كيف تفكر شركة فورد بشأن المستقبل؟

6 دقائق

الجميع الآن يتحدث عن مستقبل يتشارك فيه الناس السيارات ولا يملكونها، وتقاد ذاتياً ولا يقودونها، وحيث تجني شركات السيارات معظم أرباحها من "خدمات التنقل" الرقمية. إلا أنه لو كنت في وضع شركة فورد موتور وتواجه احتمال استثمار مليارات الدولارات في التقنيات الجديدة، في حين يتداعى نموذج عملك القديم الذي يمتد لأكثر من قرن، فإنك سترغب في طرح بعض الأسئلة أولاً. كيف سيكون رد فعل المستهلكين على هذه الإجراءات؟ ما الذي يريدونه حقاً؟ كيف تفرّق بين الفرص الحقيقية في التقنية من تلك الخيالية؟

لاستكشاف إجابات هذه الأسئلة ودفع عجلة الابتكارات المستقبلية، دفعت شركة فورد حوالي 50 مليون دولار للاستحواذ على شركة تشاريوت (Chariot)، وهي شركة ناشئة متخصصة في خدمات التنقل. احتضنت هذه الشركة الناشئة حاضنة واي كومبينيتور (Y Combinator)، وكانت تستهدف بشكل مباشر أهم حاجة تنقل لدى العملاء، وهي حاجة مستمرة ودائمة، وتتمثل في: الذهاب والعودة من العمل. ومع أنّ المبلغ الذي دفعته فورد للاستحواذ على هذه الشركة يبدو رهاناً بسيطاً مقارنة بمصنع تبلغ تكلفته 165 مليون دولار لإنتاج المركبات بالجملة، إلا أنّ إتمام فورد للصفقة يعود في جزء منه للريادي جيم هاكيت، مدير فورد سمارت موبيليتي (Ford Smart Mobility)، حيث رُقيّ فيما بعد إلى منصب الرئيس التنفيذي لهذه المبادرة.

كل هذه التفاصيل تمثل دروساً أولية نستفيدها من مشروع تشاريوت، وهي تستحق الانتباه فعلاً نظراً لأن الشركة بدأت تستولي على حصة لا بأس بها من السوق. وفيما يلي سنستعرض خمسة دروس نستفيدها من شركة فورد حتى الآن، لا سيما فيما يتعلق بخدمات التنقل، وبشكل عام، بشأن كيف تتعامل الشركات مع لا يقينية بعض نماذج العمل الناشئة في الأسواق الجديدة، من خلال التجريب وتعلّم الشركة أثناء مضيها قدماً. (إخلاء مسؤولية: لقد قدمت شركة إنوسايت Innosight، خدماتها الاستشارية بشأن الاستراتيجية لشركة فورد).

يتناول كل درس من هذه الدروس جانباً مختلفاً من إنشاء وتوسيع نموذج عمل تجاري جديد، حيث يُعرّف نموذج العمل التجاري بأنه منهجية للنمو في الأسواق الجديدة تتكون من أربعة عناصر ينبغي أن تعمل معاً بالتزامن بشكل منظومة، وهي: القيم المقترحة للعملاء، ومصادر الإيرادات، والموارد الرئيسية والأنشطة الرئيسية.

كن طموحاً لكن ابدأ صغيراً

بدأت شركة تشاريوت، التي توفر "حلاً للتنقلات قصيرة المدى"، نشاطها في إحدى أكثر مناطق العالم منافسة وتحدياً بين شركات راسخة في التنقل والتقنية، وهي منطقة خليج سان فرانسيسكو، مع أسطول صغير يضم شاحنات يمكنها حمل 14 راكباً مجهزة بشبكة الويفي، والمقابس الكهربائية لشحن الهواتف الذكية وغيرها، ومكاناً لوضع الحقائب في الأعلى. ومن خلال استخدام تطبيق تشاريوت على الهواتف الذكية، يمكن للركّاب أن يشتركوا في مسارات النقل الحالية، أو يقترحوا مسارات تنقل أخرى في إطار نموذج التعهيد الجماعي (مساهمة جمهور من الناس غالباً من الفضاء الرقمي في تحقيق غاية ما).

لكن شركة فورد لم تقم بتوسيع خدمة تشاريوت إلا عندما أثبتت نجاحها، عندئذ، أضافت لها عشرات المسارات الجديدة، وزادت عدد أسطولها المحلي ليصل إلى أكثر من 200 مركبة نقل. بعد سان فرانسيسكو، بدأت فورد تتطلع لتوسيع سوق تشاريوت في أوستن، حيث وصل عدد مركبات خدمة تشاريوت هناك إلى أكثر من 50 مركبة نقل. بعدئذ، وسعّت فورد خدمتها في مدينة سياتل وكولومبس، تلى ذلك مجموعة من مسارات النقل تم اختيارها باستراتيجية في كل من مدينتي لندن ونيويورك.

والآن، نشهد توسّع خدمة تشاريوت ونموها، وقد أصبح أفق مستقبلها اليوم أكثر وضوحاً. لقد ساهمت شركة فورد أيضاً بإنتاج مركبات نقل مصممة خصيصاً للنقل الحضري قصير المدى: من دون انبعاثات ضارة، وباستخدام محركات هجينة يمكن شحنها بالكهرباء حسب الحاجة. وفي الوقت الحالي، يجري تجريب هذه المركبات في مدينة لندن قبل إنتاجها بكميات كبيرة في العام 2019.

توفير "مزايا" اجتماعية وعاطفية وعمليّة

مع أنّ نقل الأشخاص من وإلى أعمالهم يبدو ظاهرياً إجراء عادياً من خدمات النقل، إلا أنه في أساسه هو عمل إنسانيّ تماماً. فإن كان الناس يقضون ساعة أو أكثر في إحدى مركبات تشاريوت كل يوم، فهي بحد ذاتها تجربة عملاء بغض النظر عن خدمة التنقل.

وهنا يأتي دور مفهوم "المهام التي ينبغي إنجازها". يمثل "العميل" في هذا المفهوم هدفاً أعلى، تسعى فيه الشركات إلى العمل على تحقيق معيشة مرضية له، بحيث توفر له الشركة احتياجات أعمق وأشمل لا تقتصر فقط على الجوانب الوظيفية من المنتج أو الخدمة التي تقدمها.

ولهذا السبب، تُظهر شركة فورد في إعلاناتها، الابتسامات التي تعلو وجوه الأشخاص وهم يصعدون لمركبة النقل، كما أنهم يتصلون بصرياً مع الركّاب الآخرين، وينخرطون معهم في محادثات شتى. ويعتبر تكوين صداقات جديدة وحسّ الدعابة والطرفة عنصراً رئيسياً "ينبغي توفيره"، بالنسبة للشرائح الأصغر سناً والتي تمثل الفئة العمرية الأكثر عدداً لهذه الخدمة.

أما المزايا العاطفية الأخرى، فتتمثل في شعور العملاء بشأن تأثير تنقلاتهم على البيئة. ولأن النقل المشترك يخفّض الازدحام الحضري وانبعاثات الكربون. فإنّ استخدام أسطول من المركبات الكهربائية للتنقل يلبّي هذه الحاجة العاطفية لديهم.

دراسة مصادر الإيرادات

بطبيعة الحال، لا بدّ على شركة فورد أن تربح من هذه الخدمة، ويشمل ذلك تصميم خرائط لمسارات التنقل التي يرغب بعض العملاء بدفع مبالغ أكثر للاستفادة منها. وهذا الهدف حاسم لأن شركة فورد تستهدف سوقاً مستقبلية توفر هامش ربح من خدمات التنقل تتراوح بين 20% إلى 30% مقابل 10% على الأكثر من بيع السيارات.

لنستكشف الأمر، يتطلب هذا السوق خيارات دفع مرنة للغاية، إما بالدفع عندما تحصل على خدمة النقل، أو شراء باقة من خدمات النقل، أو بالاشتراك الشهري الكامل بمبلغ 119 دولار الذي يجعل متوسط ثمن الرحلة حوالي 4 دولارات فقط. هناك أيضاً باقات خدمات أرخص للركّاب الذين يتنقلون صباحاً فقط وللركّاب خارج أوقات الذروة.

يعتمد نموذج الربح أيضاً بشكل كبير على التكاليف، حيث برزت هذه المشكلة للعيان عندما واجهت شركة فورد عائقاً لوجستياً، ليس في التقاط الأشخاص وإنما في إيصالهم إلى وجهتهم النهائية. وجدت شركة فورد أنّ الجامعات التي يعمل فيها الكثير من عملاء خدمة تشاريوت، كبيرة وواسعة جداً، وتبين أنّ وضع كل راكب أمام باب مكتبه مضيعة للوقت بالنسبة لموظفي تشاريوت ولركابها الآخرين على حد سواء.

وبهذا الصدد، صرّح مؤخراً مارسي كليفورن، مدير فورد موبيليتي، في مؤتمر صحفي "لقد حصلنا على دعم من هذه المؤسسات لحل المشكلة". هكذا، ونظراً لاحتياجات الشركة، تم إنشاء محطات يستطيع الركّاب عبرها صعود مركبات أخرى تنقلهم نحو وجهتهم النهائية في المؤسسة.

وضع قوانين ومعايير ومقاييس جديدة

تحكم عمليات شركة فورد الأساسية، من التصميم والتصنيع وبيع السيارات والشاحنات، مجموعة قواعد تجارية عريقة وممارسات معتمدة ومقاييس محددة للنجاح. ولأن نموذج العمل التجاري الجديد يستغرق عدة سنوات حتى ينتقل من مرحلة التخطيط إلى السوق الفعلي، فإنّ صِيغ "العائد على الاستثمار" التي تتبعها شركة فورد تُصمم وفق مشاريعها السابقة التي أطلقتها.

ولكن كما يقول الرئيس التنفيذي لشركة باركليز، آشوك فاسواني، "لا تدع السفينة الأم تدمّر سفينة القراصنة"، بل عليها الاستفادة منها. هكذا، لو طبّقت شركة فورد نفس هذه الصيغ من "العائد على الاستثمار" في مشاريعها اللوجستية الجديدة، فمن المحتمل جداً أن تدمرها قبل أن تتاح لها الفرصة لتزدهر وتنمو. بدلاً من ذلك، اضطرت شركة فورد لوضع معايير ومقاييس أداء جديدة تتناسب والتحديات الناشئة التي تواجهها.

على سبيل المثال، واجهت خدمة تشاريوت في وقت مبكر إحدى المشاكل في سان فرانسيسكو عندما اصطدمت خدماتها مع قوانين المدينة فيما يتعلق بإدارة مسارات النقل والتوقف عند معابر المشاة. نتيجة لذلك، اضطرت خدمة تشاريوت لنقل بعض محطات توقفها إلى أرصفة محجوزة معلمة بالطلاء. وبغية تحسين علاقاتها مع البلديات والهيئات الحكومية الأخرى التي تدير المدن، بدأت شركة فورد في مشاركة بياناتها الخاصة بالركاب ومواقعها الجغرافية مع هذه الجهات. وهذا الأمر بعيد كل البعد عن مجرد إعداد خطوط تجميع عادية في منشآت تصنيع السيارات.

إنشاء محفظة جيدة من نماذج الأعمال التجارية الجديدة

لا شك أنّ أي مشروع أو نموذج عمل تجاري جديد محفوف بالمخاطر. ومع أنّ شركة فورد قامت بالتخفيف من هذه المخاطر من خلال البداية الصغيرة والتجريب أولاً والتعلم والتطبيق على طول طريق النمو، إلا أنّ خدمة تشاريوت بلا شك ليست نموذج العمل التجاري الوحيد في سوقها الناشئ. وفي هذا المجال، نجد أنّ شركة فورد التي يقع مقرها في مدينة ديربورن، ضمن ولاية ميشيغان الأميركية، تجمّع الآن محفظة متنوعة من المشاريع تقودها فِرق تنقسم إلى أربعة مجموعات:

فورد إكس (Ford X)، وهي مجموعة مكلفة باستكشاف وتطوير أفكار تجارية جديدة وإدارة منصة "سحابة خدمات النقل" (Transportation Mobility Cloud)، التي تهدف إلى تمكين المركبات والأشياء والبنية التحتية للمدن من التواصل مع بعضها البعض. يذكر أنّ هذه الخدمات من المتوقع توفرها للاستخدام العام في وقت لاحق من هذا العام.

أما مجموعة الأعمال التجارية للتنقل (Mobility Business Group) فمكلفة بتوسيع نماذج العمل التجارية الجديدة مثل خدمة تشاريوت وغيرها من خدمات مشاركة المركبات والدراجات الهوائية، وتوفير باقات خدمات ومنتجات مستقبلية، بما في ذلك خدمات نقل طبية للحالات غير الطارئة.

من ناحية أخرى، نجد مجموعة منتجات ومنصات التنقل (Mobility Platforms and Products) المكلفة بتصميم وتطوير التقنيات التي تحتاجها شركة فورد لإطلاق خدماتها اللوجستية المخطط لها.

وأخيراً، مجموعة تسويق خدمات التنقل والنمو (Mobility Marketing and Growth)، وهي مكلفة بترويج وبيع خدمات الشركة في قطاع النقل.

وتحت مظلة استراتيجية نسميها "التحول المزدوج"، نجد أنّ كل هذه المجهودات في توفير خدمات التنقل الذكي، جزء من خطة شركة فورد "التحول ب"، والتي تشمل قطاعات نمو ناشئة تضم نماذج عمل تجارية جديدة.

مع ذلك، من المهم أيضاً أن يتكيف الجزء الأساسي من الشركة مع تغيرات السوق. وهذا ما تتضمنه خطة "التحول أ" التي تجري بالفعل حالياً على قدم وساق في الشركة. لقد بدأت شركة فورد بتخفيض إنتاجها المحلي من موديلات سيارات فيستا (Fiesta)، وفوكس (Focus)، وفيوجن (Fusion)، وتوروس (Taurus). وبحلول العام 2020، سيكون حوالي 90% من إنتاج مصانع شركة فورد في أميركا الشمالية، من الشاحنات وسيارات الدفع الرباعي والمركبات التجارية.

إنّ المستقبل لا ينتظر أحداً، وهو يقترب بسرعة كبيرة أكثر مما كنا نتوقع قبل بضعة سنوات. وقد تمكنت شركة فورد، من خلال إجراء بعض التجارب الصغيرة مع العملاء أولاً، وتجريب المفاهيم الأولية في السوق قبل ضخ استثمارات تصل إلى مليار دولار، من ترسيخ نفسها كشركة مستفيدة من الفرص والتقنيات الجديدة، بدل التعرّض للزعزعة التجارية من قبلها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي