التغييرات الإدارية قد تكون خطوة لنجاحات الشركات، ولكن تنفيذها الخاطئ قد يكون سبباً في فشلها. من المهم أن ينتبه القادة إلى التنقلات القيادية والإدارية في المؤسسات، لأن هذه التنقلات تعكس مراحل انتقالية تحمل مخاطر عالية يواجه فيها حتى أكثر المسؤولين التنفيذيين خبرة تحديات غير متوقعة. إن الحماسة التي تنطوي عليها الأدوار الجديدة بما تحمله من طاقة وثقة وشغف لإحداث التأثير، يمكن أن تفسح المجال سريعاً للاضطراب العاطفي بين الموظفين والإداريين. ويؤكد البحث الذي أجراه البروفيسور مايكل د. واتكينز، مؤلف كتاب "الأيام التسعين الأولى"، ما لاحظه المدربون التنفيذيون على مدى عقود: يمكن أن تؤدي العثرات في الأشهر القليلة الأولى إلى تعريض النجاح على المدى الطويل للخطر.
حددنا بخبرتنا إطار عمل سميناه "مثلث الانتقال"، وهو إطار عمل جرى تطويره على مدار سنوات من تدريب كبار القادة. يستطيع هذا المثلث كشف هذا الضعف برؤية مميزة، فمن خلاله ننظر إلى المراحل الانتقالية باعتبارها ليست مجرد تحديات تشغيلية، بل تجارب عاطفية عميقة تتطلب ضبط النفس.
ويحدد إطار العمل ثلاث مراحل متميزة مرتبطة بحالتك العاطفية وتركيزك السلوكي، ويقدم إرشادات عملية لتجاوز كل منها بنجاح.
القواعد الأساس لهذا المثلث تُبنى على ثلاثة أسئلة أساسية
قبل الغوص في انتقالك القيادي، فكر في هذه الأسئلة الاستراتيجية:
- كيف ستدير طاقتك (الجسدية والعاطفية والذهنية) للحفاظ على الوضوح والتركيز والنظرة الإيجابية في ظل التدفق المستمر للمعلومات والاجتماعات والتغييرات والقرارات؟
- كيف ستعمل على تنشيط الآخرين وبناء الثقة والعلاقات الهادفة بين أصحاب المصالح المتنوعة؟
- كيف ستتجنب الأخطاء الناجمة عن التسرع أو الإعياء أو قلة التركيز؟
تؤطر هذه الأسئلة النهج ثلاثي الأبعاد: العمل والأشخاص والذات، الذي يمر عبر كل مرحلة انتقالية.
المرحلة 1: البداية من سباق المسافات القصيرة
- الحالة الداخلية: طاقة أعلى وشعور بالإمكانية.
- التركيز السلوكي: حب الاستطلاع والتعلم السريع.
تبدأ المرحلة الأولى بحماس وثقة عالية. لقد جرى اختيارك لهذا المنصب، والأدرينالين مرتفع، وأنت متحمس لإحداث تأثير فوري. بالنسبة للقادة في المؤسسات العالمية، يمكن أن تكون هذه الطاقة شديدة بشكل خاص نظراً لتوسع وتعقيدات العمل المقبلة.
دور العمل
أظهر فضولاً وعقلية منفتحة. استخدم الاجتماعات المبكرة للتحقق من صحة الافتراضات المستقاة من عملية المقابلة الشخصية، وليس لتأكيد الحلول المحددة مسبقاً. كن صادقاً وأسهم في القصص الشخصية واطرح أسئلة مؤثرة.
تذكر: الإجراءات تأتي لاحقاً، أما التعلم فيأتي أولاً. مرحلة جمع المعلومات الضرورية لأي قرار تحدد مدى دقة القرار ونتائجه.
دور الأشخاص
حدد العلاقات الأكثر أهمية لنجاحك ورتب الارتباطات ذات الأولوية بشكل مقصود. لا تكتف بإعدادات افتراضية لجدول عملك، بل تحكم به. راقب وافهم الثقافة السائدة في المؤسسة: ما الذي يبدو طبيعياً؟ ما الذي سيشكل تحدياً لك؟ بالنسبة للقادة العالميين الذين يديرون مناطق جغرافية وسياقات ثقافية متنوعة، يصبح هذا الذكاء الثقافي أساسياً.
الدور الذاتي
حدد الأشياء غير القابلة للتفاوض على الفور: ممارسة الرياضة، والأكل الصحي، ووقت التأمل، والنوم. النوم هو "صديق دماغك"؛ تُظهر الأبحاث أن الحرمان من النوم يضعف الأداء العقلي بشكل يماثل الكحول.
أسس روتيناً يومياً لتسجيل الرؤى والملاحظات من تجاربك: لا تكتف بتدوين ملاحظات الاجتماعات، بل وثق حالتك العاطفية ومستويات الطاقة والملاحظات الثقافية وأهم ما تعلمته. هذا الانضباط التأملي يبني الوعي الذاتي ويوفر سجلاً لتصحيح المسار.
استخدم فحص طاقتك عبر هذا الموقع لتحديد كيفية إعادة شحن بطارياتك الخمس.
انتبه إلى هذه المزالق:
- تحول الحماس إلى قلق بسبب المهام الروتينية.
- عقلية السبرنت: محاولة القيام بكل شيء دفعة واحدة.
- الاندفاع للتصرف قبل التعلم الكافي.
- تجاهل المشاعر بدلاً من تشخيصها والتعامل معها بحكمة.
المرحلة 2: الوسط وتدخلاته
الحالة الداخلية: الحاجة إلى الوضوح بشأن التقدم والقلق المحتمل.
التركيز السلوكي: المرونة والقدرة على التحمل.
رغم أنك لا تزال جديداً نسبياً في منصبك، فإنك بدأت في تكوين علاقات مع العمل والأشخاص. ومع ذلك، تقدم هذه المرحلة تحديات غير متوقعة: استنزاف الطاقة، والقلق الناشئ، والناقد الداخلي بصوت أعلى. قد تشعر بالقلق والشك أكثر من المعتاد. لا يوجد جدول زمني واضح؛ تنتهي هذه المرحلة حين تشعر بالراحة وتفكر: "لقد بدأت أتقن هذه المرحلة".
دور العمل
مع تضاعف الاحتمالات، يصبح التمييز أمراً بالغ الأهمية. فكونك تستطيع متابعة شيء ما لا يعني أنه يجب عليك ذلك. قم بكتابة أفكارك وتخزينها، وضيّق نطاقها، وتحقق من الخيارات مع شخص تثق به.
فكر استراتيجياً في مراحل عملك وطرقك في التعامل معها، واختبر الأكثر نجاحاً منها. احتفل بالمكاسب الصغيرة.
الدور البشري
ابنِ مجلس إدارتك الشخصي من المستشارين ذوي الأدوار الواضحة:
- المؤرخ: شخص يشرح سبب سير الأمور على ما هي عليه.
- راوي الحقيقة: شخص يذكرك بالمعايير وينبهك إلى العثرات.
- المؤثرون: لديهم اطلاع على آراء أصحاب المصالح وموظفي الخط الأمامي.
- شريك المسؤولية: شخص يذكرك بحدودك ومسؤولياتك.
تعرف على ما يمكنك التحكم فيه، وما يمكنك التأثير فيه، وما يجب عليك قبوله. كوّن افتراضات عمل حول الأشخاص، ولكن تذكر أنها تبقى افتراضات عمل لا حقائق.
الدور الذاتي
التطور المهني في الدور القيادي الجديد أشبه بماراثون طويل وليس سباق سبرنت. ابق فضولياً وحافظ على عقلية الانفتاح. جرى تعيينك لطرح رؤية جديدة، فلا تتسرع في التماهي قبل الخبرة.
راقب حوارك الداخلي: اجعله إيجابياً ولكن واقعياً. المرحلة الوسطى مرحلة موحلة وصعبة، وعليك أن تعتاد على الانزعاج المصاحب لها.
انتبه إلى هذه المزالق:
- إهمال تحديد التقدم وعدم الاحتفاء به.
- تجاهل الإصلاحات الضرورية عند الحاجة.
- توقع تقدم كبير في بيئة فوضوية.
- كبح وجهة نظرك بدافع الخوف.
المرحلة 3: التفعيل والتسريع
الحالة الداخلية: تجديد الثقة وتغيرات أوسع في مستوى الطاقة.
التركيز السلوكي: التأثير المستدام وإقامة التحالفات.
هذه المرحلة تمثل نهاية وبداية في الوقت نفسه. لم تعد تشعر بأنك جديد في المنصب. لقد استقر الأدرينالين، وأصبحت أكثر راحة، وتم تحديد حلفائك بوضوح. غالباً يكون هذا الوقت مناسباً لمراجعة عادات إدارة الطاقة وتكييفها.
دور العمل
ركز على الوتيرة وترتيب الأولويات. حدد العمل الأكثر تأثيراً، وابنِ عمليات لضمان التسليم، وامنحها الظهور.
ركز على أولوياتك الأساسية لبناء إرثك. حدد ما يجب أن يتوقف، وتخلص من الهدر لتحرير الموارد وتحفيز الفرق.
الدور البشري
لا تتجاهل العلاقات الجديدة ولا تحرق الجسور. أنشئ حلقات تغذية راجعة من خلال مجلسك الشخصي.
عند العمل مع فرق عالمية متفرقة، تحلَّ بالصبر؛ فبناء الثقة يستغرق وقتاً أطول في العمل عن بُعد.
اطرح أسئلة محددة: ما الشيء الوحيد الذي يجب أن أفعله أكثر أو أقل لمساعدتك؟ اسأل عن كيفية وصول أسلوبك وحدد النقاط المبهمة.
الدور الذاتي
انتبه إلى "تأثير التخاذل": بعد فترة من الضغط، قد يبدأ الإعياء أو المرض.
كيّف روتين طاقتك وفق واقعك الجديد. إذا كانت إدارة الفرق العالمية تتطلب التواصل المسائي، فعوّض ذلك بالعمل من المنزل عندما يلزم.
انتبه إلى هذه المزالق:
- الانتظار طويلاً قبل القيام بالتغييرات الضرورية.
- التكيف الزائد مع الوضع الراهن بدلاً من الحفاظ على الفضول.
الضرورة الاستراتيجية
يتطلب تحقيق النجاح في التنقلات الإدارية والقيادية إدارة حالتك الداخلية بالصرامة نفسها التي تطبقها على استراتيجية العمل. إن الاهتمام بالطاقة والمشاعر والعلاقات يساعدك على تأسيس قواعد من الوضوح والتأثير الدائم في نفسك وفي الآخرين.
يوفر "مثلث الانتقال" خارطة طريق؛ لكن تذكر أن المراحل لا تسير في تسلسل خطي، وقد تحدث بحسب الظروف. إن إدراكك لها يساعدك على الاستجابة بفعالية في كل مرحلة.
أسئلة التأمل
- أين أنت في المثلث الآن؟
- ما أنظمة إدارة الطاقة التي ستنفذها اليوم؟
- من سيشكل مجلس الإدارة الخاص بك؟
- كيف ستراقب قدرتك العاطفية إلى جانب مقاييس العمل؟
تذكر: الانتقال الوظيفي لا يتعلق فقط بالمكان الذي ستذهب إليه، بل بكيفية ظهورك خلال تطبيق هذه المعايير في مختلف مراحل التطور المهني.
