كيف تحدّد أولويات مشاريع شركتك

4 دقائق

تحتاج كل مؤسسة إلى ما أسميه "تدرّج الغاية"، والتي من شبه المستحيل دونها تحديد الأولويات بفعالية.

على سبيل المثال، في بداية انضمامي إلى بنك "بي إن بي باريبا فورتيس" (BNP Paribas Fortis)، كان هناك مصرفان يافعان وأكثر ديناميكية تمكنا من التفوق علينا. مع أننا كنا قادة لسوقنا لسنوات عديدة، كانت منتجاتنا الجديدة تُطَلق بعد منافسينا بعدة شهور، وتضاعف وقت وصول منتجاتنا إلى السوق خلال السنوات الثلاث الماضية. وراء هذه المشكلة كانت هناك مشكلة أخرى أعمق: كان لدينا أكثر من 100 مشروع ضخم (تتجاوز قيمة كل مشروع 50 ألف يورو). لم يكن لدى أحد فكرة واضحة عن حالة هذه الاستثمارات ولا حتى الفوائد المتوقعة منها. على الرغم من أن البنك كان يستخدم أداة لإدارة المشاريع، فإن غياب الانضباط في تحديثها بالمعلومات جعلها عديمة الفائدة. كانت الاستطاعة وليس الاستراتيجية، هي ما يحدد أي المشاريع سيتم إطلاقها ومتى. فإذا توفرت الموارد للمشروع جرى إطلاقه، وإلا كان يجري تعليقه أو إلغاؤه.

تحديد الأولويات على المستوى الاستراتيجي والتشغيلي هو ما يخلق الفارق عادة بين النجاح والفشل. لكن كثيراً من المنظمات لا تفعله جيداً.

إليك مثال واقعي آخر، يتعلق بشركة تقدم خدمات توصيل الطرود للعملاء بالبريد. كانت الشركة، مثل شركات الخدمات البريدية الأخرى، تكافح للبقاء في عصر يشهد تنافساً متزايداً وبدائل رقمية عديدة. جمع كبار القادة الموظفين في سلسلة من المؤتمرات، خاطبهم فيها الرئيس التنفيذي وطلب منهم التركيز على أولويتين في العمليات: الكفاءة (تقليص وقت التوصيل) ورضا العملاء (ضمان حصول العملاء على تجربة جيدة).

سمر، إحدى الموظفات، وصلتها رسالة الشركة. وعملت بمقتضاها جيداً إلى يوم التقت فيه رجلاً مُسناً في أثناء إيصالها أحد الطرود، دعاها الرجل للدخول والتحدث لبعض الوقت. كانت ردة فعلها الطبيعية التوقف للتحدث قليلاً مع الرجل. سيكون ذلك بلا شك أمراً لطيفاً منها وسيزيد من رضا العميل. لكنها توقفت فجأة. ماذا عن الكفاءة؟ سيتأثر وقت التوصيل إن هي أمضت بضع دقائق في التحدث إلى عميلها. ماذا تفعل؟ كان ذلك خياراً يواجهه آلاف الموظفين في الشركة يومياً.

هذه معضلة تقليدية. لقد اعتقد أعضاء الإدارة العليا في شركة البريد أنهم أبلغوا بوضوح عن أولويات الشركة، لكن ما فعلوه في الواقع هو خلق معضلات تشغيلية ناتجة عن الارتباك الاستراتيجي.

قارن هذا مع شركات أخرى ناجحة. شركة الطيران الأوروبية منخفضة التكلفة "راين إير" (Ryanair)، على سبيل المثال، لديها وضوح لا تشوبه شائبة في أنه لا زخرفات في عملياتها عندما تكون الكفاءة هي الأولوية التشغيلية – وللكفاءة الأسبقية على خدمة العملاء. يعرف من يعملون في "راين إير" هذه الأولوية، ويعرفون كيفية تقسيم وقتهم في العمل على هذا الأساس.

يزيد تحديد الأولويات من معدلات نجاح المشاريع الاستراتيجية، ويزيد مواءمة وتركيز فرق الإدارة العليا حول الأهداف الاستراتيجية، ويُزيل الشكوك التي تساور فرق العمليات في أثناء اتخاذ القرارات، والأهم من هذا، أنه يبني عقلية وثقافة تركز على التنفيذ.

بالطبع، هناك أوقات يتخذ فيها القادة قرارات خاطئة ويضعون أولويات خاطئة لأنفسهم. لكن خلال العشرين عاماً التي قضيتها في عملي مديراً تنفيذياً، وجدت أن المشكلة الأكثر شيوعاً هي أن القادة لا يتخذون أي قرارات ولا يوضحون جيداً نيتهم حول الأمور المهمة. أي باختصار، لا أولويات لديهم.

لدى الشركات التي عملت معها – وشركات أخرى طورت إحساساً عالياً بالأولوية مثل "آبل" و"أمازون" و"ليغو" و"إيكيا" و"ويسترن يونيون"- كان عائد تحديد الأولويات كبيراً. وبإمكان الشركات التي تبدأ بتحديد الأولويات الاستفادة من تقليصات مهمة في التكاليف (من تجربتي حوالي 15%) عند إيقاف النشاطات الأقل حيوية ودمج النشاطات المتكررة.

يشير عدد أولويات الشركة أيضاً إلى الكثير من الأمور. من الملاحَظ أنه إن كان الإقبال على المخاطرة عند أعضاء القيادة العليا في الشركة منخفضاً جداً (أو لم يكونوا قادرين أو لا يميلون لاتخاذ قرارات صعبة)، فسيكون لديهم على الأغلب مجموعة سخية من الأولويات: لا يخاطرون بأن يبدو مختلفين عن الآخرين، أو أن تفوتهم فرصة في السوق، أو عدم امتلاك أحدث التقنيات وهكذا. لكنني وجدت من خلال تجربتي أن أنجح التنفيذيين يميلون إلى المخاطرة أكثر وأن يكون لديهم تركيز قوي على عدد محدود من الأولويات. يعرف هؤلاء التنفيذيون ما يهمهم اليوم وغداً حتى إن ترتّب على ذلك منحهم أولوية واحدة فقط. كلما زاد التركيز كان ذلك أفضل.

تدرّج الغاية

لديّ أكثر من 20 سنة من الخبرة في وضع الأولويات واختيار المشاريع وإدارتها. خلال هذا الوقت، ساعدت في تطوير إطار عمل بسيط أسميه "تدرّج الغاية". وهي أداة يمكن لفرق المدراء التنفيذيين استخدامها لمساعدتهم في تحديد أولويات المشاريع والمبادرات الاستراتيجية:

• الغاية. ما هي غاية المنظمة وما الطريقة الأفضل لبلوغها؟ ما الرؤية الاستراتيجية التي تدعم هذه الغاية؟

• الأولويات. بالأخذ بالاعتبار الرؤية والغاية المعلنتين، ما الأمور الأكثر أهمية للمنظمة الآن وفي المستقبل؟ وما هي الأولويات الآن وعلى مدى 2 إلى 5 سنوات القادمة؟

• المشاريع. بالاعتماد على الإجابات عن أول نقطتين، ما المشاريع الأكثر استراتيجية التي يجب دعمها بالموارد إلى أقصى درجة؟ ما المشاريع التي تتواءم مع الغاية والرؤية والأولويات، وما المشاريع التي يجب إيقافها أو إلغاؤها؟

• الأفراد. الآن، وبعد وضوح الأولويات الاستراتيجية والمشاريع الأكثر أهمية، من هم أفضل الأشخاص لتنفيذ هذه المشاريع؟

• الأداء. تقليدياً، ترتبط مؤشرات أداء المشروع بالمدخلات (مثل نطاقه وتكلفته ومدته) التي يسهل كثيراً مقارنتها بالمخرجات (مثل الفوائد والتأثير والأهداف). لكن هذه المخرجات هي ما يهم حقاً ولو أن تعقبها صعب. عليك أن تسأل: ما هي بالضبط الأهداف المرتبطة بالمخرجات التي تقيس الأداء الفعلي والقيمة المنتَجة؟ قلل من انتباهك للمدخلات وركز على المخرجات بدل ذلك.

في أفضل الأحول، يُعزز تحديد الأولويات الحوار الاستراتيجي والمواءمة في أعلى هرم المنظمة ليتم من هناك تعميمها إلى باقي المنظمة. حالما توجّه فريق التنفيذيين لفهم هذا، تصبح الأولويات مدمجة في المنظمة وفي ثقافة الشركة. فكر في أولويات منظمتك. هل جميع نشاطاتك المتنوعة محددة الأولوية بحسب ما تتطلبه مصالح المنظمة بالكامل؟ ما الاستخدام الأفضل للمقدرات التشغيلية والمالية للمنظمة المتوافرة حالياً ومستقبلاً؟ كيف ستتغير أولوياتك لو حدث تقلب اقتصادي طارئ؟

يساعد الإبلاغ الواضح عن هذه الأولويات التنظيمية على مواءمة معظم المشاريع والبرامج مع استراتيجياتها. لكن واقع المنظمة أكثر تعقيداً مما يعتقده كثير من الناس. أحياناً لا تكون الأهداف الاستراتيجية واضحة أو قد لا تكون موجودة أصلاً. كما أن هناك عادة فجوة وافتقار للمواءمة بين الأهداف الاستراتيجية للشركة والأهداف من مختلف وحدات وأقسام ووظائف الشركة.

من المستحيل على أرض الواقع تحقيق الانسجام بين جميع مشاريع الشركة وبرامجها من جهة وأهدافها الاستراتيجية من جهة أخرى. لكن ما يمكن على الأقل إنجازه هو الحرص على أن جميع المشاريع والبرامج المهمة – لنقل على سبيل المثال، أهم 20 منها- متوائمة كلياً مع الأهداف الاستراتيجية.

من خلال تطبيق "تدرّج الغاية"، يتعلم المدراء التنفيذيون أن تغيير الأولويات هو واقع الحياة التنظيمية. بالإضافة إلى هذا، في كل مرة توقف فيها المنظمة أحد الأولويات تصبح المنظمة أكثر تركيزاً. كل أولوية تُلغَى هي فرصة للتعلم وإنجاز المزيد في المرة المقبلة. الأولويات تتغير، ولديها القدرة، إن أديرت جيداً، على تغيير المنظمات جذرياً. لكن فقط إن اتخذت الإدارة العليا قرارات صعبة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي