كيف تستطيع التركيز في هذه الظروف؟

4 دقائق
التركيز في العمل

بعد مضي أسابيع على الواقع الجديد الذي فرض علينا البقاء في المنزل والعمل عن بُعد، وبعد الكم الهائل من الأخبار التي انتشرت حول مدى تعقيد الأمور، اعتدنا جميعنا على طرق جديدة للعمل. وبالنسبة للعديد منا، تتمثّل إحدى النتائج الضارة للعمل عن بُعد في عدم قدرتنا على التركيز على العمل وزيادة إنتاجيتنا. وهو ما يعني أن ممارسة إدارة التركيز أصبحت مهمة أكثر من أي وقت مضى، ليس فقط من أجل زيادة إنتاجيتنا وإنما لنحظى براحة البال، فكيف يمكننا التركيز في العمل بطريقة فعالة؟

إن ممارسة إدارة التركيز تعني التحكم بانتباهك وتحديد ما يشتت عقلك، سواء كان التشتيت خارجياً أو نتيجة الأفكار الداخلية الشاردة التي تدور في ذهنك أو اجترار الأفكار أو مشاعر القلق. وكلما أصبحت أكثر وعياً بالأمور التي تشتت عقلك، سهل عليك إدارتها. لقد أصبح تشتت الفكر عادة بالنسبة لمعظمنا، وتتمثّل أولى خطوات تغيير هذه العادة في الوعي، ذلك أنه من الصعب أن تغيّر عادة لا تدرك أنك تمارسها.

لذلك، ابدأ بتحديد ما يشتت عقلك. بمِ تفكّر الآن؟ هل لديك أطفال؟ هل تفكر في أكوام الأطباق المتّسخة في المطبخ؟ أم تفكّر في الإشعار الذي تلقّيته على هاتفك؟ بمجرد أن تتمكن من تحديد ما يشتت عقلك، يمكنك بعد ذلك اتخاذ عدة خطوات لإعادة توجيه فكرك. وتبيّن لك هذه الخطوات أهمية إدارة التركيز في مساعدتك على التعامل مع أهم ثلاثة مصادر تسبب لك تشتت العقل في الوقت الحالي، وهي الأطفال والأعمال المنزلية والأفكار.

الأطفال

كيف يمكنك ممارسة إدارة التركيز من أجل العمل في منزل يعجّ بالأشخاص الذين يحتاجون إليك؟

إذا كان أطفالك يافعين، يمكنك استخدام تقنيات إدارة التركيز نفسها التي أوصي بها عند العمل من المكتب، ألا وهي وضع ورقة على باب الغرفة تحمل عبارة "يرجى عدم الإزعاج" إلا في حالات الطوارئ. ومن المفيد استخدام لوح أو سبورة تُتيح لأطفالك كتابة ما يحتاجون إليه عندما تكون مستعداً لنيل قسط من الراحة. وعادة ما تكون أوقات العمل "دون إزعاج" فاعلة لفترة تتراوح من 10-60 دقيقة، تليها فترة استراحة يمكنك خلالها التحقق من احتياجات الآخرين في المنزل.

وفي حال كنت ترعى أطفالاً صغاراً أو والدين مسنّين يحتاجون إلى رعاية دائمة، فمن الضروري وضع استراتيجية مختلفة. قم بإعداد قائمة تضم جميع المهام التي يجب عليك إنجازها وافصل هذه المهام إلى مهام تتطلّب قدراً قليلاً من الانتباه، مثل العمل على قنوات التواصل أو وضع الطلبيات عبر الإنترنت، ومهام تنطوي على قدر كبير من الانتباه وتتطلّب ما أدعوه "قوة القدرات العقلية"، مثل كتابة المقالات وتحليل البيانات وابتكار فرص عمل جديدة لهذا الواقع الجديد.

وفي حال وجود شخص بالغ آخر في المنزل، فاتّبع نظام التناوب في العمل، حيث يكون أحدكما مسؤولاً عن رعاية الأطفال مدة ساعة أو ساعتين، في حين يعمل الآخر مدة ساعة أو ساعتين دون انقطاع، ويمكنكما تبديل الأدوار بعد ذلك. وعندما تكون المسؤول الرئيس عن رعاية الأطفال، يمكنك إنجاز المهام التي تتطلب قدراً قليلاً من الانتباه في الفترات التي يكون فيها الأطفال مندمجين في اللعب. وبمجرد أن ينتهي دورك في رعاية الأطفال، يمكنك حينها التعامل مع المهام التي تتطلب قدراً كبيراً من الانتباه. ومع ذلك، حاول تقسيم هذه المهام إلى خطوات صغيرة محددة حتى لا تبدو صعبة التحقيق. على سبيل المثال، بدلاً من أن تُدرج في القائمة مهمة "كتابة مقال"، يمكنك إدراج مهمة "تحديد النقاط الرئيسة الثلاث للمقال"، فذلك يُسهل عليك العمل ويحثّك على ممارسة هذا النهج.

وفي حال كنت مقدم الرعاية الوحيد لأفراد أسرتك الذين يحتاجون إلى رعاية دائمة، فقم بتعديل توقعاتك وأظهر لنفسك القدر نفسه من التعاطف الذي قد تظهره لشخص آخر في وضعك. إن إدراك حدودنا والقدرة على التكيف هي من أكثر الأساليب المفيدة لتجاوز هذا الوقت العصيب.

الأعمال المنزلية

عندما تجد نفسك مشتتاً نتيجة العمل في بيئة المنزل، استخدم هذا التشتيت في الأفكار لصالحك. على سبيل المثال، قد تراودك مجموعة أفكار ملحة مثل "وضع الملابس المتّسخة في الغسالة"، أو "تناول وجبة خفيفة"، أو "اللعب مع الأطفال"، استغل هذه الأنشطة البدنية، كاللعب مع الأطفال أو إفراغ غسالة الأطباق لتوفر لك قدراً من الراحة بعد قضاء وقت في أداء "أنشطة عقلية"، مثل القراءة والكتابة والتعاون مع الآخرين.

خطط لهذه الاستراحات واستخدمها كمكافأة. على سبيل المثال، إذا كنت تواجه مشكلة في كتابة المقال، فاتخذ قراراً باصطحاب أطفالك للعب خارجاً "بمجرد أن تحدد النقاط الثلاث الرئيسة للمقال وكتابة المقدمة". يتطلّب التخلص من جميع الأفكار الشخصية عند العمل من المنزل قدراً كبيراً من الطاقة، إلا أن هذا ليس ضرورياً. بدلاً من ذلك، اربط هذه المهام الشخصية بأنشطة العمل المهمة من أجل أن تصبح أيامك أكثر إنتاجية على الصعيد الشخصي والمهني على حد سواء، واتخذ فترات راحة مناسبة تمدك بالطاقة والنشاط في نهاية اليوم.

الأفكار:

بالإضافة إلى أهمية إدارة التركيز في مساعدتك على الحفاظ على مستوى عالٍ من الإنتاجية، ستساعدك إدارة التركيز أيضاً في تحديد الأفكار المظلمة التي تثير قلقك. من السهل في مثل هذه الأوقات التفكير فيما قد يحدث في المستقبل، لذلك، يُعتبر التخطيط أمراً مهماً. وللأسف، تبالغ وسائل الإعلام في نشر الأخبار السلبية، وقد يدفعنا حب الاستطلاع إلى أن نرزح تحت وطأة حالة يسودها القلق والتوتر بشأن "أسوأ السيناريوهات".

وقد تساعدك إدارة التركيز في إدراك تأثير شعورك بالقلق على وجهة نظرك. على سبيل المثال، قد يسهّل علينا الوباء العالمي اجترار أفكار اليأس إلى عقولنا، لكن هل فكّرنا في تأثير هذه الأفكار على أعمالنا؟ وعلى أُسرنا؟ وعلى الاقتصاد؟ في الحقيقة، لا يمكننا أبداً معرفة ما قد يحدث في المستقبل، إلا أن التفكير في أسوأ السيناريوهات ليس مفيداً. بدلاً من ذلك، من المهم الجمع بين التخطيط المدروس والاستفادة من الفرص لاتخاذ إجراءات مناسبة وتوجيه التركيز على الأمور الإيجابية التي تساعدنا في تجاوز المواقف الصعبة، فذلك يهدئ مخاوفنا ويمدّنا بالأمل.

ويُعتبر هذا الوقت مثالياً لإعداد يوميات الامتنان، ليس من الضروري أن تستخدم أسلوباً معقداً في كتابة هذه اليوميات، بل كل ما يجب عليك فعله هو أن تكتب ثلاثة أمور جيدة حصلت معك بشكل يومي. وليس من الضروري أن تنطوي هذه الأمور على أحداث كبيرة، فالمشي في منتصف يوم العمل، والتواصل مع صديق قديم، والحفاظ على صحتك الجسدية، أو التفكير في الأمور الإيجابية سيغير وجهة نظرك. ومن المهم أيضاً أن تنتهز هذه الفرصة للتعبير عن امتنانك للآخرين. وقد كتبت عالمة السلوك فرانشيسكا جينو، "يتيح لنا الامتنان الاستمتاع بالتجارب الإيجابية، ويمكّننا من التعامل مع الظروف المثيرة للتوتر، ويمدّنا بالقوة في مواجهة التحديات".

وفي نهاية الحديث عن موضوع التركيز في العمل بشكل صحيح، تعتمد قدرتك على إنجاز العمل المهم على الأسلوب الذي تتبعه في العمل وليس على مكان العمل. وتُعتبر تقنيات إدارة التركيز مفيدة في المنزل كما في المكتب. ويمثّل إدراك الأمور التي تشتت انتباهك الخطوة الأولى لاستعادة السيطرة على قدرتك على التركيز، وهو ما يتيح لك إدارة عوامل التشتت واستخدامها لموازنة مسؤولياتك وتسهيل اتخاذ الإجراءات الإيجابية.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي