تُبرز القيادة الشاملة قدرة فريدة وحاسمة تساعد المؤسسات على التكيف مع العملاء والأسواق والأفكار والمواهب المتنوعة. بالنسبة للأفراد الذين يعملون تحت قيادة شخص ما، مثل المدير أو المرؤوس المباشر أو النظير، فإن أهم سمة تولد الشعور بالشمولية هي وعي القائد الواضح بالتحيز. بالنسبة لمن يعملون مع القائد، سواء مديره أو مرؤوسه المباشر أو نظيره، فإن أهم سمة ملموسة للقائد الشامل هي وعيه الواضح بالتحيز، تقدم هذه المقالة ممارسات تنظيمية يمكن أن تساعد القادة على تعزيز الشمول وتحسين أداء فِرقهم.
ما الذي يجعل الأفراد يشعرون بأنهم مشمولون في مؤسساتهم؟ هل هي معاملتهم بإنصاف وتلقيهم التقدير وشعورهم بالانتماء؟ بالطبع، ثمة العديد من العوامل المؤثرة، بما في ذلك رسالة المؤسسة وسياساتها وممارساتها، بالإضافة إلى سلوكيات الزملاء.
لكن الأهم من ذلك كله هو دور القادة. لقد اكتشفنا أن ما يقوله القادة ويفعلونه يؤثر بنسبة تصل إلى 70% في شعور الأفراد بالشمول. وهذا جانب مهم فعلاً لأن تعزيز شعور الأشخاص بالشمول يحفزهم على المشاركة والتفاعل والإبداع والتعاون، ما ينعكس إيجاباً على الأداء المؤسسي عموماً.
انطلاقاً من هذه المعادلة، تبرز القيادة الشاملة قدرة فريدة وحاسمة تساعد المؤسسات على التكيف مع العملاء والأسواق والأفكار والمواهب المتنوعة. لقد أظهرت أبحاثنا السابقة أن القادة الشاملين يتشاركون مجموعة من 6 سمات مميزة:
- الالتزام الواضح: يعبّرون بصدق عن التزامهم بالتنوع وتحدي الوضع الراهن وتحميل الآخرين المسؤولية، ويجعلون التنوع والشمول أولوية شخصية.
- التواضع: يتسمون بالتواضع بشأن قدراتهم ويعترفون بأخطائهم ويمنحون الآخرين الفرصة للإسهام.
- الوعي بالتحيز: يدركون عجزهم عن فهم بعض الأمور وعيوب النظام، ويبذلون جهدهم لضمان اتباع نهج قائم على الجدارة.
- الفضول تجاه الآخرين: يتميزون بعقلية منفتحة وفضول عميق تجاه الآخرين، ويستمعون بانتباه دون حكم مسبّق ويسعون بتعاطف لفهم مَن حولهم.
- الذكاء الثقافي: يراعون ثقافات الآخرين ويتكيفون معها عند الضرورة.
- التعاون الفعال: يمكّنون الآخرين، ويقدّرون الأمان النفسي وتنوع الأفكار، ويركزون على تماسك الفريق.
قد تبدو هذه قائمة طويلة، لذلك ليس من المستغرب أن يسألنا الآخرون عن السمة الأهم بينها. تختلف الإجابة باختلاف السائل. بالنسبة للقادة، الالتزام هو الأهم، فدونه لا يمكن تطوير السمات الخمس الأخرى تماماً.
بالنسبة للأفراد الذين يعملون تحت قيادة شخص ما، مثل المدير أو المرؤوس المباشر أو النظير، فإن أهم سمة تولد الشعور بالشمولية هي وعي القائد الواضح بالتحيز. لتأكيد هذه الرؤية؛ يكشف تحليلنا بطريقة 360 درجة لتقييمات القيادة الشاملة لأكثر من 400 قائد، التي أجراها نحو 4 آلاف مُقيّم، أن السمات الست كلها مهمة ومترابطة، لكن وعي القائد بالتحيزات الشخصية والتنظيمية هو العامل الأساسي الذي يهتم به المقيّمون أكثر من غيره.
تشير تعليقات المقيّمين على تقييمات القيادة الشاملة إلى أنهم يهتمون خصوصاً بالحالات التي "يتحدى فيها القائد باستمرار تحيزاته ويشجع الآخرين على أن يكونوا واعين لتحيزاتهم المسبّقة"، أو عندما يبحث القائد عن نظرة ثاقبة لتحيزاته من خلال "الطلب من الآخرين تقييم إذا ما كانت طريقة تفكيره متحيزة بأي شكل من الأشكال".
وهذا ليس كل شيء. فالمقيّمون لا يسعون فقط إلى مجرد الاعتراف بالتحيز والقول بأن ذلك جانب مقدّر لا يمكن فعل الكثير حياله، بل يهتمون بالوعي بالتحيز المقترن بسلوكين إضافيين:
- التواضع: يريد المقيمون رؤية قادتهم مصممين على معالجة تحيزاتهم. تظهر القدرية في أقوال القادة من قبيل: "أعلم أن لدي هذا الحكم المسبّق، لكن لا يمكنني تغيير ذلك". في المقابل، يدرك القادة المتواضعون ضعفهم أمام التحيز ويطلبون تعليقات الآخرين حول نقاطهم المبهمة وعاداتهم. على سبيل المثال، أخبرنا أحد المرؤوسين المباشرين بأن قائدة فريقه "منفتحة وصريحة جداً بشأن نقاط ضعفها، وتتحدث عنها خلال ورش عمل تطوير الفريق. فهي تشارك تقييمات قيادتها بصراحة مع الفريق وتطلب الملاحظات والمساعدة لتحسين نفسها". تشير أبحاثنا إلى أنه عندما يقترن الوعي بالتحيز بمستويات عالية من التواضع، يمكن أن يعزز ذلك شعور المقيّمين بالشمول بنسبة تصل إلى 25%.
- التعاطف وتبنّي وجهات النظر الأخرى: لا يتطلع المقيّمون إلى أن يحاول قادتهم فهم وجهة نظرهم وتجربتهم بصفتها ممارسة فكرية جافة، بل يتطلعون إلى أن يتعاطفوا معهم. وهذا يعني فهم الآخرين بصدق وتقدير آرائهم. على سبيل المثال، علّق أحد المُقيّمين قائلاً: "إن تعاطف القائد في التعامل مع الآخرين يجعله ودوداً وجديراً بالثقة ويوضح استعداده للعمل مع النظراء والزملاء والمدراء ودعمهم". عندما يقترن إدراك التحيز بمستويات عالية من التعاطف وتبنّي وجهات النظر الأخرى، يمكن أن يعزز ذلك من شعور المقيّمين بالشمول بنسبة تصل إلى 33%.
ما هي أهمية التواضع والتعاطف في هذا السياق؟ يشجع التواضع الآخرين على مشاركة ملاحظاتهم (على سبيل المثال، قد يكون لدى القائد تفضيل أو ميل إلى مقاطعة الأشخاص أو تجاهل نوع معين من المعلومات باستمرار). كما أن التعاطف وتبنّي وجهات النظر الأخرى يمنح الأشخاص الأمل في أن القائد يهتم بهم ويأخذ وجهات نظرهم في الاعتبار، بدلاً من الانغماس في التصورات المسبّقة أو مجموعة ضيقة من الأفكار حول وجهات نظرهم. كما أنه يخلق إحساساً بالتواصل الشخصي بين القادة ومجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة، ما يسهل عملية اتخاذ القرارات المشتركة وتنفيذها.
تطبيق السمات
كيف يمكن للقادة تطبيق هذه الرؤى بفعالية؟ أحد الأساليب هو إنشاء مجلس استشاري شخصي متنوع عبارة عن مجموعة من النظراء غالباً، الذين يتواصلون بانتظام مع القائد ويثق القائد في التحدث إليهم بصراحة. يمكن لهؤلاء المستشارين الموثوقين تقديم ملاحظات دقيقة للقادة حول سلوكياتهم الشخصية اليومية التي تدعم الشمول أو تعوقه. على سبيل المثال: هل يمنح القائد الوقت نفسه للمشاركين كلهم في الاجتماعات، أم أنه يفضل الحاضرين فعلياً على المشاركين عن بُعد؟ هل يستخدم القائد صيغة المذكر فقط (أو المؤنث فقط) في أمثلته أم يستخدم لغة محايدة؟ هل يستخدم القائد طيفاً واسعاً من الصور عند مخاطبة جمهور متنوع، أم يستخدم صوراً تمثل فئة واحدة فقط من الأشخاص (مثل الاستعارات الرياضية أو الرموز الذكورية). نظراً لاستمرارية المجلس الاستشاري الشخصي، يمكن للقادة تلقي تعليقات باستمرار حول مدى فعالية التغييرات التي يجرونها.
الأسلوب الثاني هو مشاركة القادة لرحلتهم في التعرف على تحيزاتهم ومعالجتها. لقد رأينا قادة يفعلون ذلك من خلال مناقشة نتائج تقييم أدائهم بطريقة 360 درجة مع مدرائهم، أو التحدث في اجتماع عام عن نموهم، أو إنشاء بند دائم في اجتماعات الفريق الأسبوعية (وقت الشمول) حيث يحددون هم أنفسهم أو أحد أعضاء الفريق ما تعلموه في ذلك الأسبوع عن التنوع والشمول . تعبّر هذه الإجراءات عن التواضع وتساعد القادة على اختبار رؤاهم وتطويرها، وتقديم قدوة تظهر أهمية التواضع في معالجة التحيزات.
يتمثل الأسلوب الثالث في أن ينخرط القادة في مواقف غير مألوفة أو صعبة تضعهم أمام أصحاب مصلحة متنوعين، مثل حضور اجتماع مجموعات موارد الموظفين، أو العمل في مناطق مختلفة من مكان العمل كل أسبوع. يساعد مثل هذا التعرض، إلى جانب طرح أسئلة مفتوحة، على توسيع وجهات النظر وزعزعة المفاهيم المسبّقة.
القيادة الشاملة هي قدرة مهمة للاستفادة من التفكير المتنوع في القوى العاملة التي تخدم أسواقاً وعملاء ومواهب متنوعة على نحو متزايد. لقد لاحظنا سابقاً أن ثلث القادة لديهم رؤية دقيقة حول قدراتهم في مجال القيادة الشاملة، ويعتقد ثلث آخر أنهم أكثر شمولية مما يراهم الآخرون بالفعل، في حين يفتقر الثلث الأخير إلى الثقة في قدراتهم في القيادة الشاملة، وبالتالي لا يبذلون جهداً كافياً في توجيه الآخرين وتحدي الوضع الراهن بفعالية.
إن تعزيز الوعي جانب بالغ الأهمية لتطوير الذات، لكن الوعي وحده لا يكفي. دون التواضع والتعاطف وتبنّي وجهات النظر الأخرى، من الصعب على القادة اكتساب رؤى عميقة حول طبيعة نقاطهم المبهمة أو استراتيجياتهم الإصلاحية، وبالتالي تحقيق النمو. يتطلب ذلك جهداً، ولكن لحسن الحظ، دورة التعلم مثمرة. فالقادة الذين يتحلون بالتواضع والتعاطف سيكونون منفتحين على النقد بشأن تحيزاتهم الشخصية، وستؤدي البصيرة الذاتية بقيودهم الشخصية إلى تعزيز التواضع والتعاطف وتبنّي وجهات نظر الآخرين. هذه السلوكيات ليست مهمة لتطوير الذات للقادة فحسب، بل تعزز أيضاً شعور الآخرين بالشمول خلال هذه العملية. وهذا هو الهدف النهائي بالطبع.