في حياتنا الزاخرة بالظروف الصعبة والأيام المضطربة خصوصاً في الوقت الحالي، من الطبيعي أن تسود حالات التقلب والقلق والتعقيد والغموض. وبالتالي، لن تكون قيادة التغيير سهلة تماماً، سواء في حياتنا الشخصية أو في أماكن عملنا. وعلى الرغم من إدراك العديد من المؤسسات الحاجة إلى إجراء عمليات تحول وإعادة الابتكار، يعتبر العديد من القادة مصطلحي "التغيير" و"الفشل" مترادفين تقريباً.
قد تفشل عمليات التحول بالتأكيد. وفي الواقع، ينذر معدل فشل برامج التغيير المؤسسي بالخطر، فهو يدور حول نسبة تبلغ حوالي 70%. وذلك بغض النظر عما يقود برامج التغيير تلك، سواء كانت عمليات إعادة هندسة إجراءات العمل، أو إدارة الجودة الشاملة، أو تكنولوجيا المعلومات، أو تقليص حجم الشركة، أو تقليل عدد المستويات الإدارية، أو جهود تغيير الثقافة، أو عمليات الاندماج والاستحواذ.
إلى جانب ذلك، قد يكون "الإجهاد الناجم عن التغيير" كارثياً، لا سيّما بعد أن كشفت البحوث التي تدور حول دور التعلم المؤسسي في التغيير أن 61% من جميع الشركات تمر بـ 3 عمليات تغيير أو أكثر كل عام. في حين شهدت نسبة 26% منها 6 تغييرات أو أكثر. أضف إلى ذلك أن 45% من جميع الشركات المشاركة في الدراسة أكدت أنها تخطط لبدء مزيد من مبادرات التغيير، في حين أفادت نسبة 48% منها بأن وتيرة التغيير في مجالات اهتماماتها كانت أسرع وغير متوقعة. لا شك في أن المؤسسات تخضع للتغيير لأسباب عديدة (كانتشار الأوبئة، والأزمات المالية العالمية التي لا تنتهي، والتغيرات السياسية، وانتقال قيادة الفرق، وتبني التكنولوجيا والطرق الجديدة للعمل وممارسة الأعمال التجارية، والتغييرات الهيكلية، والابتكارات المزعزعة، والتوسع العالمي، والركود، والمخاوف البيئية والمناخية، وأتمتة الأعمال، والتحولات النموذجية، والتغييرات الاستراتيجية، وتغيّر توقعات المستهلكين، والأسواق الجديدة الناشئة، وما إلى ذلك). ولسوء الحظ، يفتقر العديد من المؤسسات إلى مهارات الخبراء لدعم التغيير. على سبيل المثال، صنّف 17% فقط من جميع المشاركين في الاستقصاء شركاتهم أنها فاعلة للغاية في إدارة برامج التغيير. وأكثر ما يُثير القلق في نتائج الاستطلاع هو أن نسبة المؤسسات التي تمتلك فرق إدارة تغيير داخلية محترفة بلغت 30% فقط.
بشكل عام، يحتاج القادة الفاعلون إلى قيادة تغيير ذكية من أجل تحقيق الازدهار في البيئة الحالية وما بعدها. ولا شك في ضرورة أن تكون الشركات أكثر يقظة في هذا الصدد حتى تتمكن من تحديد التهديدات الوشيكة والفرص الملائمة أسرع من المنافسين والاستعداد ليس فقط لجائحة "كوفيد-19" وإنما لجائحة "كوفيد-29" المحتملة أيضاً. بمعنى آخر، يجب أن تتعلم الشركات كيفية تجاوز الظروف الغامضة من خلال إيلاء الاهتمام باستمرارية أعمالها التجارية، وإعادة تخيل مفهوم الملاءمة فيما يتعلق باستراتيجياتها ومواهبها وقيادتها وثقافتها ونماذج تشغيل أعمالها؛ واعتبار عملية إعادة التخيل الحل الجديد لعالم لا يمكن التنبؤ بمستقبله.
تطوير المؤسسات عبر التغيير
على الرغم من أن تصميم التغيير المؤسسي الإيجابي وتنفيذه ليس بالأمر السهل، فهو قابل للتنفيذ بالفعل. ينطوي التطوير المؤسسي على إصلاح الموظفين والفرق والمؤسسات والارتقاء بهم إلى الوضع المستقبلي المنشود؛ وهو يتطلب تطبيق أدوات مثل حشد الطاقات المؤسسية الإيجابية وتبني التفكير التصميمي الجماعي ومستوى غير مسبوق من المرونة؛ أي المرونة الاستراتيجية الفائقة. ويعرّف التطوير المؤسسي أنه عملية من التدخلات المخطط لها والمستحدثة التي تتوافق مع مبادئ العلوم السلوكية والمؤسسية. وينطوي الهدف من التطوير المؤسسي على تغيير النظام وتعزيز فاعليته، وذلك وفقاً لقيم الإنسانية والمشاركة والاختيار والتطوير، بحيث تتعلم المؤسسات وأعضاؤها ويتطورون بصفتهم إحدى الجهات الفاعلة وبشراً أيضاً.
ويعتبر نهج التحفيز وإعادة التصميم والتنفيذ (ERG) النهج السريع نحو تبني القيادة الجماعية المتجددة في هذه الأوقات المضطربة والاستثنائية والمتغيرة باستمرار. وهو عبارة عن عملية مدمجة قابلة للتكرار، بالإضافة إلى استراتيجية فاعلة مستلهمة من التصميم المؤسسي التي تحتاج إليها وفريقك لإعادة تصور مؤسستك وإطلاق العنان لإمكانات التغيير، أي التخطيط لمستقبل إيجابي وإبداعي وتحقيق نتائج بارزة في صافي الدخل. قد يساعد نهج التحفيز والتصميم والتنفيذ أيضاً المؤسسات في أن تصبح مؤسسات قادرة على إحداث التغيير. وخير مثال على المؤسسات القادرة على إحداث التغيير هي ما يُطلق عليها "مؤسسات المعرفة الإبداعية"؛ وهي نوع جديد من المؤسسات التي تنبض بالطاقة الإيجابية، وتركز على تحسين العمليات القائم على التعلم المستمر وعلى تحقيق الابتكار الجذري العضوي. يتمتع كل شخص في تلك المؤسسات بالموهبة، كما أن التعلم متجذر في ثقافاتها.
كيف تبدأ إذن عملية التجديد المؤسسي، وكيف تربط الديناميكيات المؤسسية الإيجابية بنتائج الأعمال الإيجابية، وتعزز العملية الحالية لمؤسستك بهدف تحقيق الابتكار والتعلم وتطوير المؤسسة؟
أولاً، تُعتبر الطاقة الإيجابية بمثابة الوقود الذي يحافظ على نشاط الشركات وحماسها. أي بدلاً من أن تركز على أوجه القصور والمشكلات والأخطاء التي تحدث، ركز على نقاط القوة وعلى النجاحات. ويساعد ذلك النهج في دعم القدرة على التحمل ويعزز الصحة والرفاهة ويطلق العنان للموارد. كما أنه يساعد في تطوير علاقات عالية الأثر ويعزز المشاركة ويفيد في استعادة الطاقة المفقودة واكتساب الوعي وفي تطوير سلوكات إيجابية وتحديد إمكانات جديدة.
على سبيل المثال، شارك في إعداد بيان الهدف المحفز، وفكر في "الإنجازات الاستثنائية" و"القفزات النوعية" التي ترغب مؤسستك في تحقيقها. وحاول "التنبؤ" بالمستقبل؛ أي: تخيّل المستقبل المنشود وولّد سيناريوهات مستقبلية استراتيجية إيجابية، ثم ضع حجر الأساس لتحقق غايتك.
علاوة على ذلك، يمكنك الاستفادة من التفكير التصميمي الجماعي؛ فهو عملية إبداعية مشتركة قوية وأداة مهمة لأولئك الذين يقدمون القيمة بنجاح من خلال الابتكار الجذري العضوي، وللاستفادة من الروح الريادية وإشعال فتيلها لدى جميع الموظفين. ومن المهم أيضاً أن تكون فضولياً... وأن تتعاطف. يجب ألا تخاف أبداً من طرح "أسئلة غبية" أو من تضافر الجهود بشكل جذري. يجب عليك أيضاً التشديد على أهمية اتخاذ إجراءات للعمل، وأن تفكر وتضع نموذجاً أولياً تجريبياً بسرعة، لكن لا تنسَ إجراء الاختبارات.
أجرِ محادثات تعاونية ومنتجة حول التغيير، وأشرك فريقك أو بالأصح، مؤسستك بأكملها في "التعلم الحواري" والتجريب والرؤية للمستقبل، وهو ما يساعدك وفريقك ومؤسستك بأكملها في دعم الغرض الذي وضعتموه معاً. وللحفاظ على روح ذلك العمل الجماعي، حاول الاستعانة بأدوات فاعلة وطبقها، مثل تدريب الفريق أو إطلاق الهاكاثونات أو عقود الفريق.
والأهم من ذلك، كن شديد المرونة، بمعنى آخر، واصل سعيك، وتخلص من المنطق والروتين المؤسسي القديم الممل (ملاحظة: يختلف نبذ التعلم المؤسسي عن النسيان المؤسسي)، ثم ضع أساس تحقيق الإبداع المشترك. سيساعدك ذلك أيضاً على تولي دفة القيادة ووضع استراتيجية ذكية للفوز مع تجنب الفوضى والزعزعة، أو العديد من الأولويات المتنافسة. الهدف أمام عينيك! انطلق!
والأهم من ذلك، يجب أن تدرك أن قيادة التغيير الإيجابي هي عملية تكرارية. كما أن طريقة التفكير في التغيير المؤسسي تلك هي في الواقع عملية ديناميكية ومتواصلة، على الرغم من وصفها غالباً أنها عملية قائمة على مراحل (التحفيز والتصميم والتنفيذ)، وهي باختصار طقوس يومية مدمجة ضمن ثقافة أعمال المؤسسة وفي تفكيرها الاستراتيجي وأنشطتها التجارية. تذكر: التغيير المؤسسي الإيجابي ليس خياراً مؤسسياً، بل هو أكسجين مؤسسي.
القدرات الديناميكية الإيجابية: التحفيز وإعادة التصميم والتنفيذ
التحفيز وإعادة التصميم والتنفيذ: يضع هذا النموذج الإيجابي البديل للتغيير المؤسسي والتطوير إطار عمل واضح وفاعل، وهو إطار مفيد للمؤسسات لوضع عملية التجديد المؤسسي موضع التنفيذ والتطبيق. كما أنه يساعد على وضع أساس مشترك للتفكير في التغيير، ويطور دليلاً إرشادياً ديناميكياً من الناحية التكتيكية والاستراتيجية إحداث التحولات بشكل إبداعي وبطريقة منظمة. قد تشتمل الإجراءات المحددة على ما يلي:
التحفيز
- تشخيص التغيير: شخّص مدى الحاجة إلى إجراء التغيير، وأجرِ تدقيق ما قبل التغيير على مستوى النظام لتحدد مدى ملاءمة التغيير المؤسسي، واستفسر عن الذاكرة المؤسسية للتغيير ومبادرات التغيير السابقة، كأن تستطلع ماهيتها وإنجازاتها وإخفاقاتها إضافة إلى نتائجها.
- استنهاض الوعي: لدفع الموظفين إلى مواصلة السعي، قم بإعداد قضية مقنعة لإجراء التغيير، ثم بشّر بالتغيير، وأوضح الهدف منه، واجعل تواصلك بالحديث عن التغيير؛ أي كن راوي قصص، وأجرِ محادثات تعاونية ومنتجة حول التغيير.
- حشد الموارد: احشد الموارد واكتشف نقاط القوة، واجعلها الأساس الذي تقوم عليه عملياتك، ثم اجعل التغيير يأخذ مجراه.
- الاختيار والارتباط الملائمان للثقافة: ابحث عن "عوامل تحفيز التغيير" الجذابة والإيجابية والملائمة للثقافة ووظفها لصالحك.
- التواصل الاجتماعي الإيجابي: انخرط مع الموظفين وتواصل واعمل معهم؛ واكتشف طبيعة مشاعرهم وتعاطف معهم، وتعرف على نقاط قوتهم وضعفهم، ونقاط قوة وضعف بيئة مكان العمل بأكمله.
إعادة التصميم
التصميم المشترك: تعاون لخلق الجانب المشرق من الحياة. تعاون من الناحية الاستراتيجية مع أعضاء المؤسسة وأصحاب المصلحة، وذلك من خلال تبني التفكير التصميمي الجماعي وإجراء البحوث التقديرية المستقبلية (ما هي الأساليب التي نجحت بالفعل؟ ماذا لو كان أي شيء ممكناً؟ ما هي الإنجازات البارزة بالضبط؟ ماذا سيحصل لتلك العملية في حال طبقنا هذا النهج؟)
- التوافق التنظيمي وإعادة التهيئة: أعد تشكيل الهيكل التنظيمي والعمليات والمكونات، وواصل تشغيل العمليات الناجحة، وتخلص من العمليات الفاشلة إذا لزم الأمر.
- إدارة السياسة التنظيمية: ’نظّم‘ وتول إدارة السلطة والسياسات. حاول الحد من المقاومة، وكوّن ائتلاف التغيير (على سبيل المثال، فريق تصميم ملتزم). واجعل التغيير الإيجابي عملاً أساسياً أيضاً.
- التطوير المهني المستمر: درّب موظفيك وطوّر مهاراتهم من أجل تحقيق قيادة إيجابية ومرنة ومبتكرة. أشرك الفريق في العملية وواصل تحفيزه. وأكّد على التجديد التنظيمي من خلال التعليم وتسخير الخبرات.
- حملات التعلم المتخصص: اطرح عمليات التعلم المتخصص للحد من مخاطر تنفيذ مبادرة التغيير قبل تنفيذها. واجعل التغيير تجربة إيجابية خالية من العقبات.
التنفيذ
- مقاييس الأداء: ابدأ نمذجة التقدم ومراقبته وتقييمه باستمرار، واجعل قراراتك مستندة إلى مقاييس تختارها علناً، وليس سراً.
- نظام المكافآت الإيجابي: كافئ واحتفل بـ "الإنجازات السريعة"، وشجع موظفيك على تحقيق مكاسب طويلة المدى، ولا تنسَ الاحتفال بالإنجازات الرئيسية.
- الاندماج في المؤسسة: أدمج رؤى التغيير الثاقبة، وطبّق الدروس المستفادة وأدمج أفكار الوضع الجديد في العلاقات الاجتماعية والمؤسسية.
- الدعم المعنوي الإيجابي والتغيير المستدام: اضمن استمرار الوضع الجديد للمؤسسة وعززه، وتجاوز الانتكاسات قبل أن تنجح في التأثير عليك.
- التجديد التنظيمي الاستراتيجي: استمر في وضع الاستراتيجيات للفوز بشكل علني، وحافظ على التجديد الذاتي من خلال التعلم المستمر والمرن والتجريبي والاجتماعي والتأملي. تبنَّ ممارسات التنظيم الذاتي والتصميم والتجربة والاختبار والابتكار. مارس الابتكار المفتوح من خلال التعهيد الجماعي أو وسطاء الابتكار أو برمجيات الابتكار المفتوحة. باختصار، لا ترضَ بما أنجزته، بل واصل القيادة واستغلال أفضل الفرص.
باختصار، إن قيادة التغيير تعني تبنّي نهج القيادة الجماعية الإيجابية؛ أي التأكد من أن الجميع يفهمون استراتيجية التغيير الجديدة، وماهية التوجهات والتطلعات الناجحة، وتطويعها لصالح أعمالهم عن قصد. ويُعد النجاح في تحقيق التحفيز والتصميم والتنفيذ الذي يتطلبه هذا التغيير أمراً ضرورياً، إذ لا تمتلك الشركات في الوضع الحالي إلا وقتاً قليلاً نسبياً للحفاظ على ميزتها التنافسية قبل أن تصبح أصولها الاستراتيجية غير ذات صلة.