ملخص: حينما تتعامل مع موظف يلوي عنق الحقيقة أو يكذب كذباً بواحاً، فإن هذا يضعك في موقف إداري صعب. فقد يتسبب هذا السلوك المشين في استثارة ردود فعل عنيفة تبدأ بعقاب مرتكبيه والغضب منهم، وقد يصل الأمر إلى فقدان الثقة في كل أعضاء الفريق. وإذا وجدت أن الموظف يكذب عليك، فحاول أن تعرف السبب أولاً. وبمجرد أن تعرف دافع الموظف للكذب وما يحاول تحقيقه من خلاله، يمكنك اتخاذ الإجراء المناسب. وتتناول مؤلفة هذه المقالة الدوافع الثلاث الأكثر شيوعاً لـ "كذب الموظفين" من واقع خبرتها في العمل بمجال تقديم الاستشارات لعقود من الزمان، كما تقدم نصائح لكيفية التعامل مع كذب الموظفين. أولاً: قد يخشى الموظف الكاذب إغضاب شخص ما أو إثارة الخلاف. ثانياً: قد يرغب في عدم الكشف عن أوجه القصور لديه. ثالثاً: ربما كان يتطلع لتحقيق مصلحة شخصية من وراء كذبه.
إذا كنت تشغل منصباً قيادياً، فمن المؤكد أنك ستعتمد على أعضاء فريقك لإخبارك بالحقيقة حتى تتمكن من اتخاذ قرارات مدروسة وتشعر بالثقة في أنك تعرف كل ما يجري من حولك في العمل. ويقابل معظمهم ثقتك فيهم بالحرص على الصدق (المشوب أحياناً ببعض اللف والدوران بهدف تحقيق مصالح شخصية). لكنك قد تضطر في بعض الأحيان إلى التعامل مع موظف يلوي عنق الحقيقة أو يكذب عليك كذباً بواحاً. وهذا أحد أصعب المواقف الإدارية التي يمكن التعرض لها لأنه من الصعب أن تتأكد مما يحدث بالفعل أو لأنك تقول لنفسك إنك مخطئ بكل تأكيد.
حتى إذا كان لديك دليل ملموس على كذب موظفيك، فمن الصعب أن تتخذ الإجراء المناسب. فقد تعلمنا في طفولتنا أن الكذب أمر شائن ومخادع. وقد نشعر بالألم لأن الشخص الآخر لم يثق بنا، أو نشعر بالغضب لأنه استطاع التلاعب بنا واستغلالنا بهذا الشكل. ولكن بمجرد أن تجتاز ردود الفعل الطبيعية لمشاعر الألم والغضب، فما الذي يمكنك فعله لمحاولة تصحيح الموقف دون أن تفقد الثقة في كل أعضاء فريقك وفي قدرتك على إدارتهم؟
وللتعرف على أكثر الاستجابات المتاحة فاعلية، افترض حسن النية وركّز على محاولة فهم سبب لجوء الموظف إلى الكذب. وبمجرد أن تعرف دافع الموظف للكذب وما يحاول تحقيقه من خلاله، يمكنك اتخاذ الإجراء المناسب. وإليك الدوافع الثلاث الأكثر شيوعاً لكذب الموظف من واقع خبرتي في العمل بمجال تقديم الاستشارات لعقود من الزمان، وما يجب فعله لحل هذه المشكلة والتعامل مع كذب الموظفين.
الخوف من إغضاب شخص ما أو إثارة الخلاف
يخشى بعض الموظفين أن تتخذ أنت أو غيرك رد فعل سلبياً إذا ذكر الحقيقة. فهم يشعرون بالورطة ويخشون أن يجُرُّوا على أنفسهم عواقب وخيمة أو أن يسببوا لك مشكلة من أي نوع. ويريدون التأكد أنهم لم يخيبوا أملك فيهم، أو أنك لن تضطر إلى تأديبهم بأي شكل من الأشكال. وسبق لي أن عملت مع نائب رئيس إحدى الشركات الذي أخذ على عاتقه تأسيس قسم جديد في الشركة، وكان يتلاعب بالأرقام لأن القسم لم يحقق الأهداف التي حددها فريق قيادة الشركة. لم يكن يريد أن يخذلهم أو "يثير المشاكل"، على حد تعبيره.
بالنسبة للموظفين الذين يخشون التورط في المشاكل، فإن واجبك يملي عليك توفير الأمان النفسي الذي يشجعهم على قول الحقيقة. وهذا لا يعني التخلي بشكل كلّي عن فرض أي عواقب. لكن عليك أن توضح لهم أنهم يساعدونك على أداء واجباتك الوظيفية عندما يصدقون معك ويقولون لك الحقيقة وأنهم يجعلون عملك أكثر صعوبة ومحفوفاً بالمخاطر عندما يكذبون عليك، وبالتالي فإنك تفضل سماع الحقيقة المجردة على الوجه الذي يفهمونها به، حتى إذا كانت تخالف الإجابة التي قلت في السابق إنك تريدها. يمكنك استخدام لغة، مثل: "أريد الاعتماد عليك وعلى بياناتك"، أو "عندما أعرف الحقيقة، حتى لو كانت تحمل أخباراً سيئة، فإن ذلك سيساعدني على أداء واجبات وظيفتي".
وحينما عملت مع نائب رئيس الشركة الذي تولى إنشاء القسم الجديد، أخذت أهيئه للفكرة الغائبة عن ذهنه بقول أشياء، مثل: "عندما تتعمّد تضليلي وتخفي عني حقيقة ما يجري فعلياً على أرض الواقع، فلن أستطيع بذل قصارى جهدي لتحسين الموقف. يجب أن أثق في كل ما تخبرني به، لذا فكّر لمدة دقيقة وتأكد من ثقتك في إجاباتك، وعندئذٍ سأفهم خياراتنا الحقيقية، وسنتمكن من العمل معاً للتوصل إلى الحل المناسب".
الرغبة في عدم الكشف عن أوجه القصور لديهم
يورّط الموظفون أنفسهم أحياناً في مشاكل عويصة، ولا يعرفون كيف يخلّصون أنفسهم منها. إذ يحاولون جعل أنفسهم يبدون أكثر فاعلية مما هم عليه، أو ربما يحاولون إخفاء انعدام كفاءتهم وفشلهم، غالباً لأنهم لا يستطيعون معرفة سبب عدم نجاحهم ولا يعرفون كيفية إصلاح الموقف. لا يكفي في هذه الحالة اللجوء إلى الكذب لأن انعدام كفاءتهم المتواري في الظل سيبقى قائماً وستكشف النتائج السلبية عجزهم عاجلاً أو آجلاً على أي حال. اعرف ما إذا كانت هناك تغييرات هيكلية يمكن أن تسهم في الحد من مخاطر تعرضهم للخطأ حتى لا يقعوا في مأزق التورط في مواقف لا يمكنهم السيطرة عليها. وقد يؤدي هذا إلى تقليل حاجتهم للكذب أو التخلص منها نهائياً.
فعلى سبيل المثال، يمكنك تغيير المهلة المتاحة لإنهاء العمل إلى حين الحصول على المعلومات أو النتائج اللازمة، بحيث تُتاح فرصة أكبر أمام الفرد لإنهاء عمله بالشكل الصحيح، أو قدّم له التدريب والتوجيه اللازمين حتى يتمكن من تحقيق أهدافه بفاعلية دون الحاجة إلى ليّ عنق الحقيقة. فقد تسبب كبير المدراء الإداريين لإحدى المؤسسات غير الربحية في سلسلة من الأخطاء والعثرات التي أثرت سلباً على المواعيد الزمنية المحددة للعديد من البرامج والفعاليات وعلى الدعاية المخصصة لها، واضطر إلى الكذب على زملائه بشأن تلك الأخطاء حتى لا يتم إلقاء اللوم عليه. ونظراً لأنه كان يمتلك من المهارات ما يؤهله لإجادة أداء جوانب أخرى من مهمات وظيفته بصورة متقنة للغاية، فقد أعاد فريق القيادة هيكلة مسؤولياته بحيث لم يعد الشخص المسؤول عن إخطارات الفعاليات، وهو ما أدى إلى توقفه عن الكذب بشكل كبير.
محاولة تحقيق أهدافهم الخاصة
أخيراً، فإن بعض الموظفين لديهم أهداف شخصية، مثل محاولة الحصول على الترقيات والتقدم في حياتهم المهنية، ويعتقدون أنهم لا يستطيعون تحقيق أهدافهم تلك بالطرق المستقيمة وإتقان العمل. قد يكون التعامل مع هؤلاء الموظفين أكثر تعقيداً لأن كذبهم غالباً ما يتخذ شكل التجني على أعضاء الفريق الآخرين سواء بطريقة لافتة أو غير لافتة للأنظار. وإذا انكشف كذبهم، فغالباً ما يدفعهم ذلك إلى "إتقان الكذب" في المرات المقبلة لتحقيق النتيجة المرجوة، والقائد هو المسؤول الأول والأخير عن حماية أعضاء الفريق الآخرين من محاولات تلويث سمعتهم.
وقد تعاملت مع إحدى المؤسسات التي دأبت إحدى كبار مسؤوليها على استخدام صيغة المبني للمجهول واللغة غير المباشرة والتلاعب بالألفاظ لنقل معلومات سلبية وغير صحيحة عن بعض زملائها في الفريق. أدى ذلك إلى فشل الكثير من المبادرات بعد أن بات زملاؤها يدركون في النهاية ما ترمي إليه، ومن ثم تحاشوا التعاون معها. ولكنها واصلت خلق أجواء ضبابية من الأكاذيب المضللة، متهمة الآخرين برفض التعاون معها. لا تجدي التغييرات الهيكلية نفعاً في مثل هذا الموقف، ولن تفيد في تقليل حاجة الكاذب المتصورة إلى الكذب.
ومن هنا فقد درَّبت مديرها على رسم خط واضح لتمييز السلوك غير اللائق وعواقبه: "ليس من المقبول أن تحاولي تلويث سمعة زملائك بأي شكل من الأشكال. أريد أن أعرف مخاوفكِ، لكن عليك أن تفهمي أنك إذا واصلتِ محاولات الإيقاع بالآخرين، فلن أستطيع الوثوق بك حتى إذا كانت هناك جوانب أخرى من عملك تؤدينها على نحو ممتاز".
واحرص على توثيق سلوك الموظف الكاذب وملاحظاتك عليه حتى يكون لديك سجل موثَّق إذا أصر على سلوكه. وإذا كنت تتعامل مع شخص يكذب باستمرار، فقد يكون الكذب عادة متأصلة فيه يصعب عليه التخلص منها. وحتى إذا أقلع عن هذه العادة مؤقتاً، فأغلب الظن أنه سيعود إلى الكذب من جديد كلما تعرض لأي ضغوط حتى يهرب من الموقف. إذا كان الأمر كذلك، فعليك أن تطالبه بالرحيل إذا تسببت معلوماته غير الدقيقة في اتخاذ قرارات سيئة أو أدت إلى إفساد العلاقات. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكنك تحمل اعتقاد باقي أعضاء الفريق الآخرين بأنك على استعداد للتسامح مع ثقافة الكذب، فهذا سيخلق أجواء تشجّع على مزيد من الفتنة واختلال العمليات التشغيلية وزيادة معدل دوران الموظفين.
ولكن إذا تمكنت من التعامل مع كذب الموظفين واكتشاف الأكاذيب الصغيرة بسرعة وتصحيحها ووضع القواعد السلوكية الصحيحة أو إعادة هيكلة المكافآت أو العمليات، فقد تكون قادراً على تدريب الكاذبين وتوجيههم في مرحلة مبكرة لحثهم على انتهاج سلوك قويم، وبالتالي تعزيز علاقة الموظف بزملائه وإظهار قدرتك على الحفاظ على سلامة الجميع وإنتاجيتهم.