يتفادى الكثير من المدراء إخبار المرشحين عن حقيقة الوظائف التي يتقدمون لها، ويسوغون ذلك بأن المتقدم سيرحل إذا علم بمدى صعوبة العمل الذي سيستلمه وكم هو ممل في جوهره. هذا خطأ، إذ يجب أن تكون صريحاً بشأن حقيقة العمل لدى شركتك، وما يلزم لنجاحه لكي تكون عملية التوظيف فعالة.
يجب أن يكون هدف المقابلة هو إيجاد الشخص المناسب حقاً، وإذا كان المرشح يرى أنه غير مناسب للمنصب أو الشركة عموماً، فهو على الأغلب محق، وسيكون رفضه للعمل في هذه الوظيفة توفيراً لكثير من الوقت والموارد التي ستُهدر لبدئه بالعمل وتدريبه، والاعتماد على موظف غير مناسب قد يرحل سريعاً في نهاية الأمر. فالتكاليف الحقيقية لأخطاء التوظيف كبيرة بصورة مدهشة.
ولذلك، ننصح الشركات بتصميم عملية توظيف محددة، وتدريب الموظفين على السماح للمتقدم بتقييم الشركة أثناء مقابلة العمل بقدر تقييمها له. وبالتوافق مع نصيحة راي داليو، مؤسس شركة "بريدج ووتر أسوشيتس" (Bridgewater Associates)، في كتابه مبادئ: الحياة والعمل، (Principles: Life and Work) ننصح عملاءنا بإظهار عيوب شركاتهم للمتقدمين.
في الحقيقة، ليس لديك خيار آخر، ففي السابق، كانت عملية التوظيف أسهل، وكان بإمكان مصارف الاستثمار والشركات الاستشارية وغيرها من الشركات إقامة فعاليات ضمن حرم الجامعات وإلقاء كلمات تعريفية منمقة ومنظمة عن شركاتهم وتزيين صورها قدر الإمكان. ويقدم ممثلو الشركات فيها إجابات جاهزة على أسئلة الطلاب، ثم يرحلون بسرعة قبل أن يتمكن الطلاب من التعمق في أسئلتهم أكثر. وكانت معرفة المزيد من المعلومات عن الشركات تتطلب ساعات من محاولة التواصل مع موظفيها الحاليين والقدامى. لذا كان الطلاب يقبلون بالصور التي رسمتها الشركات عن نفسها واعتبارها قريبة من الواقع بما فيه الكفاية.
أما اليوم، ستواجه المؤسسات التي تحاول تطبيق أساليب مماثلة صدمة قاسية. ففي عصر "غلاسدور" ( Glassdoor) و"لينكد إن" ( LinkedIn)، يبحث المرشحون من أصحاب الخبرة في هذه المواقع عن معلومات حول الشركات التي يجرون المقابلات للعمل لديها، وبإمكانهم الحصول على المعلومات الجيدة والسيئة والأسوأ. وسيكشفون بذلك محاولتك لتحوير الحقيقة عن طريق رسم صورة إيجابية خالية من العيوب لشركتك.
وفي المقابل، تستثمر الشركات الذكية هذه المقابلات من أجل إظهار قدرتها على التعامل بشفافية وأنها تتوقع الشيء ذاته من الموظفين. هذه فرصة لتحديد طبيعة العلاقة، ويجب أن تكون مثالاً يُحتذى في سلوكك، فكن إيجابياً. يُمكنك أن تتحدث عن السبب الذي يدفع أكثر موظفيك سعادة للاستمرار بالعمل لديك على سبيل المثال. وفي الوقت نفسه، يجب أن تكون صريحاً بشأن واقع مكان العمل وطبيعة الوظيفة أيضاً. لهذا، اشرح ما يعتبره بعض المتقدمين صعباً، وما يُحفز الموظفين للازدهار في المنصب رغم جوانبه السلبية المتوقعة، وتحدث عن العناصر الرئيسة في ثقافة شركتك، والتي يمكن ألا تُناسب الجميع رغم أن البعض يعتبرونها إيجابية.
نحن نوصي بأن يمضي المدراء الذين يقومون بعملية التوظيف نسبة كبيرة من أوقاتهم في طرح الأسئلة التي تهدف لمساعدة المتقدم على الاسترخاء ومعرفة ما إذا كان العمل في هذه الوظيفة سيسعده حقاً. على سبيل المثال، يمكن لمن يقوم بعملية التوظيف أن يقول إحدى الجمل التالية:
- لقد طرحنا عليك عدة أسئلة كي نتأكد أنك مناسب لنا، وأريد أن أتأكد أننا مناسبون لك أيضاً. أنا واثق أن سعادتك في وظيفتك التي ستستلمها أمر يهمك، ولذا، كلما ازداد وضوحك معي استطعت مساعدتك أكثر.
- فللنظر إلى ما بعد شهرين، هل ستكون سعيداً بعملك في بعض الجوانب الشاقة من الوظيفة؟
- لقد أخبرت شخصاً آخر ممن أجروا المقابلة معك أنك لا تمانع أن يحتل السفر 80% من وقتك، هل أنت واثق أن هذه النسبة لن تصبح أكثر مما يُمكنك تحمله فيما بعد؟
تُبين الأبحاث أن طرح أسئلة مباشرة وصريحة هو أفضل طريقة للحصول على إجابات صادقة. يحاول كثير منا، للأسف، قراءة ما بين السطور في المحادثة التي تُجري في المقابلة، والتوصل من خلال ذلك إلى استنتاجات شخصية بشأن ما يفضله المتقدم. مثلاً، كان الرئيس التنفيذي لشركة تبلغ قيمتها مليار دولار، يطرح على المتقدمين السؤال التالي "ما هو هدفك المهني على المدى الطويل؟" وإذا لم يجب المتقدم بفكرة محددة أو لم يتمكن من شرحها بوضوح، يعتبر المدير التنفيذي ذلك إشارة إلى أن المتقدم ليس طموحاً بما يكفي، وأنه لا يعتزم العمل لساعات طويلة على الأغلب. لكنه سيحصل على نتائج أفضل إذا سأل المتقدم ببساطة ما إذا كان يسعده الحضور باكراً إلى العمل والبقاء حتى وقت متأخر من أجل تحقيق النجاح. كما اعتاد مدير آخر نعرفه تجنب طرح سؤال على المتقدمين لوظيفة مندوب مبيعات بشأن تقبلهم لحجم العمل الكبير، بل افترض ببساطة أن الذين يملكون خبرة سابقة في تحمل أحجام عمل كبيرة لن يمانعوا في تحملها لدى شركته والعكس بالعكس. وعندما اقترحنا عليه أن يسأل المتقدمين عن هذا الأمر، ضحك وقال "بالطبع سيقولون إنهم لا يمانعون حجوم العمل الكبيرة، فهم يريدون الحصول على العمل".
ولكن بحسب خبرتنا، لن يقبل الموظفين في المستويات العليا بتقديم أنفسهم بصورة كاذبة من أجل الحصول على العروض. ولذلك يبالغ المدراء في تقدير خطورة أن يكذب المتقدم عليهم، ولكنهم يحطون من شأن خطورة عدم امتلاك الموظف صورة واضحة عما إذا كان مناسباً حقاً للوظيفة والمؤسسة. وإذا كنت لا تزال تعاني من صعوبة في تصديق ذلك، فقد تساعدك هذه المقارنة البسيطة: هل تعتقد أن قرابة 40% من الزيجات في الولايات المتحدة تنتهي بالطلاق بسبب كذب الأزواج بعضهم على بعض؟ أم بسبب عدم طرح أغلبهم على أنفسهم عدداً كافياً من الأسئلة الصعبة التي توضح لهم مدى تناسبهم مع هذا الزواج على المدى الطويل؟
لقد خرج فنسنت شواتسكاوسكي، عضو سابق في "بوسطن كونسلتينغ جروب" (Boston Consulting Group) ويعمل حالياً كرئيس التسويق في "آرك لايت سينماز" (ArcLight Cinemas)، عن المألوف في مقابلات العمل، إذ يسأل المتقدم عن رغبته بإجراء تحقيق معاكس عنه. فيعرّفه في حال موافقته على اثنين من مرؤوسيه السابقين، وغالباً ما يكون أحدهما ممن لم ينجحوا في العمل معه، ويشجع المتقدم على طرح أي سؤال يريد عليهما. يقول لنا شفايكوفسكي "لا تسيئ فهمي، فأنا لا أريد خسارة متقدم رائع، ولكني أكره أن أضطر لإيجاد موظف جديد ليشغل المنصب نفسه بعد ستة أشهر لأن المتقدم الأول لم يعجبه العمل لدي".
وفي الوقت نفسه، يمكنك اتباع الخطوات التالية لتساعدك على التأكد من صدق المتقدمين معك. أولاً، احرص على التعامل بقدر معين من التواضع، إذ خلُصت الدراسات إلى أن الإنسان لا يجيد كشف الكذب، ويجب عليك أن تعي أنك لست قادراً على قراءة الأفكار، وقد تحتاج لبذل جهد كي تحصل على الحقيقة كاملة. ثانياً، دع المتقدمين يعرفون أنك ستتحقق عنهم، فهذا سيردع الكاذبين. (يجب الحذر في هذه النقطة، إذ قد يعتبر بعض المتقدمين هذا تطفلاً، فتقل احتمالات قبولهم لعرضك المحتمل، ومن الممكن أيضاً أن يتركوا تقييما سلبياً على موقع "غلاسدور" (GlassDoor.com). ولذلك، يجب أن ينتبه الشخص الذي يُجري المقابلة إلى لهجته واختياره للكلمات ونضجه الشخصي وجاذبيته). وأخيراً، اطرح أسئلة إضافية للتحقق، ومن الأفضل أن تكون مسبوقة بجمل تلطيفية تشجع على الصدق، على سبيل المثال "أريد أن أتأكد أني فهمتك بصورة صحيحة، هل تعني كذا؟" أو "أريد أن أتأكد أننا متفقين، هل أنت واثق أنك لن تمانع هذا الجانب من الوظيفة؟".
لن يعود تعيين الشخص غير المناسب بالنفع على المؤسسة ولا على الموظفين، ويجب على المؤسسات المبادرة في تشجيع المزيد من الصراحة في عملية التوظيف.