من المعروف أنّ كل موظف يسعى إلى نيل ثقة مديره. ولكن ماذا لو أنّ مسؤولك يحدثك عن أمور لا يتعين عليه الحديث فيها، ويتوقع منك أن تكون أكثر تكتماً منه؟ ينقل إليك معلومات لا يفترض به أن يقولها عن زملائك. أو يتحدث عن أمور حول أشخاص في أقسام أٌخرى. كيف تتعامل مع شخص نمام؟ ماذا يتعين عليك أن تفعل عندما يستغيب مديرك الآخرين؟ هل من طريقة لتجنب التعليقات والسلوكيات غير المهنية من دون المخاطرة بالإساءة إلى علاقتك معه أو لوظيفتك؟ متى ينبغي أن تتحدث في الأمر إلى من هو أعلى من مديرك أو مع الموارد البشرية؟
ما يقوله الخبراء
تقول آني ماكي مؤسسة "معهد تيليوس للقيادة" (Teleos Leadership Institute): "عندما يقول لك مديرك أموراً لا ينبغي أن يقولها يشعرك ذلك بالحزن والإحباط". وتضيف ماكي مؤلفة كتاب "القيادة البدائية" (Primal Leadership) مع دانيال غولمان وريتشارد بوياتزيس: "يقول بذلك إنّ مثل هذا السلوك مقبول هنا، وهذا يطرح جملة من الأسئلة، حول الثقافة السائدة في الشركة". تقول نانسي روثبارد أستاذة الإدارة في كلية وارتون في جامعة بنسلفانيا الأميركية: "يؤدي ذلك إلى تقويض ثقتك بمديرك". وتضيف: "سينتابك القلق بشأن ما يُقال عنك أنت أيضاً. وستفكر إذا كان يقول هذا عن الآخرين فما الذي يقوله عني؟". في ما يلي بعض الأفكار حول كيفية الرد على مدير غير متكتم.
غيّر الموضوع
إذا صدر عن مديرك تعليق مهين بحق زميل لك أو استغاب أحداً، (حتى وإن كان ذلك من باب الثرثرة غير المؤذية) خلال اجتماع للفريق، تُعتبر فرصك للتعليق علانية على الأمر محدودة لأن هذا "سيشكل إحراجاً لمديرك"، وفق ماكي. فإنّ الطريقة الأمثل في الرد على التعليقات غير المناسبة في حضور آخرين ضمن الغرفة هو في "تغيير مجرى الكلام" والتركيز على الموضوع قيد البحث. يمكنك أن تقول: "أرى أنه لم يعد لدينا متسع كبير من الوقت. لنكمل النقاش في موضوعنا". وتقول روثبارد: "إنّ هدفك هو تغيير الموضوع. فمجاراة مثل تلك التعليقات أسوأ ما يمكن أن تفعله، من خلال المساهمة بمزيد من التعليقات التي تحط من قدر الآخرين". وتضيف "عندما تقلد سلوك مديرك السيء ستصبح جزءاً من المشكلة".
احترس من التورط
لا يُعتبر الأمر أسهل عندما تكون مع مديرك بمفردكما، حينما يسر إليك معلومات عن زميل أو مسألة تتعلق بالعمل لا يفترض بك أن تطلع عليها. فمن جهة، تقول روثبارد: "ربما يعجبك الأمر لأنه دلالة على أنك حليف موثوق". ولكن من جهة ثانية، ربما تشعر أنك في وضع حرج لأنك لا تعرف كيف ترد على ذلك". فهل ينبغي بك أن توافق؟ أم أن تكتفي بالجلوس والابتسام؟ يمكن القول إنه وضع محرج لأن الثرثرة هي سلوك بشري أساسي يقوم على المقابلة بالمثل. ولكن عليك أن ترد على ذلك بحذر. تقول ماكي: "في الكثير من الشركات، تعد المعلومات عملة رائجة، وربما يعتقد مديرك أنه يكافئك من خلال ضمك إلى حلقته الصغيرة وإفشاء معلومات لك". ولكن عليك أن تكون شديد الحذر حول ما تقوله في المقابل. وإليك بعض الاستراتيجيات:
- ارفض المجاراة. تقول روثبارد: "إذا كانت تربطك علاقة وثيقة مع مديرك وهو منفتح على سماع رأيك سيكون لديك بعض الحرية في القول له أنك لا تشعر بالارتياح بشأن المعلومات التي أخبرك بها". يمكن ببساطة أن تقول له، وفقاً لماكي: "أشعر أنّ الحديث سيجرنا إلى مكان لا يريحني تماما". ولكن عليك أن تتصرف بحكمة هنا. تقول ماكي: "إذا لم تكن علاقتك بمديرك قوية، فإنّ قول رأيك يعد مجازفة".
- تحدث عن الظروف وليس عن الناس. تؤكد روثبارد أنّ من الطرق المفيدة في تغيير حديث القيل والقال هي تحويل الحديث عن الشخص المحدد باتجاه الوضع ذي الصلة، أو الحديث عن نفسك. على سبيل المثال، لنقل أنّ مديرك يشكو من زميل دائم التذمر. يمكنك أن تقول: "كلنا نعاني من الضغوط في هذه الفترة. علي تلبية طلبات الكثير من الزبائن والضغوط الإضافية بسبب الأعياد التي تؤثر علينا جميعا". وتقترح ماكي توجيه دفة الحديث باتجاه موضوع عام يتعلق بثقافة الشركة. وتقول: "اتخذ دور الموجه. تحدث عن كيفية تشجيع المواقف والسلوكيات التي ترتاح لها في المكتب".
- اطرح الأمر من منظور مختلف. تقترح روثبارد طريقة ثانية، لوقف الثرثرة بافتراض حسن النية. فإذا انتقد مديرك زميلاً من خلال القول إنه تأخر عن العمل عدة مرات الشهر الماضي، بوسعك قول: "لقد لاحظت ذلك أيضاً، ولكن لدي تفسير آخر للأمر. إنه يشقى صراحة في المواصلات وتمكنه من الوصول في الوقت معظم الأيام يبرهن على مدى التزامه". وتقول روثبارد: "بهذه الطريقة تشير إلى انفتاحك وإلى أنك تنظر للأمور من منظورات أُخرى. وسيجد مديرك صعوبة في الاعتراض على هذا الرأي".
- حافظ على حيادك. إذا واصل مديرك التهجم على ذاك الزميل، من المهم الحفاظ على حيادية موقفك. تقول روثبراد: "يتوجب عليك في جميع الأحوال تجنب الحديث بلسان شخص آخر أو أن تكشف معلومات شخصية عن أي شخص". تحدث بلهجة وبطريقة لا تجعلك تشعر بالخجل في حال سجل أحد كلامك أنت فقط دون علمك ومن ثم أذاعه في الشركة".
تحدث مع مديرك
تقول روثبارد: "إنّ مواجهة مديرك بشأن حالة معينة أو نمط معين من السلوك غير المهني أو الملاحظات التي تنم عن ثرثرة هو أمر صعب". ومع هذا لا ينبغي أن يتحول الأمر إلى محادثة متوترة وجدلية. تقول ماكي: "حافظ على هدوئك وتماسكك. قل: أريد أن أُحدثك بشأن حوارنا بالأمس". تحدث في البدء عن الأمور الإيجابية التي ناقشتموها، فهذا يخبر مديرك أنّ المحادثة لم تكن كلها سيئة، وأنك لا تقصد انتقاده. بعدها، تحدث عما يزعجك، ويمكنك أن تقول على سبيل المثال: هناك أمر ما حدث وشعرت تجاهه بعدم الارتياح. وأخيراً، وجه الحديث باتجاه أهداف مديرك النبيلة، بأن تقول على سبيل المثال: نحن نسعى لبناء الثقة والتواصل بشفافية، وأعتقد أنّ تعليقك يبتعد عن هذا السياق. اجعل رسالتك بسيطة ومباشرة. تقول ماكي: "انظر إلى ذلك على أنه فرصة لتصحيح المسار".
اقرأ أيضاً: كيف يتجنب المدير الوقوع في المحاباة؟
اطلب النصح
تقول ماكي: "يكون من المفيد الحديث مع زميل موثوق في منصب أعلى أو أحد الموجهين بشأن ثرثرة مديرك". اختر شخصاً ليس زميلاً مباشراً لك ولكنه حريص تماماً على مصلحتك ومصلحة مديرك. وليس الهدف من الحديث الشكوى أو التذمر، إنما أن تتعلم استراتيجيات جديدة للتعاطي مع وضع ما. يمكنك على سبيل المثال أن تقول: "أنا منزعج من الأجواء السائدة في القسم. هل يمكن أن تنصحني كيف يمكنني مساعدة مديري في بناء فريق أقوى؟". تقول ماكي: "إذا لم تكن هناك قضية قانونية وليست هناك استقالات، فإنّ الموارد البشرية هم للأسف خطك الدفاعي الأخير". وتوافق روثبارد على ذلك بقولها: "من وجهة نظر الموارد البشرية، من غير الواضح كيف يتسبب إفشاء مديرك بالمعلومات بالضرر على نشاط الشركة. هذه من المسائل غير الواضحة التي يصعب البت بها".
لا تكن قاسياً على مديرك
تقول ماكي:"نحن نتوقع من مدرائنا أن يكونوا مثاليين، ونتوقع منهم أن يتحلوا بضبط النفس، ويتصرفوا بمسؤولية، ويراعوا مشاعر الآخرين، وألا يخونوا الثقة". هذه توقعات منطقية ولكننا ننسى في أكثر الأحيان أنّ القادة هم بشر مثلنا. وتضيف: "مديرك سيشعر بالاستياء وخيبة الأمل وستمر عليه أيام صعبة، عليك أن تتوقع منه ارتكاب هفوة بين الحين والآخر. ولكن عندما يصبح الأمر نمطاً متكرراً، أو عندما يقول مديرك أو يفعل أشياء فظيعة بالفعل. عندها تكون أمام مشكلة". ولكن قبل أن تفعل أي شيء بصدد عدم مهنية مديرك، يتوجب عليك التحقق بنفسك أولاً وتتأكد أنك لا تفتعل المشكلات. تقترح ماكي تسجيل ملاحظات لفترة من الزمن. إذ تقوم خلالها بتدوين أي تصرف غير ملائم، والانتباه إلى ردود فعل الآخرين على ما يقوله أو يفعله مديرك كذلك. فقد تكتشف أنّ ما ظننت أنه حالة مرضية من انعدام المهنية هو مجرد زلة عابرة. تقول ماكي: "لا تدع عواطفك تعيقك عن رؤية ما يحصل بالفعل".
مبادئ ينبغي تذكرها
افعل:
- قاطع الاسترسال عبر تغيير مجرى الحديث والعودة للتركيز على موضوع النقاش.
- خفف من تأثير ثرثرة وانتقادات مديرك من خلال تقديم شرح للوضع على أساس وقائع تعرفها أو مستجدة.
- اطلب النصح من زميل أعلى رتبة في الشركة أو المؤسسة حول كيفية التعاطي مع الوضع. قل على سبيل المثال: أنا قلق بشأن آلية العمل داخل الفريق. هل يمكن أن تعطيني رأيك؟
لا تفعل:
- تتوقع أن يكون مديرك مثالياً. يجب أن يكون سلوكه المهني جيداً جداً بصورة عامة، ولكن تذكر أنه إنسان.
- تتحدى مديرك بشأن ثرثرته في العلن لأن هذا سيحرجه. وإذا قررت أن تقول شيئاً، حاول قوله في جلسة خاصة بطريقة بسيطة ومباشرة وبلهجة إيجابية.
- تؤيد مديرك وتزيد على ما يقوله عندما يثرثر لأنك تصبح جزءاً من المشكلة عندما تقلد السلوك غير المستحب.
حالة دراسية رقم 1: غيّر مجرى الحديث واتخذ موقفاً محايداً
عرف نبيل وهو مسؤول العلاقات العامة في شركة صناعية من خلال عمله بعدد كبير من المسؤولين كانوا يبوحون بمعلومات سرية تتعلق بالموظفين الآخرين. ويقول نبيل: "يملك مسؤولو الموارد البشرية ميزة الاطلاع على تفاصيل وحالات شخصية ويفترض بهم أن يلتزموا السرية التامة حيال هذه الأمور. ولكن بعض موظفي الموارد البشرية يتصرفون بطريقة بشعة جداً عندما يتعلق الأمر بالكشف عن معلومات من شأنها أن تسبب الأذى لأصحاب العلاقة".
وأشار نبيل إلى مديرته حنين التي تخرج ملاحظاتها في أكثر الأحيان عن المسائل المهنية وتتحول إلى ثرثرة غير مستحبة. وفي إحدى المرات عندما كانا يناقشان طريقة عمل أحد الموظفين، قالت حنين أنها تفضل أن يلحق بها الأذى على العمل مع ذاك الموظف. وقال نبيل إنها تُلقي باستمرار تعليقات غير ملائمة بحق الموظفين المتدربين والموظفات العائدات من إجازة الأمومة واللواتي لم يخسرن الوزن بعد الولادة.
ويقول إنه يتعامل مع الأمر من خلال بذل كل ما هو ممكن لتغيير مجرى الحديث وتحويله إلى موضوع لا خلاف عليه. ويقول: "أقوم على الفور بتغيير الموضوع والعودة إلى مسألة لا مجال فيها لمثل هذه التعليقات".
وكان نبيل حريص على عدم إظهار الموافقة على تعليقاتها أو الانجرار والاسترسال فيها. يقول: "أفترض أنها تتحدث بالطريقة نفسها عني مع الآخرين كذلك. أنا كمن يسير في حقل ألغام لأني أعرف أنني إذا ارتكبت أي خطأ فلن ترحمني".
ومع ذلك، يحاول نبيل فلسفة الأمور ويقول: "أنا موقن أنها تتجاوز الحدود من حين لآخر. إنها إنسانة طيبة لكن يصدر عنها أحياناً بعض الكلام الجارح. من السهل تماماً أن يحدث هذا وأنا أعرف أنها لا تقصد الأذى في معظم الأحيان".
تعلم نبيل من خلال تعاطيه مع حنين درساً قيماً، وعن ذلك يقول: "تعلمت أن أكون أكثر انتباهاً في ما أقوله عن الآخرين".
وهو اليوم يبحث عن عمل جديد.
حالة دراسية رقم 2: ابق إيجابياً واشرح الظروف من منظور مختلف
عملت جميلة كامل في وقت سابق مديرة تسويق ضمن شركة حديثة في الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية تنشط في مجال صناعة الطاقة المتجددة. كان قد مضى على انضمامها للشركة سنة عندما تسلم مديرها حاتم العمل.
تقول جميلة: "خلال الأشهر الثلاثة الأولى كانت علاقة العمل بيننا جيدة ولكن عندما بدأ حاتم يواجه تحديات العمل مع شركة ناشئة، بدأ يشعر بالإحباط". كان مدير العمليات بلال، الذي هو مديره، هو صاحب القرار الأخير ولم يسمح لحاتم بإدارة القسم مثلما يراه مناسباً.
عبّر حاتم عن خيبة أمله بعدة طرق بينها الحديث عن بلال خارج الحدود المهنية. تقول جميلة: "كان خلال الجلسة الخاصة المنفردة ينتقده لأنه يستمر في تغيير الأولويات وفي اعتماد مشاريع جديدة وبأنه مستسلم تماماً للمدير التنفيذي".
كان الأمر صعباً على جميلة. عن ذلك تقول: "أنا إنسانة مستعدة لسماع آراء الآخرين وصريحة ولكني أحاول باستمرار أن أكون لبقة وخصوصاً في العمل. حاولت تفهم الوضع والدفع بالأمور باتجاه الأحسن بدلاً من أن أصمت أو أتذمر".
كانت جميلة تحاول في بعض الأحيان شرح وجهة نظر بلال وطريقة تفكيره بصورة مختفة، فهي تعرفه جيداً ومقتنعة بطريقة إدارته للأمور لأنها عملت معه عن قرب. عن ذلك تقول: "بما أنه كانت لدي تجربة عمل معه كنت أسعى إلى التعبير عن الثقة به باستخدام جمل مثل: بناء على تجربتي السابقة، أنا واثقة من أنه... من أجل تأكيد مراعاتي للواجب وأن أدفع بحاتم لتجاوز الأمر والمضي قدماً".
حرصت جميلة على الحديث دائماً بلهجة إيجابية. عن ذلك تقول: "كنت أعرض على الدوام المساعدة. أردت أن يعرف أننا معاً في الأمر ونقف في صف واحد".
وفي أحيان أُخرى عندما كان حاتم يدلي بتعليق غير مناسب بحق بلال، كانت جميلة تلجأ إلى المزاح للتقليل من جدية التعليق. عن ذلك تقول: "كنت أقول مثلاً بالله عليك، هذا تعليق قاس جداً. أتساءل ما الذي تقوله عني في غيابي. وأبتسم بالطبع، حفاظاً على جو المزاح".
كانت أيضاً تحاول الانتقال للحديث عن أمور لا تتعلق بالعمل تهم حاتم "مثل ماذا تفعل ابنته الصغيرة وزوجته، وكيف سيقضون نهاية الأسبوع؟ كان ذلك يساعد في ترطيب الأجواء والعودة بعدها إلى العمل".
تركت جميلة عملها في نهاية الأمر وهي اليوم تعمل مستشارة بشأن بيئة العمل وكاتبة، بعد أن خاضت تجربة حول: كيف تتعامل مع شخص نمام؟.
*لقد تم تعديل الأسماء.
اقرأ أيضاً: