لا ينبغي أن يتفاجأ مستخدمو "فليكر" (Flickr) التابعة لموقع "ياهو" عندما أعلن الأخير عزمه على بيع نسخٍ مطبوعة من صور المستخدمين. بل على العكس من ذلك، كان عليهم أن يكونوا سعداء. لأن "ياهو" في النهاية، لا يفعل شيئاً سوى بيع صور كان المستخدمون أنفسهم قد خوّلوه صراحة ببيعها.
ومع ذلك، فإن الأمر كان بالنسبة للعديدين بمثابة خيانة. والسبب الكامن وراء هذا الشعور يبيّن بأن هناك انقساماً أساسياً تتجاهله الشركات ويتعين عليها تحمّل تبعات هذا التجاهل.
قبل أن يستحوذ موقع "ياهو "على خدمة "فليكر"، كانت الأخيرة قد أظهرت نفسها على أنها مواطن مميّز على شبكة الإنترنت من خلال مجموعة من الأمور، ومنها إعطاء مستخدميها خيار استعمال ما يسمّى "رخصة المشاع الإبداعي" مع صورهم عندما ينشرونها في الموقع. ورخص المشاع الإبداعي تعطي الإذن بإعادة استعمال المحتوى من دون الاضطرار إلى الحصول صراحة وبشكل مسبق على موافقة صاحب حقوق الملكية الفكرية.
تسمح خدمة "فليكر" لأعضائها باختيار أحد نوعين من تراخيص المشاع الإبداعي: في النوع الأول، يتعيّن على من يريد إعادة استخدام المواد أن ينسبها إلى صاحبها، وفي النوع الثاني، يتعيّن عليه أن يمتنع عن إعادة استخدام الصور لأغراض تجارية.
وفي كلتا الحالتين، فإن رخصة المشاع الإبداعي تحقق المكاسب لثلاثة أطراف معنية:
• لصاحب الصورة: يمكن لأعماله أن تنتشر وتُتداول بحرية أكبر.
• للإنترنت: تنضم الصورة إلى عشرات ملايين الصور المتاحة لإعادة الاستخدام على "فليكر"، والعديد من هذه الصور ذات جودة عالية.
• بالنسبة إلى "فليكر": يزوره المستخدمون الجدد للعثور على صورة ويبقون لأنهم يحبّون هذا المكان.
لكن "ياهو" كسر أضلاع هذا المثلث الجميل عبر بيع صورة مطبوعة لما يُسمى "جدار الفن" لأي من الصور التي يبلغ عددها 50 مليون صورة من موقع "فليكر" وتحمل رخصة المشاع الإبداعي من النوع الأول، أي التي يتعيّن على أي شخص يريد إعادة استخدامها أن ينسبها إلى صاحبها فقط. وهم يتقاضون لقاء ذلك مبلغ 100 دولار، على الرغم من أن هذا الرقم انخفض إلى النصف بعد فترة.
ما هو المقابل الذي يلقاه أصحاب الصورة؟ الجواب هو لا شيء. وما هو مقدار المال الذي يتعيّن على "ياهو" دفعه إلى أصحاب هذه الصور؟ لا شيء أيضاً. فالصور المطبوعة هذه ملتزمة التزاماً كاملاً بشروط رخصة المشاع الإبداعي من النوع الأول من خلال وجود اسم الشخص الذي التقطها أو أنشأها تحتها.
ما هي المشكلة إذن؟
الأمر الأول الذي يجب أن ندركه هو أن هناك مشكلة. فبعضنا على الأقل يشعر بأن "ياهو" يستغلنا. فما يفعله "ياهو" لم يكن في الحسبان عندما وضعنا صورنا تحت رخصة المشاع الإبداعي. فنحن نحاول أن نقدّم إسهاماً من نوع ما إلى ثقافتنا ولو كان صغيراً. لقد كنّا ببساطة نتقاسم ما لدينا مع الآخرين.
لكن "ياهو" يقحم نفسه داخل مثلثنا. فالروابط بين أضلاع ذلك المثلث كانت تتّسم بأنها قائمة على حسن النية وتقاسم ما نملكه مع غيرنا. لكن "ياهو" حوّل صورنا –وهدايانا– إلى سلع وقزّمها إلى قيمها النقدية.
وما يفاقم هذا الشعور بالخيانة هو أن "ياهو" يمتلك "فليكر". ففي نهاية المطاف، بموجب رخصة المشاع الإبداعي، أي طرف ثالث بوسعه أخذ الصور من "فليكر" وعرضها ليُعاد بيعها. قد نتنازل عن هذا الأمر بوصفه إحدى تبعات اختيار رخصة المشاع الإبداعي من النوع الأول، ولكن عندما يفعل الموقع المالك لـ "فليكر" ذلك، فإن الشعور يتحوّل من شعور بالاستغلال إلى شعور بالخيانة.
إن مجرد شعور العديد منّا بهذا الإحساس، على الرغم من أن تصرفات "ياهو" متوافقة مع أحكام الرخصة التي اخترناها، يظهر الحفرة العميقة التي خلّفها للإنترنت؛ فبعض الشركات إلى جانبنا وبعضها الآخر ليس كذلك. فأن تكون الشركة إلى جانبنا، هذا يعني أنها لا تفعل كل شيء مسموح بموجب العقود الطويلة التي تكتب بخط صغير ونوافق عليها، بل هي تفكر أولاً فيما يريده الزبائن حقاً، وما هو شعورهم الحقيقي، ومن ثم تتصرف.
في المقابل، تجاهل "ياهو" كل ما سبق، وبفعله لذلك، فإنه لم يكشف فقط على أنه ليس واحداً "منّا"،وإنما كشف أنه لا يعلم بوجودنا أصلاً.