كيف يتعامل الرؤساء التنفيذيون الأذكى عاطفياً مع السلطة؟

5 دقائق
كيف يتعامل الرئيس التنفيذي الذكي

معظم الرؤساء التنفيذيين الذين قابلتهم أو عملت معهم قضوا سنوات من التحضير استعداداً لشغل مناصبهم تلك. ومع وصولهم إلى مناصب الإدارة الوسطى، كان معظمهم قد تعلم هذه القاعدة "التفوق في أداء دور القائد أهم من التفوق في إنجاز المهام". ويروي الكثير منهم قصصاً تبيّن كيف تعثّروا خلال رحلتهم، وكيف مارسوا الإدارة التدخلية في أدق التفاصيل، وكيف أسهموا في إحباط معنويات فرقهم جرّاء مطالبتهم بأشياء غير معقولة، وكيف خسروا أعضاء رائعين في الفريق لأنهم لم يمنحوا العلاقة مع الفريق ما يكفي من الوقت والاهتمام، وكيف يتعامل الرئيس التنفيذي الذكي؟

الرؤساء التنفيذيون الأذكياء

وتمكّن معظمهم من تجاوز هذه التجارب الصعبة، والأهم من ذلك أنهم تعلموا منها العبر والدروس. إذ تعلموا كيفية التخلي عن السيطرة على الموظفين، وكيفية دعمهم. كما تعلموا كيف يراقبون فرقهم بحثاً عن أي علامات على الإنهاك أو التمرد. وكيف يساعدون الناس على العمل بطريقة أذكى، وكيف يجيدون قراءة الناس، وبرعوا في تحديد من يحتاج إلى التقدير أو الدعم من الموظفين، ومن يشعر بالدافعية جرّاء إنجازاته، ومن يحتاج إلى علاقات زمالة قوية حتى مع المدير. لقد تعلموا التكتيكات التي تساعدهم في بناء فرق أقوى، والتعامل مع النزاع، أو التعامل مع التفاوضات.

وعلى الرغم من كثرة التجارب، لكنها ليست كافية من أجل تحضيرهم لتولي منصب الرئيس التنفيذي. دعونا نأخذ مثالاً: "جميل" الرئيس التنفيذي الذي التقيت به منذ سنوات.

فعل جميل كل الأشياء المذكورة أعلاه وأكثر من ذلك. كما كانت لديه ميزة إضافية لشغل منصب الرئيس التنفيذي وهي معرفته بثقافة المؤسسة، وتمتّعه بعلاقات قوية مع العديد من الناس على جميع المستويات، خصوصاً أعضاء مجلس الإدارة.

وفي أثناء وجود جميل في عضوية الفريق التنفيذي، كان يُنظر إليه على أنه قائد جيد وقوي المراس. لقد كان مصدر إلهام للناس، ولم يكن من السهل إغضابه، واستطاع تحقيق النتائج المرجوة دون التقدم على حساب أحد. لكن أسلوبه في الإدارة كان يعتمد على التدخل في أدق التفاصيل، ولا سيما عندما كان يشتم رائحة المخاطر التي تهدد نجاح الشركة. ويمتلك نقطة عمياء عندما يتعلق الأمر بالمغريات المرتبطة بمنصبه. فقد كان يستمتع بركوب الطائرة الخاصة مع الرئيس التنفيذي للشركة، وبوجود سكرتير موضوع تحت تصرفه طوال الوقت، وأيضاً كان معجباً بأسلوب حياته تلك. ولكن بالإجمال، بدا أنه سيكون رئيساً تنفيذياً مناسباً، ولا شك من أن ذلك هو السبب الذي أسهم في انتقائه ليشغل هذا المنصب.

وبعد عام من توليه منصب الرئيس التنفيذي للشركة زُرته، وحضرت موقفاً بينه وبين اثنتين من موظفاته، حيث حصل الموقف على النحو التالي: كنا نجلس في غرفة اجتماعات محاطة بجدران زجاجية. وتمكنت من رؤية كل شيء، وكان جميل جالساً قبالتي أثناء حديثنا. ثم لاحظت اقتراب اثنتين من المديرات، وكانت معنوياتهما عالية بكل وضوح. وسألتاه ما إذا كانتا تستطيعان إخباره ببعض الأنباء السارّة عن مشروعهما ولم يكن لدينا مانع في ذلك. لقد بدتا في غاية السعادة والانتشاء بنجاحهما، حيث كانتا فخورتين بالنتائج. وانضمّ جميل إليهما وبدا أن الحديث الذي دار بينهما كان عظيماً. ثم غادرت المديرتان الغرفة. فالتفت جميل إليّ وعلى وجهه ابتسامة عريضة، وقال: "هل رأيت ما حصل؟" قلت له: "بالتأكيد، كان الأمر عظيماً أحسنت صنعاً، ويجب أن تكون فخوراً بهما". فكان جوابه: "لا. هل رأيتِ كيف تعاملتا معي؟".

أُصبت بالارتباك، وشعرت بالقلق. فطريقة كلامه لم تكن تبعث على الارتياح. ومضى قدماً في كلامه، وأخبرني بأنه منذ توليه منصب الرئيس التنفيذي، أصبح الجميع يحاول التقرب منه. ما الذي كان يعنيه؟

وبعدما توغّلنا في الحديث أكثر، اتضح لي أن جميل نسي تماماً ما الذي يعنيه دوره للناس. لقد اعتقد في الواقع أن الطريقة التي يعامله الناس بها بسبب أسلوبه القيادي العظيم وشخصيته اللامعة. لم يخطر في باله أن دوره والسلطة التي ترافق هذا الدور هما ما يدفع الناس إلى التصرف بطرق معينة.

باختصار، وعلى مدى بضعة أشهر، عملت مع جميل على حل بعض المشكلات التي كان يواجهها، علاقتنا ودية للغاية. واكتشفنا أنه على الرغم من كل ما تعلمه جميل طوال رحلته، فإن السلطة المترافقة مع منصبه، ربما أعمت بصيرته عن العديد من الأشياء، وخاصة ما يتعلق به شخصياً وبعلاقاته في مكان العمل. لقد بدا عملياً بأن خصلتين أساسيتين من خصال الذكاء العاطفي، وهما الوعي بالذات والتعاطف مع الآخرين، اختفتا ولم تعودا موجودتين فيه.

ومنذ ذلك الوقت، اتخذت قراراً بالانتباه أكثر إلى طريقة تعاطي الرؤساء التنفيذيين وغيرهم من كبار المدراء التنفيذيين مع السلطة، أو عدم تعاطيهم معها حتى. ويبدو أن ما حصل مع جميل لا يقتصر عليه فقط. بل يحصل كثيراً جداً.

لكن لماذا؟ هنالك عدة أسباب. أولاً، السلطة مفسدة، وهي تفسد قدرتنا على إطلاق الأحكام. ثانياً، الناس يتعاملون معنا بطريقة مختلفة إذا كنا أصحاب سلطة. وفي بعض الأحيان يحبوننا أكثر. وفي بعض الأحيان يكرهوننا أكثر. وفي كلتا الحالتين، من السهل أن ينخدع المرء ويصدّق هذه الاندفاعة العاطفية التي يراها.

ثالثاً، يصل الكثير من الناس إلى القمة دون إجراء الكثير من المراجعة للذات أو تحقيق نمو شخصي. ومع أنهم تعلموا الذكاء العاطفي خلال رحلتهم، فإنه غالباً ما يكون سطحياً. على سبيل المثال، ربما تعلموا كيف يتعاملون مع العلاقات، لكنهم لم يتعلموا  كيف يتعاطفون مع الناس أو كيف يقرؤونهم بدقة. ربما يكونون قادرين على اكتشاف دوافع الناس واحتياجاتهم، لكن ليس بالمقدار الكافي لإنجاز الأمور. وعندما يتعلق الأمر بإدارة الذات، فإن الكثير من القادة يتعلمون كيف يتعاملون مع التعبير عن عواطفهم نحو الآخرين، ولكن ليس لديهم أدنى فكرة عن كيفية التعامل مع العواطف الكامنة لديهم مثل الشعور بعدم الأمان أو ماهية شعورهم تجاه السلطة والقوة. وأرى أن الفجوة الكبرى تكمن في مجال الوعي بالذات. والسبب في ذلك جزئياً يعود إلى أن التأمل الذاتي هو شيء لم نكن نفعله مطلقاً في قطاع الأعمال، لأنه لا يعتبر ضرورياً. لذلك، فإن معظم المؤسسات تشجعنا على التأمل في ذواتنا للعثور على نقاط الضعف وإصلاحها. لكنه ليس الوعي الذاتي الذي تحتاجه إذا كنت ستتعامل مع أوضاع وحالات يمكن فيها للسلطة المناطة بك ضمن دورك الوظيفي أن تعمي بصيرتك أنت والآخرين.

فما الذي يمكن أن يفعله الرؤساء التنفيذيون المستقبليون لإعداد أنفسهم جيداً للتعامل مع ردود أفعالنا الإنسانية المعقدة تجاه السلطة في مكان العمل؟ إليكم فيما يلي الدروس والعبر التي استخلصتها شخصياً.

اطرح على نفسك الأسئلة التالية لتصبح قائداً أفضل

بداية، عليك معرفة أن النمو المهني دون نمو شخصي ضرب من المستحيل. ولكي تتعلم كيف تصبح قائداً أفضل، وتكون أقدر على التعامل مع ديناميكيات السلطة، يجب معرفة نفسك أكثر. ولتبدأ بذلك، اطرح على نفسك هذه الأسئلة:

  • ما هو شعورك نحو السلطة؟

وكيف تتجاوب مع أشخاص يمتلكون سلطة عليك أو لديهم صلاحيات وبوسعهم اتخاذ قرارات تؤثر في حياتك مثل مديرك فرضاً؟ ومن أين أتت أصلاً ردود أفعالك تلك تجاه السلطة والقوة؟

  • ما هو شعورك حيال مغريات السلطة مثل المال والسيارات والمنازل والعطلات؟

هل تقيس نفسك باستعمال هذه المقاييس؟ وما هو شعورك عندما تجد نفسك "ناجحاً وفقاً لمقاييسك"؟ وكيف تتعامل مع الناس الذين تجدهم أقل نجاحاً بحسب تلك المقاييس؟ وكيف تشعر إذا كنت تعتقد بأنك أدنى من المستوى الذي تريد الوصول إليه؟ ما الذي تفعله إزاء تلك المشاعر؟ على سبيل المثال، هل تركز على ذاتك وتلوم نفسك؟ أم أنك تثور على الآخرين؟

  • ما هو الأهم من السلطة لك؟

هل هو العائلة أم الصحة أم الرفاهية أم السعادة في العمل والحياة أم الأخلاق؟ إن إجاباتك ستعطيك مؤشراً واضحاً على الشيء الذي تقدّره حقيقة في حياتك. كما أن إدراكك لذلك وترك قيمك ترشدك في تحديد اختياراتك سيساعدك كثيراً في التعامل مع سلوكياتك وأفكارك في مكان العمل.

أخيراً، خلال السنوات العشرين الماضية، أصبح معظم القادة يتقبّلون فكرة أهمية الذكاء العاطفي لنجاحهم. لكن رحلتنا لا تزال طويلة قبل الإدراك بأن تطوير الذكاء العاطفي هو مجهود نبذله طوال حياتنا وليس مجرد تمرين بسيط. أما كبار القادة والرؤساء التنفيذيين الذين يمسكون بأيديهم مصير الناس ومستقبلهم المهني ومعيشتهم، فالأمر هو مسؤولية تقع على عاتقهم ليعرف الموظفون كيف يتعامل الرئيس التنفيذي الذكي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي