أخبرني يزن، رئيس قسم المبيعات في شركة خدمات مالية: "بدأ صبري ينفد. لدينا الكثير من الإمكانيات، فالشركة تكبر يوماً بعد يوم، والعمل ممتع، والأرباح ستكون رائعة هذا العام، ومع ذلك فكل ما أسمعه هو الشكوى". فعندما يمر بموظفيه في الردهة ويسألهم كيف تسير الأمور، تكون إجابتهم انتقاد تصرفات العملاء أو التذمر من ضغط العمل.
ثم سألني: "كيف أعالج هذه السلبية التي تسيطر على فريقي؟".
سألته عمّا يفعله الآن حيال ذلك، فأجاب: "في البداية، أخبرتهم عن الفرص الكبيرة المتاحة أمامنا وذكَّرتهم بمهمتنا الأساسية"، وأضاف: "كنت أود تذكيرهم بالهدف الذي نعمل من أجله جميعاً"، ثم أشاح بيديه في الهواء وقال: "أنا مستاء جداً. أريد أن أصفعهم صفعة توقظهم من سلبيتهم".
كان رد يزن طبيعياً جداً وبديهياً، ولكن للأسف، غير مؤثر بالمرة.
في البداية، حاول مواجهة السلبية بالإيجابية. وعندما فشل في ذلك، أصبح هو نفسه سلبياً. وكانت النتيجة في كلتا الحالتين المزيد من السلبية.
وإليكم السبب، لن تُجدي مواجهة السلبية لدى شخص ما بالإيجابية لديك نفعاً بل ستثير المزيد من الجدل، إذ لا يُحب الناس معارضة مشاعرهم وإذا حاولت إقناعهم بضرورة عدم الإحساس بشيء ما، فلن تحصل سوى على العناد وزيادة ذلك الإحساس لديهم. وإذا كنت قائداً وتحاول التصرف بإيجابية، سيصبح الأمر أكثر سوءاً، حيث ستبدو بعيداً في برجك العاجي ولا تشعر بما يحدث مع الآخرين.
أمّا الأسلوب البديهي الآخر، وهو مواجهة السلبية بالسلبية، فلن تجدي نفعاً كذلك لأنها تزيد الطين بلة. فبردة فعلك السلبية على سلبيتهم أنت تسكب الزيت على النار، فالسلبية تشتعل بالسلبية.
إذاً، كيف يمكن التعامل مع السلبية؟
اكتشفت الإجابة عندما ارتكبت غلطة يزن مع زوجتي ريما، عندما كانت تشتكي من الشجار بين أطفالنا. في البداية، حاولت إقناعها أنه أمر طبيعي بين الأطفال وأنّ أطفالنا ليسوا سيئين إلى هذا الحد. وبعد ذلك، أصبت بالإحباط من شكواها وأخبرتها بذلك.
وعندها، ثارت غاضبة، بالطبع. لكن ما فعلته بعد ذلك أفادني حقاً، إذ أخبرتني بما تريده مني.
قالت لي: "لا أريد أن أشعر أنني أعاني من هذا وحدي، أريد رؤية تفهمك لي، أريدك أن تخبرني أنك إلى جانبي. فإذا كنت تشعر بما أشعر به من إحباط، أريد أن أعرف ذلك".
في الحقيقة، إنني أشاركها المشاعر نفسها، ولكن حاولت ألا أكون سلبياً، ما زاد من سلبية الموقف بشكل عام.
بعد حديثي مع ريما، اكتشفت حقيقة مدهشة، إذ ليس عليك أن تغيّر استجابتك، بل عليك إعادة توجيهها بطريقة مختلفة فحسب.
ما فعله يزن مع موظفيه كان التصرف بسلبية ضدهم ("أريد أن أصفعهم صفعة توقظهم من سلبيتهم") والتصرف بإيجابية ضدهم ("أخبرتهم عن الفرص الكبيرة المتاحة أمامنا").
بينما الأفضل والأكثر جدوى في هذه الحالة هو التصرف بسلبية معهم وبإيجابية معهم أيضاً.
وإليكم اقتراحي، وهو عملية مكونة من ثلاث نقاط تساعدك على التعامل مع الشخص السلبي:
- افهم ما يشعر به وسايره
ربما يكون ذلك صعباً لأنها تبدو وكأنك تعمّق المشاعر السلبية لديه. ولكن، هذا ليس حقيقياً، فأنت لا توافقه الرأي أو تبرر له هذه السلبية، بل فقط تظهر له تفهمك لما يشعر به.
- ابحث عن نقطة تتفق معه فيها
ليس عليك أن توافقه الرأي في كل ما يقول، بل حاول الاتفاق معه في بعض ما يشعر به. إذا تعاطفت مع بعض من مشاعره السلبية، فلتخبره بها.
ما يحدث في الخطوتين الأولى والثانية، هو أنك تستجيب بطريقة سلبية "مع" الآخرين لا "ضدهم". وهذا يسمح لهم بالهدوء والراحة، إذ يشعرهم بأنهم ليسوا وحدهم وأنك لست منعزلاً عنهم. فبدلاً من نصح زوجتي ريما بألا تتعامل بسلبية، أخبرتها أني أشاطرها الإحساس نفسه حيال شجار الأطفال، وأنني تائه ومعظم الوقت لا أعرف كيف أتعامل معه ما يجعلني أشعر بالعجز. وكل ما قلته كان حقيقياً. فلا ينبغي أن أكتفي بقول: "أنا أتفهم شعورك"، لينجح الأمر، عليك أن تكون محدداً.
- ابحث عن نقطة إيجابية، وعززها
ولا يعني هذا محاولة إقناعه بأن يكون إيجابياً، بل يعني التركيز على أي مشاعر إيجابية تظهر لديه. وعلى الأغلب سوف يحدث ذلك، إذ من الصعب أن تجد شخصاً سلبياً سلبية بحتة. أمّا إن كان كذلك، فتأكد أن يرى دعمك للآخرين الذين يُظهرون بعض الإيجابية. فالفكرة هي الاهتمام بشكل إيجابي بالمشاعر الإيجابية، وأن تبعث أملاً ملموساً فيهم. ومعنى أن يكون ملموساً أنه قائم على مشاعر إيجابية موجودة بالفعل لديهم، بدلاً من الإلحاح على مشاعر إيجابية تظن أنها ضرورية.
وما يحدث في الخطوة الثالثة، هو أنك تستجيب بطريقة إيجابية "مع" الآخرين لا "ضدهم"، حيث تُظهر لهم مكافأتك للفعل أو الحديث الإيجابي من خلال دعمك واهتمامك. أي أنك في الخطوة الثالثة تعكس مسار مشاعرهم من الانحدار إلى الارتفاع.
وأثناء حديثي مع ريما، سألتها عن أفضل طريقة نجحت في جعل الأطفال يلعبون معاً بهدوء ودون شجار. تحدثَت عن إحدى المرات التي رتَّبنا فيها لجذب انتباههم من خلال القيام بنشاط فني معهم. وذكرت كذلك مرة أُخرى عمل فيها كل منّا مع كل طفل على حدة لإنجاز مهمة أو القيام بنشاط ما.
وفي أقل من خمس دقائق، تحول مسار الحوار بيننا من السلبية إلى الإيجابية.
وتنفيذ هذه الخطوات الثلاث ليس أمراً سهلاً، فعلينا أن نحارب اتجاهاتنا العاطفية، بل والمنطقية كذلك، بألا نشعر بالسلبية تجاه من يشتكي.
عندما تحدثتُ في البداية مع يزن، كان على استعداد لطرد أحد أفراد الفريق. وكان هذا التصرف سيؤدي ببساطة إلى تفاقم الوضع وزيادة السلبية لدى الباقين.
ولكنه بدلاً من ذلك، بدأ يستمع إليهم ويؤيد مشاعرهم السلبية. وعندها اكتشف أنّ هذه السلبية تخفي خلفها الخوف، فقد شهدت الشركة مؤخراً عمليات تسريح كبيرة لازال الناجون منها متأثرون بها، ويفكرون فيما إذا كانوا معرّضين لفقيزن وظائفهم؟ (الخطوة الأولى).
لم يستطع يزن إنكار ذلك، خاصةً أنه كان على استعداد لطرد بعض من هؤلاء المشتكين. ولكنه لم يفعل ذلك، بل استمع إليهم وأخبرهم أنه يشعر بمدى قلقهم، ليس من الطرد خارج الشركة، وإنما لعدم الشعور بالاستقرار مع وجود الكثير من العمل المطلوب إنجازه وعدم وجود الكثير من الموظفين للقيام به. وبمعنى آخر، كان سلبياً معهم. (الخطوة الثانية).
وبعد ذلك، بدأ في التركيز على بعض الأمور الإيجابية التي لاحظها في فريقه؛ مثل المجازفة بطريقة ذكية والتعاون معاً لحل الأمور المعقدة المتعلقة بالمبيعات والنجاح في إقامة شراكات مع العملاء، ما ساعد على نمو الشركة وبالتالي تأمين وظائف العاملين فيها. وبمعنى آخر، كان إيجابياً معهم. (الخطوة الثالثة).
في السابق، لم يكن يزن أبداً ليضيع فرصة للتركيز على سلبية الموظفين وانتقادها، أما الآن، فلا يضيع فرصة للتركيز على إيجابيتهم وامتداحها.
ونجح الأمر، فأخيراً تحسن مزاج موظفي المبيعات وتعاونوا معاً ونجحوا في اجتذاب أكبر عميل مرّ على الشركة.
وماذا عني؟ في الحقيقة، غالباً ما يكون من الأسهل تدريس هذه الفكرة للآخرين عن تطبيقها بنفسك. فمع اندماجي في بعض المواقف، لازلت أُحبط لشعور غيري بالإحباط. إلا أنّ هذه الخطوات الثلاث ساعدتني إلى حد كبير. ووجود من يذكرني بها دوماً ساعدني أكثر وأكثر.
تم تغيير الأسماء