كيف تنجح كمدير في بلد أجنبي

4 دقيقة

ليس من السهل على الإنسان أن يصبح مديراً للمرة الأولى. يوماً ما وبينما تكون سعيداً بإنجاز أعمالك وتسعى إلى تحقيق أهدافك، تجد فجأة أن حياتك قد انقلبت رأساً على عقب. بدلاً من التركيز على نفسك، يجب أن تركز اهتمامك على الآخرين، ويتعيّن عليك أن تحفز الآخرين، وتبني العلاقات مع فريقك، وتعطيهم آراء بناءة لتحسين أدائهم. يجب عليك أيضاً التعاطف مع الآخرين وإظهار تفهمك واحترامك لهم. ويجب أن تكون مباشراً وحازماً، لكن لا يجب أن تبالغ في هذه الحالة بحيث تدفع الآخرين إلى التوقف عن الإنجاز والمبادرة. ويتعيّن عليك تحمل المسؤولية، ولكن في نفس الوقت يجب أن تمنح الآخرين الاستقلال الذاتي المطلوب للنمو. ولا شك في أن هذه التغييرات يمكن أن تصيبك بالدوار وهي غالباً ما تتطلّب مجموعة جديدة بالكامل من المهارات.

والآن تخيل بأنك مضطر إلى فعل كل هذه الأشياء في بلد أجنبي، لا يقع خارج نطاق مساحتك الشخصية المريحة، بل يقع خارج نطاق ثقافتك التي ترتاح لها أصلاً. فهنا أنت أمام صعوبة مزدوجة في تولي السلطة وقيادة فريق للمرة الأولى في ثقافة جديدة تختلف فيها التفاصيل الصغيرة والدقيقة للإدارة اختلافاً كاملاً.

فأنا أعرف مديراً أميركياً في كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، كان يعتقد بأنه مدير رائع لأنه خصّ أحد الموظفين بالثناء العلني أمام أقرانه، مشيراً إلى إنجازاته اللافتة للانتباه، لكنه فعلياً تسبب في إحراج كبير للموظف جراء الثناء الذي تلقاه أمام المجموعة. وهذا مثال على تصرف معين قد يكون مفيداً ضمن بيئة ثقافية معينة – مثل الولايات المتحدة الأميركية في المثال الحالي – لكنه قد يكون ضاراً في بيئة ثقافية أخرى.

وبالتالي، ما الذي يمكن للمدراء الجدد في الدول الأجنبية فعله لتسهيل هذا الانتقال، الذي سيكون حتماً محفوفاً بالعديد من التحديات على أنفسهم؟

أول شيء يجب فعله هو التغلب على التحدي الثقافي الذي تواجهه. وهذا الأمر يقتضي فهم الثقافة الجديدة واستيعابها قدر الإمكان – مثل قواعد التواصل، وكيفية إدارة الاجتماعات، وكيف يتبادل الناس المديح عادة بين بعضهم، إلخ. وثمة أمر آخر لا يقل أهمية وهو الإطلاع بدقة على خلفية الأشخاص الذين ستعمل معهم. هل أعضاء فريقك هم من "المواطنين المحليين" – أي أناس يتحدثون لغة واحدة وعاشوا وعملوا طوال حياتهم في بلدهم الأصلي؟ أم أنهم أشخاص ينتمون إلى إلى دول مختلفة من العالم ويتمتعون بصفات عالمية، حيث عاشوا ودرسوا وسافروا وعملوا في أنحاء الكرة الأرضية وربما يتحدثون عدة لغات بطلاقة؟ قد يكون لديك على الأرجح مزيج من الاثنين. وبالتالي من الضروري أن تكون مطلعاً على ثقافات الناس العاملين معك في الفريق، بحيث يساعدك ذلك في تكوين فكرة حول الأساليب التي يمكنك استخدامها معهم ليقدموا أفضل ما لديهم. وبطبيعة الحال، فإن الخلفية الثقافية الوطنية هي مجرد دليل تقريبي غير دقيق بالضرورة وسيكون تأثيرها على بعض الناس أقوى من تأثيرها على بعضهم الآخر. ولكنك يجب أن تتمتع بفهم مفصّل لخلفيات زملائك الشخصية وطباعهم الشخصية أيضاً لتكتمل الصورة لديك.

بعد ذلك يتعيّن عليك أن تدرس الطريقة التي قد تحتاج إليها لتكييف أسلوب عملك وتعديله. وقد يعني ذلك التصرّف بطريقة مخالفة للطريقة التي اعتدت عليها دائماً، أو الطريقة التي تتخيل بها أن المدراء المنحدرين من نفس ثقافتك سيتصرّفون بها في وضع معين. ودعني أعطيك مثالاً هنا: فقد واجه أحد المدراء الألمان معاناة كبيرة ولمدة أشهر في محاولته لتحفيز موظفين أميركيين. فمن وجهة نظر هذا المدير – وبصراحة من وجهة نظر الكثير من الألمان الذين أعرفهم – لا داعي لتوجيه المديح إلى الموظفين لمجرّد أدائهم وظيفتهم المطلوبة منهم. فهم برأيه لا يجب أن يحظوا بالمديح إلا إذا بذلوا جهوداً استثنائية وحققوا نتائج غير اعتيادية. لكن هذا لم يكن ما اعتاد عليه زملاؤه الأميركان في الولايات المتحدة. فهم كانوا يتوقون إلى تلقي الآراء الإيجابية بعملهم، حتى لو كان الأمر مرتبطاً بأعمال وإنجازات يومية صغيرة نسبياً. وعندما أخفق هذا المدير الألماني في توجيه المديح خلال سلسلة من المشاريع، وصل إلى درجة كان فيها على وشك خسارة فريقه تقريباً.

لحسن الحظ، أدرك المدير الألماني هذا الأمر وفكر في الطريقة الأنسب لتعديل أسلوبه في الإدارة. فبدأ يوجّه المديح إلى موظفيه الأميركان، حتى في حالة "الإنجازات الصغيرة جداً". في بداية الأمر، أحسّ بشعور غريب وبأن الأمر كان غير ضروري، ولكن مع مرور الوقت، بات الأمر معتاداً بالنسبة له، والأهم من كل ذلك، أن التغيير الذي طرأ على سلوكه أحدث فرقاً كبيراً، حيث إن فريقه الأميركي بات يعمل بجد أكبر وبدأ يثق به.

في الحالات الأخرى، يمكنك تعديل أسلوبك ليصبح أسلوباً جديداً هجيناً يستند إلى مزيج من ثقافات عدة. وإليك هذا المثال من الهند، حيث قام مدير أميركي جديد كان يؤمن بعمق بالأسلوب التشاركي في الإدارة، وبشكل خاطئ بتطبيق فلسفته ضمن ثقافة وعلى مجموعة من الموظفين الذين لم يكونوا معتادين إطلاقاً على المشاركة. فعندما طلب هذا المدير الأميركي من موظفيه الهنديين الجدد المشاركة في عملية اتخاذ القرار، افترضوا بأنه شخص لا يفقه ما يفعل. وعوضاً عن أن يولد لديهم إحساساً بروح العمل الرفاقي، وكان هذا هو هدفه الأصلي، فإن استراتيجيته ارتدّت عليه وأعطت نتائج سلبية، وانتهى به المطاف إلى خسارة احترام زملائه له.

لكنه اتخذ خطوات لتصحيح الوضع. فقد عمل على إيجاد مزيج بين طبيعته التشاركية والخيار المفضل لدى زملائه الهنود بوجود هرمية وتراتبية في العمل. وعوضاً عن مطالبة أعضاء الفريق بتقديم آرائهم دوماً (وهذا أسلوب تشاركي بحت)، أو إخبارهم ببساطة ماذا يريد (وهذا أسلوب تراتبي هرمي)، فقد اشترط على كل موظف تقديم 3 اقتراحات، والتي يدرسها بعد ذلك قبل اتخاذ قراره النهائي. وقد أعطته هذه الطريقة المشاركة التي كان يتوق إليها ولكن بأسلوب جديد كان مناسباً للسياق الجديد. وبالتالي، فإن المدراء الجدد يجب أن يكونوا مستعدين لتكييف أسلوبهم بهذه الطريقة من أجل إيجاد سبل تضمن لهم العمل بفعالية دون التفريط بنزاهتهم خلال العمل.

ليس هناك شك بأن تولي منصب إدارة جديد ضمن ثقافة جديدة هو أمر محفوف بالتحديات، وفي بعض الأحيان قد يجعل الإنسان يشعر بالإنهاك. لكن ذلك قد يشكّل فرصة كبيرة للتعلم. فكلما فهمت الثقافة والأشخاص من حولك، زادت قدرتك على ممارسة الإدارة بأسلوب جديد يناسب البيئة الخاصة التي تعمل فيها منذ اللحظة الأولى لوصولك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي