تعلم كيف تتجنب التوتر الذي يفضي إلى القرارات السيئة

6 دقائق
كيف تتجنب التوتر في العمل

شعرت إحدى كبار مسئولي المبيعات التنفيذيين والتي تُدعى دانيلا بالإحباط، كانت تعمل على تفويض فريقها في مزيد من المهام. لكن أثار إحباطها الشديد هو أنّ العديد منهم ناضلوا للوصول إلى مستويات الحرية التي منحتهم إياها، على الرغم من أنهم سعوا لتولي مزيد من المسئولية. ونفّست عن غضبها لي قائلة: "كنت أظن أنّ التفويض يُفترض به منحي حرية لأداء المزيد من المهام المنوطة بي، بيد أنهم في كل مرة أوكل إليهم عملاً ويخفقون فيه، يستغرق مني إصلاح الأمور ضعف الوقت الذي كنت سأستغرقه إذا أنجزت العمل بنفسي". لقد كانت ردة فعلها الطبيعية حين يُجهدها الفشل في تبني خيار واحد من خيارين متناقضين هو أن تعكس اتجاهها وتتبنى الخيار الآخر.

وكما تُشير الأبحاث الخاصة بصنع القرار، تميل عقولنا بطبيعتها لأن تكون أكثر رجعية عند التعرض للضغوط والتوتر، وهذا يعني أنّ القادة الذين يعانون من التوتر، أمثال دانيلا، يلجؤون إلى خيارات ثنائية، الأمر الذي يحد من الخيارات المتاحة أمامهم. ففي الأوقات العصيبة، نتوصل لاستنتاجات مبتسرة بدلاً من الإتاحة لأنفسنا مزيداً من خيارات أفضل، وعندما نواجه ظروفاً غير مألوفة لنا لا تُجدي فيها طرقنا المجربة والموثوقة نفعاً، فإننا نواجه قلقنا الطبيعي لا إرادياً بتضييق وتقليل الخيارات المتاحة أمامنا. ولسوء الحظ، تميل محاولات قطع الشك باليقين إلى المبالغة في تبسيط الأمور بدرجة تقلصها إلى خيارين لا ثالث لهما: إما أبيض أو أسود، أو إما كل شيء أو لا شيء.

حالات تجنب التوتر في العمل

يجب على القائد، شأنه شأن جراح تقويم العظام إذ يتعامل مع إصابات المفاصل التي تحتاج عضلاتها المتيبسة إلى زيادة مدى حركتها، أن يتجنبوا التأثير الناجم عن التردد بين الخيارات المتناقضة. يجب أن يتعلموا كيف يوسّعون "مدى مرونتهم" خلال مجموعة من التحديات القيادية والضغوط المتزايدة، فذلك يمنحهم تشكيلة من الخيارات التي تكون أكثر فاعلية ويمكّنهم الاختيار من بينها.

ولنتأمل كيف يمكن أن يُجدي هذا نفعاً في أربعة مواقف شائعة لكنها عصيبة.

اقرأ أيضاً: عزّز مقاومتك الداخلية كي تتغلب على التوتر الزائد

التفويض في الأعمال المهمة

هنا تكمن مشكلة دانيلا، وهي مشكلة شائعة، فكثير من القادة يسعون بشدة إلى التخلي عن حقوق اتخاذ القرار، وينتابهم في الوقت ذاته هاجس بشأن التخلي عن السلطة المخولة لهم، لأن الإخفاق من مرؤوس لم تُختبر جدارته سيضعهم في موقف سيء. وثمة وهم أكبر يتمثل في الخوف من أنّ نجاح المرؤوس سيجعلهم يبدون وكأنهم بلا فائدة، ومن ثم فإنهم يتشبثون بسلطتهم من خلال ممارسة مستويات مرهقة من السيطرة. ولكن في نهاية المطاف يُصبح تحمّل جميع المسؤوليات أمراً مجهداً للغاية، وفي المواقف الصعبة يضطر القادة إلى إتاحة الفرص للأفراد للدخول في تحديات جديدة. وبتفاؤل لا حدود له يقولون: "نحن نثق بكم"، ويتركون الموظفين يشقون طريقهم بمفردهم، بخبرة ورؤية محدودتين. لا يعد هذا تفويضاً في معظم الأحوال، بل هو تنصل من المسؤولية.

يجب أن يكون حجم السلطة التي يتنازل عنها المفوّض ملائماً لما يتمتع به المفوض من قدرات واستعداد للتعامل مع الموقف الراهن. وينبغي أن يبدأ الأمر بحوار صريح بين القائد والموظف يوضح التوقعات ويحدد بأمانة ما سيضطلع به الموظف من مسؤوليات، ويشرح كيف سيظل القائد مشاركاً في العمل. ولكن في أغلب الأحيان، يتسبب الإحساس بالضرورة الملحة بأن يتخطى القادة هذا الإعداد المهم لتحمل المسؤولية. وحقيقة الأمر أنه كلما كان المشروع أكثر إلحاحاً، وجب التخطيط بعناية للسلطة المراد تفويضها.

من شأن اتباع هذا النهج مساعدة دانيلا في رؤية ما هو أبعد من البدائل المتضادة "للتفويض" و"السيطرة". وربما كان على دانيلا بدلاً من ذلك أن تسأل نفسها قائلة: "تُرى أي أجزاء من هذه المهمة يُعد فريقي مستعداً لها ولديه من الثقة ما يكفي للاضطلاع بها، وما الدور الذي يتعين علي القيام به لإنجاز تلك المهمة؟"

نقل أخبار مزعجة

من أكثر مهام القائد إثارة للتوتر أن ينقل رسائل محبطة للموظفين. ويتمثل الخياران المتناقضان اللذان يتردد بينهما القادة في هذه الحالة في كونهم مثال للصراحة أكثر من اللازم ومثال للتردد بشكل مفرط. وشاهدت بنفسي بعض القادة يبددون أوقاتاً ثمينة في تمهيد طويل ومُحير لتقليل حدة الصدمة، كما شاهدت آخرين يقنعون أنفسهم بأن "ترك المقدمات والدخول في صلب الموضوع" يمثل الطريقة المثلى لتبليغ الأخبار السيئة. لكن كلا الخيارين لا يجدي نفعاً أبداً، فتخفيف "حدة الصدمة" يتضمن في أغلب الأحيان استخدام لهجة تلطيفية وغامضة تجعل المستمع قلقاً ومرتبكاً مما سمع. ونهج الدخول في صلب الموضوع وترك المقدمات عادة ما تُستخدم فيه لهجة جافة وانتقادية، ومهينة أحياناً، تجعل المستمع يُركز على السلوك العدواني للقائد أكثر من تركيزه على محتوى الرسالة مهما كانت فحواها.

اقرأ أيضاً: كيف تُحسّن استجابتك الافتراضية على التوتر؟

يجب على القادة أن يتعلموا كيف يمزجون ما بين صراحتهم ودبلوماسيتهم وفقاً لمدى تأثر المستمعين بما يقولون. فالقادة الذين لا يتمتعون بقدر كاف من المرونة لتبليغ الأخبار المزعجة بطريقة مناسبة، تتدنى حتى قدرتهم على التصرف عندما يكونون في أمس الحاجة إليها، أي عند التعامل مع الآثار الحتمية لما تفوهوا به. ومرة أُخرى، يتمثل حل المشكلة في الاستعداد. إذ لو استغرق القادة برهة من الوقت ليصيغوا بعناية رسائل تمزج المقدار السليم من الدبلوماسية والصراحة، وتناسب حال من يسمعونها، فسيكون لديهم استعداد أفضل بكثير للتعامل مع ما سيأتي بعد ذلك.

اقرأ أيضاً: زيادة التوتر تأتي مع زيادة المسؤوليات

دع عنك الإحساس بعدم ارتياحك أو خوفك من موقفهم الدفاعي أو غضبهم، واكتب رسالتك بلغة واضحة وغير منتقدة فيما لا يزيد عن جملتين أو ثلاث جمل، وبلّغ الرسالة خلال دقيقتين من بدء المحادثة دون مقدمات طويلة أو لغو للتهدئة أو التهيئة. واستغل ما تبقى من المحادثة لبلورة ما سمعوه أو لطرح الأسئلة أو التنفيس أو التوضيح. وليكن الحديث منصباً على احتياجاتهم لا على احتياجاتك أنت.

مواجهة قرارات عالية المخاطر

ينقسم القادة فيما يتعلق باتخاذ القرارات الروتينية إلى فريقين: قائد "واثق بحدسه" يتخذ قرارات بديهية جداً، وآخر "محلل لكل شيء" يحتاج كمّاً كبيراً من البيانات ليدعم بها اختياره. إنّ تفضيل القائد لأحد هذين النهجين لا يشكل خطورة تذكر على جودة القرار، بيد أنّ التوتر الذي يسببه قرار عالي المخاطر يمكن أنّ يحرضهم على تبني الخيارات المتناقضة التي يميلون إليها بطبيعتهم. فالقائد ذو الحدس العالي يصبح مندفعاً، ما يفوّت عليه حقائق مهمة جداً. والقائد الذي يميل للتحليل بدرجة كبيرة يصبح عاجزاً عن التفكير وسط البيانات، وغالباً ما يخفق في اتخاذ أي قرار. يبني المزج السليم بين البيانات والحدس، والذي يطبق بهدف تكوين الخيارات بعناية، ثقة المؤسسة لتنفيذ القرار فور اتخاذه. إذن، حدّد بوضوح المخاطر المتأصلة في السوابق التي يستند القرار إليها، وأخبرهم أنك تعي ذلك جيداً. وافحص مجموعة البيانات المتاحة وحدد الحقائق المتعارضة وادرسها مع أصحاب المصالح المناسبين (خاصة الرؤساء) للتأكد من أنّ تفسيراتك متسقة. والتمس النصح من آخرين واجهوا قرارات مشابهة، ثم اتخذ قرارك.

حل مشكلة مستعصية

بالنسبة للقادة المتوترين الذين يواجهون تحدياً مزمناً، غالباً ما يبدو الأمر وكأن الخيارين الوحيدين أمامهم هما إما أنّ يجادلوا بشدة دفاعاً عن الحل الذي اقترحوه، بيقين لا يتزعزع، أو يطرحوا الأفكار بطريقة غير مباشرة تماماً لتحاشي الظهور بمظهر المستبدين ولتشجيع الفريق على قبول التحدي والمواجهة. وهنا تتمثل المعضلة مرة أُخرى في أنه لا جدوى من كلا الخيارين المتناقضين. ذلك أنّ الناس إذا شعروا بأن القائد متشبث برأيه، فسينفضون من حوله بغض النظر عن وجاهة الفكرة. وإذا شعروا أنّ القائد يفتقد الثقة في الفكرة المطروحة، سيناضلون لحشد الآراء التي تدينها لتوقيع الحكم عليها بالفشل، ولينتهي الأمر بهم وهم يقولون: "حسناً، إذا لم يكن الرئيس مقتنعاً تماماً بأنها ذات جدوى، فلن نتحمل نحن نتائجها".

يمهد المزج المناسب ما بين الإدانة والترحيب الطريق للآخرين من أجل المشاركة في إظهار حل غير مجرب يتسند على أفضل أفكار القائد، لكنه ينقحه من خلال مساهمات الآخرين. وهذا الأمر في مجمله يحفّز القائد والفريق التابع له، ما يجعل المؤسسة مستعدة لتنفيذ الفكرة على أرض الواقع. إذن، احرص على تيسير هذا النوع من المحادثات التي تستهدف حل المشكلات بعناية. ووضح لهم سبب استمرار المشكلة، والحلول التي أخفقت ولماذا لم تنجح. وأكد لهم أنك تود أن يشاركك الفريق في اختيار الحل. وأوضح أنّ غرضك هو البحث عن أفكار جديدة وليس الدفاع عن حلول فاشلة أو نسخ منها وضعت في قوالب جديدة. ثم ضع مجموعة مشتركة من المعايير التي يمكن قياسها والتي تعتقد أنها تصف حلاً قابلاً للتطبيق، واعترف بتحيزك لحلول بعينها غير مجربة واطلب من الفريق أن يتعامل معها بطريقة لا تختلف عن طريقة تناولهم لحلولهم المقترحة، ثم أتح الفرصة للفريق من أجل إظهار أفكاره وقيمها جميعاً، بما في ذلك أفكارك الخاصة، وفقاً للمعايير التي تم وضعها، وأفصح عن جميع الافتراضات التي استندت إليها آراؤك.

اقرأ أيضاً: ثلاث خطوات للتحرّر من دوامة الإحباط والتوتر والنزاع في العمل

كلما كانت الظروف أكثر إثارة للتوتر، كان بوسع القائد أن يستفيد من مجموعة الخيارات لينتخب من بينها. فاللجوء للخيارات المتناقضة ربما يخلق إحساساً زائفاً بالراحة في الوقت الحالي، بيد أنه يتسبب في كارثة نهاية المطاف. فهذا العالم لا يوجد به تحديات معقدة ليس لها سوى حلين ممكنين لا أكثر. وفي اللحظة التي تجد نفسك فيها مشتتاً بين خيارين متناقضين، هب أنّ كليهما خيار محدود واخط خطوة للوراء وضع قائمة خيارات أوسع، فذاك هو السبيل الذي من المرجح أن تجد فيه الحل الأمثل لك من أجل معرفة كيف تتجنب التوتر في العمل.

اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع مدير يسبب لك التوتر؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي