ملخص: يؤمن كثير منا أنه يترفع عن النميمة في مكان العمل، وأنه لا يشارك فيها على الإطلاق، ولكنك ستكون قد شاركت في النميمة فعلاً إذا خضت يوماً في "حملة توكيد"؛ إما أن تطلب من أحد الزملاء توكيد تجربته السلبية أو الصعبة مع زميل ثالث غائب، وإما أن تستجيب لطلب مماثل من أحد زملائك بشأن زميل ثالث غائب. ستقوض فوائد العلاقة الصريحة الصادقة والثقافة القائمة على تبادل التقييمات والآراء المباشرة إذا تحدثت إلى أي شخص أو إلى الجميع أو إلى شخص محدد عن زميل غائب لا يستطيع سماع رأيك وتوضيح وجهة نظره ومشاركتك في حل المشكلة. من أجل وضع حدّ لهذا النوع من السلوكيات يجب علينا أولاً تسمية الأمور بمسمياتها، أي أن نسمّي النميمة "نميمة" كي نتمكن من إيقافها على الفور. سيمتنع أغلب الناس عن المشاركة إذا سمعوا أحداً يقول: "يبدو لي هذا الحديث نميمة، هل هذا هو القصد؟" ثم غيّر مسار الحوار بقول: "كيف يمكنني مساعدتك للتوصل إلى نتيجة أفضل؟" لا تشارك إلا في حوارات التدريب وتوليد الأفكار وحل المشكلات، وتجنب حملات توكيد المشكلات.
حين أدرّب القادة والفرق أسألهم عن مشاركتهم في النميمة في مكان العمل، وفي كثير من الأحيان يكون جوابهم نفياً قاطعاً مع نظرة تشير إلى شعورهم بالإهانة لتوجيه هذا السؤال إليهم.
ولكن حين أسألهم عن مشاركتهم في "حملة توكيد"؛ إما أن تطلب من أحد الزملاء توكيد تجربته السلبية أو الصعبة مع زميل ثالث غائب، وإما أن تستجيب لطلب مماثل من أحد زملائك بشأن زميل ثالث غائب، يقرّ أغلبهم بأن هذه الحملات تشكل في الواقع جزءاً من حياتهم اليومية في العمل.
في حين يمكن أن يرى القادة والفِرق أن هذا السلوك بريء يهدف إلى "التنفيس عن المشاعر" أو استراتيجي يهدف إلى "تأكيد بيانات الأداء"، فأنا أعتبره جزءاً من النميمة في مكان العمل.
لكن هذا ليس رأيي وحدي، فالمؤلفتان نانسي كرلاند وليزا هوب بيلد تعرّفان النميمة في بحثهما، "نقل الكلام: نموذج النميمة والسلطة في مكان العمل"، بأنها: "حديث تقييمي غير رسمي يدور بين بضعة أفراد فقط في مؤسسة ما بشأن فرد غائب من نفس المؤسسة". عندما تفكر في عدد المرات التي تكون فيها حوارات مكان العمل 1) غير رسمية ("أمضي بعض الوقت في مكتب لينا")، 2) تقييمية ("نناقش صعوبة الحصول على رد سريع من سمير في قسم المحاسبة")، 3) بين بضعة أفراد فقط ("وميساء هنا أيضاً")، 4) بشأن فرد غائب من نفس المؤسسة ("سمير في مكتبه بالتأكيد!")، فستدرك أنك تشارك في النميمة كثيراً، والمشاركة في النميمة لها آثار مدمرة.
ما هي هذه الآثار؟ تقويض الثقة مثلاً، وجرح المشاعر وإحباط المعنويات وتشويه السمعة وتقويض المصداقية الشخصية والمهنية، وزيادة التوتر والانقسامات بين الموظفين واستنزافهم.
على الرغم من تكاليف النميمة الكبيرة فالدافع للخوض فيها قوي. كتبت الباحثة في علم النفس وأستاذته في كلية ويل للطب بجامعة كورنيل، الدكتورة بيغي دريكسلر: "يقول علماء الأنثروبولوجيا إن النميمة كانت على مدى تاريخ الإنسان طريقة للتواصل مع الآخرين، حتى إنها وسيلة لعزل من لا يدعمون المجموعة أيضاً".
ففي مثالنا، يؤدي التحدث إلى زميلة أو أكثر عن صعوبة الحصول على رد سريع من سمير في قسم المحاسبة إلى توليد شعور بالتواصل بين جميع من يواجهون هذه المشكلة معه، فيجتمع الأفراد الذين يشعرون بنفس الدرجة من الاستياء تجاه سمير ويبدون تحيزاً للمجموعة في تعاملهم فيما بينهم، وهو جانب شائع وأساسي من السلوك الإنساني يدفع الأفراد لإبداء سلوك التضامن الاجتماعي تجاه أفراد مجموعتهم بدرجة أكبر مقارنة بالأفراد خارجها.
كما أن النميمة هي تنفيس عن المشاعر بالنسبة لمن يترددون في تقديم ملاحظات أو تقييمات مباشرة إلى زملائهم أو خوض محادثات صعبة معهم. ذكرتُ سابقاً في مقال هارفارد بزنس ريفيو، "متى تتجنب النقاش الصعب": "في دراسة استقصائية حول المحادثات الصعبة أجرتها مؤسسة غلوبيس (Globis) عام 2013 على أكثر من 200 مهني، قال 80% من المشاركين إن هذه المحادثات كانت جزءاً من عملهم، في حين أشار أكثر من النصف إلى أنهم لم يحصلوا على التدريب الكافي لإجراء هذه المحادثات بفعالية".
ستقوض فوائد العلاقة الصريحة الصادقة والثقافة القائمة على تبادل التقييمات والآراء المباشرة إذا تحدثت إلى أي شخص أو إلى الجميع أو إلى شخص محدد عن زميل غائب لا يستطيع سماع رأيك وتوضيح وجهة نظره ومشاركتك في حل المشكلة.
وأخيراً، نلجأ إلى النميمة على اعتبارها وسيلة لجمع الأدلة التي تؤكد معتقداتنا وترضي تحيزنا التأكيدي، أي نزعتنا للبحث عن المعلومات التي تؤكد ما نؤمن بصحته فعلاً؛ حين سألت الموظفة في مثالنا زميلتها عما إذا كانت تعاني مشكلة بطء التجاوب نفسها مع زمليهما سمير، حصلت على تأكيد لمعتقداتها الحالية وشعرت بالرضا نتيجة لإثبات أنها "محقة" بشأنه. توضح جوديث غليزر في مقالها "عقلك مدمن على أن تكون محقاً" (Your Brain Is Hooked on Being Right) أن غمرة هرمونَي الأدرينالين والدوبامين المرافقَين للشعور بأنك محق تتحول إلى إدمان صريح.
بالنظر إلى الرضا الذي يشعر به الإنسان حين يكون محقاً واستعداده لتفادي تقديم تقييم مباشر وإجراء محادثة صعبة وبحثه الحثيث عما يؤكد ما يؤمن به فعلاً، نرى أنه من الصعب كسر عادة الخوض في النميمة سواء في دور المتكلم أو المتلقي، ومع ذلك ثمة استراتيجيات تساعدك أنت وفريقك على التوقف عن المشاركة في فعل خاطئ جداً يوهمك بأنه صحيح وسليم:
1) سمّ السلوك باسمه الصحيح ثم غيّره.
أولاً، سمّ النميمة "نميمة" كي توقفها على الفور، إذا دخلت في "حديث تقييمي غير رسمي يدور بين بضعة أفراد فقط في مؤسسة ما بشأن فرد غائب من نفس المؤسسة"، بهدف تأكيد تجربتك تحديداً لا التوصل إلى حل بنّاء، فأنت تشارك في النميمة. وإذا طلبت توضيحاً للأمر فستجد أن أغلب الناس يمتنعون عن المشاركة في الحديث إذا سمعوا أحداً يقول: "يبدو لي هذا الحديث نميمة، هل هذا هو القصد؟" ثانياً، غيّر مسار الحديث بطرح السؤال: "كيف يمكنني مساعدتك للتوصل إلى نتيجة أفضل؟" لا تشارك إلا في حوارات التدريب وتوليد الأفكار وحل المشكلات، وتجنب حملات توكيد المشكلات.
2) سل نفسك أو الآخرين عن سبب الحاجة إلى تأكيد شخص آخر لسلوك يبديه شخص ثالث.
إن كنت بحاجة إلى تسويغ شعورك أو إثبات أنك محق أو كسب التأييد لوجهة نظرك فلا تجرِ هذه المحادثة، أما إن كنت تريد الاستفهام عن المساعدة التي يمكنك تقديمها لمعالجة الموقف أو المشكلة، أو توليد الأفكار حول الحلول المفيدة، أو تقديم شكوى رسمية للتمعن في المشكلة أكثر، فعليك بها.
3) وضح للآخرين أنك تتبع سياسة "إذا كانت لديك مشكلة معي فأخبرني أولاً، لطفاً".
احرص على تبني سياسة "إخبار صاحب العلاقة بالمشكلة أولاً" في تعاملك مع زملائك، وحين يأتيك أحدهم ينمّ على شخص آخر اطرح عليه السؤال: "هل أخبرته بذلك؟" كي تذكره بهذه السياسة.
4) أنشئ بيئة قائمة على تبادل التقييمات والآراء المباشرة حولك.
إذا جعلت تبادل التقييمات والآراء المباشرة السلبية والإيجابية أمراً طبيعياً ومعتاداً فلن يضطر أحد للجوء إلى الوسائل البديلة للتعبير عن إحباطه ومخاوفه. وبدلاً من تأجيل التقييمات والآراء لطرحها في مراجعات الأداء السنوية، احرص على تخصيص وقت من اجتماعات متابعة العمل أو الإحاطة بمستجدات المشروع دائماً لمناقشة ما أجاده الشخص المعني أو ما كان بإمكانه فعله بأسلوب مختلف، واحرص على توجيه ملاحظات إيجابية للموظفين الذين يقدمون تقييمات مفيدة حتى وإن كان سماعها صعباً.
ستبقى النميمة استراتيجية تواصل مدمّرة ولو استترت بمسميات أخرى، وستلقي آثاراً سلبية على الأفراد والفرق والمؤسسة بأكملها. وبإيقاف حديث النميمة على الفور واختيار أساليب صحية ومفيدة أكثر للتواصل والتحدث عن المشكلات والانخراط في عملية مشتركة لحلها، ستصبح العلاقات بين الزملاء بنّاءة وتسهم في ازدهار المؤسسات.