كادر إعلامي وطني برؤية مستقبلية

4 دقائق

شهد قطاع الإعلام في دولة الإمارات العربية المتحدة تطوراً ملحوظاً خلال فترة زمنية وجيزة، حيث أولت دولة الإمارات لهذا القطاع الحيوي اهتماماً كبيراً منذ قيام دولة الاتحاد، بينما أخذ هذا الاهتمام في التطور وصولاً إلى تأسيس المدن الإعلامية الحرة التي ساهمت في ترسيخ مكانة الدولة كمركز محوري لصناعة الإعلام في المنطقة، وفتحت تلك المدن العديد من فرص العمل مع زيادة الطلب على المهارات والكفاءات اللازمة لملاقاة احتياجات مئات الشركات الإعلامية العربية والعالمية التي اتخذت من الإمارات مقراً إقليمياً لها.

ولا شك في أن الكادر الوطني يُنظر إليه دائماً على أنه إحدى الركائز المهمة لإعلام أي دولة، بما يحمله المختصون من أهل المكان من إحاطة بمفردات بيئته المحلية بكافة أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية، ما يمنح الكادر الإعلامي الوطني ميزة تفضيلية نظراً لهذا الإلمام الذي يمنحه القدرة على تقديم رسالة إعلامية هي الأقرب لحياة مجتمعه بكافة تفاصيلها. ومع إدراك دولة الإمارات لهذه الحقيقة، سعت منذ وقت مبكر إلى إعداد وتأهيل الكفاءات الإعلامية الوطنية القادرة على تقديم رسالة تواكب التطور السريع الذي شهدته الدولة في ضوء النهضة التنموية الكبيرة التي طالت مختلف قطاعاتها، وصناعة محتوى يلبي تطلعات المتلقّي الإماراتي ويناقش أهم الموضوعات التي تلامس حياته وتطلعاته، ويسهم في الحفاظ على مكتسبات الوطن وحماية قِيَمه وموروثه الثقافي والإبداعي، ويدعم المبادرات الوطنية، ويمكّن المتلقي من الوقوف على أبعاد المتغيرات المحيطة به سواء إقليمياً أو دولياً.

ولم تتوقف جهود الدولة في اكتشاف سبل النهوض بالمشاركة الوطنية في صُنع إعلام الإمارات، ومن بين المشروعات التي تم مناقشتها في هذا الخصوص، مشروع دراسة مخرجات التعليم في الإعلام لرصد مستوى الطلب على الكوادر الإعلامية، وإيجاد الحلول الكفيلة بسد الفجوة في مخرجات التعليم، بإنشاء أكاديمية متخصصة، أو معهد تدريبي، أو تنظيم دورات متخصصة، أو تطوير المساقات في الجامعات والكليات.

وقد تكللت الجهود في هذا الشأن بإطلاق برنامج "خبراء الإمارات" مطلع العام الجاري، بهدف إعداد قاعدة متنوعة من الكوادر الوطنية الاستشارية، تسهم في دفع عجلة التنمية في مختلف القطاعات بالدولة ومن بينها قطاع الإعلام الذي أتشرف بتكليفي كموجهة للبرنامج عن قطاع الإعلام والصناعات المبتكرة.

ويحمل هذا البرنامج أهمية كبيرة بما يمثله من فرصة نموذجية لنقل رصيد وافر من الخبرات والتجارب المتميزة إلى الأجيال الجديدة في مختلف التخصصات ويعنينا منها في هذا المقام المجال الإعلامي، إذ تفتح تجربة التوجيه المجال لإكساب شباب الإعلاميين "أسرار المهنة" واختصار مسافات طويلة على هذا الجيل لتمكينه من الانخراط السريع في منظومة العمل الإعلامي وهو مُلم بالأدوات والأساليب التي تمكنه من القيام برسالته على الوجه الأمثل وتجعل منه شريك في بناء مستقبل دولتنا.

وبالنسبة لتجربة التوجيه، فقد وجدتها مفيدة لطرفيها سواء الموجِّه أو المنتسبين، ففي الوقت الذي تسمح فيه اللقاءات التي تجمع الجانبين للشباب للنهل من تجارب وخبرات الموجِّه، فإنها تتيح كذلك للأخير فرصة اكتشاف توجهات الشباب وأساليب تفكيرهم ونظرتهم للمستقبل، والاقتراب أكثر من أفكارهم التي غالباً ما تتسم بالإبداع والفكر المتعطش للتطوير وصولاً للأفضل. وهذا النسق من تبادل الأفكار بلا شك يثري التجربة إجمالاً، ويمنحها قيمة مهنية وعملية كبيرة، بما يخلقه من جسور جديدة للتفاهم بين أصحاب التجربة والخبرة من جانب والفكر الشاب الطموح المتطلع إلى اقتحام آفاق جديدة من الإبداع على الجانب الآخر، لتصبح بذلك هذه التجربة سبيلاً للتوصل إلى تصورات جديدة لما يمكن القيام به من خطوات للارتقاء بالعمل الإعلامي ورفع مستوى مشاركة الكادر الوطني في ترسيخ أسس نجاحه.

ولقد كان قطاع الإعلام، ولا يزال، محل كل اهتمام وعناية في إمارة دبي ومنذ وقت بعيد، ومؤخراً تابعنا إطلاق الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس مجلس أمناء مؤسسة دبي للمستقبل مطلع العام الجاري "مجالس دبي للمستقبل" كمنصة لاستشراف وصناعة مستقبل القطاعات الحيوية في مدينة دبي خلال الخمسين عاماً المقبلة ومن بينها "مجلس دبي لمستقبل الإعلام" الذي كُلِّفت برئاسته، حيث نواصل من خلال المجلس الذي يضم نخبة من القيادات الإعلامية الوطنية العمل في ذات الاتجاه من خلال رصد أحدث التوجهات الإعلامية العالمية وتحديد سبل مواكبتها والخطوات الواجب اتخاذها للارتقاء بمنظومة الإعلام في الإمارة وتطوير قدرات الكادر البشري وزيادة مشاركة الكفاءات الوطنية في صنع إعلام متطور متماشي مع العصر ومراعي لمتطلبات المتلقي.

ولا يفوتني هنا الإشارة إلى "البرنامج الإعلامي الوطني للشباب" الذي يتولى تنظيمه نادي دبي للصحافة، بالتعاون مع مؤسسة "وطني الإمارات" والرامي إلى تعزيز الحصيلة المعرفية المهنية لدى الكوادر الإعلامية الوطنية في العديد من الموضوعات المتخصصة، حيث أطلقنا في مارس الماضي الدورة الثانية من البرنامج في أعقاب الختام الناجح لدورته الأولى التي شارك فيها ما يزيد على 50 من شباب الإعلاميين وأمضوا قرابة 130 ساعة في التدريب المتخصص.

وقد لا يختلف اثنان على أن الوقوف على تحليل واضح لفكر شباب الإعلاميين المواطنين واستيعاب مختلف جوانبه من الأهمية بمكان للتعرف على الأسلوب الأمثل في توظيف طاقات هؤلاء الشباب في زيادة مساحة دور الإعلام الوطني في دعم النهضة التنموية الشاملة في الدولة، لاسيما على الصعيد الاقتصادي، إذ يمثل الإعلام النافذة الأولى التي يطلع العالم منها على إنجازات دولة الإمارات في شتى المجالات ومن أهمها الاقتصادي، والوسيلة الأكثر فاعلية التي يتعرف من خلالها العالم على الفرص المتاحة في دولتنا أمام الاستثمارات الأجنبية، والوقوف على ملامح البيئة المتميزة التي توفرها الدولة للمستثمرين، فضلاً عن الدور الذي من الممكن أن يسهم به الإعلام في تشجيع الشركات والمؤسسات العالمية الكبرى على الدخول إلى أسواق الدولة التي تعد البوابة الرئيسة لعبور أعمالها إلى أسواق منطقة مترامية الأطراف يُقدَّر تعداد سكانها بنحو ملياري نسمة.

وقد رُوعي في تدريب الكوادر الإعلامية الوطنية تقديم رؤية بانورامية للمشهد الإعلامي العالمي، بكل ما أحاط به من تطورات وما اعتراه من مستجدات لاسيما على مدار العقدين الماضيين، ومن أبرزها ظهور منصات التواصل الاجتماعي التي أحدثت ثورة كبيرة في مفاهيم الاتصال وتناقل المحتوى وأثرت بصورة كبيرة على أساليب العمل الإعلامي، بهدف تمكين الإعلامي الإماراتي من مواكبة تلك المتغيرات وامتلاك زمامها، والتحكم في توظيفها بأسلوب يخدم الأهداف الوطنية الاستراتيجية ويضمن المزاوجة الفعالة بين الأساليب الإعلامية التقليدية التي لا تزال تحتفظ بقاعدة جماهيرية كبيرة نسبياً في منطقتنا العربية، والمنصات الجديدة التي تتمتع بشعبية آخذة دائرتها في الاتساع لاسيما بين أوساط الشباب الذين يمثلون نحو 60% من سكان العالم العربي.

ومع الاهتمام المستمر بالإعداد والتأهيل والتدريب العملي والنظري، تتواصل الجهود وتتضافر المبادرات لإعداد كادر إعلامي وطني قادر على حمل راية التطوير والاضطلاع بالأدوار المأمولة منهم كشركاء في دعم مسيرة التنمية وتعزيز أركان النهضة الشاملة لدولة الإمارات برسالة إعلامية عصرية تواكب التطلعات الطموحة لدولة الإمارات والتي لا يحدها إلا فضاء الكون الفسيح الذي اقتحمت مجاله كشريك في الكشف عن أسراره، وبمحتوى متطور يسهم في بناء الإنسان ويعزز فرصه في حياة أفضل حافلة بالنجاح والتميز.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي