كيف تُعارض من هم أعلى سلطة منك؟

5 دقائق

يروي أحد القادة في قطاع الصحة حادثة وقعت معه قبل 40 عاماً، ما يزال يذكرها كأنها حدثت اليوم. فحين كان في مقتبل مسيرته المهنية، قرر أن ينتقد سلوكاً سلبياً شاهده أمامه، فما كان من المسؤول الطبي العام في المقاطعة إلا أن استدعاه. كان القائد يبلغ من العمر 21 عاماً آنذاك، والمسؤول الطبي في الخمسينيات من العمر. قاله له المسؤول: "أيها الشاب، إذا كنت تسعى لأي مستقبل في هذه الوظيفة، فعليك أن تغلق الموضوع الذي فتحته في الحال". ورضخ الشاب لأمره بالفعل.

ولتجنب الوقوع في مثل هذه المواقف، يتجه معظم الناس إلى تقدير ميزان القوى قبل اتخاذ قرار بالحديث عن مشكلة ما. ولعله من المغري دوماً افتراض أنه حين تكون لدينا سلطة أعلى، أو أعلى بقليل على الأقل مما لدينا في لحظة ما، سنكون أكثر مقدرة على الإشارة إلى الخطأ وانتقاده. لكن خلال العامين الماضيين، وبعد مقابلات أجريناها مع أكثر من 60 قائداً في عالم الأعمال، اكتشفنا أننا مسكونون على الدوام بهذا الافتراض. فهنالك دوماً شخص أو شيء أعلى سلطة أو أكثر قوة منا، فحين نتكلم مع الرئيس التنفيذي كنا نجد أنه يأخذ بعين الاعتبار مجلس الإدارة، وحين نتحدث مع رئيس مجلس الإدارة، كان يعترف إلينا بأنه يخشى الصحافة. ومهما عَلَت مرتبة القادة الذين قابلناهم فإنهم جميعاً كانوا يبدون تخوفاً ما من بعض المخاطر والتبعات التي تترتب على انتقادهم لما يرونه من بعض الأمور حولهم.

وفي دراستنا التي نُشرت مؤخراً كنا نسعى إلى فهم التعقيدات التي ترتبط بمسألة مصارحة الآخرين بالخطأ في مكان العمل أو لا، سواء كان الأمر بسيطاً ويتعلق مثلاً بكيفية تغيير طريقة الحديث مع العملاء، أو قضايا جدية أكثر مثل الأخطاء أو التجاوزات المهنية. وأوضحنا في مقالة سابقة كيف أن بعض القادة يميلون دون وعي أحياناً إلى إسكات الآخرين عبر الاعتماد على ما يتمتعون به من سلطة. أما اليوم، فسنتحدث عما تعلمناه من أولئك الذين يُصرّون على لفت الانتباه للخطأ. حيث وجد بحثنا أن توضيح الحقائق أمام من هم أعلى سلطة يتطلب الانتباه إلى خمسة أسئلة وثيقة الصلة فيما بينها:

1- ما مقدار اقتناعك برأيك؟

يتطلب عدم السكوت عن الخطأ أن تكون على ثقة بأن لديك وجهة نظر تؤمن بها بما يكفي تدفعك للحديث. فما هو مقدار اهتمامك حقاً؟ وكيف ستشعر لو أنك تجاهلت الأمر ولم تتكلم؟

حين تحدثنا إلى أحد الأشخاص المشهّرين بالخطأ، الذي اكتشف صدفة أن الرئيس التنفيذي في شركته اختلس من أموال الشركة، وضح لنا تلك العقبات المدمرة لعدم سكوته حينها عن الخطأ. فهذا الرجل لم يخسر وظيفته فقط، بل تسبب ما فعله بخسارته عائلته أيضاً. وحين سألناه إن كان سيفضح الخطأ الذي علم به لو كان يُدرك حجم ما سيقع به من مشكلات، قال لنا: "قطعاً لن أتكلم". ثم قال في لحظة يأس: "ولكن، كيف كان لي أن أصمت؟". فحتى مع تلك التبعات القاسية التي لحقت به بقي ذلك المسؤول التنفيذي مقتنعاً بأن ما اتخذه هو التصرف الذي أملته عليه أخلاقه، ولم يكن ليسامح نفسه لو قرر تجاهل الأمر.

ربما تكون هذه القصة استثنائية نظراً لما فيها من تفاصيل مؤثرة، إلا أن التصرف السليم أخلاقياً يكون في معظم الحالات الأُخرى أقل وضوحاً، كما لا تكون التبعات المترتبة على الحديث عن الخطأ بهذا القدر من الفظاعة، وهذا يقودنا إلى السؤال الثاني.

2- هل لديك تصور معقول عن الآثار التي تترتب على عدم سكوتك عن الخطأ؟

حين نوازن بين مقدار إيماننا بما يتحتم قوله مع النتيجة التي ستنجم عما سنقوله، فإنه سيكون بوسعنا تحديد ما إذا كنّا نمتلك العزيمة والمرونة المطلوبة لفعل ذلك. فعادة ما يكون لدى الناس تخوف مبالغ فيه من الآثار المترتبة على عدم السكوت عن الخطأ، وهذا ما يجعلنا نفضّل الصمت الذي يوفر لنا السلامة على المدى القصير. فكيف بإمكاننا التأكد من صحة تخوفاتنا؟ ابدأ أولاً بالبحث عن أمثلة لأشخاص قدموا انتقاداتهم وكيف تم التعامل معهم. ولا تنس التفكير بالحجة المقابلة: ما هي الآثار التي ستترتب عليك وعلى الآخرين في المدى الطويل إذا آثرت الصمت؟ وفكر جيداً في من سيتأثر معك في حال اتخذت قراراً وعبّرت عن انتقاداتك. وهذا ما يؤدي بنا إلى السؤال الثالث.

3- كيف سيؤثر ما ستتحدث به في لعبة العلاقات داخل الشركة؟

قال الرئيس التنفيذي للعمليات في أحد أكبر بنوك العالم: "إن البيئة التي تسبب بحصول فضيحة "الليبور" وما ارتبط بها من فضائح كل شيء بدأ "بالكذبة الأكبر في الشركة، وهي كذبة الميزانيات". إذ قال لنا هذا المدير إنه بمجرد أن يبدأ الحديث بالانتقال إلى موضوع الميزانيات تبدأ ألاعيب التأثير والتخويف والابتزاز في الشركة. فأولئك الذين لا يعرفون هذه الألاعيب جيداً في الشركة هم الذين يسقطون ضحية لقواعدها غير المكتوبة، وتصبح ثقافة الشركة قائمة على المكائد والدسائس، حتى إن الصمت يكون الخيار الأسلم، وهكذا تكون البيئة خصبة لتزايد الكذب ونموه بلا حسيب أو رقيب.

وهذه الألاعيب موجودة في كل شركة بشكل أو بآخر، حتى في الشركات التي تدعي خلاف ذلك، وستجد دوماً قواعد محددة وأُخرى يتم التكتم عنها، وتلك القواعد التي تم التكتم عنها هي ما يؤمّن ترقية الموظف في بعض الشركات.

4- ما هي القواعد الاجتماعية التي تحكم الحديث عن الخطأ وكيف يستمع الآخرون إليها؟

لا يتوقف الناس عن إطلاق الأحكام على بعضهم البعض، حتى لو كان ذلك دون وعي. فقد نلتقي، على سبيل المثال، بشخص ما ونطلق عليه حكماً بأنه أو أنها: امرأة أو كبير في العمر أو أميركي أو غني، ومن ثم ننظر إلى المسمى الوظيفي الرسمي لذلك الشخص: رئيس تنفيذي، مندوب مبيعات، عامل في المتجر، استشاري. وكل واحدة من هذه الصفات توحي بمكانة معينة، تختلف من سياق إلى آخر. فالمستشار في مؤسسة ما يكون قادراً على تحدي الوضع الراهن وعدم السكوت عما يراه من خطأ، وربما يكون ذلك سبب تعيينه في المقام الأول، ولكن في سياق آخر، ربما يكون عليه تقديم أدلة تثبت دعمه لاستراتيجية الرئيس التنفيذي المعلنة.

ولقد وصفت لنا مستثمرة ناشطة في أميركا، ومسؤولة عن صناديق استثمار بمليارات الدولارات، كيف أنها كانت في كثير من الأحيان المرأة الوحيدة في اجتماعات مجالس الإدارة حين كانت تلتقي بأعضاء الإدارة التنفيذية للشركات التي استثمرت فيها. كما كانت في الغالبية العظمى من الأوقات الشخص الوحيد الذي يقل عمره عن 50 عاماً. وبما أنها تدرك كيف أن نظرة الآخرين إليها بوصفها "امرأة" و"شابة" توحي بمرتبة أدنى في نظر من تجتمع بهم، أوضحت لنا كيف كانت تعمل على بناء التحالفات قبل اجتماعات المجلس وذلك من خلال الحديث مع شركائها في الاستثمار مسبقاً، كلّ على حدة، لتضمن الحصول على دعم منهم في أثناء الاجتماع.

تعتبر الأوصاف ذات أهمية كبيرة، وإذا كنت تريد التحدث عن مشكلة ما، فعليك أن تكون مدركاً لهذا الجانب ولتأثير كل وصف ينطبق عليك أمام أولئك الذين ستتحدث عن المشكلة أمامهم. وهنا يأتي دور السؤال الأخير.

5- ما الطرق الأكثر نجاعة للحديث عن المشكلة كي تضمن تفاعل الآخرين معك؟

وضح لنا نائب رئيس مجلس الإدارة في مؤسسة إعلامية عالمية أن من أول الأشياء التي تعلمها هي ألا يتحدى رئيس مجلس الإدارة أمام الآخرين. ولكنه كان يستغل الفرصة عند السفر معه للحديث في ردهة الفندق مع فنجان من القهوة حول أي مسألة يشاء، وعادة ما كان يجد آذاناً صاغية منه.

حيث تعتبر معرفة ما يجب قوله، ومتى وكيف ومع من، أسئلة تساعدك على الحد من أضرار الحديث عن مشكلة ما، وتزيد من احتمالية وصول الرسالة على النحو المطلوب. ويكون التدرب على ذلك أمراً ضرورياً، وذلك عبر التفكير بوعي بتجاربك السابقة حول الحديث عن المشكلات الحساسة، وأي الأساليب التي أتت بنتائج إيجابية وأيها أتت بنتائج سلبية، والنظر في الأمور التي عليك تطبيقها في الموقف الجديد الذي ستُقدم عليه.

والحقيقة التي ينبغي عدم نسيانها هي أن الشركات غارقة في مسائل السلطة وسياسات القوة وتعقيداتها، والحديث عن الخطأ دائماً فعل ينطوي على تحدٍ للوضع الراهن.

وسواء قررت الحديث عن الخطأ أم لا، فتذكر دوماً أن الشخص صاحب السلطة الأدنى يحتاج إلى أن يمتلك وعياً كبيراً بتلك الأمور التي تحركه وتدفعه للإقدام على تصرف ما، كما يجب أن يكون مدركاً لتأثيره في السلم الاجتماعي الرسمي وغير الرسمي على السواء، ولبعض الجوانب المحددة في ثقافة المؤسسة التي يعمل فيها. فليس هنالك منهجية موحدة ناجعة في كافة المواقف، ولكن الأمر الأكيد هو أن جميع الشركات بشتى أنواعها وباختلاف مجالاتها وقطاعاتها ستكون أقدر على تحسين أدائها إذا تمكن الأفراد فيها من التعبير عن آرائهم وشعروا بأنها مسموعة ومحترمة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي