ملخص: بناء العلاقات في كل المستويات الوظيفية وتعلُّم كيفية التأثير بين مرؤوسيك وزملائك ورؤسائك شيء محوري لنجاح مسيرتك المهنية، فعندما تحصل على منصب جديد أو تنال ترقية، من السهل أن ينصبَّ تركيزك على تحقيق مكاسب سريعة على حساب بناء العلاقات مع زملائك ومرؤوسيك المباشرين. لكن أفضل المدراء يحققون كلاً من النتائج ويبنون علاقات قوية مع العاملين معهم. وإليك الطريقة:
- ابدأ ببناء الثقة. ضع على رأس أولوياتك عقد اجتماعات ثنائية مع كل من مرؤوسيك المباشرين وزملائك. واطرح أسئلة مثل: كيف يبدو لك النجاح؟ ما الذي تريد تحقيقه؟ كن واضحاً بشأن أهدافك وتوقعاتك حتى يفهم مرؤوسوك المباشرون كيف يبدو النجاح في أدوارهم من وجهة نظر إدارة المؤسسة.
- كُنْ منفتحاً على التأثُّر. ليس شرطاً أن تكون صاحب الكلمة الأخيرة في كل شيء. فحينما تطلب من أفراد فريقك أن يدلوا بآرائهم وتستمع لهم بغرض تكوين فهم أوضح للأمور وتوسيع زاوية رؤيتك للموضوعات محل النقاش، فإن ذلك سيرسل إشارة لا تخطئها العين بأنك تمتلك القدرات القيادية الصحيحة.
- كيّف رسالتك بما يناسب جمهورك. إذا أردت إقناع الآخرين والتأثير فيهم، فعليك أن تستميل قلوبهم وعقولهم معاً. وبمجرد فهمك لدوافع أعضاء فريقك أو رؤسائك أو مرؤوسيك المباشرين، يمكنك تكييف رسالتك وربطها بهذه الدوافع، وعندها سيزداد تأثيرك بشكل كبير.
عند الحصول على منصب قيادي في شركة جديدة أو الحصول على ترقية لمنصب إداري، يتساءل الكثير منا: كيف أبدأ مزاولة العمل، بحيث أحقق قيمة مضافة وأنال التقدير؟
غالباً ما يكون أول ما يطرأ على ذهنك في هذا السياق هو إظهار قدراتك القيادية من خلال تحقيق مكسب سريع ومبكّر، وذلك لأنك تريد إثبات نفسك وتحقيق النتائج وإظهار أن صاحب الشركة قد اتخذ القرار الصحيح من خلال الاستثمار في نموك.
وعلى الرغم من ذلك، فإنك حينما تسعى لتحقيق النجاح بكل السبل الممكنة، فمن السهل أن تبالغ في التركيز على النتائج وتنسى أمر بناء علاقات قوية مع فريقك وزملائك. وقد يؤدي هذا لعواقب سلبية عليك كقائد، ما يؤدي إلى تدمير الجسور بينك وبين الآخرين وإرهاق كاهلهم بأعباء العمل وإضعاف معنوياتهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن الفشل في بناء علاقات قوية مع أقرانك ومرؤوسيك المباشرين ومسؤولي الإدارة العليا سيقلل حتماً من قدرتك على التأثير فيهم، وهو أمر بالغ الأهمية للنجاح في أداء مهمات وظيفتك الجديدة بالشكل الأمثل.
ويتمثل أحد أهم الدروس لتصبح قائداً أو مديراً ناجحاً في إدراك أنك أصبحت الآن جزءاً من شيء أكبر، وأن نجاحك سيتوقّف بشكل رئيسي على نجاح الآخرين. ومن هنا فإنك مُطالب بضمان حصول زملائك على الإلهام الكافي للعمل نحو تحقيق رؤيتك وأداء وظائفهم على أكمل وجه تحت قيادتك. ولكن تحقيق هذه الغاية يوجب عليك امتلاك القدرة على التأثير في الآخرين أو إقناعهم أو تحفيزهم على اتباع خطاك والعمل تحت قيادتك ودعم أفكارك وإعطاء الأولوية للمشاريع التي تهتم بتنفيذها وتتحمّل مسؤوليتها.
وقد لاحظنا خلال مسيرتنا المهنية كمدرّبين تنفيذيين أن الموظف بمقدوره التركيز على كلٍّ من النتائج والعلاقات، وبعبارة أدق فإن أفضل القادة يستطيعون القيام بالأمرين معاً. وإليك الطريقة:
ابدأ ببناء الثقة
قبل أن تتمكن من قيادة الآخرين، لا بد من تكوين علاقات قوية معهم. وتبدأ عملية تكوين العلاقات ببناء أساس متين من الثقة المتبادلة. وإن دلّ اختيارك لشغل منصب قيادي على شيء فإنما يدل على ثقة الشركة في قدراتك كشخص محترف يمكنه إنجاز مهماته على الوجه الأكمل.
ولكنك لن تكون مطالباً في هذا المنصب الإداري بإنجاز المهمات بقدر ما ستكون مطالباً بتحفيز الآخرين على النجاح في إنجاز مهماتهم. ومن هذا المنطلق فعليك أن تمارس نوعاً مختلفاً من القيادة. إذ يجب أن يثق مرؤوسوك المباشرون وزملاؤك ورؤساؤك في مصداقيتك وقدرتك على تمكينهم من النجاح وقدرتك على إبداء المشاركة الوجدانية كشخص يهتم بهم وبنموهم ونمو الشركة ككل. عندها فقط، سينفتح الآخرون على تأثيرك ويتقبلون العمل تحت قيادتك. وعندها فقط سيثق القادة الآخرون في الشركة أيضاً في فاعلية رؤيتك.
ما يمكنك فعله
بصفتك قائداً جديداً، يجب أن تعطي الأولوية لعقد اجتماعات ثنائية مع كلٍّ من مرؤوسيك المباشرين وزملائك. استغل هذا الوقت للتعرُّف عليهم وطرح أسئلة مثل: كيف يبدو لك النجاح؟ ما الذي تريد تحقيقه؟ كيف تقيس التقدُّم؟ ستساعدك إجاباتهم على فهم دوافعهم وتطلعاتهم وأهدافهم بشكل أفضل.
وكن واضحاً خلال هذه الاجتماعات بشأن أهدافك وتوقعاتك حتى يفهم مرؤوسوك المباشرون كيف يبدو النجاح في أدوارهم الوظيفية. ما دورهم في تحقيق الأهداف العامة للشركة؟ يجب أن تقدم لهم خارطة طريق توضّح هذا الدور. احرص أيضاً على سؤالهم: هل تتوافر لديكم كافة الموارد التي تحتاجونها لتحقيق أهدافكم؟ كيف أساعدكم في هذا الشأن؟ فهم بحاجة إلى معرفة أنك تعتني بهم وتحترم إسهاماتهم، وأنك ستقدّر جهودهم إذا أحسنوا أداء الوظيفة المكلفين بها.
وتنطبق النصيحة ذاتها على الاجتماعات التي تعقدها مع أصحاب المصالح ذوي المناصب الرفيعة داخل مؤسستك. احضر هذه الاجتماعات متسلحاً بكلمة ترويجية تضم رؤية موجزة لمفهومك للنجاح في المشاريع أو المبادرات التي تطلب من الآخرين المشاركة فيها. وعندما تلقي الكلمة الترويجية على مسامعهم، كن واضحاً بشأن خططك، وحدّد تطلعاتك كمدير وكمسؤول عن تطوير الكوادر البشرية. على سبيل المثال، يمكنك أن تقول: لديّ رؤية بسيطة لهذا المشروع، إذ يجب أن نسعى إلى:
- الانتهاء من تنفيذه في الوقت المحدد دون تجاوز الميزانية المقدَّرة، مع تحقيق الأهداف التي حددناها منذ البداية.
- اتباع نهج يتمحور حول العميل وإرساء نهج جديد يقوم على الاختبار والتعلُّم بما يسمح لنا بالمرونة والقدرة على التعامل مع الاحتياجات الطارئة.
- تطوير قدرتنا على التكيُّف مع التغيُّرات الطارئة على المشهد العام.
واحرص على طرح الأسئلة التالية على المسؤولين التنفيذيين ذوي المناصب الرفيعة: ما أكبر المخاطر وأهم الفرص التي ترونها؟ ما التوصيات أو النصائح التي تودون تقديمها لي؟ هل هناك أي شيء آخر ترون أنني أفتقده؟ سيساعدك طلب النصيحة وإبداء انفتاحك على معرفة عيوبك وأوجه الخلل لديك على كسب احترامهم. فهم بحاجة إلى معرفة أنك تقدّر رأيهم كخبراء متمرّسين، وأنك تحرص على تحقيق مصالحهم وتشاركهم النجاح. وعندها سيزداد مستوى ثقتهم فيك، وسيزداد كذلك تأثيرك كقائد.
كُنْ منفتحاً على التأثُّر
يريد الناس على جميع المستويات أن يشعروا بأهميتهم. ولن تجد شيئاً يرسل إشارة قوية على شعورك بأهمية الآخرين أكثر من انفتاحك على الاستماع إليهم والتعلُّم من رؤاهم وتصوراتهم. على سبيل المثال، حينما أجرينا مقابلات شخصية بطريقة 360 درجة مع عملائنا الذين تلقوا تدريباتنا، لاحظنا أن هناك تعليقاً نسمعه مراراً وتكراراً، ألا وهو: "إذا عملتُ مع شخص يهتم بما أريد قوله، سأكون أكثر استعداداً للتعبير عن رأيي". ويشير هذا إلى أنهم يريدون العمل مع قائد يمتلك عقلية النمو، وهو مصطلح صاغته الكاتبة والباحثة كارول دويك.
وإذا أردتَ إنشاء فريق متفاعل يريد أعضاؤه مشاركة آرائهم، فعليك أولاً أن تدير نفسك. فحينما تقلّدتَ منصباً قيادياً، تغيّر دورك من حل المشكلات إلى التأثير في الآخرين. ولم تعد بحاجة إلى الوصول إلى كل الإجابات بنفسك، وصارت مهمتك الآن تمكين الآخرين من حل المشكلات بأنفسهم.
ما يمكنك فعله
استمع أكثر ممّا تتحدث، خاصة عند الانخراط في محادثات صعبة. ولكي تكون أكثر حضوراً في أثناء الاجتماعات، ضع هاتفك على الوضع الصامت ووجّه كل تركيزك إلى الشخص الذي تتحدث معه. اطرح أسئلة توضيحية مثل: ما رأيك في هذا النهج؟ هل هناك طريقة أخرى لتنفيذ هذا العمل؟ وتجنب استخدام كلمة "لكن" ("... لكنني لست متأكداً من كيفية تأثير ذلك على كذا وكذا")، لأن كلمة "لكن" تنفي كل ما قيل قبلها. واحرص بدلاً من ذلك على صياغة مخاوفك على هيئة سؤال مثل: "هل فكرت في تأثير كذا وكذا؟" أو "كيف يمكنك نشر هذا الحل على نطاق واسع؟".
ومن المهم أن تعرف أيضاً أنه ليس شرطاً أن تكون صاحب الكلمة الأخيرة في كل شيء. فقد يقودك السعي لتحقيق مكاسب سريعة إلى اتخاذ الكثير من القرارات بنفسك. لكن إرساء ثقافة تسمح لأعضاء فريقك بالتعبير عن أفكارهم وتقديم اقتراحاتهم سيؤدي حتماً إلى حلول أفضل. وحينما تطلب من أفراد فريقك الإدلاء بآرائهم والانفتاح على البدائل الأخرى، وحينما تستمع لهم بغرض تكوين فهم أوضح للأمور وتوسيع زاوية رؤيتك للموضوعات محل النقاش، فإن ذلك سيرسل إشارة لا تخطئها العين بأنك تمتلك القدرات القيادية الصحيحة. وستكون بمثابة إشارة تتيح للآخرين الشعور بالتقدير والقدرة على المشاركة، وبالتالي سيزداد تأثيرك وفاعليتك كقائد.
كيّف رسالتك بما يناسب جمهورك
إذا أردت إقناع الآخرين والتأثير فيهم، فعليك أن تستميل قلوبهم وعقولهم معاً. ويتمثّل مفتاح السر لتحقيق هاتين الغايتين في الطريقة التي تتواصل بها مع أعضاء فريقك. ولدى معظمنا طريقته المفضلة في التواصل مع الآخرين، وتتواءم هذه الطريقة مع نمط شخصيتنا، وتميل إمّا إلى مخاطبة القلوب (مثل رواية قصة لتوضيح وجهة نظرك) أو مخاطبة العقول (مثل عرض الكثير من الأدلة التي تدعم وجهة نظرك). لكنك تحتاج إلى صياغة رسالة تناسب جمهورك وتلبي احتياجاتهم المحددة وتضمن سماعهم لما تحاول قوله.
ولَكَم رأينا أشخاصاً يوجهون كل تركيزهم إلى المحتوى الذي يشاركونه بدلاً من التركيز على كيفية تقديمه. لكنك لن تجد الجميع يتأثرون في واقع الأمر بالرسائل التي تبدو متماسكة أو بالبيانات المحضة فقط.
ما يمكنك فعله
عند التعرُّف على مديرك الجديد أو فريق الإدارة أو مرؤوسيك المباشرين الجدد، اسألهم: "ما أهم شيء بالنسبة لكم؟" أو "ما تعريفكم للنجاح؟". واحرص على التعرُّف على أسلوبهم المفضَّل في التواصل وسلوكياتهم والقيم الكامنة وراء هذه السلوكيات. يمكنك أن تبدأ بطرح الأسئلة التالية: ما الذي يحفزكم؟ ما مصدرك إلهامكم؟ ما أكثر الأشياء التي تفخرون بها؟ وبمجرد فهمك لدوافعهم، يمكنك تكييف رسالتك وربطها بهذه الدوافع، وعندها سيزداد تأثيرك بشكل كبير.
على سبيل المثال، إذا كان مديرك يشتهر بقدرته على رواية القصص والتوصُّل إلى الأفكار المدهشة، فقد يرغب في الاستماع أولاً إلى الأفكار والأساليب المبتكرة التي لم يتم تنفيذها من قبل. ويجب عليك حينئذٍ صياغة رسالتك في صورة قصة تسلّط الضوء على الحلول غير التقليدية وأثرها الاستراتيجي على العمل بصورة عامة. وعليك أيضاً أن تتناول كافة المستجدات المتعلقة بالأثر المالي للمشروع الذي تتحدّث عنه، وأسلوب تنفيذه، وذلك لمنحه الثقة بأن كل شيء يسير على الطريق الصحيح. لكن ضع نفسك مكان مديرك واسأل نفسك: هل هناك طريقة إبداعية جديدة لمعالجة هذه المشكلة؟ ما الفكرة أو القصة الأساسية وراء هذه العملية؟
لن تختفي الضغوط التي تدعوك إلى إحداث تأثير إيجابي وترك انطباع أولي رائع من خلال تحقيق النتائج والمكاسب السريعة. لكن يجب أن تطبّق النهج الذي وضعته لتحقيق هذه المكاسب على الأشخاص الذين تعمل معهم. لا بد من بناء العلاقات وتعلُّم كيفية التأثير في في كل المستويات بين مرؤوسيك وزملائك ورؤسائك، باعتبارهما أمرين محوريين لنجاح مسيرتك المهنية. وستتمكّن بذلك من وضع قدمك على طريق الأداء المستدام، في حين أن أولئك الذين يتفاعلون معك سيشعرون بالثقة والشمول والتواصل والاندماج.