لا بدّ أنك التقيت في مرحلة ما من مسيرتك المهنية بمدير اعتبرته غير منصف، وعلى الأغلب أنك فكرت وقلت لنفسك: "عندما أصبح مديراً لن أكون مثله على الإطلاق!". والآن، وقد نلت ترقية لمنصب إداري، لا بدّ أنك تبذل قدراً كبيراً من الوقت والجهد لصنع القرارات الحيادية، إلا أنه من الصعب إيجاد التوازن المطلوب. وللأسف ليس هناك مقياس موضوعي للإنصاف. وإنما في كل مرة تحاول فيها تحقيق التساوي في العمل في جهة معينة تجد أنك تطيح به في الجهة الأخرى. والطريقة الأفضل لتحقيق الإنصاف (على الرغم من قصورها) هي فهم الصيغ المختلفة للإنصاف، والتفكير بعمق بشأن وقت تطبيق هذا الأمر والكيفية الأمثل لذلك.
يمكنك البدء بالتدبير الأكثر معيارية للإنصاف، والذي يركز على نتيجة قرارك. هل قادت قراراتك إلى توزيع المدخلات والنتائج بصورة عادلة على جميع المعنيين؟ يمكنك تطبيق هذا الاختبار على القرارات الإدارية الاعتيادية كتوزيع أعباء العمل وتقديم فرص التطوير ومنح المكافآت وشهادات التقدير. كن واثقاً من أنّ فريقك يقوم بتمحيص نتائج هذه القرارات المهمة. وإن كان هناك شخص واحد تضرر من قرارك هذا عدة مرات (كأن يُنتدب لمناوبة غير مرغوبة أو يكلف بمهمة أكثر صعوبة)، فعلى الأغلب أنه سيعتبر قراراتك مجحفة.
لو كان ذلك كل ما عليك القلق بشأنه لكانت الحياة أسهل بكثير. ولكن للأسف هناك أكثر من ذلك بانتظارك. فبالإضافة إلى الإنصاف في النتائج، سيقوم الفريق بالحكم على عملية اتخاذك للقرار، هل كانت عادلة في جوهرها بغض النظر عن النتيجة؟ على سبيل المثال، إذا كنت تقيّم الأداء، هل احتسبت جميع العوامل المطلوبة (كقياس موظفي المبيعات من ناحيتي إجمالي العائد والربح لتفادي مكافأة الموظفين الذين يقومون بعمليات بيع غير مربحة)؟ هل كان تقييمك للمتغيرات في قرارك موضوعياً وحيادياً (كأن تحصل على البيانات من مصادر متعددة لتخفيض احتمال الانحياز)؟ إلى جانب ذلك، تُعتبر كيفية توصلك إلى القرار مهمة جداً في تحديد نظرة موظفيك وفهمهم لك بقدر أهمية القرار بحد ذاته.
ويكمن التحدي في أنك عند محاولتك لتحسين إحدى صيغ الإنصاف ستشوه صيغة أخرى من دون قصد. لنفترض مثلاً أنك توزع أعباء العمل على الموظفين اعتماداً على رمي القطعة النقدية. لأن رمي القطعة النقدية عشوائي ويمكن اعتباره طريقة منصفة. والآن تخيل أنك رميت القطعة عشر مرات وكانت صورة الرأس تعلو النقش في سبع منها، عندئذ يحصل الشخص الذي اختار صورة الرأس على حصة من العمل بنسبة 70%، وهي نتيجة غير منصفة. والمهم هنا هو وجوب أن تفكر ملياً بشأن عملية اتخاذ قرارك ونتائجه معاً. وقد تضطر للتنازل عن إحدى صيغ الإنصاف لتفادي إلحاق الضرر بالأخرى.
ملاحظة جانبية هامة: يشير بحث إلى أنّ الأهمية النسبية لإنصاف النتائج مقابل إنصاف عملية صنع القرار تعتمد على أيهما يعلم بشأنه الموظف أولاً. أجرى البحث دراسة على عملية توظيف افتراضية تم تقييم بعض المتقدمين فيها بواسطة عملية منصفة والبعض الآخر بواسطة عملية غير منصفة، حيث كان الاختلاف في تسجيل المقيّمين لنقاط أجزاء نظام التقييم التسعة بأكملها أو جزء واحد فقط منها. وأُعلم بعض المشاركين بشأن العملية المستخدمة في قرار الاختيار قبل إعلامهم بحصولهم على الوظيفة أو عدمه، في حين أُعلم آخرون بشأن العملية بعد إعلامهم بالنتيجة.
بالنسبة للمتقدمين الذين علموا بشأن عملية الاختيار قبل معرفة النتيجة، فقد تنبأ إنصاف العملية بإجمالي رضاهم. مثلاً، كان المتقدمون الذين علموا بشأن سير عملية التقييم، واكتشفوا لاحقاً عدم اختيارهم للوظيفة، راضين تماماً عن النتيجة لأنهم كانوا يرون العملية التي قادت إلى هذا القرار منصفة. أما بالنسبة للذين علموا بشأن النتيجة أولاً كان إنصاف النتيجة أهم بالنسبة لهم. أي، عندما علم المتقدمون أولاً بأنهم لم يحصلوا على الوظيفة من دون أي شرح للعملية المتبعة للوصول إلى هذا القرار، افترضوا فوراً أنّ هذا القرار مجحف.
تقدم هذه الدراسة درساً هاماً: وهو عندما توزع المهمات على فريقك باتباع عملية منصفة ربما يقودك ذلك إلى نتيجة مجحفة، لذلك احرص على تقديم تفاصيل سير عملية اتخاذ القرار قبل أن تعلن قرارك لفريقك.
تحدثنا حتى الآن عن الإنصاف في حال كان له تعريف واحد فقط يمكن تطبيقه على العملية أو نتيجة القرار. إلا أنّ ذلك الأمر فيه مبالغة في تبسيط التحديات التي تواجهك كمدير. هناك تعريفان متنافسان للإنصاف وهما: المساواة والعدل. في صيغة تعريف الإنصاف بالمساواة يرتبط الصواب بمدى تساوي الأمور، وما إن كان الجميع يسير وفق العملية ذاتها أو يحصل على ذات النتيجة. ومثال على ذلك: سياسات الإجازات التي يحصل فيها الجميع على عدد الأيام نفسه من الإجازات. وبالمقابل وبصورة معاكسة، يسمح تعريف الإنصاف بالعدل بتنوع سير العملية أو النتيجة بناء على بعض الاختلافات الشرعية والعادلة بين الأشخاص. وبالعودة إلى مثال سياسات الإجازات، يمكن أن تمنح أياماً أكثر للموظفين الذين يعملون لدى الشركة منذ وقت أطول. وبذلك، ستجد نفسك في نهاية المطاف أمام أربع صيغ مختلفة للإنصاف باستخدام تعريف المساواة أو العدل المطبق على سير العملية أو النتيجة. هل بدأت تتعاطف مع ذاك المدير الذي كنت تعتبره غير منصف؟
يعتمد منح الأولوية للعملية أو النتيجة واتباع صيغة المساواة أو العدل على طبيعة القرار. ويمكن أن يكون التوزيع المتساوي للنتيجة أمراً مفيداً عندما تحاول تعزيز عمل الفريق وروابطه. كما أنّ توزيع الفائدة هي طريقة شائعة لمكافأة فريق كامل على النجاح الذي حققه من خلال التعاون. وعندما تسعى لتحفيز الأداء الفردي يمكنك التركيز على عملية عادلة. إلى جانب ذلك، إنّ حوافز المبيعات وغيرها من المكافآت المالية الفردية تشجع الأفراد على بذل قصارى جهودهم. فليكن هدفك من الموقف هي ما يملي عليك الصيغة التي يجب عليك استخدامها.
لن يكون الجهد الكبير الذي تبذله في اتخاذ القرار المنصف ضماناً لأن يراه فريقك منصفاً فعلاً. لا ترتكب الخطأ بافتراض أنّ قراراتك ستكون واضحة ومفهومة. اشرح نواياك لفريقك إذا كنت تركز على العملية العادلة من أجل اختيار من سيحظى بالترقية، حيث ستولي إمكانيات وكفاءات أو أنماطاً معينة أهمية أكثر من غيرها. وكن في غاية الصراحة إذا كنت تركز على التوزيع المتساوي للمكافأة التشجيعية من أجل تعزيز أهمية كل فرد من أفراد الفريق.
أنت المدير ولديك الصلاحية لاتخاذ هذه القرارات. وبغض النظر عن الطريق التي تختارها لاتخاذ هذه القرارات الصعبة، من الضروري أن تشرح ما تفكر به لفريقك. فالشفافية تزيد الثقة بالعملية ولها قيمة بالنسبة لك ولموظفيك أكبر من تفاصيل عملية صنع القرار.
وفي النهاية، نعلم جميعنا أنّ الحياة ليست عادلة، وستتعلم ذلك قبل الآخرين بكثير بصفتك مديراً. ستواجه قرارات صعبة، ولن يكون أي حل مثالياً، وسيعتبر البعض النتائج منصفة في حين يعتبرها البعض الآخر مجحفة. لا تقس على نفسك كثيراً، وستكون قد فعلت ما بوسعك طالما أنك فكرت ملياً بشأن ما تحتاجه الشركة وقمت بتقييم أفضل الحلول بأقصى قدر ممكن من الموضوعية. وسيكون القرار التالي دوماً فرصة لاستعادة التوازن.