كيف يتعارف الأشخاص الناجحون فيما بينهم؟

4 دقيقة
تعزيز شبكة علاقاتك المهنية
shutterstock.com/VLADGRIN

كلما تقدمتَ في مسيرتك المهنية، اكتسبتَ خبرات أوسع وكوَّنتَ روابط أكثر، ما يساعدك على تعزيز شبكة علاقاتك المهنية؛ وعندها ستزداد مشاغلك تماماً مثل الأشخاص الناجحين الذين تحاول التواصل معهم حالياً؛ فكيف تلفت انتباه شخص يتلقى عشرات الدعوات أسبوعياً ومئات الرسائل الإلكترونية يومياً؟ وكيف تجد وقتاً للتعارف مع عملاء محتملين جدد أو لتعيين موظفين جدد عندما يكون جدول أعمالك مزدحماً بالمواعيد والمهام؟

ولا شك في أن العمل بالنصائح التقليدية التي تُقدّم للموظفين المبتدئين، مثل: "ادعُ مَن تريد التعارف معه لتناول القهوة! أو "تواصل معه عبر لينكد إن!" لن يجدي نفعاً للتعارف مع الأشخاص الذين وصلوا إلى قمة النجاح في مسيرتهم المهنية. وعليك بدلاً من ذلك أن تستخدم استراتيجية مختلفة تماماً سأسميها "التعارف الجاذب" (Inbound Networking).

انتشر مصطلح "التسويق الجاذب" (Inbound Marketing) في مجال التسويق الرقمي منذ أكثر من 10 أعوام على يد مؤسسَي شركة هبسبوت (HubSpot)، برايان هاليغان ودارمش شاه، وهو مصطلح يشير إلى تقديم محتوى قيّم، مثل المقالات أو المدونات الصوتية، بحيث تجذب العملاء إليك تلقائياً دون الحاجة إلى ملاحقتهم مباشرة (وبدلاً من إهدار وقت طويل في الاتصالات الباردة دون ترتيب مسبق أو إنفاق المال على الإعلانات المدفوعة لجذب العملاء).

تواجه عملية التعارف المهني نقطة انعطاف مشابهة؛ إذ يتلقى معظم المهنيين سيلاً من طلبات الصداقة باستمرار على منصات مثل فيسبوك ولينكد إن، ناهيك بتلقيهم كماً مهولاً من الطلبات للحصول على مشورتهم أو معرفة رأيهم في موضوع معين؛ وبالتالي فأي محاولة لتمييز نفسك بالطرق التقليدية وسط هذا الكم الهائل من الطلبات محكومٌ عليها بالفشل، وعلى أي حال لن تجد الوقت الكافي غالباً لإرسال حفنة من الرسائل الإلكترونية الباردة دون ترتيب مسبق.

بدلاً من ذلك، يمكنك النجاح في بناء شبكة علاقات مهنية مع أبرز الشخصيات من خلال فعل شيء مختلف تماماً عن الآخرين، وذلك بجذبهم إليك باستخدام استراتيجية التعارف الجاذب. بعبارة أخرى، اجعل نفسك شخصاً مثيراً للاهتمام بما يكفي بحيث تدفع الآخرين إلى السعي للتواصل معك. وإليك 3 طرق لتحقيق هذه الغاية: 

حدد ما يميزك عن غيرك

من أسرع الطرق لبناء علاقة مع شخص ما هو العثور على قاسم مشترك بينكما (مثل تخرّجكما في الجامعة نفسها أو حبكما لتربية الحيوانات الأليفة أو شغفكما بالتكنولوجيا النظيفة). هذا هو الحد الأدنى المطلوب، ولكن إن أردتَ جذب اهتمامه حقاً، فعليك مشاركة شيء يبدو غير مألوف بالنسبة له. وغالباً ما يعتمد ذلك على السياق؛ فإذا كنتُ في قاعة مليئة بالعاملين في الحقل السياسي وذكرتُ أنني كنت متحدثاً رسمياً في حملة رئاسية، قد تكون هذه المعلومة لطيفة ولكنها ليست مثيرة للاهتمام بما فيه الكفاية؛ لكن إذا كنتُ في فعالية لجمع التبرعات لحملة سياسية بحضور حشد من المحامين والممولين، فستجعلني هذه المعلومة محط اهتمام الجميع وشخصاً يودون تجاذب أطراف الحديث معه.

كلما بدوت أكثر إثارة للاهتمام، ازدادت رغبة الشخصيات البارزة وصنّاع القرار في السعي للتقرُّب منك والتعرف إليك. المشكلة أننا قد نجد صعوبة في تحديد أكثر الجوانب إثارة للاهتمام في شخصياتنا؛ لأن التعوّد على هذه الجوانب يُفقِدها بريقها ويجعلها تبدو عادية بالنسبة لنا، مهما كانت مميزة أو رائعة في واقع الأمر. اطلب من أصدقائك أن يحددوا أكثر العناصر لفتاً للأنظار في سيرتك الذاتية أو اهتماماتك أو خبراتك، ثم تبادل الأدوار معهم وساعدهم مثلما ساعدوك في تحديد هذه العناصر. في إحدى الورش التدريبية التي توليت قيادتها، اكتشفنا أن أحد المسؤولين التنفيذيين كان يعمل في شبابه جامع كرات في بطولة الولايات المتحدة المفتوحة للتنس، وأن محامياً آخر شغوفٌ برياضة ركوب الأمواج ويمارسها بانتظام في الشواطئ المطلة على مدينة نيويورك. كلا الأمرين كافيان لجعل المحادثة مثيرة للاهتمام.

كُن خبيراً متميزاً

الخبرة الحقيقية هي أكثر ما يلفت أنظار الآخرين في أغلب الأحيان ويُزيد من رغبتهم في التفاعل معك. إذا كنت تمتلك معرفة جيدة بموضوع يشغل بال شخص آخر، فسيضعك على رأس قائمة اهتماماته. منذ أن بدأت نشر كتبي، تواصل معي عدد لا يُحصى من الزملاء للحصول على نصائح حول كيفية العثور على وكيل أدبي أو تحسين النصوص قبل نشرها.

لكن من الأفضل أحياناً أن يكتسب المرء خبرته في مجال مختلف عن مجال عمله الأساسي، على غرار ما حدث مع الصحفي المالي، ريتشارد، الذي تناولت قصته في كتابي "إعادة ابتكار الذات" (Reinventing You)؛ إذ استطاع بناء علاقات أفضل وأعمق مع مصادره بعد أن بدأ يكتب بدوام جزئي عن الطعام والمشروبات. اكتشف أن معارفه في وول ستريت أصبحوا يبادرون بالاتصال به لمعرفة أرقى المطاعم الجديدة وأفضل الأماكن لاستضافة عملائهم.

يمكنك أيضاً استخدام الخبرات غير التقليدية لبناء علاقات متعددة الأبعاد؛ فبإمكان بيل غيتس ووارن بافيت إجراء محادثة جيدة حول الموضوعات المرتبطة بمجال الأعمال بكل تأكيد، لكن جديّتهما العالية التي تصل إلى مستوى الخبراء المحترفين في لعبة البريدج هي ما عززت علاقتهما، ما أدى في النهاية إلى قرار بافيت بالتبرع بمليارات الدولارات لمؤسسة بيل وميليندا غيتس فاونديشن (Bill & Melinda Gates Foundation).

عندما تكون خبيراً في مجال معين، يمكنك غالباً التواصل مع أشخاص يصعب الوصول إليهم في الظروف العادية، والتعامل معهم من منظور متكافئ. يعمل أحد أصدقائي مسؤولاً تنفيذياً بإحدى الشركات، لكنه شغوف في الوقت نفسه بإنتاج موسيقى الجاز إلى جانب عمله، وقد تلقى مؤخراً دعوة إلى منزل أحد أشهر نجوم الروك على مستوى العالم عندما بدأت حملات ترويج الفنانين لأنفسهم ولأعمالهم للفوز بجوائز الغرامي.

إذا كنت تعرف الكثير عن المشروبات أو التغذية أو رقص السالسا أو التسويق عبر الرسائل الإلكترونية أو أيٍّ من ملايين الموضوعات الأخرى، فإن المهتمين بهذه الموضوعات سيُبدون اهتمامهم بما يمكنك تقديمه من معلومات.

كُن مركز الشبكة

ليس من السهل بناء شبكة علاقات قوية، خاصة إذا لم تكن تمتلك سلطة أو قدرة على التأثير في الأشخاص المهمين وجذبهم إليك، لكن جون ليفي الذي يقيم في مدينة نيويورك اعتبر أن أفضل وسيلة للحصول على دعوة إلى الحفل هي استضافة الحفل ذاته، بدلاً من انتظار دعوات الآخرين. قبل أكثر من 6 أعوام، بدأ ليفي استضافة حفلات العشاء مرتين شهرياً تحت عنوان "المؤثرون" (Influencers)، مع دعوة شخصيات بارزة في مجالات مختلفة. وها هي الآن حفلات ليفي تجذب نخبة من أبرز الشخصيات تضم حائزي جائزة نوبل ورياضيين أولمبيين، لكن نجاحه لم يكن وليد هذه اللحظة بالتأكيد.

ابدأ بدعوة أكثر المهنيين إثارة للاهتمام من معارفك واطلب منهم أن يدلُّوك على أكثر الأشخاص إثارة للاهتمام من معارفهم، وهكذا ستتمكن من بناء شبكة علاقات ضخمة بمرور الوقت. وفي مرحلة معينة ستكتسب زخماً كافياً حتى يتصل بك المهنيون الذين سمعوا عن العشاء لطلب دعوة. ومثلما قال ليفي مازحاً في إحدى المجلات: "آمل أن أحقق شيئاً يوماً ما يستحق الدعوة إلى حفلات عشائي". عندما تكون المضيف، فإن تنظيم حدث رائع يمنحك حرية توجيه الدعوة لأشخاص ناجحين ربما لا تعتبرهم عادةً أقرانك ولكنهم يغتنمون فرصة التعارف مع محترفين آخرين من مستويات مرموقة.

لقد استضفت أيضاً أكثر من 20 حفل عشاء لتوسيع شبكة علاقاتي والتعرف إلى أشخاص مثيرين للاهتمام، لكنها ليست الطريقة الوحيدة للتعارف بالتأكيد؛ فبإمكان أي محترف يبذل بعض الجهد لإنشاء مجموعة بهدف التعارف أو تبادل الأفكار على منصة ميت أب (Meetup) أو فيسبوك أن يحقق نتيجة مشابهة.

يسعى الجميع لجذب انتباه الأشخاص الناجحين، وإذا أردت التعرف إلى أحدهم والتغلب على العقبات التي تحول دون الوصول إليه وبناء علاقة دائمة معه، فأفضل استراتيجية هي أن تجعله يأتي إليك بنفسه. ومن أنجح الأساليب التي تضمن لك أن تكون موضع اهتمام الأشخاص الذين ترغب في التعرف إليهم أن تحدّد ما يميزك عن غيرك وتكون خبيراً متميزاً ومركزاً لشبكة العلاقات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي