إيمانك بذاتك واعتقادك بأنك أفضل مما أنت عليه في الواقع له ميزتان اثنتان. الأولى هي أن إيمانك بذاتك يمكّنك من تجاوز نصف المعركة عند العمل على مهام صعبة، لكن إن بالغت في تقييم قدراتك فإنك ستفشل عملياً لا محالة. أما الميزة الثانية لهذا الإيمان، فهي تمكنك من خداع الآخرين وجعلهم يعتقدون أنك شخص كفء، وفي هذه الحالة سينكشف أمرك أيضاً، وسيعود خداعك هذا بآثار سلبية على الآخرين، وبالتالي سيكلفك خسارة المزايا التي حصلت عليها بادعائك الكفاءة. مثلاً، قد يُنظر للقادة المتوهّمين بعظمتهم على أنهم ذوو حضور وموهبة، لكن ثقتهم المفرطة بالنفس تهدد أتباعهم على المدى البعيد. بالمقابل، عندما يكون القادة مدركين لأوجه القصور لديهم ستنخفض احتمالية ارتكابهم أخطاء تعرّض فريقهم ومؤسساتهم ودولهم للخطر.
ومع ذلك - كما أوضحت في كتابي الأخير - إن الوعي الذاتي هو صفة لا يُعرف عن القادة امتلاكها. ومع أن الموهبة القيادية عادة ما تكون موزعة، فإن 80% من الأشخاص يعتقدون أنهم قادة غير اعتياديين. ويضاف إلى هذا، أن الارتفاع المطرد في نسب النرجسية على مر العقود لا يدع لنا سبباً لنتوقع من قادة المستقبل أن يكونوا أكثر دقة في تقييم أنفسهم، فضلاً عن التحلي بالتواضع. ويأتي التدريب القائم على تعزيز مكامن القوة وإزالة الآراء السلبية من تقييمات الأداء ليكون بمثابة المصادقة على ما لدى القادة من تهيؤات عن مواهبهم، تماماً كما يحدث عندما يخبر الأهل أبناءهم أنهم الأذكى والألطف على وجه البسيطة. ويظهر هذا خاصة عندما يلجأ القادة للتخويف أو عندما يحيطون أنفسهم بموظفين متملقين فيحرمون أنفسهم بالنتيجة من تقييمات يحتاجونها كي يصبحوا أفضل.
وفي حال كنت تدير القادة أو تدربهم أو كنت تحاول التعبير عن رأيك لمديرك ليس إلّا، فهناك ثلاث نقاط بسيطة يتعين عليك أخذها بالاعتبار عند الخوض معهم في نقاش صعب وضروري كهذا:
- تعرّف على دوافعهم الشخصية. لأن توجيه النقد أمر غير محبب لدى الجميع لا سيما لأولئك الذين يتمتعون بالمكانة العالية، فلا بد أن تساعد القادة في فهم كيفيّة تحقيق أهدافهم لتحظى باهتمامهم. وعادة ما تكون الطريقة الأكثر فعالية لهذا، من خلال التعرف على دوافع القائد وقيمه. مثلاً، السمعة هي من أكثر الأمور أهمية لدى القادة الذين يحفزهم الإقرار بفضلهم، لذلك إن إخبارهم بأنه يُنظر إليهم على أنهم أقل جدارة مما يعتقدون، أمر قد يدفعهم للتحرك، حتى وإن كنت لا ترى مبرراً للسمعة التي يعتقدون بامتلاكها. من ناحية أخرى، عندما تكون السلطة هي دافع القادة، فإن طريقة استمالتهم ستكون بربط التقييم بالأداء والتطور الوظيفي كما في المثال التالي: "إن غيرت س و ع، فستتمكن من التفوق على منافسيك وتبلغ القمة". بالمقابل، عندما تتعامل مع قادة معروف عنهم إيثار الآخرين، فإن استراتيجيتك الأفضل لتقديم تقييم سلبي تكون بالقول مثلاً "بتغيير س و ع، ستتمكن من الاستفادة بشكل أفضل من إمكانيات فريقك وتحسّن إقبالهم على العمل ورفاههم".
- دع الأرقام تتحدث. عادةً لا يهتم القادة كثيراً بالناس، ويكون تقييمهم للجوانب النفسية ضعيفاً. إلا أن الجانب الإيجابي في هذا أنهم يميلون إلى الاهتمام بالنتائج. من الطرق الجيدة لمساعدة القادة على تقدير أهمية نظرتهم لأنفسهم وسلوكياتهم تكون من خلال التقييمات الشاملة (تقييم 360 درجة) ومن خلال تفاعل الموظفين. هناك بشكل خاص كم كبير من الأدلة التي تؤكد وجود رابط بين التقييمات الشاملة وبين كل من أداء القائد ونزاهته. إذ يقوّي استخدام التقييمات من تأثير التدريب والتطوير على منع تشكل "النقاط العمياء" في نظرة القادة لأنفسهم وأدائهم من جهة ونظرة الآخرين من جهة أخرى. أما من ناحية تفاعل الموظفين، فيمكن القول إن التقييمات تلك تعتبر المصدر الأفضل للبيانات لتقييم فعالية الفريق، باستثناء بيانات الأداء الفعلي للفريق. مثلاً، يظهر تحليل تحولي لأكثر من 8 آلاف وحدة عمل و3 مؤسسات أن الزيادات في تفاعل الموظفين تأتي بنتائج أفضل، بما في ذلك العوائد والأرباح. أما التقييمات الشخصية الموثقة علمياً، فهي منهج آخر تدعمه البيانات لجعل القادة يدركون نقائصهم المحتملة. وسيتمكن القادة من فهم صفاتهم السلبية، عندما تركز تقارير التقييم على الجانب المظلم من شخصياتهم وليس على الجانب المشرق فقط. في الواقع تتنبأ صفات الجانب المظلم من الشخصية بانحراف القائد حتى إن كان يتمتع بالموهبة الفنية والخبرة. وهناك الكثير من الدراسات الشهيرة التي تظهر أن القادة اللامعين قد يلحقون الضرر بمسيرتهم المهنية الشخصية والمسارات المهنية للآخرين عندما يبالغون في استخدام قوى معينة ولا يتمكنون من ترويض صفاتهم غير المرغوبة.
- سلط الضوء على الجانب السلبي للثقة بالنفس. يسهل إقناع القادة المهتمين بالعلم بمزايا التواضع والعواقب السيئة للغرور. بعبارة أخرى، هناك كم كبير من الأدلة التجريبية لإقناع القادة بأن الثقة الزائدة بالنفس تتسبب بمشاكل أكثر مما يتخيلون. مثلاً، ترى الدراسات الاقتصادية أن الثقة الزائدة تؤدي إلى قرارات مالية سيئة وعدم القدرة على الانتباه للإشارات الاجتماعية التي تبرز أخطاء الشخص. وتظهر الدراسات المالية أيضاً أن الثقة الزائدة هي السبب في جعل الرؤساء التنفيذيين في قائمة "فوربس 500" يفشلون باستمرار في تقليل إقبالهم الشخصي على المخاطرات في شركاتهم. وتُظهر دراسات الأعمال أن رواد الأعمال الذين لديهم ثقة زائدة بالنفس لن يفشلوا فحسب، بل سيعيشون على الأرجح أقل من نظرائهم الأقل ثقة بأنفسهم. من ناحية أخرى، هناك دليل حيوي على أن للتشكيك بالنفس (باعتدال) مزايا أيضاً. مثلاً، ترى الدراسات الأكاديمية أن القادة الذين يقللون من شأن قدراتهم يميلون إلى أن يكونوا أكثر فعالية، وهناك مجموعة عريضة من نظريات التحفيز التي ترى أن الإدراك الذاتي للعيوب التنافسية أمر أساسي لتحسين أداء الشخص. ولعل أشهر تلك النظريات هي التحليل الإبداعي لجيم كولينز حول فعالية المدراء التنفيذيين، الذي توصل إلى أن القادة الأبرز ليسوا فقط عنيدين ومندفعين، بل هم متواضعون أيضاً.
للأسف، لا يمكن تطبيق هذه الاقتراحات بسهولة على الدوام. حيث يميل القادة الذين يحصلون على تقييم سيئ إلى التقليل من أهمية التقييم، ما يجعلهم نظرياً أشخاصاً لا يمكن تدريبهم. يعتبر هذا من التقييدات الأساسية المرتبطة بالتدريب، فهو مفيد عادة للأشخاص الذين هم بأقل الحاجة له لكن مفعوله أقل بكثير مع أولئك الأكثر حاجة له. كما أن في متناول القادة الكثير من مصادر التقييم الإيجابي (المزيفة)، بغض النظر عن مستوى الموهبة لديهم. على هذا الأساس يمكننا القول إن عالم الأعمال لا يختلف عن عالم "فيسبوك"، ولو أن "فيسبوك" قد قرر السماح للمستخدمين بترك تقييمات سلبية على منشورات الآخرين. وفي النهاية، نحن بحاجة إلى تحسين اختيار القادة الذين يقلقهم تشكيكهم بأنفسهم وغياب الأمان الذاتي. وكما قال فولتير: "الشك ليس حالة جميلة، لكن اليقين لا منطق فيه".