يمرّ المرء بحالات كثيرة يكون فيها منهمكاً بعمل ما، فيأتي صوت رنين يستدعي منه الانتباه، أهو بريد الكتروني؟ أم تغريدة؟ أم منبه تذكير على الهاتف؟ أم دعوة لتحديد موعد على المفكّرة؟ ويرنّ صوت تنبيه آخر، ثم آخر، ويتكرر ذاك الصوت مرة بعد مرة. أو ربما تظهر تلك التنبيهات على شاشة الهاتف وتتوالى في سلسلة لا متناهية.
ربما تفكر بإلقاء نظرة على تلك الرسائل التي تُرسل التنبيهات والرد عليها بسرعة، وربما يخطر في بالك أنّ المرسل تسرّه سرعة الإجابة وذلك سيسعدك. ولكن يتدخل ضميرك ويبدأ بالتوسل إليك لمحاولة توجيه انتباهك وتفكيرك نحو التركيز والتخطيط للمضمون والأثر الذي كنت تعمل عليه قبل التنبيه. فتشعر بشيء من الارتباك وتحاول العودة إلى مركزك متسائلاً: "علام كنت أعمل؟ ما هو الأمر المهم الذي أعمل عليه قبل المقاطعة؟". ولكنه سيكون من الصعب تذكر ذلك.
عندما أصل إلى درجة الاكتفاء من التنبيهات، أشعر أنه لا يوجد أي متسع لأي طلب آخر دون التضحية بسلامتي العقلية أو بمشاريعي الاستراتيجية، فأقوم بأخذ بعض الوقت للتركيز على ما هو أهمّ، وأذكّر نفسي أنه ليس عليّ إنجاز أعمالي اليومية بمفردي.
قد تكون مشاريعنا ومهماتنا ذات الأفضلية لدينا عبارة عن أمور ثانوية بالنسبة للآخرين وتتسبب بتشتيت الانتباه وإضاعة الوقت، والعكس صحيح. أي أنّ هناك شخص ما تكون تفاصيل عملك الصغيرة المشتتة لانتباهك مهمات رئيسية عنده ولها الأولوية، حيث تكمن المهارة هنا في تعلّم كيفية تفويض الأمور الثانوية في عملك بصورة أفضل مما تقوم به حالياً. وحتى إذا كنت تظن أنك تقوم فعلياً بالتفويض بصورة فعالة إلى حدّ ما، لكنني أثق تماماً أنك مستعد للقيام بذلك بفعالية أكبر لتنال راحة بال أكبر، سواء أكان ذلك في المنزل أو في مكان العمل. إذ تُعتبر نقطة الضعف لدى الجميع هي الوصول إلى الحد الأقصى من تنبيهات التذكير بالمهمات، سواء كانت مهمات بسيطة كالغسيل أو مهمات بأهمية إجراء الحسابات الشهرية.
يعرف معظمنا الفوائد الخفية والأهداف الغامضة للتفويض، والتي أهمها: بناء فرق تستطيع التشارك في أعباء العمل لتتمكن أنت من إنجاز العمل الأهم الذي لا أحد يستطيع إنجازه سواك. ولكن عملياً، هناك مخاوف عديدة تقف في طريقنا للقيام بذلك، كالخوف من عدم إنجاز العمل على المستوى المطلوب، أو الخوف من أنّ تفويض العمل إلى أحد آخر سيجعل إنجازه يستغرق وقتاً أطول مما لو أنجزته بنفسك، أو أنه عمل لا أحد يرغب القيام به، أو أنه سيكلف كثيراً، أو أن يكون الشخص المفوّض غير أهل للثقة، أو غيرها من المخاوف.
شخصياً، كنت أصدّق هذه الأكاذيب البيضاء التي كنت أخبر نفسي بها. فقد كانت نفسي المحبّة للكمال هي التي تتكلم، وتنهض لتعيدني إلى ذات المسار المنهك الذي يؤدي إلى الانهيار، حيث مررت بذلك مرات عديدة. وأنا نفسي لست محصّنة ضد الوقوع في فخ الشعور بعدم إمكانية تفويض العمل والمراوحة في مكاني مجدداً. ولكن كل هذه المخاوف ما هي إلا خرافات.
ويمكنني القول أنّ التفويض هو ما أعاد إحياء شركتي بعدما كانت على حافة الانهيار عام 2013. وهو ما أعانني على زيادة وارداتي عام 2014 لثلاثة أضعاف واردات السنوات الثلاث السابقة، وهو ما أعانني على جني أرباح هذا العام تزيد عن أرباح السنوات الثلاث الماضية مجتمعة، ونحن ما زلنا في شهر مايو/ أيار. على الرغم من أنّ توظيف المزيد من المساعدين مكلف، لكنه ساعدني على جني ربح أكبر بكثير من تكلفة إنشاء فريق أثق بإمكانية الاعتماد عليه.
هناك نقطة معينة يجب عندها تفويض كل ما يمكن تفويضه، عدا استثناءات نادرة جداً. إليك هنا ستة تصنيفات للمهمات يمكنك الاستعانة بها لمراجعة أعمالك وتحديد أيها يستحق تسليمه لغيرك بصورة منطقية.
المهمات الصغيرة جداً: وهي المهمات التي تظن أنها غير مهمة، ولكنها تتراكم. فهي ليست ضرورية ولا يستغرق إنجازها بضع دقائق، إلا أنها في النهاية تبعدك عن عملك بالأمور الاستراتيجية الأكثر أهمية. مثلاً، التسجيل للاشتراك في مؤتمر أو مناسبة، وإضافته إلى مذكّرتك وحجز غرفة في الفندق وتذكرة طائرة. كل عمل من هذه الأعمال وحده لا يحتاج الكثير من الوقت، ولكنها مجتمعة تصبح عملاً يحتاج لوقت كبير.
المهمات المملة: هي المهمات البسيطة نسبياً ولربما لم تكن أفضل استثمار لوقتك. إذ تُعتبر واضحة جداً، ويمكن لأي أحد القيام بها، بل يجب أن يقوم بها أي أحد عداك. كالقيام بإدخال قائمة من 100 عنصر إلى برنامج جدولة وترميزها بالألوان، أو تحديث قيم مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) في شرائح تقديم عرض ما.
المهمات التي تستهلك وقتاً طويلاً: هي المهمات التي تكون هامّة أو معقدة بعض الشيء، ولكنها تستهلك وقتاً كبيراً، ولا تتطلب أن تقوم بنفسك بما يقارب 80% من البحث المبدئي لها. بل يمكنك ببساطة التدخل عندما يتم إنجاز 80% منها لمنح موافقتك والإشراف عليها، وإن لزم الأمر إعطاء التوجيهات للخطوات التالية.
المهمات القابلة للتعليم: هي المهمات التي تبدو معقدة في البداية ولربما كانت تحتوي على مهمات فرعية أصغر، إلا أنها يمكن أن تعتبر كنظام يمكن تطبيقه دائماً، مع استمرارك بمراقبة الجودة وإعطاء الموافقات النهائية. كتعليم أحد مرؤوسيك المباشرين كيفية إعداد شرائح العرض الذي سيتم تقديمه في اجتماع فريق العمل الشهري.
المهمات التي لا تجيدها: هي ليست المهمات التي لا تقع ضمن نقاط قوتك فحسب، بل هي أيضاً تلك التي تشعر أنك غير مؤهل لها. إذ أنك ستحتاج لوقت أطول بكثير ممن لديهم المهارات اللازمة في هذا المجال، وبذلك تكون نتائجها دون المستوى. كالتصميم المرئي لشرائح برنامج PowerPoint)) التي سيتم عرضها في اجتماع الفريق. أو تعيين مصمّم مختص لعرض مقبل خارج مؤسستك كإلقاء كلمة في "تيد إكس" (TEDX) مثلاً.
المهمات ذات الإطار الزمني المحدد: هي المهمات التي لها مواعيد محددة وحساسة لكنها تزاحم أولويات أُخرى، بحيث لا يكون لديك متسع من الوقت لإنجازها كلها معاً. فتقوم بتفويض مهمة ضرورية وذات إطار زمني محدد إلى أحد ما بحيث يمكنه إنجازها بالتوازي مع الخطة الزمنية للمشاريع الأُخرى. مثلاً، إذا نسيت جهاز "الآيباد" خاصتك في الطائرة بعد رحلتك، كما فعلت أنا مؤخراً للأسف، ستحاول استعادته قبل أن تفقده تماماً في متاهة مفقودات المطار، ولذلك سيكون عليك الاتصال بقسم خدمة الزبائن يومياً وقضاء فترات الانتظار الطويلة على الهاتف. أو حين يتوجب الاتصال بشركة الخطوط الجوية لتغيير المقاعد المخصصة لرحلتك المحددة في اليوم التالي في حين انشغالك باجتماعات تستمر طوال اليوم.
أحد الأدوات التي تساعدك على مفاضلة المهمات التي يجب عليك تفويضها هو مراجعة جدول أعمالك بصورة متكررة، والأفضل أن تكون مراجعة يومية، لتفحّص ما فيه ومعرفة ما لا يمكن لأحد غيرك إنجازه وكيفية تفويض ما تبقى.
مهمتك: سجل ملاحظات على مدى الأسبوعين القادمين حول المهمات التي تقع تحت التصنيفات الستّة آنفة الذكر، يمكنك فعل ذلك على ورقة أو على نموذج متابعة، بحيث يحتوي على أعمدة لفئات المهمات المختلفة في المنزل وفي العمل. (من أجل المزيد من الأفكار حول اختيار المهمات التي ستقوم بتفويضها، راجع قائمة أكثر من 75 مهمة قمت بتفويضها العام الماضي (75+ tasks I’ve delegated in the last year).
وإن لم تكن متأكداً بعد ممن ستقوم بتفويض المهمات إليهم، أو حتى كيفية القيام بالتفويض، ابدأ أولاً بمعرفة المهمات التي عليك تفويضها. ثم راقب كيف سيقوم دماغك (وضميرك أيضاً) البدء بإيجاد حلول للخطوات التالية انطلاقاً من هذا المنظور الجديد للمساحة وإدراك الذات.