سؤال هذا الأسبوع لبرنامج "سل المدرب" حول موضوع تحضير الشركة لمواجهة الأزمات المفاجئة:
تجد شركات كثيرة نفسها اليوم في حالة أزمة لدرجة أن هذه الحالة باتت هي السائدة. هل هناك أي غاية أو عبرة فيما نختبره؟
لصديقي الدكتور يان ميتروف (Ian Mitroff)، الكاتب والأستاذ المعروف، وجهة نظر غريبة ومثيرة للاهتمام من شأنها أن تقدم إجابة جديدة عن هذا السؤال لم تخطر في بالنا. إنه يبحث ويعمل في مجالَي هدف المؤسسات وروحانيتها. ولقد طلبت من يان الإجابة عن هذا السؤال، وكان جوابه التالي:
"هنالك تحديان يواجهان جميع المؤسسات اليوم: إدارة الأزمات، والروحانية. وفيما قد يبدوان في الظاهر منفصلين، إلا أنهما يمثلان وجهين لعملة واحدة معقدة جداً".
باختصار، يتمثل تحدي إدارةالأزمات في تجاوز اللامبالاة والغرور والإنكار، بينما يتمثل تحدي الروحانية في تجاوز التصور المغلوط أنها محظورة ولا تناسب غالبية المؤسسات.
اقرأ أيضاً: كيف تتواصل بطريقة صحيحة خلال الأزمات؟
لقد درسنا، زملائي وأنا، سلوكيات إدارة الأزمات في مختلف أنواع المؤسسات طيلة 25 سنة. وكنت أتمنى القول: "إن تلك السلوكيات قد تطورت تطوراً ملحوظاً خلال تلك المدة الزمنية الطويلة، لكن هيهات. صحيح أن مؤسسات كثيرة قد أحرزت تقدماً مهماً في موضوع خطط وإجراءات وتحضيرات الاستمرارية في تصريف الأعمال، لكن الاستمرارية في تصريف الأعمال أمر مختلف عن إدارة الأزمات".
ولا شك أن للاستمرارية في تصريف الأعمال أهمية كبرى بالنسبة لدعم ومساندة أماكن العمل والمنشآت والحواسب والآليات والعمليات، لكنها لا تحضّر الشركة للتعامل مع حوادث العنف في مكان العمل، واستياء الموظفين، والانتهاكات الأخلاقية التي يقترفها مدراء الصفوف العليا والمتوسطة. ولا تأخذ الاستمرارية في تصريف الأعمال بالحسبان حقيقة أن ما من أزمة مفردة سبق لنا أن درسناها كانت أزمة معزولة عما حولها ومستقلة بذاتها.
كل أزمة هي في الوقت نفسه أخلاقية وقانونية وذات صلة بالعلاقات العامة والاتصالات والعمليات. ولذلك لا يمكن للمرء أن يكون جاهزاً للتعامل مع الأزمات الكبرى ما لم يخطط ويفكر بشكل منهجي وشامل ويربط النقاط ببعضها.
وفي ضوء شدة وتواتر الأزمات الكبرى التي تحدث في كل زمان ومكان، ما الذي يمنعنا من التحضير لها بشكل أفضل؟ إنه الإنكار! فكثيرة جداً هي المؤسسات التي تنطلق من أن الأزمات لا يمكن أن تصيبها ولن تصيبها. لكن الحقيقة هي أنه ما من مؤسسة معصومة من الوقوع في الأزمات.
تُظهر الأبحاث، أن المؤسسات التي تحضر نفسها بشكل أفضل لمواجهة الأزمات تكون أكثر ربحاً وتواجه عدداً من الأزمات أقل بوضوح من سواها. والعبرة هي أن إدارة الأزمات ليست فقط واجباً يتعين على الشركات تأديته، بل هي فوق ذلك إجراء مفيد لنجاح الأعمال وتحقيق الأرباح أيضاً.
اقرأ أيضاً: كيف تتصرف إذا كنت مستثمراً في بلد وحدثت فيه أزمة سياسية؟
وماذا عن الروحانية؟ ما هو وضعها؟ للأسف، ليس أفضل بكثير.
أولاً، الروحانية في مكان العمل ليست هي التديّن، أو إجبار الجميع على الإيمان بنفس نظام المعتقدات. إنها إدراك أن الناس عندما يأتون إلى مكان العمل، لا يتركون جانبهم الروحاني في البيت. وفي حين أننا "ندخل من الباب كل يوم كأشخاص كاملين لنا جوانب متعددة"، إلا أننا كثيراً ما نُجبر على تقسيم ذواتنا إلى ألف قطعة منفصلة ومعزولة.
يبحث الناس في حياتهم عن المعنى والهدف، ويريدون العثور عليهما في المكان الذي يقضون فيه الجزء الأكبر من وقتهم، وهو مكان العمل. إنهم يرغبون في العمل لصالح مؤسسة جيدة تلتزم الأخلاق الحميدة وتعاملهم باحترام.
تظهر الأبحاث أن المؤسسات التي تعلمت كيف تلبي الحاجات الروحية لموظفيها وجميع شركائها، هي أكثر ربحية وإنتاجية من سواها؛ ولا يقل عن الربحية والإنتاجية أهمية أن تلك المؤسسات هي أمكنة توفر السعادة للعاملين فيها أكثر من سواها.
وكيف يرتبط هذان التحديان مع بعضهما البعض؟
كل أزمة هي أزمة روحية، لأنها تطرح أسئلة عميقة حول مدى صلاح المؤسسة والأشخاص الذين يعملون فيها. إنها تتحدى المسلّمات الراسخة في أعماقنا حول غاية المؤسسة وموقعنا فيها وتطرح علينا أسئلة مصيرية مثل: هل كان لنا علاقة في نشوء الأزمة وهل نتحمل المسؤولية بأي شكل من الأشكال؟ وهل نحن من استدعيناها وفرضناها على أنفسنا؟ وهل كانت لتحدث لو كنا اجتهدنا أكثر وامتلكنا برامج عمل أفضل؟
اقرأ أيضاً: كيف أثبتت أزمة فيروس كورونا أننا بحاجة إلى سلاسل توريد أكثر مرونة؟
لا شك أننا نمر بأوقات صعبة وعصيبة، ويجب معرفة كيفية تحضير الشركة لمواجهة الأزمات. إذ إننا نواجه أزمات غير مسبوقة أيضاً. لكنني أعتقد أننا عندما نستغل هذه الأوقات في تطوير مؤسساتنا وتوجيهها نحو خدمة مجتمعاتنا وتلبية "الحاجات الأسمى" لجميع الجهات والأفراد المرتبطين بنا، فإننا لن ننجو من الأزمات فقط بل سنغدو أقوى وأفضل، وإن لم نفعل، فسنبقى نتعثر ونترنح من أزمة إلى أخرى دائماً.
شكراً لك يا يان.
اقرأ أيضاً: قيادة الأزمة وليس إدارتها