كيف تستفيد من الكسل الفطري للدماغ للتأثير في الآخرين؟

3 دقائق
التأثير على سلوك الآخرين

غالباً ما تُركز المناقشات المتعلقة بالقدرة على تأثير على الرسائل والمعلومات، بافتراض أن أفضل طريقة لجعل الناس يتخذون قرارتهم هي مساعدتهم في فهم مسار العمل الأفضل لهم ومن ثم اتّباعه.

لكن لاحظَ تيار آخر أن للبيئة تأثير أيضاً على قراراتهم، وركّز مناصرو العمل الموضح في كتاب "الترغيب" (Nudge) لريتشارد ثالير وكاس سنستين طوال العقد الماضي على التغييرات الصغيرة التي يمكن إجراؤها على البيئة ولها تأثير كبير في السلوك. ولعل المثال التقليدي في هذا الكتاب هو أن تغيير الخيار التلقائي من الاشتراك في برنامج تقاعد إلى إلغاء الاشتراك فيه قد يكون له تأثير كبير على مقدار ما يدّخره الأفراد.

ومع ذلك، يفترض الكاتبان أن البيئة تمثّل انعكاساً للمعلومات التي تحفّز التفضيلات. على سبيل المثال، من المفترض أن يميل الأشخاص إلى الالتزام بالخيار التلقائي لعدم امتلاكهم معلومات كافية لتغييره.

يفترض هذا الرأي حول صناعة القرار أن المعلومات تمثّل جوهر الاقتصاد المعرفي، لكن في الواقع، تمثّل الطاقة العنصر الرئيسي الذي يسعى النظام المعرفي إلى الحفاظ عليه. فعلى الرغم من أن الدماغ البشري يشكّل نحو 3% من وزن الجسم، فهو يستخدم 20-25% من إمدادات الطاقة اليومية في الجسم ليستمر بالعمل، بغض النظر عن طبيعة هذا العمل. وهذا يعني أن الوقت الذي نقضيه في التفكير في قرار ما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بكمية الطاقة التي يستهلكها الدماغ.

ولعلّ أفضل طريقة للتفكير في دور البيئة إذاً هي إدراك رغبة الناس في تقليل مقدار ما تبذله أدمغتهم من وقت وطاقة للتفكير في قرار ما وتقليل ما تبذله أجسامهم من وقت وطاقة أيضاً من أجل تنفيذ ذلك القرار، وهذان أمران يمكن تحقيقهما من خلال اتخاذ القرارات التي تحثّ البيئة عليها. بعبارة أخرى، لا يتعامل الناس مع البيئة المحيطة بهم على أنها معلومات عند إجراء المداولات، بل يعتبرونها عاملاً يُتيح لهم اتخاذ أسهل القرارات بأقل قدر ممكن من التفكير.

إذا أردنا التأثير على سلوك الآخرين، فعلينا أن نجعل السلوكيات المرغوبة سهلة والسلوكيات غير المرغوبة صعبة. لنفكّر في تصميم متجر البقالة، غالباً ما تُعرض المشتريات الاندفاعية على الرفوف الموجودة بالقرب من ممر الخروج؛ نحن لا نشتري هذه المنتجات غير الضرورية لأن لدينا معلومات حولها، لكننا نشتريها استناداً إلى مزيج من العوامل، كالبيئة التي تسهّل علينا عملية الشراء، والعادات التي تعلمناها من القرارات السابقة، ونتائج المداولات السابقة حول قرار ما.

فكّر في زبونة تستعد لشراء معجون أسنان: عندما كانت طفلة، استخدم والداها معجون كولجيت، على الرغم من أنها جربت معجون كرست وأكوا فريش في منازل أصدقائها في أثناء نشأتها وشاهدت الكثير من الإعلانات التجارية على مر السنين. وعندما اضطرت في المرحلة الجامعية إلى شراء معجون أسنان لها، كانت تبحث عن كولجيت عادة، لكن إذا صادفت علامة تجارية أخرى مألوفة كانت تختارها على الفور، والعرض الترويجي الذي يروّج معجون أسنان أحبته على رفّ خاص سيقودها إلى شرائه في أثناء تجولها في المتجر. وكانت تشعر بالإحباط عندما تُغيّر شركات معجون الأسنان عبواتها، لأن ذلك زاد صعوبة اختيار إحدى العلامات التجارية التي تشتريها عادة.

وفي هذا المثال، لم يتضمن أي من هذه القرارات إجراء مداولات مهمة، بل كانت هناك تفضيلات بسيطة لبعض العلامات التجارية بناءً على تجارب سابقة وعدد من الاختيارات التي سهّلت عملية الشراء. ولعلّ الخطوة التي تتخذها العلامات التجارية غالباً والتي تعيق هذا السلوك المنخفض الجهد هو تغيير عبواتها، ما يجبر المستهلكين على بذل جهد للعثور على العلامة التجارية المألوفة في عبوة غير مألوفة.

يمكن لهذا التوجه نحو البيئة تغيير جميع أنواع السلوكيات أو تعزيزها. أناقش في كتاب "التغيير الذكي" (Smart Change)، أن إحدى أكثر حملات الصحة العامة نجاحاً في نصف القرن الماضي هي الجهود المبذولة في الولايات المتحدة لتقليل عدد المدخنين، فمن أهم العوامل التي أدت إلى خفض معدلات التدخين بين البالغين من نحو 50% في ستينيات القرن العشرين إلى نحو 20% الآن هي البيئة؛ إذ حُظر التدخين ضمن المباني العامة بمعظم الأماكن في الولايات المتحدة، ولم تعد بعض الشركات تسمح بالتدخين في مبانيها بأكملها، وهذا التغيير في البيئة يجعل السلوك غير المرغوب فيه صعباً.

في مكان العمل، هناك العديد من طرق تغيير البيئة لحث الموظفين على تبنّي السلوكيات المرغوبة. على سبيل المثال، أنشأ العديد من الشركات قواعد بيانات للمشاريع السابقة ونتائجها من أجل استخلاص المعارف المؤسسية. ومع ذلك، غالباً ما واجه الموظفون صعوبة في الوصول إلى قواعد البيانات تلك واستخلاص المعلومات التي يحتاجون إليها لأنها تضم واجهات بينية غير مُتقنة. وللاستفادة من قواعد البيانات تلك، على الشركات تسهيل الوصول إليها عبر أجهزة الكمبيوتر، وتبسيط واجهة المستخدم البينية لتسهيل العثور على التقارير السابقة بدلاً من سؤال بعض الزملاء العشوائيين عن تجاربهم بالمشاريع ذات الصلة.

وبالمثل، إذا كان هدفك هو حث الموظفين على جدولة اجتماعات أقصر، فعليك تنظيم برنامج تنظيم مواعيد المكتب بحيث تكون مدة الاجتماع الأساسية 15 أو 30 دقيقة بدلاً من ساعة، مع ضرورة تعديلها لتصبح أطول إذا اقتضى الأمر. صحيح أن عدد الاجتماعات التي تستغرق ساعة لا يزال كبيراً، لكن الطاقة الإضافية اللازمة لمخالفة الخيار القياسي ستحثّ الموظفين في النهاية على اختصار بنود جدول الاجتماع.

ويجب على أي شخص مهتم بالتأثير أن يبدأ التركيز على البيئة التي يحاول التأثير فيها؛ أجرِ تحليلاً على تلك البيئة وابحث عن طرق تجعل الإجراءات المرغوبة سهلة والإجراءات غير المرغوبة صعبة. وتذكّر أن النظام المعرفي البشري يهدف إلى الحصول على أفضل نتيجة ممكنة بأقل قدر من الطاقة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي