ملخص: كيف ينبغي للعلامات التجارية اتخاذ خطواتها الأولى للدخول إلى عالم الميتافيرس؟ وبالمناسبة، ما هو الميتافيرس؟ في حين قد تبدو فكرة الميتافيرس جديدة الآن، فهي تنطوي على إمكانات هائلة للعلامات التجارية إذا تمكنت من معرفة نقطة البدء. تتطلب التكنولوجيا الجديدة نهجاً يتسم بحب الاطلاع دوماً، لكن ينبغي للعلامات التجارية اتباع بعض المبادئ التوجيهية؛ اختر أهدافك، وراقب ما يدور لدى المنافسين، وابحث عن تطبيقات جديدة، وخطط لدخولك، وحافظ على توازنك.
قلة من الناس يعتقدون أن أحدث نقلة نوعية في الإنترنت قد بدأت بالفعل ويقولون إن الميتافيرس يوشك على الوصول. عندما تعلن الشركات التي تستثمر في فضاء الميتافيرس ووسائل الإعلام عن بدء عصر جديد، يكون من المنطقي أن تتوقف قليلاً وتتحقق من تطابق الواقع مع الدعاية. ولكن إذا كان هذا العصر هو عصر العالم الافتراضي "ميتا"، أي إذا كان هذا العالم يقدم ما يرغب فيه الناس حقاً، فمن الآمن افتراض أن شركات كثيرة تتساءل عن حقيقة الميتافيرس وعن أهمية مشاركتها فيه، وستكون معرفة نقطة البداية عملية شاقة بالنسبة للعلامات التجارية التي تفكر في طريقة للتعامل مع هذا العالم الجديد.
فكرة الميتافيرس الأساسية ليست معقدة؛ ببساطة، يضم عالم الميتافيرس أي تجربة رقمية على الإنترنت تتسم بأنها مستمرة وغامرة وثلاثية الأبعاد وافتراضية، أي أنها لا تحدث على أرض الواقع. تتيح لنا تجارب الميتافيرس فرصة اللعب أو العمل أو التواصل أو الشراء (وجعل كل شيء ممتعاً للغاية ويمكننا شراء أشياء حقيقية أو افتراضية). كما قد نرتكب خطأ إذا اعتبرنا "الميتافيرس" عالماً واحداً متصلاً بالإنترنت أو حتى قابلاً للتشغيل المتبادل، لأنه ليس كذلك. فكل كيان ينشئ عالماً افتراضياً ينشئ له شروطه الخاصة بطريقة الوصول والعضوية وحقوق تسييل الأموال وأشكال التعبير الإبداعي، لذلك تختلف المواصفات التجارية والتقنية لكل عالم افتراضي بدرجة كبيرة. يشير عالم الميتافيرس أكثر إلى المفهوم المشترك بين جميع هذه العوالم والتجارب الفردية والاعتراف بأننا ندخل إلى مشهد حقيقي وغامر أكثر من أي وقت مضى.
تعمل شركات قليلة بالفعل على تشكيل المشهد وفي مقدمتها شركات الألعاب والترفيه. إذ إن أشهر الألعاب، مثل "فورتنايت" التي تنتجها شركة "إيبك غيمز"، جعلت ممارسة الألعاب والتواصل الاجتماعي مع اللاعبين الآخرين في البيئة الافتراضية أمراً طبيعياً. كما تتيح منصات الألعاب الأحدث، مثل "روبلوكس" (Roblox)، للاعبيها إنشاء عوالم غامرة واللعب فيها وتحويلها إلى نقد في كثير من الأحيان. خذ مثلاً عالم "ديسنترالاند" (Decentraland) الافتراضي ثلاثي الأبعاد الذي يملكه مستخدموه، فهو يتيح لهم بناء منشآت افتراضية، مثل حدائق الترفيه والمعارض، ثم فرض رسوم على المستخدمين الآخرين لزيارتها، وكل ذلك بدعم من تكنولوجيا البلوك تشين "إيثيريوم". في حين تقوم شركات أخرى مثل "ميتافرس" (MetaVRse) و"يونيتي" (Unity) بإنشاء محركات تدعم استوديوهات العلامات التجارية واستوديوهات الألعاب وتسرّع تطوير إنشاء محتوى الواقع الافتراضي والواقع المعزز.
لكن بيئة الميتافيرس الغامرة ليست فرصة للشركات التي تتعامل مع المستهلكين مباشرة فقط، فثمة طرق كثيرة لاستخدامها في الأعمال، بدءاً من تدريب الجراحين المستقبليين وصولاً إلى استعراض عينات من المنتجات أمام موظفي متاجر التجزئة. مثلاً، يؤمن قادة شركة "إنفيديا" (Nvidia) للتكنولوجيا بأن الاستثمار في الميتافيرس لمحاكاة أشياء مثل التصنيع والخدمات اللوجستية سيخفّض الهدر ويسرّع إنتاج حلول أفضل للأعمال. كما تسعى شركة "مايكروسوفت" لجعل خدمتها السحابية بمثابة نسيج للميتافيرس باستخدام منصتها "ميش" (Mesh) من أجل تمكين الشخصيات الرمزية (الآفاتار) والمساحات الغامرة من الاندماج في البيئات التعاونية مثل منصة "تيمز" مع مرور الوقت. ومع ظهور بيئات العمل عن بُعد أو العمل الهجين بعد جائحة كوفيد، من المرجح أن تزداد أهمية كثير من تجارب الأعمال الافتراضية الإبداعية بدرجة أكبر فيما يتعلق بطرق تواصل الشركات مع موظفيها وعملائها.
وبالنسبة للشركات التي تنتظر على الهامش، من الضروري أن تحدد كل علامة تجارية موقعها وتوازن بين المخاطر والمكاسب، وذلك يستدعي فهم ما هو ممكن؛ أما الشركات التي تسارع بالانضمام إلى الميتافيرس فستشكل مصدراً للإلهام وتمثل حالات اختبار أمام الآخرين في آن معاً. مثلاً، تسعى علامات تجارية كثيرة للاستفادة إلى أقصى حد من جانب الألعاب في الميتافيرس من خلال تجارب العلامات التجارية التي تعتبر في الأساس شركات راعية بصورة افتراضية وغامرة. بما أن شركة "نايكي" هي علامة تجارية راسخة ذات مكانة قوية، فهي بالتأكيد تبذل جهداً كبيراً في الجانب المؤكد من الميتافيرس، وتتقدم بطلبات براءات اختراع لمنتجاتها الافتراضية وتستثمر الفرصة لبناء بيئة افتراضية لتجارة التجزئة من أجل بيع هذه المنتجات، كما وضحت قناة "سي إن بي سي" في تقاريرها، وقامت مؤخراً بشراء شركة اسمها "آرتيفكت" (RTFKT) تعمل على إنشاء أحذية رياضية ومقتنيات افتراضية تستخدم في الميتافيرس.
عُززت الاستخدامات التجارية للميتافيرس أكثر بالسلوكيات المتزايدة فيما يتعلق بشراء المنتجات والخدمات من التجارب الاجتماعية مباشرة، أو ما يسمى "التجارة الاجتماعية" (social commerce). تتزايد نسبة التجارة الاجتماعية من التجارة الإلكترونية بالولايات المتحدة يوماً بعد يوم، ومن المتوقع أن تصل إلى 36 مليار دولار في عام 2021 وحده بناء على الأنماط المشابهة في الصين.
وبالنتيجة، يحرص مشهد وسائل التواصل الاجتماعي على الاستفادة من تقاطع عمليات الاتصال والشراء التي يقوم بها المستخدمون ضمن سياق الإنترنت التقليدي والميتافيرس الغامر ثلاثي الأبعاد على حد سواء. وأصبحت صالات العرض وعروض الأزياء وغرف تبديل الملابس الافتراضية فجأة قادرة على الانتقال من مجرد تجارب هامشية إلى الاستخدام واسع النطاق. والشركات لا تبيع بضائع مادية فحسب، ففي الواقع أعلنت دار "سوذيبيز" (Sotheby’s) للمزادات مؤخراً عن معرض الميتافيرس الخاص بها للفنون الافتراضية المنسقة بعناية ضمن عالم "ديسنترالاند". ومع تزايد الإمكانات ستبرز أهمية نماذج العمل الجديدة للمؤثرين وكذلك البضائع الافتراضية، ومنها "الرموز غير القابلة للاستبدال" (NFTs) التي تعتبر ابتكارات فريدة من نوعها يتم تداولها وتأمينها بتقنية البلوك تشين، وأيضاً تجارة البضائع المادية التي يتم شراؤها في العوالم الافتراضية.
يجب على العلامات التجارية أن تتبنى عقلية الاختبار والتعلم بصورة دائمة، فالمشهد الرقمي تحديداً يتطلب الفضول المعرفي. من المحتمل أن يشكّل الميتافيرس النسخة الجديدة من طرق استخدام البشر للإنترنت بهدف الاتصال والتواصل وإجراء المعاملات التجارية، ولذلك فالبقاء على الهامش طويلاً لن يكون خياراً على الأرجح.
إليك ما يمكن للعلامات التجارية فعله الآن:
اختر أهدافك
فكر بمقدار الوقت الذي يقضيه جمهورك أو عملاؤك المستهدفون في الميتافيرس من أجل تحديد السرعة الملائمة لدخولك إليه، فالعلامات التجارية التي تركز على الفئات السكانية الأصغر عمراً لا تتمتع على الأرجح برفاهية البقاء خارج الميتافيرس طويلاً. أي الفئات السكانية تستهدف؟ وما هي السلوكيات الرائجة الآن لدى عملائك الحاليين والمحتملين والتي تعتبر بمثابة مؤشرات لسرعة انتقالك إلى الميتافيرس؟
راقب المنافسين
ابدأ بالحديث عن العصر الجديد الذي تبدأ فيه الشركات النظيرة بالعمل في الميتافيرس، مثلاً من خلال استعراض ما يجري في اجتماع للقيادات من أجل إثارة الانتباه إلى الأمر بين أفراد الفريق التنفيذي. قد يكون الفضاء الواسع مرعباً لا سيما عندما تتداخل فيه مفاهيم تبدو غير قابلة للفهم مثل "الرموز غير القابلة للاستبدال" (NFTs) أو البلوك تشين. هل يمكنك إنشاء ما يؤيد هذه المواضيع لطرح أمثلة مفهومة وملموسة في كل اجتماع؟
ابحث عن التطبيقات
تحقق من أن الميتافيرس يتيح فرصاً لشركتك لتجربة أشياء جديدة وتسريع غايتك أو أهدافك طويلة الأجل التي تتلاءم مع الكثير من تطبيقاته، مثل الاستدامة. أعلن معظم مدراء التسويق بالفعل، ومنهم من سيعلنون قريباً عن التزامهم بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات المتعلقة بالاستدامة، وسيكون بالإمكان قياس التزاماتهم هذه قريباً. ما الذي يمكنك تجربته في الميتافيرس ويتيح لك اختبار أساليب مستدامة بدرجة أكبر في خدمة عملائك؟
خطط لدخولك
اطلب من فريق شركتك البدء بتشكيل وجهة نظر حول طريقة ظهور علامتك التجارية في الميتافيرس والموعد المنطقي المناسب للقيام بهذه الخطوة. تراقب الشركات القابضة والوكالات المستقلة باهتمام شديد سلوكيات وسائل الإعلام العامة والتوجهات الجديدة، وهذا يتيح لك فرصة عظيمة تتمثل في سؤالها عما تلاحظه في حافظة عملائها. ما هي الاختبارات التي يمكنهم إجراؤها لتمكينك من إدخال علامتك التجارية إلى الميتافيرس بصورة مريحة؟
حافظ على توازنك
إذا دخلت الميتافيرس بالفعل، فكن مستعداً لحقيقة أن جميع الفضاءات الجديدة تنطوي على المخاطر والمكاسب في آن معاً، لذلك اعمل بما يتلاءم مع ذلك واعلم أن هذا العمل سيكون غير متوقع إطلاقاً ويفتقر للمعايير، لكن النبأ السار هو أن الجائحة التي شهدناها مؤخراً زادت مرونتنا بدرجة كبيرة. لنعترف بأمر واضح وضوح الشمس؛ ستفشل بعض التجارب بالتأكيد. بشرت لعبة "سكند لايف" (Second Life) بالميتافيرس منذ أعوام مضت ولم تترسخ، ولكن المخاطر التي واجهت العلامات التجارية التي شاركت فيها لم تكن كبيرة أو طويلة الأجل. لذا، إذا كان هذا الوقت مناسباً فمن الضروري أن تفكر بطريقة دخولك إلى الميتافيرس.
الأهم هو أنه يتعين على الموظفين في أدوار تسويق العلامات التجارية أو قيادتها البدء بالتفكير في طريقة لإطلاق العنان لإبداعهم ورواية قصصهم. إذا كان بإمكان لوحة الألوان الإبداعية توسيع الأبعاد في عالم الميتافيرس فمن المفترض أن نشعر بالحماس لإنشاء تجارب في أي مرحلة من رحلة الزبون، بدءاً من الشراء ثم التفاعل ثم التعامل التجاري وصولاً إلى دعم الزبون، الأمر الذي يحتمل أن يكون مبهراً وثابتاً أكثر من ذي قبل. ويوماً ما سنرغب في الانتقال من العالم الحقيقي إلى العالم الافتراضي بسهولة تامة، وعندئذ سنصل إلى المجال الجديد التالي.
تعبر الآراء في هذا المقال عن وجهة نظر الكاتبة وليس بالضرورة أن تمثل آراء شركة "إرنست آند يونغ" أو أي من شركات مؤسستها العالمية.