتكشّف تباعاً. يُمضي الرؤساء التنفيذيون قسطاً كبيراً من وقتهم (ما يُقارب 36% في المتوسط) في التعامل من منطلق رد الفعل مع التطوّرات الحاصلة، سواء داخلياً أو خارجياً. وبالنسبة للعديد من الرؤساء التنفيذيين، من غير الواضح مباشرة متى وكيف يتعاملون مع هذه القضايا وما هو حجم الوقت الذي يجب تخصيصه لها. لنفترض بأنّ عضواً في فريق القيادة العليا التابع للرئيس التنفيذي يغادر اجتماعاً والانزعاج بادٍ عليه. فهل يجب على الرئيس التنفيذي أن يتابع الأمر مع هذا الشخص على الفور لإعادة الأمور إلى نصابها؟ هل يجب على الرئيس التنفيذي الانتظار حتى يهدأ هذ العضو؟ في بعض الأحيان قد تبدو المشاكل الطارئة صغيرة في البداية لكنّها تتضخّم لتتحوّل إلى عناصر أكبر مشتّتة للانتباه إذا لم يتعامل الرئيس التنفيذي معها. في حالات أخرى، قد يسهم تدخّل الرئيس التنفيذي في تضخّيم المسألة أكثر ممّا لو كان قد نأى بنفسه عنها. لذلك من الضروري بمكان أن يعرف الرئيس التنفيذي الرد المناسب على التطوّرات الحاصلة.
بين الفينة والأخرى، يجد الرؤساء التنفيذيون أنفسهم مضطرين للتعامل مع أزمة فجائية كاملة الأوصاف – مثل فشل منتج، أو قضية تتعلّق بالأمان، أو عرض عدواني من مستثمر نشط، أو حتى كارثة خارجية مثل التسونامي، أو هجوم إرهابي. أمضى معظم الرؤساء التنفيذيين في دراستنا (89% منهم) بعض الوقت في حل الأزمات. ورغم أن الوقت الإجمالي الذين أمضوه كان قصيراً نسبياً (1% من وقت العمل خلال ربع السنة الذي تتبّعناه) إلا أنّه سجّل تفاوتاً كبيراً بين صفوف القادة الذين شملتهم دراستنا. فالأزمات يمكن أن توصل قيادة الرئيس التنفيذي إلى لحظات حاسمة قد تكون إمّا نصراً مؤزراً أو هزيمة نكراء. وعند التعامل مع هكذا لحظات، يجب على الرؤساء التنفيذيين أن يبرزوا بوضوح على الساحة وأن يكونوا حاضرين شخصياً؛ والاستجابة لهذا النوع من الأحداث لا يمكن أن تفوّض إلى شخص آخر. ويعتبر إظهار الاهتمام الصادق بالأشخاص المتأثرين، وتجنّب تبنّي موقف دفاعي، ورص الصفوف، وإشاعة جو من الثقة بقدرة المؤسسة ليس على المواجهة فقط بل الخروج بموقف أقوى بعضاً من الأشياء التي يحتاج الرؤساء التنفيذيين إلى فعلها في هذه الأوقات.
الحدّ من المسؤوليات الروتينية. كانت النتيجة التي فاجأتنا هي أنّ جزءاً مهمّاً (بلغ 11% في المتوسط) من وقت عمل الرؤساء التنفيذيين المشاركين في دراستنا استُهلك في إنجاز مهام روتينية. وقد تباينت هذه الأنشطة تبايناً هائلاً بين الرؤساء التنفيذيين، حيث تراوحت ما بين اجتماعات مراجعة الأداء، واجتماعات مجلس الإدارة، والمؤتمرات المخصّصة لإعلان الأرباح، والأيّام المخصّصة للتواصل مع المستثمرين.
تُعتبر مراجعات الأداء التشغيلي مكوّناً أساسياً من المهام الروتينية للرئيس التنفيذي. وقد تفاوت عددها وتواترها وطولها تفاوتاً كبيراً بين القادة الذين درسناهم، وأشارت نقاشاتنا إلى أنّ بعض الرؤساء التنفيذيين ولاسيما من كان منهم يشغل منصب مدير العمليات استثمروا وقتاً زائداً عن اللزوم في المراجعات التي كان يمكن تفويضها إلى مرؤوسين مباشرين.
كما يوجد أيضاً تفاوت كبير في قدرة الرؤساء التنفيذيين على التحكّم بما نسمّيه "المهام الواجب إنجازها". وتشمل هذه المهام طقوساً من قبيل الترحيب بالموظفين الجدد. ويمكن لهذه الطقوس أن تؤدّي دوراً رمزياً هاماً وأن تساعد في تعزيز قيم الشركة وثقافتها. لكن الاختيار المتأني من الرؤساء التنفيذيين لما يريدون حضوره من مناسبات يمكن أن يحدّد طبيعة علاقتهم بالمؤسسة. ومع ذلك، يجب على الرئيس التنفيذي التحلّي بالانضباط بحيث يضمن ألا تستهلك هذه الأنشطة التي تترك انطباعاً جيّداً وقتاً أطول مما يستطيع تقديمه. تشير نقاشاتنا إلى أن الرؤساء التنفيذيين بحاجة إلى إجراء دراسة معمّقة لكل نشاط يندرج في إطار فئة المهام الروتينية والمهام الواجب إنجازها. ويجب أن يسألوا أنفسهم ما إذا كانت تخدم غرضاً هامّاً أم أنّها ببساطة مجرّد عادة من عادات الشركة، فرضها الأسلاف، أو كانت جزءاً من الوظيفة السابقة للرئيس التنفيذي جلبها معه إلى منصبه الجديد.
يعتمدون اعتماداً هائلاً على مرؤوسيهم المباشرين
المرؤوسون المباشرون للرئيس التنفيذي هم أكبر المدراء التنفيذيين في الشركة ويشملون بعضاً من أكثر مدرائها مهارة. وهم يغطّون العناصر الأساسية للشركة ويمنحون الرؤساء التنفيذيين الفرصة الأعظم لكي يستفيدوا منهم. ويمكن لفريق القيادة، إذا ما عمل أعضاؤه معاً، أن يكون بمثابة الرابط الذي يساعد الرئيس التنفيذي في إحداث التكامل وإنجاز العمل.
في دراستنا، نصف وقت الرؤساء التنفيذيين تقريباً (46%) مع الجهات الداخلية كانوا قد أمضوه مع مرؤوس واحد أو مرؤوسين اثنين مباشرين، و21% منه أمضوه مع المرؤوسين المباشرين فقط. وقد تراوح الوقت الإجمالي المخصّص للعمل مع المرؤوسين المباشرين ما بين نسبة منخفضة تبلغ 32% من الوقت مع الجهات الداخلية ونسبة مرتفعة تبلغ 67%. وعندما استكشفنا هذا التفاوت، وجدنا بأنّ الرؤساء التنفيذيين كانوا أميل إلى إمضاء الوقت بحضور مرؤوسيهم المباشرين عندما كانوا يمتلكون ثقة أكبر بهم.
وجدنا أيضاً بأنّ من الأساسي بمكان لكلّ عضو من أعضاء فريق القيادة أن يمتلك القدرات التي تسمح له بالتميّز وكسب ثقة الرئيس التنفيذي ودعمه الكاملين. وأي ضعف في هذه المجموعة يقلل كثيراً من فعالية الرئيس التنفيذي لأنّ التعامل مع أعمال كان يجب على المرؤوسين إنجازها، ووتدارك أخطائهم، يستهلك وقتاً ثميناً. أمّا من الناحية الفعلية، وعندما اجتمع رؤساؤنا التنفيذيون كمجموعة ضمن فئات ليروا كيف كانت تسير الأمور بعد مرور فترة على تولّيهم لمناصبهم، فإنّ الأمر الأوّل الذي شعروا بالأسف تجاهه هو عدم وضع معايير رفيعة بما يكفي عند اختيار المرؤوسين المباشرين. وقد أخبرنا العديد من الرؤساء التنفيذيين بأنّ ذلك مردّه إلى إفراطهم في التركيز على الحاضر وعدم تركيزهم بما يكفي على المستقبل عندما استلموا عهدتهم. فالمرؤوسون المباشرون الذين كانوا قادرين على إدارة الوضع الراهن غالباً ما كانوا غير الأشخاص الذين بوسعهم مساعدة الشركة على الانتقال إلى مستوى جديد.
كلّما كان الرؤساء التنفيذيون أقدر على تفويض المهام إلى فريق الإدارة لديهم، كلّما كان شعورهم عموماً تجاه استغلالهم لوقتهم أفضل. فهو يخفّف من عبء الحاجة إلى الانخراط شخصياً، والمتابعة، والطلب إلى الآخرين رفع تقارير متابعة. وبما أنّ الرؤساء التنفيذيين يرون مرؤوسيهم المباشرين مراراً وتكراراً، فمن السهل أيضاً البقاء على اطلاع على مسار الأمور فيما يخص المسائل التي يعكفون على تناولها.
البقاء على اتصال مع المدراء الآخرين. أمضى الرؤساء التنفيذيون المشاركون في دراستنا وقتاً طويلاً (32% في المتوسط من وقتهم الذين قضوه مع الجهات الداخلية) مع مجموعة أوسع من كبار القادة، والذين غالباً ما يطلق عليهم أهم 100 مدير (أقل من ذلك العدد أو أكثر)، العديدون ضمن هذه المجموعة هم مرؤوسون مباشرون لمرؤوسي الرئيس التنفيذي. وقد اكتشفنا بأنّ الوقت الذي يُمضى مع هذا المستوى التالي من القياديين كان بمثابة استثمار مفيد للوقت. غالباً ما يكون أهم 100 مدير هم قوّة الدفع المحرّكة للعمليات التنفيذية في المؤسسة، وبالتالي فإنّ الاتصال المباشر مع الرئيس التنفيذي يمكن أن يساعد في تحقيق التواؤم فيما بينهم وفي تحفيزهم. كما أنّ هؤلاء القادة أساسيون أيضاً لتخطيط تعاقب الموظفين: فالبعض منهم سيكونون مرشّحين لاحقاً للحلول مكان أرفع المدراء التنفيذيين منصباً. وبما أنّ الناس الموجودين في هذا المستوى هم أصغر بجيل، فإنّ حفنة منهم تتحوّل في نهاية المطاف إلى مرشّحين لخلافة الرئيس التنفيذي. لذلك فإنّ المبادرة للتعرّف عليهم شخصياً يمكن أن تكون مفيدة للغاية.
لم يكن مفاجئاً أن نعلم بأنّ الرؤساء التنفيذيين في دراستنا أمضوا وقتاً أقل مع المدراء في المستويات الأدنى (14% في المتوسط) ووقتاً أقل حتى مع عامة الموظفين (حوالي 6% في المتوسط). لكنّ بحثنا يشير إلى أنّ الرئيس التنفيذي الفعّال بحاجة للحذر من التخلّي عن طابعة الإنساني في المؤسسة، إذ يجب أن يظل شخصاً ودوداً يمكن الوصول إليه وأن يجد طرقاً للتفاعل مع الموظفين بصورة مجدية على جميع المستويات. فهذا الأمر لا يبقيه فقط على صلة بما هو حاصل فعلياً في الشركة، وإنما يساعده أيضاً في التجسيد النموذجي للقيم المؤسسية والتعبير عنها بين صفوف القوى العاملة.
يمكن للتواصل الإنساني مع الموظفين العاديين أن يعزّز موقف الرؤساء التنفيذيين وأن يساعدهم في فهم واقع هؤلاء الموظفين. ويواجه الرؤساء التنفيذيون خطراً حقيقياً حين يعملوا انطلاقاً من برجهم العاجي ويحجبون عن العالم الحقيقي الذي تواجهه القوى العاملة معهم. كما تساعد العلاقات مع الموظفين على مستويات متعدّدة في بناء مشروعية الرئيس التنفيذي وتعزيز جدارته بالثقة في عيون الموظفين، وهذا أمر أساسي لتحفيزهم والفوز بدعمهم.
معرفة ما يجري من حولهم. يُعتبرُ إمضاء الوقت مع الموظفين العاديين ومع الأطراف الخارجية الميدانية الفطنة أمراً لا غنى عنه للحصول على المعلومات الموثوقة المتعلّقة بما هو حاصل في الشركة وفي القطاع الذي تنشط فيه عموماً. ويعتبر هذا واحداً من التحدّيات الأساسية التي يواجهها الرئيس التنفيذي. ويحاول بعض الرؤساء التنفيذيين التواصل مع أطراف العمل الميداني من خلال التجوّل في أروقة الشركة، وردهاتا المصانع، وباستعمال بعض الآليات من قبيل مآدب الغداء الدورية، والزيارات التفقّدية الفجائية، والرحلات الميدانية المدروسة إلى مواقع تابعة للزبائن أو للشركة. بينما يلجأ آخرون إلى اللقاءات الجماعية مثل اجتماعات استمزاج الرأي بهدف تعزيز الحوارات الصادقة والمنفتحة مع شريحة واسعة من الموظفين (عوضاً عن تقديم العروض على الشاشات). بيد أنّ بياناتنا تشير إلى أنّ الرؤساء التنفيذيين يحققون نجاحات متفاوتة في تخصيص الوقت لهذا النوع من التواصل.
يمارسون الإدارة باستعمال آليات تكاملية عريضة
ينبغي على الرؤساء التنفيذيين تجنّب الإفراط بإنجاز المهام بأنفسهم وليس بوسعهم وحدهم أن يتّخذوا معظم القرارات أو يصادقوا عليها بشكل مباشر. عوضاً عن ذلك، فإنّ الرؤساء التنفيذيين الفعّالين يؤسّسون هيكليات تنظيمية وعمليات مصمّمة تصميماً جيّداً تساعد كل الآخرين في المؤسسة على اتخاذ قرارات جيّدة، وتوفّر الدعم والتمكين للعمل الذي يقومون به، وتضمن تكامله، وتمدّه بالمعلومات الضرورية، إلى جانب بناء قدرات المؤسّسة.
تشمل قائمة أقوى آليات التكامل كلاً من الاستراتيجية (التي خصّص لها الرؤساء التنفيذيون المشاركون في دراستنا ما يعادل 21% من وقت عملهم)، ومراجعات الأداء التشغيلي وأداء وحدات العملة (25% من وقتهم)، ومطابقة الهيكلية التنظيمية والثقافة المؤسسية مع احتياجات الشركة (16% من وقتهم)، وعمليات الاستحواذ والاندماج (4% من وقتهم).
تسخير الاستراتيجية. إنّ الأداة الداعمة الأقوى في يد الرئيس التنفيذي هي ضمان وجود استراتيجية واضحة ومعرّفة تعريفاً جيّداً لدى كل وحدة، وعلى مستوى الشركة بأكملها. فالاستراتيجية تخلق حالة من التواؤم بين القرارات العديدة ضمن الشركة وفي عموم المؤسسة. وبإمضاء الرئيس التنفيذي للوقت على الاستراتيجية، فإنّه يساعد بذلك الشركة على تحديد توجّهها، والإبراز الصريح للقيمة التي تقدّمها، كما أنّه يحدّد كيف ستنافس في السوق وتميّز نفسها عن منافسيها. كما أنّ الاستراتيجية ستوضح ما هي الأشياء التي لن تفعلها الشركة. والاستراتيجية الجذابة يجب أن تكون محفّزة ومنشّطة، شريطة أن تكون مفهومة جيّداً في أرجاء المؤسسة. فدون وضوح الاستراتيجية، سيضطر الرئيس التنفيذي إلى الانجراف لاتخاذ الكثير من القرارات التكتيكية.
في الشركات الكبيرة والمعقّدة، لا يكفي الوقت الذي ينكب الرؤساء التنفيذيون فيه على الاستراتيجية مهما طال، بل يجب عليهم أن يواصلوا العمل على تحديد شكلها، وتنقيحها، والتعبير عنها، وتعزيزها، ومساعدة الناس على الانتباه إلى الأوقات التي يحيدون فيها عن هذه الاستراتيجية. كما يجب على الرؤساء التنفيذيين ضمان تجديد الاستراتيجية بين الفينة والأخرى بناءً على التغييرات الحاصلة في البيئة. وتعتبر الخيارات الخاصّة بالمحفظة المالية للشركة مثل عمليات التخارج من الاستثمارات، والاستحواذ، والاندماج أساسية بالنسبة للاستراتيجية، ويجب أن يكون الرئيس التنفيذي معنيّاً بها شخصيّاً.
المواءمة بين الهيكلية التنظيمية والثقافة المؤسسية. بغية تعزيز عملية اتخاذ القرارات السليمة في عموم الشركة، يجب أن تكون الهيكلية التنظيمية للشركة متوافقة مع استراتيجيتها، وإلا فإن الرئيس التنفيذي سيضطر إلى التورّط في أعداد لا حصر لها من عمليات فضّ النزاعات بين وحدات العمل المختلفة. وإذا ما ظلّت المؤسسة تقفز على الدوام من هيكلية تنظيمية إلى أخرى، فإن ذلك قد يتحوّل إلى استنزاف للرئيس التنفيذي والآخرين.
تُعتبر الثقافة – التي تشمل قيم المؤسسة ومبادئها ومعاييرها – أداة أساسية داعمة أخرى في يد الرئيس التنفيذي لتعزيز الاستراتيجية والتأثير في طريقة أداء المؤسسة برمّتها لوظيفتها. وبوسع الرئيس التنفيذي رسم معالم ثقافة الشركة بسبل عديدة، بداية من الوقت الذي يمضيه في الحديث عنها في المنتديات المختلفة، إلى تجسيده الشخصي للسلوكيات المحبّذة، إلى تقدير الأشخاص الذين يمثّلون الثقافة المرغوبة ومكافأتهم والاحتفاء بهم، إضافة إلى اتخاذ إجراءات تصحيحية في حالة من لا يمثّلونها. وتتمثّل وظيفة الرئيس التنفيذي في رفع لواء ثقافة المؤسسة والبحث الدؤوب عن فرص لتقويتها.
تصميم العمليات، ورصدها، وتحسينها. يجب على الرؤساء التنفيذيين ضمان حُسْن تطبيق استراتيجية الشركة. ويتحقّق هذا الأمر عندما تكون لدى الشركة عمليات صارمة لإنجاز مختلف الأعمال، من الخطط التسويقية، إلى التسعير، وتطوير المنتجات، ووضع الاستراتيجية ذاتها. كما أنّ العمليات الجيّدة تسهم في مراكمة أفضل المعارف المؤسسية وتقي الرئيس التنفيذي من الاضطرار الدائم إلى إبطال قرارات الآخرين.
تعتبرُ المراجعات الرسمية للأداء عنصراً أساسياً لرصد ما إذا كانت الشركة تنفّذ الأداء بحسب العملية المطلوبة أم لا. ورغم أنّ هذه المراجعات تستهلك ربع وقت عمل الرئيس التنفيذي، إلا أنها تسمح له بتتبّع التقدّم المحرز، وتوفّر الآراء التقويمية بطريقة منتظمة، وتحافظ على المعايير الرفيعة، وتضمن التصحيح في الوقت المناسب في حال الخروج عن المسار. كما أنّ هذه المراجعات ضرورية أيضاً لضمان الاستفادة من الدروس بهدف تعزيز مختلف العمليات التي تُنجز الأعمال بواسطتها.
لكنّ المشاركة المفرطة في هذه المراجعات يمكن أن تورّط الرئيس التنفيذي زيادة عن اللزوم في العمليات التشغيلية للشركة وتغرقه في تفاصيل غير ضرورية. وقد تحدّثنا كثيراً مع الرؤساء التنفيذيين المشاركين في دراستنا عن هذه المشكلة. فقد وجدنا مراراً وتكراراً بأنّ الكثير منهم وجد صعوبة كبيرة في التخلّي عن دور مدير العمليات أو الرئيس الذي كان يشغله سابقاً. كما ينسى البعض منهم بأنّ فريق كبار المدراء لديه يجب أن يتحمّل المسؤولية الأساسية عن العديد من عمليات المراجعة وأن يبقي الرئيس التنفيذي على اطلاع بخصوص الخيارات المتاحة مثل عمليات التخارج والاستحواذ والاندماج، وبصورة منتظمة.
عندما يخفق الرؤساء التنفيذيون في تفويض عمليات المراجعة إلى المرؤوسين المباشرين القادرين على الاضطلاع بها، فإنّهم بذلك يقوضون الاستقلالية الذاتية لفرق الإدارة لديهم ويقلصون مسؤولياتها. وهذا الأمر لا يساعد الرؤساء التنفيذيين في الحصول من الآخرين على أفضل ما لديهم.
تطوير الأفراد والعلاقات. إنّ بناء مسار القيادة والمرشحّين لشغل المناصب القيادية مستقبلاً في الشركة هو واحدة من الوظائف الهامّة القائمة بذاتها للرئيس التنفيذي. وقد وجدنا بأنّ الرؤساء التنفيذيين يجب أن يكونوا ملتزمين شخصياً بتحسين جودة قادة الشركة، وأن ينخرطوا بأنفسهم في ذلك وليس بوسعهم ترك هذه المهمّة إلى قسم الموارد البشرية فقط. فالخيارات المتعلّقة بمن يشغلون المناصب القيادية هي أيضاً أمر حيوي في رسم معالم ثقافة الشركة. كما أنّ اختيار الناس الذين يعيّنون، أو يُرقّون، أو يطردون يبعث بإشارة عمّا يثمّنه حقّاً كل من الرئيس التنفيذي والشركة. ويحتاج الرؤساء التنفيذيون إلى تحصيل أقصى ما يمكنهم من الموهوبين في المؤسسة، ولكي يفعلوا ذلك، فإنّهم يجب أن ينسوا أمر معارفهم الشخصيين. فقد أمضى رؤساؤنا التنفيذيون ربع سنة أخرى من وقت عملهم الإجمالي في اجتماعات تركّز على بناء العلاقات. وعندما تكون الثقة متبادلة، فإنّ تفويض المهام يتم بشكل طبيعي أكثر، ويكون التوصّل إلى اتفاق عملية أسهل، ولن تستدعي الحاجة الكثير من عمليات الرصد والمتابعة التي لن تكون ضرورية. كما أنّ العلاقات الطيبة تجعل الناس أميل إلى التماس الأعذار لك عندما تحتاج ذلك، وإلى إخبارك بالحقيقة، وهو أمر لا يقدّر بثمن لمن يشغل قمّة الهرم. وينطوي الوقت الذي يمضيه الرؤساء التنفيذيون في بناء رأس المال البشري من خلال شبكة من العلاقات الشخصية على منافع عديدة وهو وقت يُبذل في المكان الصحيح.
في اجتماعات دائمة
يحضرُ الرؤساء التنفيذيون سيلاً لا ينقطع من الاجتماعات يمكن أن يختلف كل واحد منها اختلافاً كاملاً عن الاجتماع الذي يسبقه والذي يليه. هذا العدد الكبير من الاجتماعات والتنوّع الهائل فيها هو أحد السمات المميّزة للوظيفة الأعلى في الشركة. فالقادة المشاركون في دراستنا حضروا في المتوسط 37 اجتماعاً امتدت لفترات مختلفة في أي أسبوع من الأسابيع، وأمضوا 72% من وقت عملهم الإجمالي في الاجتماعات.
تقصير مدة الاجتماعات وزيادة فعاليتها. يحتاج الرؤساء التنفيذيون إلى إجراء مراجعة منتظمة لتحديد الاجتماعات التي يحتاجونها حقّاً، والاجتماعات التي يمكن تفويض حضورها إلى الآخرين، والتخلّي عن الاجتماعات التي كانوا معتادين على حضورها عندما كانوا يشغلون مناصب سابقة.
كما ينبغي عليهم إجراء دراسة متأنّية لطول الاجتماع الواحد. ففي دراستنا، شكّلت الاجتماعات التي استغرقت ساعة من الزمن 32% في المتوسط من اجتماعات الرئيس التنفيذي. أمّا الاجتماعات الأطول زمناً فقد مثّلت 38%، بينما شكّلت الاجتماعات الأقصر زمناً 30%. وقد وجدنا بأنّ طول الاجتماعات كان غالباً مسألة عادة شخصية أو عادة مؤسسية أو كلتاهما معاً. وقد كان هناك معيار يحدّد الطول المفترض للاجتماع (كساعة واحدة مثلاً).
لا بدّ من إعادة النظر في الأزمنة "القياسية" للاجتماعات بقصد تقصيرها، فهذا الأمر يمكن أن يعزّز كفاءة الرئيس التنفيذي تعزيزاً كبيراً. في اجتماعات المراجعة اللاحقة التي عقدناها مع الرؤساء التنفيذيين في دراستنا، أقر هؤلاء بأنّ اجتماعات الساعة الواحدة يمكن أن تخفّض إلى 30 دقيقة أو حتى 15 دقيقة. وثمّة طريقة أخرى جيّدة لتبسيط الأشياء ألا وهي إعادة تعريف معايير الاجتماعات: فكل اجتماع يجب أن يضمّ أجندة واضحة، وبغية التقليل من التكرار إلى الحد الأدنى يجب أن يأتي الحضور بعد تحضير جيّد. والرئيس التنفيذي الفعّال هو من يعمّم هذه المعايير في أروقة المؤسسة.
كان بعض الرؤساء التنفيذيين يشعرون بالقلق من أنّهم قد يظهرون بمظهر الحمقى إذا ما طلب شخص ساعة من الرئيس التنفيذي (أو مساعده الشخصي) ولم يُمنح إلا 30 دقيقة. لكنّنا وجدنا بأنّ موضوع طول الاجتماع هو قضية تستحق أن تُواجه. يقول أحد الرؤساء التنفيذيين: "اقسم كل ما يطلبونه منك إلى النصف."
واحدة من السمات الأخرى المهمّة للاجتماعات هي تركيبة الحاضرين، فقد كانت الاجتماعات مع شخص واحد هي الأكثر شيوعاً (وتمثّل 42% من اجتماعات الرؤساء التنفيذيين في المتوسط)، تليها الاجتماعات مع اثنين إلى خمسة مشاركين (21%). ورغم أنّ كل رئيس تنفيذي كان لديه اجتماعات تشمل مجموعة من 50 شخصاً أو أكثر – كاجتماعات استمزاج الرأي مع الموظفين، أو الاجتماعات القيادية خارج المكاتب، أو اجتماعات الشركة – إلا أنّ هذه الاجتماعات لم تكن متكرّرة كثيراً (5% من الاجتماعات).
من المنطقي التشديد على الاجتماعات مع شخص واحد أو مع مجموعات صغيرة بهدف تمكين عملية التفويض وبناء العلاقات، كما أنها تسمح بالمحافظة على السرّية. لكن يجب على القادة أيضاً أن يبحثوا عن فرص لجمع الأشخاص المعنيين معاً. فجزء أساسي من وظيفة الرئيس التنفيذي يتمثّل في تحقيق التواؤم بين مختلف الجهات المعنية الداخلية والخارجية حول فهم مشترك للقضايا والقرارات وجداول الأعمال الخاصّة بالإجراءات. كما أنّ إحضار الأشخاص المعنيين إلى غرفة الاجتماعات هو وسيلة قوية لبناء ذلك التواؤم وتجنّب الحاجة إلى اللقاءات المتكرّرة والتي تستهلك وقتاً طويلاً وتستهدف إلى استمالة الجميع.
السماح بإمكانية الوصول إليهم والعفوية. الغالبية العظمى من أوقات رؤسائنا التنفيذيين (75% في المتوسط) كانت مجدولة سلفاً. وكان الرؤساء التنفيذيون هم أنفسهم البادئون بطلب الاجتماع في نصف الحالات (51%).
رغم أنّ التحكّم بطبيعة الاجتماعات وعددها هو أمر أساسي، إلا أننا وجدنا أيضاً بأنّ الرؤساء التنفيذيين بحاجة وبصورة منتظمة إلى تخصيص وقت للمزيد من اللقاءات العفوية (والتي مثّلت 25% من وقت عملهم في دراستنا). فهذا الأمر يفسح المجال للمواعيد التي قد يطلبها الآخرون في اليوم ذاته، وللمحادثات أو الاجتماعات السانحة، وللتجاوب مع الأحداث الطارئة.
تفاوت الوقت الذي خصّصه رؤساؤنا التنفيذيون للاجتماعات العفوية تفاوتاً هائلاً، فقد تراوح ما بين 3% و61%. وفي اجتماعات المراجعة اللاحقة التي عقدناها، كان الرؤساء التنفيذيون الذين يكتشفون بأنّهم لم يكونوا قد تركوا مجالاً كبيراً للاجتماعات التي تحصل في ساعتها غالباً ما يُفاجؤون، وسرعان ما يدركون الحاجة إلى التغيير.
إنّ العفوية وإمكانية الوصول إلى الرؤساء التنفيذين تعزّزان مشروعيتهم. والقادة الذين تكتظ جداول أعمالهم بالمواعيد على الدوام أو الذين يقف مساعدوهم الشخصيون كحرّاس على بوّاباتهم ويقولون لا لعدد كبير من الناس يجازفون بأن ينظر الناس إليهم بوصفهم أشخاصاً استبداديين أو معتدّين بأنفسهم، أو منفصلين عن الواقع. ويؤدّي المساعدون الشخصيون دوراً أساسياً في إيجاد التوازن الصحيح في هذه الحالة.
تخصيص الوقت للاختلاء بالنفس. من الحيوي بمكان أيضاً أن يخصّص الرؤساء التنفيذيون ما يكفي من الوقت للاختلاء بأنفسهم بحيث لا يقاطعهم أحد ليكون بمقدورهم إيجاد حيز للتأمّل والتحضير للاجتماعات. ففي دراستنا، أمضى الرؤساء التنفيذيون 28% من وقت عملهم في المتوسط بمفردهم – ولكن مرّة أخرى كان هناك تفاوت كبير بين من شملتهم الدراسة، ما بين نسبة منخفضة بلغت 10% ونسبة مرتفعة بلغت 48%. والمؤسف في الأمر أنّ الكثير من هذا الوقت المخصّص للاختلاء بالنفس (59%) كان موزعاً على فترات لا تزيد الواحدة منها على ساعة؛ والقليل منه (18%) كان موزعاً على فترات تبلغ مدة الواحدة منها ساعتين أو أكثر. ويحتاج الرؤساء التنفيذيون إلى تخصيص فترات زمنية كافية للاختلاء بأنفسهم وتجنّب تبديد هذا الوقت في التعامل مع المسائل الملحّة لاسيما البريد الإلكتروني الوارد. وقد ثبت بأنّ هذه مشكلة مشتركة بين الرؤساء التنفيذيين المشاركين في دراستنا وأقروا بها أصلاً.
بما أنّ الوقت المخصّص للجلوس في المكتب يمكن أن يُستهلك بسهولة، فإنّ إمضاء الوقت المحدّد للاختلاء بالنفس خارج المكتب قد يكون مفيداً جدّاً. كما أنّ السفر لمسافة بعيدة مع قطع الاتصال بالمكتب غالباً ما يوفّر وقتاً مهمّاً للتفكير، والعديد من الرؤساء التنفيذيين يقسمون بذلك. ولكي يحققوا الاستفادة القصوى من هذا الأمر، يجب عليهم تجنّب السفر مع مرافق.
مضطرون للتعامل مع العديد من الأشخاص الخارجيين
رغم أنّ الرؤساء التنفيذيين الذين درسناهم أمضوا غالبية وقتهم (70% في المتوسط) في التعامل مع أشخاص داخليين وجهات داخلية، إلا أنّهم أمضوا جزءاً لا بأس به (30% في المتوسط) مع أشخاص خارجيين، على النحو التالي: 16% مع الشركاء التجاريين (مثل الزبائن، والمورّدين، والمصرفيين، والاستشاريين، والمحامين، وشركات العلاقات العامّة، ومقدّمي الخدمات الآخرين)، و5% مع أعضاء مجلس إدارة الشركة، و9% في إنهاء التزامات خارجية، وفي أنشطة مجتمعية وخيرية. ويمكن للجهات الخارجية أن تكون مرهقة في طلباتها حالها حال الجهات الداخلية تماماً. فالجميع يريد أن يتحدّث إلى الرئيس التنفيذي، والتعامل مع الجهات الخارجية هو أمر يستهلك الكثير من الوقت. وهو غالباً ما ينطوي على أيّام عمل أطول، والاضطرار إلى قضاء وقت بعيداً عن المكتب والمنزل. وثمّة خطر الانجراف وراء الالتزامات الخارجية الأقل ارتباطاً بنجاح الشركة.
إيجاد الوقت للزبائن. أصيب معظم الرؤساء التنفيذيين في دراستنا بالفزع عندما اكتشفوا قلّة حجم الوقت الذي أمضوه مع زبائنهم – 3% فقط في المتوسط، وقد كانت دهشة البعض أكبر عندما عرفوا بأنّ هذا الوقت كان أقل من ذلك الذي أمضوه مع الاستشاريين. إن قلّة الوقت المخصّص للزبائن ناجمة جزئياً عن النطاق الواسع للمسؤوليات الداخلية: فعندما يرتقي التنفيذي من إدارة مجال عمل في الشركة يشمل لقاءات بوتيرة أكبر مع الزبائن، إلى وظيفة تقتضي قيادة شركة بأكملها، فمن الطبيعي أن يتراجع الوقت المخصّص للتعامل مع الزبائن.
ومع ذلك، فإنّ الرؤساء التنفيذيين في دراستنا شعروا وبكل وضوح بأنّ 3% كان رقماً منخفضاً جدّاً. فالزبائن هم مصدر أساسي للحصول على معلومات مستقلّة بخصوص التقدّم المحرز في الشركة، والتوجهات السائدة في القطاع الذي تعمل فيه، والمنافسين. وفي مجال الأعمال التجارية بين المؤسسات (B2B)، فإنّ الاجتماع مع الرؤساء التنفيذيين لتلك الشركات هو أمر قيّم للغاية، بما أن الأحاديث مع النظراء والأقران يمكن أن تتّسم بالصراحة الشديدة. وفي حالة الرؤساء التنفيذيين لمتاجر التجزئة، فإن زيارة هذه المتاجر – وتحديداً الزيارات غير المعلن عنها سابقاً – هي طريقة لا غنى عنها للتحدّث إلى الزبائن العاديين، وليس موظفي الشركة فحسب.
يلجأ بعض الرؤساء التنفيذيين إلى تحديد المواعيد مع الزبائن بطريقة منهجيّة. فأحد الرؤساء التنفيذيين لشركة للخدمات المالية ممن شاركوا في دراستنا يعمل على الالتقاء وجهاً لوجه بزبون واحد في اليوم. وثمّة رئيس تنفيذي لشركة صناعية يخصّص يومين في الشهر لزيارات الزبائن. ويحاول الرؤساء التنفيذيون الآخرون إدراج زيارات الزبائن ضمن جداول سفرهم. ويبدو أنّ اتّباع عادة من نوع معيّن هي الطريقة الأكثر موثوقية لضمان إمضاء وقت كافٍ مع الزبائن.
الحدّ من الوقت مع المستثمرين. أمضى رؤساؤنا التنفيذيون 3% من وقت عملهم الإجمالي مع المستثمرين. وقد فوجئ معظمهم بهذه النتيجة؛ فقد كانوا يعتقدون بأنهم أمضوا وقتاً أطول. ورغم أنّ إمضاء وقت أطول مع الزبائن قد يكون أفضل، لكنّ الشيء ذاته لا ينطبق على المستثمرين. فكثرة الاجتماعات مع المستثمرين يمكن أن تتحوّل إلى استنزاف لوقت الرئيس التنفيذي وأن تستدرجه إلى محاولة إدارة سعر السهم عوضاً عن التركيز على أساسيات العمل بالشركة. وبالتالي فإنّ البقاء على اتصال مع عدد من المستثمرين الأساسيين في شراء أسهم الشركة، وإجراء الاتصالات الفصلية معهم، وعقد لقاء سنوي مع هؤلاء المستثمرين ليوم واحد هي ربما كل ما على الرئيس التنفيذي فعله – ما لم تكن الشركة تتعامل مع اضطراب خطير يخصّ المستثمرين، أو في حالة نشاط استثماري معيّن. ويبدو أنّ الرؤساء التنفيذيين في دراستنا كانوا قد اكتشفوا هذه التركيز مع مرور الوقت، بعد أن كانوا قد وقعوا في شباك كثرة العلاقات مع المستثمرين في بدايات عهودهم في مناصبهم.
الحدّ من الالتزامات الخارجية التي لا علاقة لها بعمل الشركة. ثمّة خطر حقيقي من أن تتسبب الأنشطة الخارجية غير المرتبطة مباشرة بعمل الشركة من في تشتيت انتباه الرؤساء التنفيذيين ولاسيما الأنشطة التي يكون الطلب فيها عليهم مرتفعاً، والتي غالباً ما ترتبط بأنشطة مجتمعية واجتماعية قيّمة. وقد استهلكت هذه الأنشطة ما يقارب 2% في المتوسط من زمن عمل رؤسائنا التنفيذيين المشاركين في الدراسة. ورغم أنّ الرؤساء التنفيذيين يجب أن يكونوا أوفياء لمجتمعاتهم المحلية وأن يؤدّوا دور رجال الدولة في مجال الأعمال، إلا أنّه يجب عليهم توخي الحد من الساعات التي يقضونها شخصياً في هذه الأنشطة وفي المشاركة في مجموعات الأعمال التجارية. ورغم أنّ حضور الرئيس التنفيذي يمكن أن يكون مهمّاً، إلا أنّ الإشراف على هذه الأنشطة والأعمال وإدارتها لا يحتاجان إلى جهود الرئيس التنفيذي ويمكن إيكالهما إلى المرؤوسين المباشرين، بما أنّهم قد يجدون فيها أنشطة محفّزة يمكن أن تشكّل لهم فرصاً للتطوير المهني.
إيجاد الوقت لأعضاء مجلس الإدارة. يدرك جميع رؤسائنا التنفيذيين أهمية إمضاء الوقت مع مجالس إداراتهم. وقد شكل التفاعل مع أعضاء مجالس الإدارة في دراستنا 5% من الوقت الإجمالي لعمل الرؤساء التنفيذيين، أو 41 ساعة في المتوسط خلال الربع سنة الذي درسناه. ولكن هنا أيضاً رأينا تفاوتاً هائلاً: فقد أمضى أحد هؤلاء الرؤساء التنفيذيين ست ساعات مع أعضاء مجلس الإدارة، فيما أمضى آخر 165 ساعة معهم.
لا يجب على الرئيس التنفيذي أن ينسى البتّة بأنّ مجلس الإدارة هو مديره المباشر، وأنّ تعامله من الناحية الإدارية مع من هم أعلى منه هو أمر حيوي لنجاحه. لكنّ ذلك يشمل أكثر من اجتماعات مجلس الإدارة، واجتماعات اللجان، ورحلات العمل الاستجمامية لمجلس الإدارة؛ إذ يجب على الرؤساء التنفيذيين إيجاد الوقت لبناء علاقات شخصية مباشرة وبناءة مع أعضاء مجلس الإدارة. وهذا أمر أساسي للاستفادة من الخبرات والآراء الخاصّة لكل عضو في المجلس. ففي اجتماعات مجلس الإدارة، لا يكون من الواضح غالباً الخلفية التي ينطلق منها كل عضو، لكنّ معرفة هذه الخلفية هو أمر أساسي وحاسم في أوقات الأزمات وعند التعامل مع المواضيع المثيرة للجدل. كما يحتاج الرؤساء التنفيذيون إلى إبقاء أعضاء مجلس الإدارة على اطلاع والتفاعل معهم في الأوقات الفاصلة بين الاجتماعات وذلك من خلال النشرات الإخبارية وإبلاغهم بآخر المستجدّات. فالتفاهم المشترك والتواؤم مع مجلس الإدارة هما أمران أساسيّان في أوقات الشدّة أو عندما تواجه الأسواق تحدّيات.
أبعاد منصب الرئيس التنفيذي ونفوذه
تكشف البيانات المتعلقة باستغلال الرؤساء التنفيذيين لوقتهم بأنّ حجم التعقيد الكبير في مناصبهم – وجسامة الأعمال والأنشطة وأعداد الجهات المعنية التي يتعاملون معها – أكبر بكثير مما تم توثيقه أو ربما حتى كان مفهوماً سابقاً.
عند دراسة منصب الرئيس التنفيذي، أدركنا بأنّ عمله يتضمّن ستّة أبعاد من النفوذ. ينطوي كل واحد منها على ثنائية – أو تناقض واضح يشبه ظاهرة الأضداد– يجب على الرؤساء التنفيذيين إدارتها بشكل متزامن لكي يضمنوا فعاليتهم. (راجع الفقرة الجانبية بعنوان: "إدارة أبعاد نفوذ الرئيس التنفيذي").
أولاً، من الواضح بأنّ الرؤساء التنفيذيين يمارسون نفوذاً على الكثير من القضايا والقرارات، كما كشف العدد الهائل من المراجعات التي أجروها والاجتماعات الشخصية التي عقدوها. لكنّ محدودية الوقت المتاح للرؤساء التنفيذيين والقيود المفروضة على معارفهم تعنيان بأنّ جزءاً كبيراً من نفوذهم يجب أن يكون أيضاً غير مباشر. فالرؤساء التنفيذيون الجيّدون متحكّمون تماماً بالوضع لكنّهم يعملون عبر الآخرين باستعمال الاستراتيجية، والثقافة، والعمليات المؤسسية الفعّالة التي تقود إلى تحليل سليم وتواؤم في أرجاء المؤسسة. ويحتاج الرؤساء التنفيذيون إلى أن يتعلّموا كيف يزاوجون بين النفوذ المباشر وغير المباشر.
ثانياً، يشتمل معظم عمل الرئيس التنفيذي بالضرورة على جهات داخلية ومهام إدارية، وبياناتنا تؤكّد الحجم الهائل لهذا النوع من العمل الذي يجب أن يُنجز. لكنّ الرؤساء التنفيذيين متفردون أيضاً بسبب الضغوط الكبيرة المفروضة عليهم للتفاعل مع أعداد هائلة من الجهات الخارجية وتمثيل الشركة أمام العالم. ويعمل الرؤساء التنفيذيون الفعّالون على الربط بين دورهم الخارجي ودورهم الداخلي من خلال إدخال الآراء ووجهات النظر الخارجية ضمن إطار عمل الشركة. كما أنّهم بحاجة إلى ضمان فهم الجهات الخارجية لعمل الشركة وقيمتها.
ثالثاً، يقوم الجزء الأعظم من عمل الرئيس التنفيذي بطبيعته على استباق الأحداث: فهو يشمل التنبّؤ بالمشاكل، وجمع الوقائع، وإجراء التحليلات، واتخاذ القرارات السليمة في الوقت المناسب. وفي هذه الحالة، فإن الرئيس التنفيذي هو من يضع الأجندة ويقودها، لكنّ التفاعل بشكل جيّد مع الأحداث والأزمات غير المخطّط لها وغير المتوقعة مسبقاً هو واحد من أهم مهام الرؤساء التنفيذيين. ويمكن القرارات المتّخذة في هذه الحالة، والحضور الشخصي للرئيس التنفيذي أو عدم حضوره، أن يتركا تبعات كبيرة على المؤسسة من الخارج والداخل على حدّ سواء. وهذه الفترات قد تشهد صعود الشركة إلى القمّة أو تهاويها، والشيء ذاته ينطبق على قدرة الرئيس التنفيذي على القيادة.
رابعاً، رغم أنّ هناك الكثير من الأوراق الموجودة في إيدي الرؤساء التنفيذيين وبوسعهم الاستعانة بها بحكم موقعهم في التراتبية في السلم الوظيفي وإمكانية وصولهم إلى الموارد، إلا أنهم يواجهون أيضاً عوائق وتعقيدات هائلة – غالباً ما تكون غير ظاهرة – في ممارسة نفوذهم وتطبيق سلطاتهم. فهم مقيّدون من حيث عدد المرّات التي يستطيعون فيها نقض القرارات التي تعرض عليهم للموافقة، أو من حيث سرعة إحداث التغييرات المطلوبة دون ضمان الدعم والموافقة من فريق كبار المدراء وأعضاء مجلس الإدارة لديهم. وينبغي عليهم أن يحدّدوا المجموعة المطلوبة أو الناس المطلوبين لإحداث التغيير ومن ثمّ التفكير في كيفية استمالة القائد الذي سيحفّزهم. يجب على الرؤساء التنفيذيين إيجاد التوازن الصحيح بين الاستفادة الكاملة من الأوراق والموارد الموجودة بحوزتهم، والمراعاة الكاملة في الوقت ذاته للعوائق التي يجب عليهم تجاوزها والجهات التي يجب عليهم استمالتها. وإلا فإنّ حالة من المقاومة ستظهر إلى السطح وتعود لتقضّ مضجعهم.
خامساً، رغم أنّ معظم نفوذ الرئيس التنفيذي هو شيء ملموس جدّاً، ويشمل قرارات بخصوص أشياء من قبيل الأولويات الاستراتيجية، وأهداف الموازنة، واختيار الأفراد، إلا أنّ بعضاً من أعظم أشكال نفوذ الرئيس التنفيذي تتّخذ طابعاً رمزياً، ويأتي ذلك من المعنى الذي يقرنه الناس بتصرّفات الرئيس التنفيذي. كما أنّ ما يفعله الرؤساء التنفيذيون (وما لا يفعلونه)، بما في ذلك الأشياء اليومية مثل طريقة لبسهم، وأنواع سياراتهم التي يقودونها، وأين يركنون سيّاراتهم، وماذا يأكلون، ومن يتحدّثون إليه وكيف – يبعث دائماً برسائل ضمنية إلى الشركة والجهات المعنيّة بها. فكل ما يفعله الرئيس التنفيذي يؤثرّ على الأشياء التي تركّز المؤسسة عليها، وعلى معايير السلوك فيها، وعلى ثقافتها وقيمها. ويمكن للآثار الرمزية لخيارات الرؤساء التنفيذيين أن تترك أثراً أبعد من مجرد تصرّفاتهم المحدّدة.
سادساً، يمتلك الرؤساء التنفيذيون قدراً هائلاً من السلطات والصلاحيات الرسمية ويمارسونها بطرق عديدة وصفناها، لكنّ السلطة والصلاحيات والكفاءة وحتّى النتائج تعتبر غير كافية لضمان نجاحهم بحق. فالرؤساء التنفيذيون الفعّالون يجمعون ما بين الصلاحيات والسلطة من جهة، والمشروعية، من جهة أخرى. يحقّق الرؤساء التنفيذيون المشروعية عندما يؤمن الموظفون بهم كأشخاص وكقادة، وهم يكتسبون المشروعية بعدّة طرق: من خلال إظهار القيم، والأخلاق، والإنصاف، والالتزام المتفاني تجاه الشركة ومنسوبيها، بين جملة من الطرق والوسائل الأخرى. وتسهم المشروعية في بروز الدافعية التي تتجاوز مجرّد تنفيذ الأوامر ويمكن أن تقود إلى أداء مؤسسي استثنائي. وبالتالي فإن توزيع الرئيس التنفيذي لوقته ليس مجرد ما يحصل في الاجتماعات وعمليات اتخاذ القرار، بل يعكس مجموعة أكبر بكثير من الطرق التي يتفاعل بها الرئيس التنفيذي كفرد مع المؤسسة ومنسوبيها.
أثناء ممارسة الرؤساء التنفيذيين لدورهم الإداري من خلال هذه الأبعاد الستّة للنفوذ، من السهل عليهم الوقوع في فخ التغاضي عن جوانب عملهم الأقل مباشرة، والأقل سلطوية، والتي ليس لها طابع ملموس بشكل كبير، والجوانب ذات الطابع الأكثر إنسانية. ودون هذا الوعي، يتخلى الرؤساء التنفيذيون عن جزء من أكثر الأدوات قوّة لقيادة التغيير.
لماذا يُعتبرُ القادة الجيّدون مهمّين
تم تطوير عدد لا حصر له من المفاهيم والأدوات والمقاييس التي تهدف إلى مساعدة القادة على حُسن الإدارة، لكنّ دراستنا لما يقوم به الرؤساء التنفيذيون في المؤسسات الكبيرة والمعقّدة فعلياً – ويتجلّى ذلك في الطريقة التي يقضون بها وقتهم – تفتح نافذة جديدة تظهر لنا الماهيّة الحقيقيّة للقيادة ومكوّناتها وأبعادها العديدة. فعمل الرئيس التنفيذي هو مهمّة تنطوي على تحدّيات كبيرة ومن الصعب أداؤها على أحسن ما يُرام.
يترك نجاح الرئيس التنفيذي تبعات هائلة – جيّدة أو سيئة – على الموظفين، والزبائن، والمجتمعات المحلية، وتكوين الثروة، والمسار الاقتصادي بل وحتّى المجتمعات. وقد بات تولّي منصب الرئيس التنفيذي أصعب بما أنّ حجم هذه الوظيفة ونطاقها يستمرّان في النمو، وتعقيد المؤسسات يتنامى، والتكنولوجيا تتطوّر، والمنافسة تتزايد، وخضوع الرئيس التنفيذي للمساءلة يتكثّف. وتهدف الأفكار التي طرحناها في هذه المقالة إلى تزويد القادة الحاليين والمستقبليين الذين يجب أن يتحمّلوا هذه المسؤولية الهائلة بفهم أوسع لدورهم وكيفية استغلال موردهم الأهم ألا وهو الوقت بأفضل طريقة ممكنة.