كيف تُسخّر وظيفتك لعيش حياة هادفة؟

5 دقيقة
عيش حياة هادفة
shutterstock.com/sutadimages
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

شهدتُ السنة المُنصرمة أياماً من الرضا والإنجاز وأخرى من الصعوبات والتحديات؛ فقد نشرت كتابي الأول وأنهيت كتابي الثاني، وأُدرج اسمي في قائمة ثينكرز 50 (Thinkers50)، وكان هذا الإنجاز مفاجئاً لي. لكنني فقدت في العام ذاته أيضاً شخصين عزيزين على قلبي؛ هذا هي حال البشر، نتخبط في دهاليز الحياة ما بين فرح وحزن وإنجاز وإحباط.

هذا ما دفعني إلى التفكير في سؤال مهم: ما معنى أن نعيش حياة هادفة مُرضية؟ (لا بد أنك اطلعت على هذا الموضوع إذا كنت من متابعي حسابي على منصة إكس (تويتر سابقاً) مؤخراً، أو فكرت بعمق في إجابة عن هذا السؤال حتى). إذا قبلت الافتراض الخارج عن المألوف بأن كلاً من أسلوب حياتنا وعملنا وتفاعلنا يجعلنا نشعر بالفراغ العاطفي والعلائقي والاجتماعي والجسدي والروحي، أو على الأقل لا يوفر لنا الرضا والسعادة في هذه الحياة على الرغم من ثرائنا المادي، وأن تحسين حياتنا يتطلب منا كسب مزيد من الأموال بسرعة أكبر وبتكلفة أقل وبأساليب أكثر ضراوة، بدلاً من التركيز على التحلّي بالحكمة وزيادة اللياقة والتمتع بالذكاء والقوة، فكيف سنعيد تصميم الأنظمة الاقتصادية والأسواق والمؤسسات لنعيش حياة أفضل؟

قادتني هذه التأملات إلى كتابة كتاب صغير حول هذا الموضوع بعنوان "الأفضل: اقتصاد من أجل البشرية" (Betterness: Economics for Humans) وهو يصف برنامجاً مكوّناً من 5 خطوات لإعادة التفكير في طرق الازدهار وإعادة تعريفه، بدءاً من إجراء تغييرات على مستوى الاقتصاد العالمي وصولاً إلى تغييرات على مستوى المؤسسات التي نقضي فيها معظم أيامنا؛ ويهدف البرنامج إلى عدم حصر تركيزنا بعدد الإنجازات وحجمها وسرعتها، بل التركيز أيضاً على تحقيق إنجازات تُحدث آثاراً إيجابية عميقة.

لكنني أردت أن أركز على التغييرات الصغيرة والفورية أيضاً، بعبارة أخرى: كيف نصبح أكثر تكاملاً وصدقاً اليوم؟ نعيش في عصر نسينا فيه معنى الازدهار بعد أن كان مضموناً في الماضي، وحاضر نشعر فيه بالإحباط والحسرة والفشل، وواقع يصطدم بتحديات جادة تتمحور حول إعادة بناء الاقتصاد والسياسة والمجتمع؛ لذلك، سأورد لك الأمور المحورية التي عليك أن تكون جاداً حيالها، ألا وهي إمكاناتك الإنسانية وطرق إطلاق العنان لها بالكامل وبصدق وقوة خلال مسار حياتك.

طلبت من متابعيّ على منصة إكس مؤخراً تقديم 3 نصائح لأشخاص أصغر سناً حول كيفية عيش حياة هادفة، وتمثّلت النتيجة في عصف ذهني على مستوى عالمي؛ ودارت حوارات أعمق وأكثر إثارة للاهتمام من أي شيء آخر كتبته على الإطلاق.

وإليك سؤالي: ما نصائحك الثلاث لعيش حياة مُرضية؟ ما النصائح التي تقدمها اليوم لشخص ما في العشرينيات من عمره مثلاً؟ إليك نصائحي:

تطوير الذات

ما الهدف من "التعليم"؟ الهدف بحسب إحدى وجهات النظر زيادة خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ولا شك في أن هذه المهارات مهمة لسبب وجيه. لكني أعتقد أن هذا السبب مبني على الافتراض الحتمي بأن هدف التعليم هو زيادة الإنتاجية؛ بمعنى أنك تدرس لتصبح "موظفاً" وفياً ومخلصاً ومطيعاً يتمتع بالمهارات التحليلية الموحدة والمتكررة لإنجاز المهام الروتينية دون أي حماس أو إلهام. لكن العكس صحيح: أي أن هدف الإنتاجية هو التعليم، "فالناتج" ذو القيمة الأصيلة والمنفعة الاجتماعية هو عملية تتوّج بتكامل الفرد وشموليته. وأعتقد أن المجتمع يعاني نقصاً في الأشخاص المتوازنين الذين يمتلكون بوصلة أخلاقية ويعتنقون قيماً ومبادئ أساسية، ويتمتعون بالوعي الثقافي ويمتلكون نظرة شمولية حول الماضي والمستقبل؛ بعبارة أخرى، تضم مجتمعاتنا عدداً كبيراً ممن يسعون وراء المكافآت المادية الكبيرة لعيش حياة كريمة، مثل المصرفيين، وعدداً قليلاً من المتوازنين الذين يمتلكون الشجاعة والحكمة والقدرات اللازمة لتنمية الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ودعمها. ونصيحتي هي التخلي عن السعي للإشباع الفوري والتركيز على تطوير القدرات الذهنية والعاطفية الأسمى للارتقاء بالذات؛ تنمية القدرة على رؤية الفروق الدقيقة وفهم المعاني الضمنية العميقة وإبداء التواضع والتصرف بحكمة ورفعة. لا أعني بذلك أن تجهد نفسك بأهم المجالات وأعقدها، بل ألا تنبهر بكل مجال ذي شعبية حقق نجاحاً سريعاً وتظنه قمة الإنجاز البشري. لنكن واقعيين: إذا لم تمتلك فهماً دقيقاً ومتطوراً وشاملاً لمفهوم الإنجاز العظيم، فستكون فرصتك لتجاوز حدود إنجازاتك الحالية ضئيلة أو معدومة.

طور ابتكاراً مزعزعاً

الوسطية في الحياة ليست هدفاً يجب أن نسعى إلى تحقيقه، بل هي خطر علينا دفنه في غياهب النسيان. وأشجعك بصدق على أن تقضي فترة شبابك في متابعة شغفك بإصرار وعزيمة، دون ضعف أو خوف أو تردد. تعدَّ بأحلامك حدود السماء، ثم خاطر لتحقيقها؛ جازف بكل ما تملك قبل أن تضيع الفرص وتقنع بوضعك الراهن. أبدع: لا تكن مجرد "موظف" أو "مدير" أو عامل يؤدي مهام روتينية، بل اسعَ لبناء مستقبل مشرق. ابتكر في الموسيقى أو الأدب أو ريادة الأعمال أو أداوت التمويل أو الموضة؛ اصنع ابتكاراً يُحدث تحوّلاً جذرياً في المجتمع ويزعزع الأنظمة القديمة والبالية. فكر في الأمر على هذا النحو: إذا كانت الوسطية هدفك فعليك أن تتقن مهارات إعداد العروض التقديمية في برنامج باور بوينت، وتتملق لتحقيق مصالحك الشخصية، وتسعى لتحقيق أهدافك المالية؛ أما إذا كان التميز هدفك فعليك التركيز على المهارات الجانبية التي تغيّر الوضع الراهن، وهي الطموح والعزم والتمرد والمثابرة والإنسانية والمشاركة الوجدانية، وكلما بدأت تطوير هذه المهارات باكراً زادت فرص نجاحك.

سامح (وافشل)

أكره الكلمات التي تقلل من قيمة الإنسان وتجعله يبدو آلة، مثل كلمة "المتفوقين"، لأن ما يميّز الشخص الذي يسعى إلى تحقيق الأهداف العظيمة ليس "الإنجاز"، بل الفشل؛ ذلك الفشل الذي يثير داخله مشاعر الخوف والتوتر، وأنا واثق تمام الثقة من أنك ستفشل فشلاً ذريعاً في العشرينيات من عمرك إذا كنت ترغب في عيش حياة هادفة؛ قد تُطلق مشروعاً ناجحاً ومزعزعاً ثم تشهد فشل زواجك، أو قد تقابل شريك حياتك المثالي ثم تواجه تحديات في مسارك المهني، أو قد تكون في قمة نجاحك المالي لكنك تشعر بالفراغ الروحي. هذه أنواع مختلفة من الفشل، وهي محفزات تثير حالة من الارتباك في منتصف فترة العشرينيات أو نهايتها، وتجعل الشخص يتساءل عن مسار حياته المضطربة. لذا ضع هذه الفكرة في اعتبارك: عندما تفشل فشلاً ذريعاً، سامح؛ سامح الناس من حولك، وسامح نفسك. استفد من دروس الماضي، لكن لا تدعها تعوقك عن تحقيق أهداف المستقبل. يمكنك التركيز على فشلك سنوات طويلة فتتحوّل الصدمة إلى أزمة نفسية؛ أو يمكنك أن تتذكر بوعي أن الأخطاء ليست نهاية العالم بل بداية الحكمة، وأن تخطو بثبات نحو تحقيق أهدافك بعد ذلك.

كتب الشاعر العظيم أنطونيو ماتشادو ذات مرة: "لا طريق أمامك؛ الطريق تُعبّدها خُطاك". كم هو صحيح بيت الشعر هذا في عصر يتميز بفشل مؤسساتي وتفكّك في النسيج الاجتماعي وانهيار في الاقتصاد، نعرف تماماً نهاية الطريق الذي اخترناه في الماضي، فهو لن يقودنا إلى المدينة المشرقة والمزدهرة التي كنا نحلم بها، بل إلى مدن متدهورة وضواحٍ مهمشة وبطالة جماعية وخوف من المستقبل وبلوتوقراطية (حكم الأثرياء) واحتجاجات؛ سيقودنا إلى أنقاض امبراطورية متداعية. حدد أهداف رحلتك، وعندما يحاول الوضع الراهن وضع عراقيل في دربك فتحداها بكل قوتك.

المهم هو أن تؤدي عملاً ذا مغزى لك ولمن تحبهم، وأن تُحدث أثراً أكبر أيضاً، سواء في منظومتك أو مجتمعك أو العالم الإنساني بأسره. اختر العمل الذي يحقق لك الرضا ويثير شغفك، بدلاً من أن تركز على كسب المال وتحقيق النجاح، فالنجاح والثروة ينتجان عن الرضا والشغف، ولن يكون لأي نجاح أو ثروة أي قيمة دونهما. وعندما تختار الأنشطة التي تثير شغفك فكر في التي تتيح لك تحقيق نجاح عالمي وليس مجرد نجاح عادي، وعندما تحصر خياراتك فكّر في تلك التي سيكون لها أثر إيجابي في أكبر عدد ممكن من الناس لأطول وقت ممكن، لأن إنجازاً واحداً يغيّر العالم ويحقق نجاحاً باهراً سيمنحك رضاً أكبر من أي نجاح شخصي مادي.

لا تقتصر نصائح الحياة على هذه النصائح فقط، وهي ليست أفضلها أيضاً، إذ وجدت في نقاشنا على منصة إكس الكثير من النصائح الأدق والأكثر تأثيراً وحكمة. لذا بدلاً من مناقشة نصائحي البسيطة وغير المهمة في التعليقات، دعني أسألك مرة أخرى: ما النصائح الثلاث التي ستقدمها لشخص في العشرينيات من عمره، أو أي شخص، حول عيش حياة هادفة مُرضية؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .