تصدّر دوق ودوقة ساسكس في بريطانيا عناوين الصحف عندما أعلنا قرارهما "بالتنحي" عن واجباتهما الملكية من أجل التمتع بقدر أكبر من الاستقلالية. وفي حين أن رغبتهما في الابتعاد عن الضغوط التي تسببها الأضواء في المحيط الملكي هو أمر مفهوم، بل وجدير بالثناء، إلا أن هذا الإعلان كشف عن مدى التوتر الذي يمكن أن يثيره الانفصال عن العائلة. فجائية الإعلان جعلت الشعب يتساءل عما حدث وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة إلى مستقبل الأسرة المالكة. وسرعان ما علقت الملكة على هذا القرار موضحة أن الحوار لا يزال في مراحله "المبكرة". وضجت وسائل الإعلام بروايات حول أن العائلة المالكة "صُدمت" بهذا الخبر وبدأ الناس في الانحياز لأحد الطرفين. على الرغم من أن النظام الملكي البريطاني قد يكون أكثر شهرة من معظم "الشركات" العائلية، فإن المشكلات التي تنشأ عندما يقرر أحد أفراد العائلة مغادرة الشركة لا تختلف كثيراً.
بالنسبة إلى معظم الأشخاص، تغيير وظيفتهم في منتصف حياتهم المهنية ليس بالأمر الهام. ولكن بالنسبة إلى أفراد العائلة في الشركة العائلية، يصبح هذا القرار أكثر تعقيداً. فارتكاب خطأ فادح أثناء إبلاغ العائلة بالقرار يمكن أن يؤدي إلى قطع دائم في العلاقات العائلية، ولكن حالة الشلل أو العجز الناتجة عن استمرارك في الشركة العائلية يمكن أن تسفر عن شعورك بالمرارة والندم على مستقبلك المهني الذي كان من الممكن أن تحظى به لو أنك اخترت أن تسلك مساراً مختلفاً. إذاً كيف أغادر شركة العائلة دون إفساد علاقتي بهم؟
قد تواجه هذا التساؤل لأنك لم تفكر جيداً أثناء انضمامك للشركة العائلية لأول مرة، ربما لأنك انضممت وأنت تَعد نفسك بوعود مبهمة من قبيل ("يوماً ما سيصبح كل هذا ملكي!") دون تحديد مسؤوليات واضحة أو حتى مسمى وظيفي حقيقي. نعرف أحد الأفراد في شركة عائلية لم يحصل حتى على بطاقة عمل أثناء الأربعة أعوام التي قضاها في العمل في شركته العائلية التي تعمل في مجال اللوازم الصناعية لأن لا أحد كان يوافق على مسماه الوظيفي. بمجرد أن تعمل في وظيفة أخرى يوماً بعد يوم، قد تدرك أن مزايا أن تكون جزءاً من شركة عائلية لا تستحق العناء طالما أنك لا تساهم فيها بطريقة هادفة وحقيقية.
هناك آخرون يصلون إلى مفترق طرق في حياتهم المهنية عندما يدركون أنهم ليس مقدراً لهم أن يكونوا القادة المقبلين للشركة العائلية، أو الأسوأ من ذلك، أن ينطفئ حماسهم. فقد عملنا مع ابنة قائد إحدى الشركات العائلية وكانت تشعر ببالغ التعاسة لأنها كانت تطمح إلى أن تصبح رائدة أعمال ولكنها أُجبرت على الانضمام إلى شركة والدها. وبسبب عدم شعورها بالحماس تجاه الانضمام إلى شركة والدها، لم تنجح في العمل فيها وهي الآن تندم بشدة على المسار الذي لم تسلكه. فبالنسبة إلى الكثيرين، تُعد عملية الانتقال من جيل إلى جيل بطيئة للغاية ومستهلكة للمشاعر. ونحن نعرف بعض قادة الشركات العائلية الذي يصرون على أنهم لا يزالون في "ريعان شبابهم" وهم في الثمانينات من عمرهم ويرفضون مناقشة تسليم زمام الأمور إلى الجيل الأصغر الذي يعمل في الشركة والذي نشأ أبناؤه محبطين في انتظار أن يأتي دورهم في القيادة. أيبدو الأمر مألوفاً لك؟
إذا كنت على وشك اتخاذ قرار مصيري، خذ نفساً عميقاً وفكّر في وضعك جيداً قبل اتخاذ أي قرار متسرع. فأسوأ شيء يمكن أن تفعله هو أن تثور غضباً يوم الخميس مثلاً ثم تندم على ما فعلته خلال عطلة نهاية الأسبوع ثم تعود إلى وضعك السابق وكأن شيئاً لم يحدث (وقد رأينا هذا أيضاً). فمثل هذا التهور يمكن أن يضر بمصداقيتك داخل الشركة وداخل العائلة أيضاً.
لذا قبل اتخاذ أي خطوات مصيرية، قيّم وضعك فيما يتعلق بتطورك الوظيفي، واعرف لماذا الوضع الحالي لا يعبّر عما تطمح أليه، وما الذي يمكنك (ولا يمكنك) فعله حيال ذلك. ربما لم يفت الأوان لأنْ تصحح مسار مستقبلك المهني. نقترح استخدام نهج مكون من ست خطوات لتقييم خياراتك:
قارن رؤيتك برؤية عائلتك: من العوامل الهامة لمعرفة ما إذا كانت الشركة (شركتك العائلية أو أي شركة أخرى) مناسبة لك هو تحديد ما إذا كنت تؤمن برؤيتها طويلة الأجل. في الشركات العائلية، يصوغ المساهمون الرؤية معاً. وقد يكون من الصعب الحصول على عدد كبير من وجهات النظر المتسقة معاً بشكل رائع، ولكن من الضروري فهم الخطوط العريضة بشكل صحيح لأن مجلس إدارة الشركة وإدارتها سيضعون الاستراتيجية بناء عليها.
حدد ما إذا كنت تمتلك الرؤية نفسها التي يمتلكها المساهمون. وإذا وجدت أن رؤيتك متسقة معهم، يمكنك أن تتمهل في اتخاذ قرارات صعبة ضد رؤيتكم المشتركة حتى تتأكد أنها في المسار الصحيح. أما إذا وجدت أن رؤيتك لا تتسق معهم، فالبقاء في الشركة العائلية سيكون دوماً بمثابة خوض معركة صعبة وربما ستكون بحال أفضل في مكان آخر.
كن واضحاً بشأن طموحاتك: ليس من الضروري أن ينتهي بك المطاف في إدارة الشركة يوماً ما. فقد رأينا العديد من أفراد العائلة الراضين في الشركة العائلية عن وظائفهم التي تتواءم مع مهاراتهم واهتماماتهم، لذلك لا تكذب على نفسك بتحديد خيارين يستبعد أحدهما الآخر: ("سأصبح في المستقبل قائد هذه الشركة أو لا شيء") واعتبار أن هذا هو السبيل الوحيد نحو السعادة. إحدى الموظفات الأكثر وفاء اللاتي عرفناهن اختارت أن تترك وظيفتها ذات السلطات الواسعة في قسم المبيعات الدولية لتصبح أمينة محفوظات في شركة السلع الاستهلاكية المملوكة لعائلتها. فقد اكتشفت أن شغفها الحقيقي هو تدوين تاريخ عائلتها بما في ذلك نجاحاتهم وإخفاقاتهم ونقل الدروس المستفادة إلى الجيل التالي.
كن واضحاً بشأن طموحاتك قدر الإمكان، وأجب عن الأسئلة التالية: ما الذي تسعى إلى تحقيقه في شركتك العائلية؟ كيف ومتى ستنمي المهارات اللازمة للدور الذي تطمح في الوصول إليه؟ كيف يتلاءم هذا مع تطلعات الجيل الأكبر سناً حول مساراتهم المهنية؟ وأين يمكن أن توظّف مهاراتك على النحو الأمثل؟
حدد الأسباب التي تدفعك إلى إنهاء علاقة العمل مع العائلة: من الطبيعي أن تكون هناك اختلافات في الرأي في مجال الأعمال. ولكن في الشركات العائلية، فإن هذه الآراء تزداد حدتها مع المشاعر والعلاقات الأسرية. وكي تحظى بمستقبل مهني طويل الأجل في شركة عائلية، يجب أن تتعلم كيفية المشاركة في الإدارة مع بقية أفراد عائلتك الذين يعملون في الشركة. لذا اتخذ القرارات الأكثر أهمية بالنسبة إليك بشكل صائب ولا تنشغل بقرارات الآخرين.
اكتشف الأسباب التي تدفعك إلى المغادرة وقسم الأسباب إلى أسباب يمكنك التأثير فيها أو تغييرها وأسباب يمكن (أو لا يمكن) أن تتعايش معها. على سبيل المثال، إذا كان لديك رأي مختلف حول الكيفية التي ينبغي بها إدارة الشركة، حدد ما إذا كان ذلك يستحق حقاً أن تنفصل عن العائلة. في معظم الأحيان، القرارات التشغيلية الفردية تصبح محط اهتمام بمرور الزمن وتفقد الحاجة إلى الاستجابة الفورية لها بأسلوب الكر والفر، إلا أن التحولات الاستراتيجية الرئيسية أو اتباع نمط ثابت في رفض رأيك هو وضع يستحق الكفاح لأجل تغييره ولكن بطريقة دبلوماسية.
ابحث عن موجهين واستفد من توجيههم لك: عندما تعمل في شركة عائلية من الضروري أن تحظى بموجه ذي خبرة يقدم لك وجهة نظر محايدة ويساعد في توجيه حياتك المهنية دون تحيزات أفراد العائلة أو التحديات التي قد يواجهها قسم الموارد البشرية بالشركة عند اختيار القائد القادم للشركة من أفراد العائلة. الموجه الجيد يمكن أن يكون عضو مجلس إدارة مستقل أو أحد كبار المسؤولين التنفيذيين الذي يتحلى بالحيادية أو حتى شخص لا تربطه علاقة مباشرة بالشركة العائلية ولكن يعرف ما يكفي ليقدم المساعدة.
اطلب من موجهك تقييماً صادقاً حول مستوى تطورك وما الذي ستحتاج إليه لتحقيق أهدافك. وتحدث معه بانتظام (على الأقل مرتين سنوياً إلى جانب المراجعة الدقيقة كل ثلاث سنوات) واطلب مساعدته في إبقائك على المسار الصحيح لتحقيق أهدافك. والموجه الجيد يمكن أيضاً أن يساعدك في إعادة تحديد شكل النجاح كي لا تركز فقط على أن تصبح الرئيس التنفيذي المقبل للشركة.
اطلب تقييمات تستند إلى الجدارة وخطة تطوير: لا تخش طلب الحصول على تقييم بنّاء إذا كنت ترغب حقاً في أداء أفضل ما لديك. الكثير من الشركات العائلية تقع في فخ التفكير في أن أفراد العائلة لا يحتاجون إلى المرور بالعمليات نفسها التي يجريها قسم الموارد البشرية للموظفين من خارج العائلة. والحقيقة هي أنه من الأكثر أهمية للموظفين من أفراد العائلة أن يتلقوا تقييماً نزيهاً إذا أرادت الشركة تحقيق النجاح، لأن الشخص الذي دللته الإدارة العليا قد يتخذ قراراً يعرض مستقبل الشركة للخطر. يمكن أن تتجنب أن تصبح هذا الشخص بطلب الحصول على تقييم نزيه لأدائك بطريقة 360 درجة ممن حولك. وتواصل مع موجهك لمعرفة كيفية التعلم من التقييم الذي تتلقاه واستفد من ذلك في أسلوبك في القيادة.
وأخيراً، اتخذ القرار المناسب لك ولكن كن حذراً عند الإبلاغ به: إذا اخترت بعد دراسة متأنية أن تترك وظيفتك اليومية في الشركة العائلية سعياً إلى خوض مغامرة أخرى، فكّر: كيف أغادر شركة العائلة بكرامة مع الحفاظ على العلاقات الأسرية؟ احرص على أن يكون سبب مغادرتك واضحاً للتعريف به داخلياً وخارجياً (مثل الحصول على ماجستير في إدارة الأعمال لاكتساب مهارات جديدة تمكنني من أن أصبح مساهماً أكثر فاعلية في المؤسسة لاحقاً) كي لا يُنظر إليك على أنك غادرت غاضباً. ضع خطة لخطوتك القادمة واجلس مع العائلة لإبلاغهم بها قبل أن يُنشر الخبر في النشرة الإخبارية الخاصة بالشركة. فربما لم تعد موظفاً ولكن من المرجح أنك ستظل مساهماً في الشركة (أو ستكون كذلك في المستقبل). فكّر ملياً في تأثير رحيلك على دورك بصورة شاملة. واسأل نفسك: هل بوسعك أن تظل مالكاً فاعلاً وأن تعمل مع المالكين الآخرين من أفراد العائلة لإدارة الشركة عندما تكون خارج نطاق العمليات اليومية؟
إذا اخترت البقاء في الشركة، كن واضحاً بشأن سبب بقائك وما الذي تأمل في تحقيقه داخلها. وإذا لم تعالج المشكلات التي أدت إلى وصولك إلى هذه الدرجة من الإحباط، فمن غير المرجح أن تختفي وحدها. فكّر في نهج يمكنك اتباعه لتبديد شواغلك الرئيسية بأن تسأل نفسك: هل تشغل الوظيفة المناسبة لك؟ هل تحصل على ما يكفي من الدعم والتوجيه؟ ما هي التغييرات المطلوبة ليكون بقائك في الشركة دائماً وممتعاً. وأيضاً راجع مدى تقدمك بصفة منتظمة. وسجّل كيف تبلي فيما يتعلق بتحقيق الأهداف المرحلية الرئيسية وأهدافك المهنية النهائية.
كما سيكتشف هاري وميغان أثناء تشكيل أدوارهما الجديدة تدريجياً في النظام الملكي البريطاني، هناك أكثر من طريقة واحدة صحيحة لتترك أثراً في الشركة العائلية وتظل على مقربة من عائلتك مع الاحتفاظ بحياة مهنية مرضية في الوقت نفسه. فلنأخذ على سبيل المثال، اللورد جاكوب روتشيلد أحد ورثة العائلة المصرفية التي طال أمدها في أوروبا. بعد الخلاف حول الاتجاه الذي كانت تسلكه الشركة العائلية، ترك جاكوب بنك "ناثان ماير روتشيلد" (N. M. Rothschild) البارز وأسس شركة "آر آي تي كابيتال بارتنرز" (RIT Capital Partners). في ذاك الوقت، بدا أن قراره ينطوي على مجازفة ولكن بعد سنوات أصبحت شركة "آر آي تي" واحدة من أكبر الصناديق الاستثمارية في المملكة المتحدة، وحظي جاكوب بحياة مهنية مرموقة. وبوصفه مليارديراً حقق مجدداً شخصياً، فقد وجد طريقاً للعودة إلى إطار العائلة، حيث إنه أسس مؤخراً مشروعاً استثمارياً مشتركاً مع "مجموعة إدموند دي روتشيلد" (Edmond de Rothschild Group) وشركة "آر آي تي كابيتال". يتضح من رحلة نجاحه أن هناك العديد من المسارات التي يمكن أن تستكشف بها دورك في الشركة العائلية.
رأينا العديد من القادة الذين فضلوا أن يكونوا مساهمين مشاركين على أن يكونوا مدراء يعملون في الشركة العائلية بصفة يومية، ورأينا العكس أيضاً. أياً كان قرارك، أظهر لعائلتك أنك تحترم إرثها وتفخر به، وأنك تسعى إلى تحقيق إنجاز ذاتي. واطلب دعمهم طوال مسيرة حياتك، سواء كنت تعمل داخل الشركة العائلية أو خارجها.
اقرأ أيضاً: أسئلة القراء: متى يتعيّن عليّ مغادرة شركة العائلة والعودة إلى عملي السابق؟