غالباً ما أشعر بالغرابة والارتباك عندما أذهب إلى حضور مؤتمر ما، وأتردد في المشي إلى جانب شخص غريب وتقديم نفسي إليه. وكما كنت أفعل في حفلات الجامعة، أبدأ بالتجول في المكان وبيدي كوب ماء ويكبّلني الخجل فلا أتمكن من الانسجام. لأنني أشعر دوماً بالوحدة والضيق حينما أكون وسط جموع كبيرة من الناس الذين يتبادلون الأحاديث بحماس.
ولكنني عندما وصلت إلى مدينة أوستن في ولاية تكساس قادماً من نيويورك تحمست لحضور مؤتمر الموسيقى والأفلام والتحاور الذي يطلق عليه اسم "ساوث باي ساوث ويست" (South By Southwest)، ويشار إليه برمز (SXSW)، حيث كنت سألقي كلمة في حلقة نقاش. وبما أن الجميع تحدثوا عن مدى ضخامة هذا المؤتمر وروعته، قررت الذهاب لاستكشافه قبل يوم من انعقاده.
ولكن الأمور لم تسرِ كما كنت أتمنى، فلم أصل إلا عند موعد جلسة النقاش التي كنت مشاركاً فيها، ثم حضرت بعدها جلسة لتوقيع لكتابي لمدة 18 دقيقة، ثم وجدت نفسي داخل المؤتمر، حيث حضرت حفلة تابعة له ووقفت في مكاني خجلاً ومحرجاً ومتردداً في التواصل مع الآخرين ومقابلتهم.
شعرت بالغضب من نفسي. ما مشكلتي؟ وعندما كنت على وشك المغادرة خطر لي سؤال: "لماذا لا أغتنم هذه الفرصة لاستكشاف مشاعر الضيق لديّ عوضاً عن انتقاد نفسي؟". لذا، بقيت واقفاً في مكاني وأخذت أتعرّف على الإحساس بالغرابة والارتباك.
كان ذلك محرجاً، ولكن سرعان ما أدركت أمراً أكثر عمقاً من شعوري بالخجل وأشد تدميراً منه، فبمجرد انتهائي من جلسة النقاش، شعرت بأنه لم يعد لدي أي هدف أو دور في المؤتمر. أدركت أنني لم أكن أنجز شيئاً ولم أكن أعلم من أنا بالضبط. لقد عانيت من أزمة هوية ناتجة عن المؤتمر.
ويمكنني القول إن هويتي ملاصقة لهوية الدور الذي أمارسه بدرجة خطِرة. فأنا كاتب ومتحدث ومستشار وأب وزوج ومتزلج. ولكن من أكون عندما لا أمارس أياً من هذه الأدوار؟ من أنا من دون إنجازات، سواء أكانت قديمة أم حالية أم مستقبلية؟ أكون أنا فقط. وتبين أن ذلك أمر مشوّش.
لا أعتقد أنني الوحيد الذي يعاني من ذلك. وهذا يفسر سبب تعريف أنفسنا بمناصبنا ومراكزنا وعلاقاتنا بالآخرين فور التقائنا بأشخاص جدد. فنحن نعتقد أننا نفعل ذلك لأن هذه المعلومات ضرورية حتى يتمكن الآخرون من التعرف علينا.
ولكن الوقوف وحدي في تلك الحفلة جعلني أُدرك أنني كنت أخادع نفسي. فالآخرين ليسوا بحاجة إلى تلك المعلومات لمعرفتي، بل كنت أنا من يحتاج إليها لمعرفة نفسي.
بمجرد أن أدركت سبب شعوري بالضيق، تمكنت من مقاومة الرغبة في إعطاء اسم أو إخبار الآخرين أنني ألقيت كلمة منذ قليل أو أنني ألفت كتاباً أو أي شيء آخر لتحديد دور ملموس لنفسي يجعلني أبدو جيدأ ويشعرني بالرضا.
وعوضاً عن ذلك، ركزت انتباهي على شعوري وأنا مجرّد من أي هوية عدا عن حضوري الشخصي. عندها، لاحظت رغبتي بأن يراني الناس وشعوري بالخوف. ولكنني لاحظت أيضاً شعوري بالقوة والثقة بملاحظاتي وبنفسي، فبدأت أهدأ، وبمجرد أن هدأت اختفى ذلك الخوف.
ثم، حصل أمر مضحك. لقد بدأ الناس بالاقتراب مني. اقتربت مني امرأة فجأة، وقدمت نفسها وبدأنا بالتحدث، ثم أشارت إلى زميل لها ليأتي وينضم إلينا. لم يعرفا من أنا ولم يريدا أي شيء مني ولم أكن أريد منهما شيئاً. كنا مجرد ثلاثة أشخاص يتحادثون. وما إن افترقنا حتى أتى رجل آخر، ومرة أخرى عرّفت عن نفسي باسمي فقط وليس بمنصبي. ومرة أخرى تمتّعنا بمحادثة رائعة وتواصل إنساني لطيف.
لم أخبر أحداً أنني كاتب أو أنني أدير شركة استشارية ولم أقدّم أي معلومة عن منصبي. بل قابلت الناس على أنني بيتر كما قابلوني هم بشخصياتهم المجردة.
لقد احتجت للاعتياد على الأمر قليلاً، خصوصاً في المؤتمرات التي نعرّف عن أنفسنا فيها بمناصبنا، ونجد الناس يتحدث بعضهم إلى بعض وهم يلتفتون حولهم بحثاً عمّن يفيدهم التحدث إليه أكثر. ولكنك ترتكب خطأ عندما تشرع بالتكلم عن خطة شركتك في بداية تعرفك إلى شخص جديد، حتى وإن كان ذلك ضمن مؤتمر يهدف إلى تسويق هذه الخطة. فالناس يهتمون بك أولاً، ثم بخطتك.
ولذلك، من الجيد أن نتخلى عن ألقابنا ومناصبنا في بداية التعارف على الأقل، حتى لو كنا في مؤتمر، وحتى إذا كنا نريد شيئاً من الآخرين.
سيثق الناس بك إذا وثقت أنت بنفسك. ولكي تثق بنفسك يجب أن تكشف الستارة عنها. يجب أن تُظهر شخصيتك وتتحرر من الألقاب والمناصب. وعندما تسمح للآخرين برؤيتك على حقيقتك وبروعتك وضعفك، سيثقون بك لأنهم عرفوا من أنت.
إذاً، كيف ستتمكن من الانخراط في محادثة مع الآخرين، في مؤتمر لا تعرف فيه أحداً، دون التعريف بمنصبك؟ ليس ذلك بالأمر السهل لأنك ستسير عكس التيار. ولكن عن طريق طرح أسئلة مفتوحة ومحاولة بناء علاقات شخصية، ستتمكن من معرفة المزيد عن زملائك في المؤتمر وسيعرفون المزيد عنك. فالمؤتمر ليس إلا مجموعة من البشر يصادفون بشراً آخرين ويودّ معظمهم أن يرى الآخرون حقيقتهم فحسب وليس مناصبهم التي يمثلونها. ويمكننا أن نحقق ذلك لبعضنا البعض.
ربما يشعرنا ذلك بالغرابة في البداية ولكنني أعتقد أنه أفضل فرصة لنا لخوض تجربة غنية في موقف ما يجعلنا نشعر بالسطحية. وذلك مفيد لنا بكل تأكيد وقد يكون مفيداً لأعمالنا أيضاً.