ملخص: نعيش عصر العمل الإضافي بكل تأكيد. إذ يدير ما يقرب من 44 مليون عامل أميركي حالياً مجموعة متنوعة من الأعمال الإضافية في مجالات تتراوح بين العمل لدى شركات النقل التشاركي أو تأجير المنازل أو بيع المصنوعات اليدوية عبر الإنترنت. ولكن كيف يمكنك إدارة عمل إضافي بطريقة تحقق أقصى قدر ممكن من الفوائد دون التأثير على وظيفتك الأساسية؟
أجرى كُتَّاب المقالة سلسلة من الدراسات شملت أكثر من 1,000 فرد يشغلون مجموعة متنوعة من الوظائف الأساسية والأعمال الإضافية، مثل منسّق الموارد البشرية الذي يصنع المجوهرات ويبيعها ومحلل البيانات الذي يوصّل الطعام عبر تطبيق بوستميتس (Postmates) والممرضة التي تكمل الاستقصاءات عبر الإنترنت ومصمّم الغرافيك الذي يمتهن الكتابة بنظام العمل الحر (المستقل). وتوصّلت دراساتهم إلى أن تحقيق الازدهار في هذه المجالات يوجب على المشتغلين بها اختيار مهمات تختلف عن تلك التي يؤدونها في عملهم الأساسي، وتنظيم إيقاع عملهم الإضافي لتجنب الإصابة بالاحتراق الوظيفي، إلى جانب التأكد من عدم مخالفة سياسات العمل في شركاتهم الأساسية.
ويصف كُتَّاب المقالة أيضاً مزايا العمل الإضافي على النحو التالي: يسمح العمل الإضافي للعاملين بجني فوائد العمل المستقل مع الحفاظ على الاستقرار الذي توفره الوظائف التقليدية، وبالتالي تجنُّب أهم عيوب الاعتماد التام على العمل المستقل. كما أنه يوفر عنصر التمكين الإداري لأنه يتيح للعاملين الشعور بالقدرة على صياغة مساراتهم المهنية وتحديد سياقها. ولكن كُتَّاب المقالة يرون أن الإفراط في العمل الإضافي قد تكون له عيوب خطِرة، مثلما هو الحال مع أي شيء آخر. ويُعد التأكد من عدم إصابتك بالاحتراق الوظيفي أو تراجع مستوى أدائك في وظيفتك الأساسية أمراً محورياً لجني فوائد العمل الإضافي.
ومع ظهور تكنولوجيا منصات التواصل الاجتماعي وزيادة الإقبال على توظيف العاملين المستقلين الذين يعملون لحسابهم الخاص والموظّفين بعقود مؤقتة والعاملين بنظام العمل الحر، بات الالتحاق بعمل إضافي أسهل من أي وقت مضى لتحقيق الدخل بجانب الوظيفة الأساسية. إذ يدير ما يقرب من 44 مليون عامل أميركي حالياً مجموعة متنوعة من الأعمال الإضافية في مجالات تتراوح بين العمل لدى شركات النقل التشاركي أو تأجير المنازل أو بيع المصنوعات اليدوية عبر الإنترنت.
ويرجع أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع معدلات الإقبال على الأعمال الإضافية إلى سهولة الالتحاق بها. على سبيل المثال، إذا أردتَ الحصول على أموال مقابل إكمال استقصاء إلكتروني على منصة أمازون ميكانيكال تورك (Amazon Mechanical Turk)، فما عليك إلا أن تقدّم طلباً يستغرق ملؤه دقيقتين فقط، ثم تنتظر مدة قصيرة ريثما تتم الموافقة عليه. وإذا أردتَ أن تصبح سائقاً يوصّل الركاب عبر تطبيق ليفت (Lyft)، فما عليك إلا امتلاك رخصة قيادة سارية وسيارة لائقة وشهادة بحسن السير والسلوك وتنزيل تطبيق إلكتروني بسيط. حتى إذا أردتَ الالتحاق بأعمال إضافية أكثر تخصصاً، مثل تصميم الغرافيك أو تطوير المواقع الإلكترونية بنظام العمل الحر، فيمكنك أن تبدأ مزاولة العمل في غضون يوم أو يومين على الأكثر من خلال إنشاء ملف تعريفي على منصة أب وورك (Upwork) أو غيرها من المنصات.
لكن إدارة عمل إضافي أمرٌ لا يخلو من المضاعفات. وقد شرعنا مؤخراً في محاولة فهم فوائد وتحديات الموازنة بين العمل اليومي الأساسي والعمل الإضافي. ولتحقيق هذه الغاية أجرينا سلسلة من الدراسات شملت أكثر من 1,000 فرد يشغلون مجموعة متنوعة من الوظائف الأساسية والأعمال الإضافية، مثل منسّق الموارد البشرية الذي يصنع المجوهرات ويبيعها ومحلل البيانات الذي يوصّل الطعام عبر تطبيق بوستميتس والممرضة التي تكمل الاستقصاءات عبر الإنترنت ومصمّم الغرافيك الذي يمتهن الكتابة بنظام العمل الحر. وكان المشاركون يمارسون الأعمال الإضافية بمتوسط 13 ساعة في الأسبوع موزعةً على 4 أيام، وكان متوسط الدخل السنوي من العمل الإضافي نحو 5,000 دولار، وكان نصف المشاركين تقريباً لديهم أكثر من عمل إضافي.
ومن الملاحظ أن العاملين الذين يعتمدون على العمل المستقل وحده لكسب قوت يومهم يعانون الشعور بانعدام الأمن الوظيفي ويجدون صعوبة في العثور على الهوية، ولكن الكثيرين منهم أيضاً يجدون أن بإمكانهم ربط مزايا العمل المستقل بالاستقرار الذي توفره الوظيفة الأساسية. وقد وجدنا بشكل أكثر تحديداً أن الأعمال الإضافية تمكّن الأفراد من الشعور بمسؤوليتهم عن حياتهم العملية، ما يؤدى إلى الاستفادة من الاستثمار العاطفي والمعرفي في العمل الإضافي. حتى إن العاملين عبّروا عن مشاعرهم الإيجابية المرتبطة بهذه التجربة التي انعكست على وظائفهم الأساسية، ما أدى إلى تحسين أدائهم المهني فيها. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأعمال الإضافية قد تؤدي في بعض المواقف إلى تشتيت تركيزهم في أعمالهم الأساسية. ويميط بحثنا اللثام عن الكثير من الطرق التي يمكن من خلالها للعاملين في وظائف أساسية شق طريقهم في عالم الأعمال الإضافية واختيار أحدها، والنمو فيه وتحقيق التوازن بينه وبين العمل الأساسي إلى جانب المتطلبات الأخرى.
اختيار عملك الإضافي
لحسن الحظ، يتوافر الكثير من الخيارات أمام أولئك الذين يشتغلون بعمل إضافي. وعلى الرغم من أن مقدار الدخل الذي يمكن للمرء أن يكسبه من العمل الإضافي يمثّل بالتأكيد عنصراً رئيسياً يجب أخذه في الاعتبار، فقد وجدنا أيضاً أن ميزات العمل وحوافز الالتحاق به ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى شعور العاملين بالتمكين والاندماج في أعمالهم الإضافية.
ميزات العمل
هناك 5 ميزات رئيسية تزيد من إثراء العمل الإضافي. أولاً: تقدّم الأعمال الإضافية تجارب أكثر ثراءً، وذلك من خلال توفير عنصر الاستقلالية عبر منح العاملين الاستقلالية والحرية لتحديد جدول مواعيد عملهم واتخاذ القرارات واختيار كيفية إنجاز العمل. وبالمثل، فإن الأعمال الإضافية التي تتيح للفرد القدرة على رؤية مهماته بصورة شاملة من البداية إلى النهاية غالباً ما تقدّم تجارب أفضل. ولحسن الحظ، فإن الأعمال الإضافية تعكس هذه الاستقلالية وتتيح إمكانية أداء مهمات منفصلة في أغلب الأحيان نظراً لطبيعة العمل المستقل. وبالتالي، فإن العثور على عمل إضافي بهذه الميزات أمرٌ سهلٌ نسبياً بكل تأكيد.
وهناك 3 ميزات رئيسية أخرى يجب مراعاتها عند اختيار العمل الإضافي، وهي الأعمال الإضافية التي توفر تقييمات لمستوى الأداء والشعور بالمغزى وتنوع المهارات. وبالنسبة لتقييمات مستوى الأداء، فإن العثور على عمل إضافي يوفر معلومات مباشرة وواضحة حول مستوى أداء الفرد يسهم في تحسين تجربة العمل. ولك أن تنظر مثلاً إلى التقييمات الفورية المقدمة إلى السائقين في شركتيّ ليفت وأوبر من خلال تقييمات الرُّكاب وإكرامياتهم المضافة إلى الأجرة. في المقابل، قد يؤدي الالتحاق بعمل إضافي لتمشية الكلاب عبر تطبيق روفر (Rover) إلى تقديم تقييمات غير فورية وأقل وضوحاً حول مستوى أداء الفرد، وبالتالي سيكون العمل في هذا المجال أقل إثراءً.
ويجب أن يؤدي العثور على عمل إضافي يمكن اعتباره عملاً ذا مغزى (أي مؤثر بشكل مباشر في حياة الآخرين الشخصية أو العملية) إلى زيادة إثراء حياة المرء في العمل. على سبيل المثال، عند بيع البضائع عبر الإنترنت، لن يشعر المشتغلون بالعمل الإضافي على الأرجح بمغزى المهمة التي يؤدونها، في حين أن مجالسة الأطفال كعمل إضافي عبر تطبيق أربن سيتر (Urbansitter) سيسهم على الأرجح في زيادة التصور السائد بأهمية العمل الإضافي. وأخيراً، يجب أن يؤدي العثور على عمل إضافي يتضمن مجموعة متنوعة من المهارات إلى تحسين التجربة. قد تكون هذه المهارات مملوكة فعلياً للمشتغل بالعمل الإضافي، أو قد تكون مهارات يريد تطويرها وتنميتها، وهذا أفضل حالاً بكل تأكيد. على سبيل المثال، هناك فارق شاسع بين تنوع وسعة المهارات التي يمكن للمرء استغلالها أو تطويرها من خلال أداء مجموعة متنوعة من الوظائف على منصة تاسك رابيت (TaskRabbit) مقارنةً بالمهارة الوحيدة المتمثلة في قيادة السيارة من خلال المنصات التي تقدّم خدمة النقل التشاركي. خلاصة القول: يجب العثور على عمل إضافي يوفر الاستقلالية ويتيح إمكانية أداء مهمات منفصلة والحصول على تقييمات لمستوى الأداء والشعور بالمغزى وتنوع المهارات، لأن ذلك سيؤدي إلى تجارب أكثر إثراءً ويسهم في تسهيل التمكين الإداري والشعور بالارتباط بالنشاط المعني.
دوافع السعي للحصول على عمل إضافي
تتنوّع الأسباب التي تدفع العاملين إلى السعي للحصول على عمل إضافي، وقد وجدنا أن الدوافع وراء السعي للحصول على عمل إضافي زادت من فرص شعور العاملين بالتمكين الإداري والارتباط بعملهم الإضافي. ويتمثّل الحافز الرئيسي لسعي الكثير من العاملين للالتحاق بعمل إضافي في محاولة تحقيق مصالح عملية، مثل تحسين الدخل والشعور بالأمن الوظيفي. ووجدنا أن 45% من الأفراد قالوا إن حافزهم الرئيسي للاشتغال بعمل إضافي هو تحسين الدخل وتعزيز المكانة الاجتماعية.
وقد اشتغل أفراد آخرون بأعمال إضافية لأسباب مختلفة. على سبيل المثال، قال 34% من الأفراد إن حافزهم الرئيسي للاشتغال بعمل إضافي هو الرغبة في التنوع والشعور بالاستقلالية. على سبيل المثال، قد يسعى الصرّاف (الكاشير) إلى تحقيق التنوع في مكان آخر من خلال أداء وظائف أخرى على منصة تاسك رابيت، أو قد يسعى المحاسب إلى تحقيق الاستقلالية كفنان على موقع إتسي (Etsy). وقال 7% من الأفراد إن حافزهم الرئيسي للاشتغال بعمل إضافي هو زيادة التفاعلات الاجتماعية وإفادة الآخرين من خلال العمل الإضافي. على سبيل المثال، قد يختار الفرد قيادة سيارته عبر تطبيق ليفت لزيادة التفاعلات الاجتماعية، أو قد يختار التدريس في كلية مجتمعية مساءً لإفادة الآخرين بما يمتلكه من علم ومعرفة. ويبدو أن هذه الحوافز (أي الرغبة في تحسين الدخل وتعزيز المكانة الاجتماعية وتحقيق التنوع والشعور بالاستقلالية والتفاعل الاجتماعي والإيثار) قد شجّعت الأفراد على تشكيل بيئة العمل وسياقها بشكل أكثر فاعلية، ما أدى إلى زيادة الشعور بالارتباط بالعمل الإضافي. وأخيراً، فقد وجدنا أن 14% من الأفراد قالوا إن حافزهم الرئيسي للاشتغال بعمل إضافي هو تعزيز شعورهم بالأمان المالي والسيطرة على حياتهم العملية. على سبيل المثال، قد يلجأ الفرد إلى عرض غرفة خالية في شقته للإيجار على منصة إير بي إن بي (Airbnb) حتى يضمن عدم تأخره في سداد قسط الرهن العقاري.
ويمكن استخلاص معنيين ضمنيين من هذه الحوافز الأربعة للاشتغال بعمل إضافي. أولاً، لا تقتصر حوافز الأعمال الإضافية على تحسين مستوى الدخل فقط. علاوة على ذلك، فإن امتلاك عدد أكبر من حوافز الاشتغال بعمل إضافي، بخلاف جني المزيد من المال، يزيد من رغبة المشتغل بالعمل الإضافي في الشعور بمسؤوليته عن تصميم دوره الوظيفي بالطريقة الملائمة لحوافزه. في المقابل، ستسهم هذه الرغبة في تشكيل بيئة العمل في زيادة شعور الفرد بالتمكين الإداري وارتباطه بالنشاط المعني.
علاوة على ذلك، ستتحسّن تجربة العمل الإضافي عندما تتوافق حوافزه مع طبيعة النشاط المعني. على سبيل المثال، قد يشتغل الشخص الذي يرغب في التفاعل الاجتماعي بعمل إضافي لا يحقق هذه الرغبة، كأن يشتغل مثلاً بعمل إضافي يستلزم إكمال الاستقصاءات عبر الإنترنت، ولكن يمكنه تحقيق رغبته تلك بالعمل نادلاً في مطعم بضع ليالٍ في الأسبوع. وبالتالي، عند اختيار عمل إضافي، يجب مراعاة تحقيق التواؤم بين حوافز الفرد للانخراط في نشاط معين وقدرة العمل الإضافي على تلبية هذه الحوافز.
العمل في مجال مشابه لوظيفتك الأساسية أو في مجال مختلف
هل يجب على شخص يعمل محاسباً بدوام كامل مساعدة عملائه المستقلين في استيفاء الإقرارات الضريبية الفردية إلى جانب وظيفته الأساسية؟ من أهم مزايا الاشتغال بعمل إضافي يؤدي فيه المرء مهمات مماثلة لتلك التي يؤديها في وظيفته الأساسية وجود المهارات التي تسهل كلا الدورين الوظيفيين. قد يسهم هذا التواؤم في جعل إدارة مهمات الدورين الوظيفيين أسهل مقارنة بالتحاق المحاسب بعمل إضافي مختلف، كالعمل مصوراً لحفلات الزفاف مثلاً. لكن بحثنا يشير إلى أن الالتحاق بعمل إضافي مماثل للوظيفة الأساسية قد يحد من الشعور بالابتعاد عن متاعب العمل الأساسي، لأن العمل الإضافي سيكون حينئذٍ مجرد امتداد لتجربة الفرد في وظيفته الأساسية، بدلاً من استغلال هذا الوقت في الفرار المؤقت من متاعب العمل الأساسي. وقد يؤدي تقلُّص الوقت المفترَض استغلاله بعيداً عن الوظيفة الأساسية من خلال الالتحاق بعمل إضافي مشابه للعمل الأساسي إلى الحيلولة دون التعافي من متاعب الوظيفة الأساسية. وبالتالي، سيحتاج المشتغلون بالعمل الإضافي إلى إدارة التوتر الناتج عن العثور على عمل إضافي يعتمد على المهارات الحالية مع إتاحة الفرصة لإضافة التنوع إلى الحياة العملية للفرد والتخلُّص لبعض الوقت من متاعب من العمل الأساسي.
بناء عملك الإضافي
بعد اختيار العمل الإضافي بناءً على ميزاته وحوافز أدائه ومزايا وعيوب أداء مهمات قريبة الشبه بالمهمات التي تؤديها في عملك الأساسي، يجب على العاملين اتخاذ بضعة قرارات رئيسية فيما يتعلق ببناء عملهم الإضافي. وتتمثل هذه القرارات على وجه التحديد في الاعتبارات التي يجب مراعاتها فيما يتعلق بإدارة وتيرة العمل الإضافي والحفاظ على الطبيعة الهامشية للعمل الإضافي والإفصاح عن العمل الإضافي في مقر العمل الأساسي.
تنظيم وتيرة عملك الإضافي
يمكن التحكم بسهولة في بعض أنواع الأعمال الإضافية في البداية. على سبيل المثال، يستطيع العاملون في أي يوم يريدونه إكمال أي عدد يشاؤون من الاستقصاءات عبر الإنترنت أو نقل الركاب لفترة طويلة أو قصيرة من الزمن أو توصيل عدد كبير أو قليل من الطلبات عبر تطبيق أوبر إيتس. ويعتبر تنظيم حجم هذه الأعمال الإضافية وعلاقته النسبية بحجم العمل الأساسي وغيره من المتطلبات الشخصية الأخرى أمراً بسيطاً نسبياً ويمكن إدارته بسهولة، في حين أن بعض الأعمال الإضافية الأخرى تستلزم مزيداً من العناية فيما يتعلق بحجم العمل. فقد يتضمن بعض الأعمال الإضافية توطيد العلاقات مع العملاء وإقرار روتين محدّد (مثل العمل في مجال الدروس الخصوصية أو تمشية الكلاب أو مجالسة الأطفال). ويجدر بالعاملين الذين يؤدون هذه الأعمال الإضافية أن يبذلوا ما في وسعهم لبناء "سجل العملاء" بمرور الوقت حتى لا يضطروا إلى تحميل أنفسهم ما لا يطيقون في أثناء البحث عن عمل مستدام وتجنب التعامل مع عملاء صعبي المراس على المدى البعيد. وأخيراً، قد تستلزم الأعمال الإضافية الأخرى تحقيق منجزات كبيرة، كما هي الحال مع الرسم أو تصميم المواقع الإلكترونية بنظام العمل الحر. ويأتي مثل هذه المشاريع مصحوباً في كثير من الأحيان بمواعيد نهائية صارمة قد تكون مضغوطة أو غير منطقية بالمرة. وقد يؤدي هذا التقلُّب الشديد في حجم العمل إلى تحميل العاملين أعباء أشد وطأة لدى محاولتهم تنظيم وتيرة عملهم الإضافي بالتساوي من أسبوع لآخر. ويجدر بالأفراد الذين يجدون صعوبة في وضع خطط دقيقة والالتزام بها أن يبذلوا ما في وسعهم لتجنب مخاطر هذا العمل المستقل.
الحفاظ على الطبيعة الهامشية للعمل الإضافي أو اتخاذه عملاً أساسياً
وافق 17% من المشاركين في عيّنتنا البحثية على رغبتهم في تحويل عملهم الإضافي إلى عمل أساسي يوماً ما. كان هؤلاء المشاركون يشتغلون بأعمال إضافية تتوافق مع اهتماماتهم الشخصية (كالعمل في مجال التصوير باستخدام طائرة من دون طيار والمشغولات الخشبية والكتابة) لكنها لا تدر دخلاً كافياً. وبغض النظر عن كل ذلك، فإن التطلعات البعيدة المدى للعمل الإضافي يمكن أن تساعد على اتخاذ القرارات الماسة باختيار نوعية العمل الإضافي ووتيرته. ويجب على الأفراد الذين يبحثون عن عمل إضافي بغرض تحويله إلى عمل أساسي يوماً ما أن يختاروا عملاً إضافياً أكثر إثارة لاهتماماتهم الشخصية من وظيفتهم الأساسية الحالية ولكنه يبشّر بتحقيق دخل كافٍ يتيح لهم القدرة على إعالة أنفسهم دون مساعدة من أحد. وتتمثل واحدة من أهم مزايا الأعمال الإضافية في أنها تشكل تجربة بديلة لعمل المرء في وظيفة أساسية، بحيث يمكن تطويرها في المستقبل أو إلغاؤها تماماً طالما أن الاستثمار في هذه المحاولات لا يهدد الوظيفة الأساسية للمرء.
إبلاغ مديرك بمسألة العمل الإضافي
تستلزم الأعمال الإضافية أداء العمل خارج نطاق وظيفتك الأساسية، وهو ما يمكن أن يعتبره الكثير من المؤسسات نوعاً من تضارب المصالح أو مخالفاً لاتفاقيات التوظيف، لذا يجب على الأفراد الذين يريدون الالتحاق بعمل إضافي أن يراجعوا سياسات الشركة للتأكد أن الالتحاق بعمل إضافي لا يخالف سياسات شركاتهم.
لكن حتى إذا كان العمل الإضافي لا يمثل انتهاكاً لسياسة الشركة، فقد يتردد الأفراد في الإفصاح عن عملهم الإضافي لزملائهم أو مشرفيهم. وعند اتخاذ قرار بشأن الإفصاح، يجب على العاملين تقييم ثقافة مؤسستهم لفهم ما إذا كانت المؤسسة منفتحة بالفعل على هذه الأنواع من الفرص. فكّر ملياً فيما إذا كنت تعرف موظفين آخرين يشتغلون أيضاً بأعمال إضافية وما إذا كانوا منفتحين على مناقشة عملهم الإضافي في أثناء العمل أم لا. ثمة نقطة أخرى لا بد من مراعاتها، ألا وهي علاقتك مع مشرفك، هل تثق به؟ وهل يثق بك؟ وهل تخاطر بتدمير هذه الثقة إذا لم تفصح عن عملك الإضافي؟
وبمجرد أن تقرر إبلاغ مشرفك، فإن أهم العناصر التي يجدر بك تسليط الضوء عليها عند إبلاغ مشرفك تتضمن كيفية استفادتك أنت وعملك الأساسي من العمل الإضافي وكيف ستعمل على تقليل الإلهاءات. ويتضمن بعض الفوائد التي يجب إبرازها لمشرفك كافة المهارات التي ستعمل على اكتسابها أو صقلها في العمل الإضافي وستحاول تطبيقها في عملك الأساسي. على سبيل المثال، ناقشت إحدى المشاركات في عيّنتنا البحثية كيف ساعدها التعامل مع العملاء في عملها الاستشاري الإضافي على تحسين مهاراتها في وظيفتها الأساسية كمندوبة مبيعات. وتشمل المزايا الأخرى التي يجب تسليط الضوء عليها كافة الأنشطة التي تتيحها لك الأعمال الإضافية التي قد لا تستطيع الحصول عليها في العمل الأساسي، ولكنها تجعلك بشكل عام أكثر رضا عن حياتك الشخصية والعملية. على سبيل المثال، ناقشت امرأة أخرى ضمن عيّنتنا البحثية تشغل وظيفة أساسية بقسم الموارد البشرية في شركة كبرى مدرجة على قائمة "فورتشن 100" كيف أن صنع مجوهرات جميلة وبيعها عبر الإنترنت سمح لها بالتعبير عن قدراتها الإبداعية بطرق لم تكن متاحة لها من قبل في عملها الأساسي، ما أدى إلى زيادة شعورها بالرضا عن حياتها العملية والشخصية. وأخيراً، فقد توصّلت نتائج بحثنا إلى وجود أثر إيجابي شامل للأعمال الإضافية على مستويات الأداء في العمل الأساسي.
قد يشعر مشرفك بالقلق خشية أن يؤدي العمل الإضافي إلى صرف انتباهك عن العمل الأساسي. لكننا وجدنا في عيّنتنا البحثية أن عدداً قليلاً جداً من العاملين ينشغلون بعملهم الإضافي خلال دوام العمل الرسمي بالشركة، لذا أكد لمشرفك أنك لن تقع في هذا الخطأ. وبالمثل، يجب أن تعده أيضاً بأنك لن تستخدم موارد الشركة، مثل أجهزة الكمبيوتر أو اللوازم المكتبية، لإنجاز عملك الإضافي.
يمكن أيضاً تقليل الإلهاءات الناشئة عن الأعمال الإضافية من خلال التأكيد على قدرتك على إنجاز عملك الأساسي أو تحقيق أهدافك. على سبيل المثال، لن يتشتت انتباهك على الأرجح بسبب اشتغالك بعمل إضافي على موقع إتسي إذا كان بإمكانك إنجاز الطلب الذي تؤديه للعميل خلال عطلة نهاية الأسبوع، بدلاً من توزيعه على عدة أمسيات من أيام الأسبوع. وبالمثل، بدلاً من تقسيم وقتك في قيادة سيارتك لنقل الركاب عبر تطبيق أوبر قبل العمل وبعده، يجدر بك التفكير في قيادتها حينما يتوافر لك أكبر قدر ممكن من وقت الفراغ لتحقيق هدفك اليومي من حيث الأجرة أو التفكير في تحديد هدف صباحي ومسائي للأجرة.
الموازنة بين العمل الأساسي والعمل الإضافي
على الرغم من وجود الكثير من الفوائد للأعمال الإضافية، فهناك بعض المزالق التي يجب التأكد من عدم الوقوع في مصيدتها:
إدارة طاقتك
كانت أمسيات أيام الأسبوع هي الأكثر الأوقات شيوعاً في مزاولة أفراد العينة البحثية للأعمال الإضافية. وعلى الرغم من أنه قد يكون من المغري أن تنزلق مباشرة من عملك الأساسي إلى عملك الإضافي، أو تضييع كل أمسيات الأسبوع أو كل عطلات نهاية الأسبوع في أداء مهمات عملك الإضافي، فيجب أن تجد وقتاً للفصل بين عملك الأساسي وعملك الإضافي. وقد أقدم المشاركون في دراستنا على أداء مهمات أعمالهم الإضافية بمعدل 4 أيام في الأسبوع، لذا فإن قصر عملك الإضافي على أيام معينة من الأسبوع يمثّل خطوة جيدة على طريق إدارة طاقتك. ويجب على المشتغلين بالعمل الإضافي أيضاً التفكير في الفصل لبعض الوقت بين العمل الأساسي والأعمال الإضافية بدلاً من بدء مزاولة مهمات الأعمال الإضافية بعد العمل مباشرة.
وبالمثل، فإن أخذ فترات راحة صغيرة، ولو لأقل من 10 دقائق في أثناء العمل الأساسي أو في أثناء العمل الإضافي، سيفيدك أيضاً في إدارة طاقتك. وعلى الرغم من أنه قد يكون من المغري استغلال فترات الراحة في تصفح الإنترنت أو إرسال رسائل البريد الإلكتروني أو أداء المهمات المؤجلة، فإن أفضل فترات الراحة هي تلك التي تسمح لك بالانفصال التام عن أجواء العمل. فكّر ملياً في تخصيص بعض الوقت للتركيز على المغزى أو الشعور بالسعادة الذي تستمده من عملك الأساسي أو عملك الإضافي. خصّص بعض الوقت لإظهار الامتنان تجاه الآخرين أو مساعدة أحد زملاء العمل. وخصّص بعض الوقت للتأمل والاسترخاء.
استفد من الموارد الإيجابية للعمل الإضافي
على الرغم من صعوبة التوفيق بين العمل الأساسي والعمل الإضافي في بعض الأحيان، فقد وجدنا أيضاً أن الأفراد تمكنوا من الاستفادة من الموارد الإيجابية الناتجة عن الأعمال الإضافية. وبعد التحاقهم بالعمل الإضافي، أفاد الكثير من المشاركين في دراستنا أنهم شعروا بالحماس والإلهام والإثارة في اليوم التالي لدى وصولهم إلى عملهم الأساسي. ومن المثير للاهتمام أننا قد وجدنا أيضاً أن الأعمال الإضافية أسهمت في التغلب على المشاعر السلبية التي يمر بها الأفراد في العمل الأساسي. وهذا يعني أنه إذا شعر الأفراد بالضيق أو التوتر أو الانزعاج في عملهم الأساسي، فبإمكانهم الانخراط في عمل إضافي واستغلاله كمصدر لزيادة جرعة المشاعر الإيجابية من خلال المساعدة على التخلُّص من المشاعر السلبية.
خلاصة القول: نحن نؤيد الأعمال الإضافية، فهي تسمح للعاملين بجني فوائد العمل المستقل مع الحفاظ على الاستقرار الذي توفره الوظائف التقليدية، وبالتالي تجنُّب أهم عيوب الاعتماد التام على العمل المستقل. كما أنه يوفر عنصر التمكين الإداري لأنه يتيح للعاملين الشعور بالقدرة على صياغة مساراتهم المهنية وتحديد سياقها. ولكن مثلما هو الحال مع الكثير من الأشياء في الحياة، فإن الإفراط في العمل الإضافي قد تكون له عيوب خطِرة، ويكمن الحل في تحقيق التوازن.