في كل يوم من أيام عملنا، نعقد اجتماعات يعرض فيها أحدهم فرصة أو يناقش مشكلة. وتكون الإجابة عادة نسخة من السؤال: "ماذا نعتزم أن نفعل حيال هذا الأمر؟" لكن متى آخر مرة قال فيها شخص ما: "كيف عسانا أن نفكر حيال هذا الأمر؟".
التفكير التصميمي شائع في هذه الآونة، ونحن نصمم منتجات وخبرات وحتى نماذج أعمال، لكن شيئاً ما ما زال مفقوداً. لقد تبنينا التفكير التصميمي، لكننا فشلنا في تصميم تفكيرنا. وفشلنا في تصميم أسلوب تفكير فرقنا.
لتصميم تفكيرنا، علينا أن نصبح بارعين في التعامل مع النماذج الذهنية وماهرين في إدارة أساليب التفكير. وهذا يتطلب منا القدرة على التعلم، والتخلي عما تعلمناه سابقاً على حد سواء.
فنحن لا نكون على دراية عادة بالنماذج الذهنية التي نملكها. فهي بالنسبة لنا "مثل الماء بالنسبة إلى الأسماك"، إذ تشكل رؤيتنا للعالم، وتجعلنا نميز بين الأشياء، ونربط بين السبب والنتيجة. يصعب إدراك النماذج الذهنية الخاصة بنا، لكن يمكننا رؤية انعكاساتها في لغتنا، مثل الظلال في كهف أفلاطون.
على سبيل المثال، تأمل في الطريقة التي نفكر بها في المؤسسة، وكيف نتحدث عنها. فهي كيان عندما نتحدث عن رئيس القسم. (كلمة "corporation" بالإنجليزية مشتقة من الكلمة اللاتينية "corporare"، أي الاندماج في كيان واحد). وهي آلة عندما نتحدث عن الأداء الرفيع، وهي أحد الأنواع عندما نتحدث عن بيئات العمل المتكاملة، وهي دماغ عندما نتحدث عن مؤسسة قادرة على التعلم، وحاسوب عندما نتحدث عن حقيقة أن كل شخص فيها متزامن مع الآخرين ومتواصل معهم.
بمجرد إدراكنا للنماذج الذهنية الموجودة بالفعل، يصبح بمقدورنا تصميم نماذج جديدة. وهناك قول مفاده أن الخريطة ليست ذاتها المنطقة، فتصميم النماذج الذهنية ما هو إلا تصميم خرائط أفضل تتناسب مع المشهد العام الآخذ في التغير.
على سبيل المثال، غيّرت وسائل التواصل الاجتماعي من طبيعة مجال التسويق، فالنماذج التسويقية القديمة - سواء أكانت في صورة قطاعات، أو أقماع أو حملات - كانت خطية ومتقطعة وغير متماثلة. أما نحن فبحاجة إلى نماذج جديدة تتميز بأنها أكثر استمرارية ومتعددة الأبعاد ومشتركة بين الأقران.
إن تصميم التفكير يعتمد في الأغلب على كيفية تفكيرنا نحن الأفراد، وما يجول داخل أذهاننا. لكن حري بنا أيضاً أن نصمم أسلوب تفكيرنا بصفتنا فريق ونفكر فيما يحدث في العلاقات التي تربطنا.
نحن نفكر عادة في بناء الفرق بناءً على ما يفعله الأشخاص، إذ نختار الأشخاص حسب مهاراتهم ونسند إليهم المهمات ونحملهم المسؤوليات تباعاً. هذا عبارة عن نموذج ذهني ينشأ من فرق العمل. فنحن نضع كل شخص في منصبه المناسب. لكن، يمكننا أيضاً تصميم فرق العمل استناداً إلى منهجية تفكير الأشخاص.
خطوات تصميم أسلوب التفكير لدى فريقك:
الخطوة الأولى هي: فهم أي نوع من المفكرين أنت. لقد شرحت هذه العملية البسيطة في مقال سابق.
الخطوة الثانية: معرفة منهجية تفكير باقي أعضاء فريقك. وبهذا قد صار لديك الآن وحدات البناء اللازمة لتصميم منهجية تفكير فريقك.
ضع نموذجاً ذهنياً بديلاً، وفكر في فريقك باعتباره محفظة تجمع أساليب التفكير. وتماماً مثلما تؤسس محفظة استثمارية مختلفة لكل هدف استثماري مختلف، يجب عليك تأسيس محفظتك الفكرية بهذه الشاكلة.
فمعظم الفرق تحتاج إلى كل أسلوب من أساليب التفكير عند نقطة أو أخرى. لذا، فمثلما يميل الإوز إلى التناوب على قيادة السرب، يجب أن تُبدل بين أساليب التفكير المختلفة أيضاً. في بداية المشروع، يلعب المستكشفون والمخططون دوراً مفيداً في وضع الاستراتيجية وهيكلة جهد العمل. ثم يتولى الموصلون والمنشطون زمام القيادة لتكوين الرؤية والوصول إلى الموارد وإشراك أصحاب المصلحة.
وبينما تفسح الاستراتيجية إلى جانب التخطيط الطريق أمام تنفيذ الإجراءات وتشغيل العمليات، يتولى أولئك الذين يتمتعون بتوجه أكثر دقة وصغراً دفة القيادة. ويعمل الخبراء سوياً مع المحسّنين على اكتشاف التفاصيل وتحديد مواطن الكفاءة. وفي الوقت ذاته، ينفذ المنتجون الخطة ويشطِبون المهام المُنجَزة من القائمة، بينما يعمل المدربون على إبقاء الجميع منخرطين في العمل ويقدمون أفضل أداء لهم.
عواقب التحول من الفعل إلى التفكير
وجدير بالذكر هنا، أن التحول من الفعل إلى التفكير له عواقب تعود على الدور الذي يلعبه قائد الفريق. فأولاً، يكون قائد الفريق مسؤولاً عن الحفاظ على فاعلية النموذج الذهني للفريق وعلى اتساقه. وهذه مهمة أكبر من مجرد إبقاء الفريق على اطلاع بمستجدات الأمور. إذ تخضع المعلومات لعملية تنقيح إما لتمرر إلى الفريق أو تُستبعد، وذلك حسب النموذج الذهني. لذا يتحمل قادة الفرق مسؤولية تهيئة السياق أكثر من المحتوى الذي يشكل تفكير أفراد الفريق.
ثانياً، يقع على عاتق قائد الفريق مسؤولية تكوين المزيج المناسب من أساليب التفكير. ثم، على غرار قائد الأوركسترا، يختار قائد الفريق أسلوب التفكير الذي يبرز في المقدمة في نقطة زمنية معينة ليشكل سيمفونية الأفكار. إذا وجهت كل تركيزك نحو التفكير في الصورة الكبيرة، فستفوتك التفاصيل الصغيرة. وإذا ركزت كثيراً على التفكير في الإجراءات والعمليات، فستفقد الرؤية أو ستفتقر إلى الثقة بين أعضاء الفريق والتواصل بينهم.
قد تساعد أساليب التفكير أيضاً في اتخاذ قرارات تخص عملية التعيين والتوظيف. لا تفكر في خبرة المرشح للوظيفة وشخصيته فقط، وإنما في أساليب تفكيره أيضاً.
على سبيل المثال، لنفترض أنك تريد تعيين فريق مبيعات جديد، أو إضافة مندوبي مبيعات لفريق قائم بالفعل. ما أسلوب التفكير الأهم لهذه الوظيفة؟ هل يلزم أن يخرج مندوبو المبيعات بأفكار مبتكرة؟ ابحث عن أسلوب تفكير استكشافي. لتصميم حلول فاعلة، اختر المصمم. وللإجابة عن الأسئلة الفنية، اختر الخبير. ولتحسين الأنظمة الموجودة، اختر المُحسِّن. ولتشكيل تحالفات، اختر الموصّل. ولتأسيس علاقات عميقة، اختر المدرب. لتعزيز كفاءة مسار المبيعات، اختر المنتِج. ولإبرام الصفقة، اختر المُنشِّط.
ويجب عليك أيضاً عند التوظيف، ألا يقتصر تفكيرك على ما يعرفه المرشح للوظيفة وعلى قدرته على تنفيذ المهارات بسرعة. فأنت ترغب أيضاً في توظيف أشخاص قادرين على التخلي عما تعلموه سابقاً وتغيير منهجية تفكيرهم. فالسؤال هنا: هل يتمتعون بمرونة ذهنية، أم يمتلكون قدرة ذهنية فقط؟ ففي بعض المناصب، من المهم أيضاً أن يمتلك الشخص القدرة على تغيير طريقة تفكير الآخرين من حوله. فالقادة العظماء في زماننا الحالي قادرون على إقناع من حولهم من خلال إنشاء النماذج الذهنية وتشكيلها لمؤسساتهم ومجتمعاتهم.
في عصرنا الحالي المُتغير بوتيرة سريعة، لا يكفي فعل أشياء جديدة، بل يجب علينا التفكير في أساليب جديدة. وهذا يتطلب أكثر من الخروج بأفكار مبتكرة "خارج الصندوق". إذ يجب علينا تصميم "صندوق جديد"، ثم نحاول الانتقال من صندوق الأفكار القديم التقليدي إلى الجديد المبتكر، على غرار السلطعون الناسك الذي يغير قشرته الخارجية. يمكننا أن نبدأ من خلال التعرف على نماذجنا الذهنية الخاصة بنا، وفهم أساليب تفكيرنا، وإدارة فرقنا باعتبارها أوركسترا مؤلفة من مفكرين متنوعين ومتكاملين.