إضفاء جو من المرح والسخرية في الاجتماعات هو موضوع تناولته رسوم ديلبرت الكرتونية، إذ يمكننا جميعاً أن نُلقي نكاتاً عن مدى كون تلك الرسوم مزعجة جداً ومؤلمة. لكن هذا الألم له عواقب حقيقية بالنسبة لفرَق العمل وللمؤسسات أيضاً. في مقابلاتنا مع مئات المدراء التنفيذيين، في مجالات تتراوح ما بين التقنية المتقدمة وتجارة التجزئة، والمستحضرات الدوائية والاستشارات، صرح كثيرٌ منهم بأنهم يشعرون بالقهر بسبب اجتماعاتهم، سواء أكانت رسمية أو غير رسمية، تقليدية أو ذكية، وجهاً لوجه أو عبر وسيط إلكتروني. إذ قال أحدهم: "لا أستطيع أن أجد لي متنفساً لأستريح خلال الأسبوع". ووصفت مديرة كيف أنها وخزت نفسها بقلم رصاص كي تمنع نفسها من الصراخ خلال أحد الاجتماعات مع الموظفين. تلك الشكاوى تؤيدها أبحاث تبين أن الاجتماعات ازدادت طولاً وتواتراً على مدى السنوات الخمسين الماضية، لدرجة أن المدراء التنفيذيين يقضون فيها ما متوسطه 23 ساعة تقريباً أسبوعياً، بعد أن كان المتوسط أقل من 10 ساعات في الستينيات. وهذا لا يشمل كل التجمعات العشوائية التي لا يتم إدراجها في جدول الأعمال.
لقد كُتب الكثير عن هذه المشكلة، بيْد أن الحلول المطروحة عادة ما تكون سطحية، مثل: ضع جدول أعمال، اعقد اجتماعك واقفاً، انتدب شخصاً ليحضر مكانك، وما إلى ذلك. ولاحظنا في أبحاثنا واستشاراتنا أن التحسن الحقيقي يتطلب تغييراً منهجياً، لأن الاجتماعات تؤثر على كيفية تعاون الناس مع بعضهم البعض وكيفية إنجازهم لأعمالهم.
ومع ذلك، نادراً ما يتم التفكير في إحداث تغيير من هذا القبيل. فعندما بحثنا في علة تحمل الناس للضغط الذي تفرضه الاجتماعات على وقتهم وعلى عقولهم، اكتشفنا شيئاً مثيراً للدهشة، حيث يدافع المستاؤون من الاجتماعات عنها أيضاً وبشغف كبير أحياناً، باعتبارها "شراً لا غنى عنه". تأمل المقتطف التالي من مدونة إحدى الشركات، والذي كتبه أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في مجال صناعة المستحضرات الدوائية:
"أعتقد أن غزارة الاجتماعات في شركتنا هي الضريبة الثقافية التي ندفعها من أجل بيئة التعلم الشاملة التي نودُّ تعزيزها، وإنني لأرحب بذلك. إنْ كان البديل للمزيد من الاجتماعات هو مزيد من صنع القرارات الاستبدادية، وقلة المدخلات من جميع المستويات في المؤسسة بأكملها، وفرص أقل لضمان الاتساق والتواصل عن طريق التفاعل الشخصي، فلتعطوني إذَن المزيد والمزيد من الاجتماعات في أي وقت كان".
لا شك في أن الاجتماعات ضرورية لتمكين التعاون والإبداع والابتكار. فهي غالباً ما تعزز العلاقات وتضمن تبادل المعلومات بشكل مناسب. ومن ثم تقدم فوائد حقيقية. ولكن لماذا يجادل أي شخص في الدفاع عن الاجتماعات المفرطة، لا سيما عندما لا تروق للبعض؟
السبب هو أنّ المدراء التنفيذيين يودون أن يكونوا جنوداً مثاليين. ذلك أنهم عندما يضحُّون بوقتهم ورفاههم من أجل الاجتماعات، يفترضون أنهم بذلك يفعلون ما هو أفضل للشركة، ولا يدركون تكاليف ذلك بالنسبة للمؤسسة. فهم يتغاضون عن الخسائر الجماعية في الإنتاجية وفي التركيز والمشاركة.
من ناحية الوقت، ثمة مضيعة حقيقية هنا، فكل دقيقة تُقضى في اجتماع عديم الفائدة تستهلك الوقت في العمل الفردي الذي لا يقل أهمية عن الإبداع والفعالية. ومن ناحية أخرى، تُعرقل جداول الأعمال المكتظة بالاجتماعات "العمل العميق"، وهو تعبير يستخدمه أستاذ علوم الكمبيوتر في جورج تاون، كال نيوبورت (Cal Newport)، ليصف القدرة على التركيز دون تشتت على مهمة تتطلب جهداً إدراكياً. وفي دراسة حديثة، أخبرنا المدراء في جميع المجالات ضمن الولايات المتحدة والصين بأن هذا يحدث "كثيراً جداً". ونتيجة لذلك، يميل الناس للمجيء إلى العمل مبكراً، والمكوث لوقت متأخر، أو يستغلون عطلات نهاية الأسبوع لينعموا بوقت هادئ للتركيز.
ثمة مشكلة أخرى، ألا وهي الثمن الباهظ الذي تدفعه الشركات مقابل الاجتماعات المدارة بشكل سيء. على سبيل المثال، توصَّل سيمون كاوفيلد (Simone Kauffeld)، من جامعة براونشفايغ التقنية، ونيل ليمان فلينبروك (Nale Lehmann-Willenbrock)، من جامعة أمستردام، في دراسة لعشرين مؤسسة تعمل ضمن مجال توريد السيارات، والمعادن، والصناعات الكهربائية، والكيميائية، والتعبئة والتغليف، إلى أنّ التصرفات غير القويمة في الاجتماعات ومنها الخروج عن موضوع الاجتماع، والشكوى، والانتقاد كانت لها صلة بانخفاض مستويات الحصة السوقية، والابتكار، واستقرار الموظفين.
وتنعكس تبعات ذلك على الإحساس بالسعادة في العمل أيضاً. فقد أظهرت دراسة كتبها ستيفن روغلبرغ (Steven Rogelberg) وزملاؤه، من جامعة نورث كارولينا، أن مدى شعور الموظفين بفعالية الاجتماعات يرتبط بالحالة العامة بالرضا أو عدم الرضا عن وظائفهم، حتى بعد استيعاب السمات الشخصية والعوامل البيئية، كتخطيط العمل والإشراف والأجر. فبدلاً من أن تحسِّن الاجتماعات التواصل والتعاون، وهو المقصود منها، فإن تلك الأشياء تقوّضها الاجتماعات السيئة. وهنا تأمَّل حالة المدير التنفيذي الذي وُخز ساقه بقلم رصاص. هل اجتماع الموظفين ذاك يؤدي إلى تقدم فريق العمل أم إلى تخلفه؟ إنّ القليل من التجارب الإيجابية في الأسبوع لا يمكنه التعويض عن الكثير من التجارب المضنية وغير المثمرة.
أما الخبر السار، فقد وجدنا أنّ تغيير الأسلوب الذي يتعامل به فريقك ضمن المؤسسة مع الاجتماعات أمر ممكن الحدوث. ونصف في هذه المقالة خمس خطوات عملية لتحقيق ذلك، علاوة على التشخيص الذي ستحتاج إلى القيام به مسبقاً. والنتائج غالباً ما تكون مذهلة وتمتد إلى ما هو أبعد من قاعة الاجتماعات. على سبيل المثال، في شركة درسنا حالتها، وكانت متخصصة في الاستشارات المالية والتنظيمية، أظهر استبيان أُجري بعد ثلاثة أشهر منذ أن بدأ المدراء يعيدون النظر في نهج الشركة للاجتماعات، أنّ الموظفين لمسوا تحسناً كبيراً من حيث التعاون بين أعضاء الفريق (زيادة بنسبة 42%)، والإحساس بالأمان النفسي تجاه المصارحة والتعبير عن الآراء (زيادة بنسبة 32%)، وأداء الفريق (زيادة بنسبة 28%). وتحسنت جوانب الحياة المؤسسية الأخرى أيضاً، وارتفعت تقديرات المشاركين في الاستبيان بشأن الرضا عن العمل والحياة الشخصية من 62% إلى 92%.
لقد رأينا كم يمكن للمؤسسات الاستفادة عندما تركز طاقتها على إحداث تحول في الاجتماعات بدلاً من مجرد تحمل أعبائها. وإليك كيفية تحديد ومعالجة مشاكل الاجتماعات التي تواجه مجموعتك.
كيف تكون المجموعة الخاصة بك عرضة للمشاكل؟
تنشأ المشاكل عندما تُعقد الاجتماعات وتُدار دون النظر إلى تأثيرها على وقت العمل الجماعي والفردي على حد سواء. وكثيراً ما ينتهي الأمر بالمجموعات بأن تضحي بالاحتياجات الجماعية أو الفردية أو بكليهما بشكل افتراضي. كما أنّ موازنة تلك الاحتياجات بكفاءة أمر مثالي، لكن قليلاً من المؤسسات هي التي تفعل ذلك. وفي دراسة استقصائية حديثة أجريناها مع ما يقرب 200 من كبار المدراء التنفيذيين من صناعات متنوعة، أفاد 17% فقط منهم بأنّ اجتماعاتهم تعد استخداماً مثمراً لوقت المجموعات والأفراد. وقال المشاركون الآخرون إن اجتماعاتهم تقع في واحدة من الفئات التالية:
مهدرو وقت المجموعة: بعض المؤسسات يكون لديها عدد قليل نسبياً من الاجتماعات، لكنها تديرها بشكل سيئ. ونتيجة لذلك، يكون لدى الأفراد وقت كاف لإنجاز المهام الفردية والتفكير العميق، غير أنّ الإنتاجية والتعاون الجماعي يضعُفان نظراً لعدم فعالية كل اجتماع. حيث قال حوالي 16% من المدراء التنفيذيين في عينتنا بأن هذا الأمر ينطبق فعلياً على أماكن عملهم.
كان فريق في شركة درسناها، متخصصة في مجال التجارة الإلكترونية العالمية، لا يعقد سوى اجتماع واحد أو اجتماعين في الأسبوع، ومع ذلك فإنهم ما فتئوا يشعرون بإضاعة للوقت الجماعي لعدة أسباب. أولاً، غالباً ما كانت توقيتات ومواقع الاجتماعات تتغير في اللحظات الأخيرة، وبالتالي كان كثير من الناس يصلون إلى الاجتماع غير مستعدين، أو لا يحضرون أصلاً. ثانياً، كان جدول الاجتماع في كثير من الأحيان يتسم بالغموض أو يكتظ بالمحادثات الجانبية التي جرت قبل ذلك بالفعل، ومن ثم كانت الاجتماعات تبدو مجرد أداة صورية للتصديق على قرارات اتخذت بالفعل في مكان آخر. ثالثاً، عندما كانت تثار قضايا جديدة، عادة ما كانت الخطوات التالية تُترك غير واضحة، ما يؤدي إلى المزيد من المحادثات الجانبية خارج القاعة. إلى جانب ذلك، أخبرنا أحد مطوري البرمجيات أنه كان يواظب على الظهور في الاجتماعات على الرغم من أنه نادراً ما يستفيد منها أي شيء، وذلك لأن حضوره كان محل انتظار من مديره ومن الجميع. وكَحل بديل، كان يؤدي مهامه الخاصة خفية أثناء انعقاد الاجتماع. رغم أن هذا يبدو كأنه وسيلة غير مؤذية للحفاظ على الإنتاجية الفردية في المدى القصير، فإنه يتسبب في تدهور الإنتاجية الجماعية ومشاعر الزمالة على المدى البعيد. فالناس حين لا يسهمون في النقاش أو لا يلتفتون لما يقال، يفشل الفريق في جني الفوائد الكاملة من التجمع، ويُهدر الاجتماع وقت الجميع.
مهدرو وقت الفرد: أحياناً، تكون الاجتماعات عالية الجودة نسبياً، وبالتالي تُعد من الناحية الفنية استغلالاً جيداً لوقت المجموعة، غير أن وقت الأفراد يتبدد لأن الكم الهائل من الاجتماعات يشتت العمل الفردي، وسوء تحديد المواعيد يعوق التفكير العميق النقدي. وفي استبياننا عن المدراء التنفيذيين، صرح 13% منهم بأن مؤسساتهم تكافح هذه المشكلة بالذات.
إليك مثالاً يوضح كيف يحدث ذلك: كان لدى إحدى شركات الأسهم الخاصة التي بحثناها بروتوكول صارم لإدارة اجتماعات فعالة. حيث كان يتم في كل جلسة إرسال التحضير للاجتماع بإشعار مناسب، وتم فيه تحديد الأهداف، وكان وقت الاجتماع يُدار طبقاً لجدول أعمال. وكان يتم التعامل مع مستجدات وقرارات المجموعة بكفاءة. ولكن مع نمو حجم الشركة بمرور الوقت، تمت إضافة المزيد والمزيد من الاجتماعات إلى جدول الأعمال الأسبوعي. وبالرغم من أن الاجتماعات كانت تدار بشكل جيد، فإن كمها الهائل عرقل تدفق العمل وبدَّد الوقت الذي كان بإمكان موظفي الشركة أن يكرّسوه لأداء المهام الفردية المهمة، مثل رصد فرص الاستثمار الجديدة وتعميق العلاقات مع مديري الشركات التي تملكها الشركة أو تسعى لامتلاكها. إذن، إنّ الاجتماعات المفرِطة، كما يتضح من تجربة هذه الشركة، تجبر الناس على إجراء موازنات حول كيف ومتى ينجزون أعمالهم الفردية. فأحياناً يتم إسقاط المهام أو تقليصها، ولكن في كثير من الأحيان يسرق الناس من وقتهم الشخصي لينجزوا ذلك العمل، وهي تضحية أظهرت البحوث والممارسات أنها تؤدي إلى الانهيار، وإلى أثمان باهظة للتحول يتحملها الموظفون والمؤسسات على حد سواء.
مهدرو وقت الفرد والمجموعة على حد سواء: كثير من المؤسسات التي عملنا معها تتحمل الضربة الثلاثية للاجتماعات التي تكون (1) متواترة بشكل مفرط، و(2) سيئة التوقيت، و(3) مُدارة بشكل سيء، ما يؤدي إلى خسائر في الإنتاجية والتعاون والرفاه للمجموعات والأفراد على حد سواء. هذا هو أسوأ سيناريو والأكثر انتشاراً، ولسوء الحظ. فقد وضعت غالبية المشاركين في استبياننا ونسبتهم 54% اجتماعاتهم في هذه الفئة.
وفي هذا السياق، وصفت مديرة في شركة صيدلانية كيف كانت مضطرة لحضور اجتماع عن "الاستعداد للسوق" يستغرق ساعة إلى ساعتين كل أسبوعين، لأن منظم الاجتماع كان يرغب حقاً في حضورها، زاعماً أنّ مساهمة الجميع قيّمة للغاية. لكن المجموعة عادة ما كانت أيضاً ترسل للفريق مجموعة شرائح لاستعراضها مسبقاً، وما عليهم بعد ذلك سوى المضي عبر تلك الشرائح خلال الاجتماعات. ولما سألت تلك المديرة نفسها وفريقها، "لماذا تحتاجون إلى استدعاء شخص واحد من كل فريق فرعي من كل قِسم إلى قاعة لمجرد مطالعة كل شريحة على حدة، في حين أنكم أرسلتم لنا بالفعل مجموعة الشرائح كاملة؟" تعاطف معها فريقها، وأفادوا بأن كل واحد منهم حضر عدداً كبيراً من اجتماعات عديمة الفائدة على نحو مماثل، والتي كانت تترك لهم القليل من الوقت أو لا تترك لهم وقتاً أصلاً لإنجاز "عملهم الحقيقي" طوال اليوم. في مواقف كهذه، يضيع وقت المجموعة ويُطمس وقت الفرد.
التوصل إلى التوازن الصحيح
لسوء الحظ، لا يمكن للأفراد حل هذه المشاكل بمفردهم. فقط فكِّر كم مرة حاولت تقليل عدد الاجتماعات على جدول أعمالك، وربما بنجاح محدود. بما أنّ أناساً كثيرين يشاركون في تحديد مواعيد الاجتماعات التي نحضرها وإدارتها، فالأمر يتطلب جهداً جماعياً لإصلاحها.
ولكن يمكنك إجراء تحسينات كبيرة باستخدام منهج منظم لتحليل وتغيير أنماط الاجتماعات عند فريقك أو وحدتك بأكملها. إذ رأينا المجموعات تُفلت من فخ الاجتماع بواسطة العمل سوياً، متبعين بعض الخطوات الأساسية:
1- جمع البيانات من كل شخص: للحصول على رؤية أوضح عن كيف تؤثر الاجتماعات على مجموعتك، استخدم الاستبيانات أو المقابلات لجمع البيانات والانطباعات من كل فرد. حيث سيساعدك هذا على قياس المدى الكامل للمشكلة: ستعرف مقدار الاستياء المحتدم تحت السطح ومقدار العمل الذي لا ينجز خلال اليوم. (انظر الدليل المعنون "كيف تؤثر الاجتماعات على الموظفين في مؤسستك؟").
2- تفسير البيانات سوياً: بعد ذلك، من المهم أن تجتمعوا كفريق لاستيعاب الآراء المختلفة من كل واحد، وتحليل ما يصلح منها وما لا يصلح. ويجب أن يكون هذا نقاشاً مفتوحاً وليس بغرض الحكم على الاستبيان أو نتائج المقابلة. كما يمكن أن يساعد الميسّرون المحايدون على إبقاء الحوار بناء. لكن إسناد عملية تفسير البيانات إلى مستشار خارجي أو حتى لمجرد مجموعة فرعية من الفريق يمكن أن يقوّض النجاح. وستحتاج إلى الإسهام والتحليل من جميع أعضاء الفريق لإفراز الفهم والقبول واسع النطاق اللازمين للخطوات المتبقية.
كشفت المقابلات الاستطلاعية التي أجريناها في شركة الاستشارات المالية والتنظيمية التي درسناها، على سبيل المثال، عن أن الاجتماعات كانت تقسم جداول الأعمال بشكل سيئ جداً لدرجة أنه لم يكن يُترك للعمل القائم على التفكير العميق سوى مربعات قليلة جداً مدتها تتراوح ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات. وبدون الوقت الكافي الهادئ اللازم للتركيز، كان المستشارون يشعرون بأن إبداعهم وإنتاجيتهم يتعرضان للاستنزاف. لقد كانت تلك الاكتشافات بمثابة صيحة تنبيه للمدراء الذين كانوا يحددون مواعيد الاجتماعات دون دراية كاملة بما لها من تأثير.
3- الاتفاق على هدف جماعي وثيق الصلة بالأشخاص: وجدنا أنّ الاستفادة بشكل شخصي من مبادرة المجموعة هي حافز كبير. على سبيل المثال، يمكنك تخصيص للعاملين قدراً معيناً من الوقت كل أسبوع للتركيز على العمل المستقل سواء في المكتب أو المنزل. حيث أنّ منحهم هذه المرونة والحرية يوفر المتنفَّس اللازم في جداول اجتماعاتهم، علاوة على كونه حافزاً لإنجاح الترتيبات. كما أنّ الإعلان عن الفترات "الخالية من الاجتماعات" أيضاً يدفع المجموعة بأكملها إلى إعادة تقييم الاجتماعات التي كان من المقرر إدراجها في تلك التوقيتات، وأن تتساءل عمن يلزمهم الحضور حقاً. ونتيجة لذلك، وجدنا أنّ الفرق تعقد اجتماعات أقل بشكل عام، وأنّ عدداً أقل من الموظفين يذهب إلى كل اجتماع منها. ويُعتبر "الفراغ الأبيض" الإضافي في جدول أعمال كل فرد يزيد الإنتاجية الفردية ويحد من الجَور على الوقت الشخصي.
وإليك كيف نجح هذا النهج في شركة متخصصة في الاستشارات التقنية: كان مقر عمل الأعضاء في الولايات المتحدة وفي الهند، لذا كان يُعقد اجتماعان لتسليم المهام كل يوم في الصباح الباكر بالنسبة للبعض، وفي آخر الليل بالنسبة للبعض الآخر، وذلك لاستيعاب فَرق التوقيت المقدر بـ 12,5 ساعة. وكانت الأيام ذات النهار الطويل تسبب ضغطاً وإجهاداً كبيرين على كلا الجانبين: المكالمات في الصباح الباكر كانت ضرورية، وضاعت فرص تناول العشاء مع الأسرة، وكان عدد ساعات أيام العمل تزيد عن 12 ساعة. وبالتالي، ما إن جمع الفريق بيانات الاستبيان من أعضاء الشركة وأدرك حجم المشكلة، حتى غيرت الشركة من نهجها: وأصبح كل شخص يُكلَّف بيوم عمل واحد في الأسبوع عندما لا يتعين عليه المشاركة في اجتماع تسليم المهام.
ولضمان تبادل المعلومات بشكل مناسب، كان على أعضاء الفريق إيجاد سبل لتغطية بعضهم البعض وإعلام الجميع بكل ما يستجد. فمعرفة كيفية القيام بذلك منحت الأفراد الاستراحة التي كانوا يحتاجونها، بل وأدت إلى المزيد من المعرفة المشتركة والبراعة في المجموعة. واكتسب الناس، علاوة على ذلك، فهماً أعمق لعمل زملائهم، ما أدى إلى تقديم عروض متكاملة بشكل أفضل للعملاء.
4- تحديد المسارات ومراقبة التقدم: كما هو الحال مع أي جهد مبذول للتغيير، من المهم تقييم ومناقشة التقدم الملموس الذي يمكن قياسه على طول الطريق. إذ تقدم المكاسب الصغيرة الملموسة للناس شيئاً يحتفلون به، والخسائر الصغيرة تقدم فرصاً للتعلم والتصحيح. تأمَّل هذا المثال: في شركة للتجارة الإلكترونية العالمية، أخبرنا فريق مكون من 30 موظفاً، تمتد مواقع عملهم عبر الولايات المتحدة والصين، بأن اجتماعاتهم الأسبوعية التي تضم جميع العاملين بالشركة تمثل نقطة ألم بالنسبة لهم. فالحاضرون غالباً ما كانوا ينضمون للاجتماع عبر هواتفهم النقالة أو أجهزة الكمبيوتر المحمولة. ولأن الناس كانوا مشتتي الانتباه باستمرار، كان على من يتحدثون أن يكرروا الكلام مراراً، ما يجعل الوقت المبذول ليس أطول وحسب، بل وأقل فعالية بكثير أيضاً.
للمساعدة في معالجة هذه المشاكل، اتفقَ الفريق على هدف بسيط يمكن الوصول إليه مفاده عدم السماح باستخدام أجهزة التكنولوجيا الخارجية في الاجتماعات.
في أول الأمر، كان العديد من كبار المهندسين، وحتى قائد الفريق معارضين للفكرة، حيث شعروا بأن من حقهم استخدم أجهزتهم، وبالأخص عندما تصبح الاجتماعات مملة أو تتحول إلى مواضيع خارج نطاق اختصاصهم. ولفترة وجيزة، وبعد تدشين المبادرة، كانت رسائل التذكير الودية ضرورية (مثل "يا صديقي التقنية ممنوعة"). ولكن بمرور الوقت ترسّخت القاعدة الجديدة، وحتى المدير صوَّب تصرفه بنفسه عندما بدأ يتفحص هاتفه بشكل بديهي. وبدأ الفريق يدرك فوائد هذه التجربة. فقد أصبحت الاجتماعات مثمرة بشكل أكبر، وأضحى الناس أكثر انخراطاً فيها. وعلى حد قول أحد المهندسين: "إن قاعدة حظر الأجهزة هذه رائعة، فالناس الآن أكثر تركيزاً على الاجتماع، ومن ثم فهو أكثر فعالية". وطفقت زميلة أُخرى في الفريق تجلب دفتراً لتدون الأفكار بدلاً من التسلية بالألعاب على هاتفها. لقد فتح هذا النصر الصغير الباب لوضع قواعد جديدة، مثل إعداد المواد بدقة أكبر قبل وقت الاجتماع، ما يجعل الاجتماعات موجزة قدر الإمكان، وفي النهاية يُعيد ضبط مواقيت الاجتماعات لتناسب بشكل أفضل جداول مواعيد أعضاء الفريق.
5- رصد مشاعر الناس كمجموعة بانتظام: وأخيراً، وجدنا أنه من المهم جداً الرصد بانتظام وبشكل علني مشاعر الناس نحو الاجتماعات التي يحضرونها ونحو طريقة سير عملهم بشكل أعم. فالإحباط والاستياء، وحتى اليأس، هي دلائل على أنّ الناس يتراجعون مجدداً إلى الأنماط السيئة. علاوة على ذلك، فإن تغيير البروتوكولات والسلوكيات يستغرق وقتاً، والحفاظ على الزخم يتطلب اهتماماً واتصالاً متسقين.
في شركة أدوية عملنا معها، وضع قسم الشؤون الطبية العالمية اختبارين منتظمين من اختبارات جس النبض لرصد التقدم المحرز في تجربة كان يجريها مع الموظفين في الأيام الخالية من الاجتماعات: الأول داخل الفريق الفرعي وآخر عبر القسم ككل. في بداية كل عملية جسّ للمشاعر، أجاب المشاركون على أربعة أسئلة: بم تشعر؟ ما قيمة الطرق التي قضيت بها وقتك؟ ما مدى جودة عملك كفريق؟ وهل هذا مستدام أم لا؟
أثارت الإجابات عن هذه الأسئلة نقاشات فرعية ثرية بالمحتويات العاطفية والاستراتيجية والتكتيكية. وكانت المحادثات المبكرة تركز بشكل خاص على مشكلة الاجتماع، ولكن بمرور الوقت تناولت بشكل متزايد كيف كان أعضاء الفريق يتعاملون مع عملهم، ومع بعضهم البعض. حيث قال أحد المدراء: "إنني منبهر من الطريقة التي سمحت بها تلك الاجتماعات للناس بأن ينفتحوا في الحديث، وخاصة في ظل إنصات المدير، إن اختبارات جس النبض فكرة ثاقبة حقاً إذ تعطيني جرعة جيدة من الواقع، كما أنها أظهرت قضايا أسفر عنها المزيد من التغطية المتبادلة، وتنمية الناس، والعمل الجماعي. ويبدو من الجنون كيف أن هذه التجربة الضئيلة استطاعت خلق هذه الأنواع من النتائج، لكن لها آثاراً عميقة تتجاوز الهدف المبدئي بكثير".
ونقترح عمل اختبارات جس نبض أسبوعية قصيرة لبضعة أشهر إلى أن ترسخ القواعد والعمليات والأوضاع الجديدة. بعد ذلك، ينبغي القيام بها كل أسبوعين. وبغض النظر عن وتيرة اختبارات جس النبض، ينبغي أن يكون للناس لقاءات منتظمة ومهيكلة يبثون فيها إحباطاتهم ومشاكلهم السطحية، وليحسّنوا كذلك من أسلوب إنجاز الفريق للعمل سوياً.
كما يُعتبر الدعم القيادي مهم جداً بالنسبة لجميع تلك الخطوات، ولكن ليس بالضرورة أن يأتي الدعم من جهة الإدارة العليا. لقد وجدنا أنّ مجموعة واحدة يمكنها تغيير طريقة تعاطيها مع الاجتماعات طالما أنّ قائد الفريق لديه سلطة تشجيع الناس على طرح القضايا، وخوض المخاطر، وارتكاب الأخطاء، واكتشاف سبل جديدة للعمل سوياً. ويمكن أن يَحدث هذا حتى لو كانت المجموعة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمجموعات أُخرى في المؤسسة. على سبيل المثال، رفض قسم الشؤون الطبية العالمية حضور الاجتماعات المشتركة بين الأقسام خلال الأيام الخالية من الاجتماعات، فلاقى في البداية حالة من الذعر، ثم حالة من الفضول، وفي نهاية المطاف حدث التغيير في المؤسسة بأكملها، إذ تم كسر قواعد السلوك القديمة ووضع قوالب لأساليب العمل الجديدة.
مَسار للتغيير
يُعتبر التغيير شيء أساسي كالاجتماعات، كما رأينا في العديد من الشركات ضمن مجموعة من الصناعات، تكون له آثار بعيدة المدى. حيث عبَّر أحد المدراء عن ذلك قائلاً: "بدأنا التواصل بشكل أكثر انفتاحاً وصراحة، ما مكننا من مساعدة بعضنا البعض بشكل أفضل، وساعدْنا بعضنا البعض على تحديد الأولويات، وساعدنا بعضنا البعض للعثور على موارد أخرى، وكنا أحياناً نعيد توزيع المهام، أو ببساطة يعين بعضنا بعضاً على إنجاز العمل".
لا ينبغي أن تكون الاجتماعات عبارة عن فخ، فيمكن أن تكون مساراً للتغيير. حيث يستطيع المرء بعملية كهذه أن يحسّن الإنتاجية، والتواصل، وتكامل عمل الفريق، ناهيك عن الرضا الوظيفي والتوازن ما بين الحياة الشخصية والعمل. وفي النهاية تكون المحصلة هي اجتماعات أفضل، وحياة عمل أفضل.