كيف بإمكانك استرجاع حياتك الخاصة؟

3 دقائق

كان النادل في منتصف طريقه إلينا لأخذ طلبات أسرتي عندما دعاه مدير المطعم ليعود إليه.

سألت صفاء، ابنتي ذات السبع سنوات: "أين ذهب النادل؟".

نظر إليّ رامز، ابني ذو الخمس سنوات، وردّ عليها: "أظن أنه ذهب للرد على مكالمة جماعية".

حتى قبل أن أسمع تحليل رامز لغياب النادل بعض الوقت، كنت أعلم أنّ لديّ مشكلة: وهي أنني أعمل طوال الوقت.

فقد انتقلت من العمل في مكتب خارجي إلى مكتب داخل منزلي، حيث أردت قضاء المزيد من الوقت مع أسرتي. ولكنني الآن دائماً في مكتبي، أخرج منه لفترات قصيرة لأتناول العشاء أو لأروي قصصاً للأطفال قبل النوم، ولكن أعود إلى المكتب سريعاً "فقط لأنتهي من بضعة أمور"، فأنا أحب عملي، لكن الوضع أصبح خارج السيطرة.

أنا حقاً في حاجة ماسة إلى الاسترخاء وقراءة قصة خيالية وقضاء وقت برفقة أشخاص أستمتع بوجودهم. لكن جرفني تيار العمل إلى دوامة من المهام التي عليّ إنجازها، مع وعود كثيرة أقطعها على نفسي بإنهاء بعض الأمور من القائمة وتعزيز شعوري بالجدارة عن طريق إثبات قدرتي على العمل بإنتاجية كبيرة.

وللأسف، تزيد نقاط ضعفنا النفسية مع الاندماج المطلق في دوامة العمل. كنا نعتقد قديماً أنّ الوسائل التكنولوجية الحديثة، مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية والبريد الإلكتروني، سوف تخلصنا من الجلوس في المكاتب طوال الوقت، لكن حدث العكس وأصبحت المكاتب عالقة بنا.

لقد فقدنا حدودنا، فلطالما كانت المسافات هي الحدود الفاصلة. فعندما تترك المكتب، تترك العمل، لكن حدود العمل لدينا فقدت معالمها وأصبحت بلا حواجز.

نحن بحاجة إلى حواجز جديدة.

تبدو مائدتنا رائعة، يغطيها أجمل مفرش مائدة أبيض لدينا، وعليها باقة من الورود وخبز شهي وكؤوس مزخرفة (تحتوي على جميع أنواع العصير) ووجبة طعام شهية ذات رائحة زكية.

إنه مساء يوم الخميس، ونحن نستقبل يوم الجمعة، يوم إجازة نهاية الأسبوع. فبعد أسبوع طويل من العمل يكون من الجيد وجود يوم للراحة من ضغط المهام ورسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية التي لا تنتهي. لذلك قررت أخذ أسرتي إلى مكان جديد، بعيداً عن المنزل، للخروج من أجواء العمل.

عندما جلست على مائدة العشاء مع أسرتي وأصدقائي، لم أفكر حتى في التحقق من بريدي الإلكتروني أو استقبال مكالمة هاتفية. وقلت في نفسي: "وأخيراً، وبعد مرور أسبوع حافل بالكثير من المهام، بدأت أشعر بالراحة". ففي الغد لن أكون مجبراً على الاستيقاظ، ولن أضطر إلى مراجعة بريدي الإلكتروني والرد على الرسائل. سوف أكون مع أسرتي وأطفالي حتى ولو ليوم واحد.

يمكنني اعتبار هذا اليوم بمثابة يوم لتعويض ما فاتني وللّحاق بقطار الزمن. فانتهاء الأربع والعشرين ساعة الخاصة بيوم الجمعة هي تسجيل خروج من يوم الاسترخاء والراحة إلى بيئة العمل مرة أخرى.

لكن وجود الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة جعل حواجز العمل تنهار فلم يعد يوم الإجازة بعيداً عن العمل. ولم يعد العمل مرتبط فقط في المكتب.

ما جعلني أكتشف أنني بحاجة إلى مؤشر ما، أو طقس أستخدمه لضبط وقت العمل، وأستخدمه لفصل أوقات العمل عن الأوقات الأخرى التي أكون فيها حراً بذاتي.

وبما أنني أعمل بمكتبي الذي هو ضمن منزلي، فأصبحت اتبع أسلوباً جديداً لأجمع بين حياتي العملية وحياتي الخاصة.

أصبحت لا "أسجل بدء العمل" حتى أرافق أطفالي إلى حافلة المدرسة وأودعهم. وأشرب قهوة الصباح مع زوجتي. وبعد انتهاء يوم العمل "أسجل خروجي" ولا أقترب من العمل إطلاقاً حتى اليوم التالي، وذلك لأجعل لكل وقت قيمته. أما في يوم الإجازة فلا اقترب من حاسوبي المحمول أو من هاتفي الذكي للرد على رسائل البريد الإلكتروني أبداً.

ويمكن لأي شخص أن يفعل مثلي، وليس بالضرورة تنفيذ ذات الطقوس إذ يمكن أن يكون الطقس شيئاً تقوله لنفسك أو أغنية تستمع إليها أو وقتاً تدوّن فيه مذكراتك أو تمارس فيه التأمل أو علامة تكتبها على ورقة أو شيء تحركه من مكانه أو أي أمر يمثّل لك الفصل بين العمل وما سواه.

وبعد أن تقوم بطقس الخروج من العمل، يجب أن تتحلى بالشجاعة لكي تلتزم بذلك حقاً. اترك الكمبيوتر والهاتف ليرتاحوا بينما أنت تستمتع بحياتك قليلاً. وهناك جانب إيجابي لذلك أيضاً، سوف تكون أكثر نشاطاً عندما تعود إلى العمل، وستعمل بفعالية أكبر لأنك تعلم أنه عليك التوقف عن العمل في وقت معيّن، وتصبح أكثر إبداعاً لاستخدامك أفكاراً غير متعلقة بالعمل في حياتك العملية.

وبعد بضعة أيام، دخلت إلى غرفة رامز وصفاء، وكان رامز يكتب على كمبيوتر ورقي صنعته له صفاء من الورق المقوى.

فسألته: "مرحباً رامز، ماذا تفعل يا صديقي؟".

فقال: "انتظر لحظة" وهو يواصل الكتابة دون أن يرفع عينيه عن الكمبيوتر الورقي وأضاف: "كدت أنتهي".

راودتني رغبة في الضحك والبكاء معاً.

وقلت له أخيراً: "سأنتظر، وعندما تنتهي، لنغلق أجهزة الكمبيوتر الخاصة بنا ونضعها بعيداً طوال هذه الليلة، حسناً؟".

حياتنا تعتمد على ذلك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي