ملخص: شهد العام الماضي حدوث تغييرات جذرية في نظرة الموظفين إلى العمل وتصورهم له، ولكن بقي شيء واحد ثابتاً دون أن أي تغيير، وهو أن الشركات مطالبة بفهم أهم أولويات قوة العمل المستقبلية إذا أرادت استقطاب المواهب اللازمة لمواصلة النمو والحفاظ عليها. يجب عليها تبني نماذج عمل جديدة ومرنة وتشجيع أفراد قوة العمل على تصميم حياتهم المهنية بأنفسهم. فالموظفون يريدون تحديد زمان عملهم ومكانه، ويريدون العمل مع فريق متنوع، ويريدون قياس إنتاجيتهم على أساس القيمة التي يضيفونها، وليس حجم الجهد الذي يبذلونه. ويتوقعون منحهم المساحة والثقة اللتين يحتاجون إليهما لأداء عملهم على الوجه الأكمل أينما كانوا. والشركات التي تتفهم هذه الرغبات والاحتياجات وتحتضنها، لن تنجح فقط في تعزيز عنصريّ الدافعية والاندماج لدى كوادرها البشرية الحالية، ولكنها ستلفت أيضاً انتباه ألمع الموظفين الجدد وترتقي بأعمالهم إلى آفاق جديدة.
أدت الأحداث التي شهدها العام الماضي إلى تسريع التحول الرقمي في مختلف القطاعات. وبالإضافة إلى إقرار الجميع بأن الموظفين المرنين هم شريان الحياة الحقيقي للشركات، فقد توصل الباحثون إلى قناعة تامة بأن قوة العمل في الشركات تمثل عنصراً ضرورياً لتعافيها. وأسفر هذا عن دفع المؤسسات إلى إعادة النظر كلية في كيفية استقطاب المواهب والحفاظ عليها وإدارتها.
وقد أرادت شركتي "سيتركس" (Citrix)، فهم المواقف الحالية لكل من مدراء إدارة الموارد البشرية وموظفي المعرفة فيما يتعلق بقوة العمل المستقبلية. فأجرينا دراسة أطلقنا عليها اسم "مسرعات المواهب" (Talent Accelerator)، كجزء من مشروع "أعمال سيتركس 2035" (Citrix's Work 2035)، وهو عبارة عن دراسة استمرت لمدة عام كامل لأنماط العمل العالمية وخططها المصممة من أجل فهم كيفية تغير طبيعة العمل والدور الذي ستلعبه التكنولوجيا في تمكين الأفراد من الوصول إلى أفضل مستويات الأداء. وتجمع دراسة "مسرعات المواهب" بين الأبحاث التي أجراها أكثر من 2,000 موظف في مجال المعرفة و500 مدير لأقسام الموارد البشرية في كبرى الشركات الرائدة والشركات المتوسطة، من بينهم 500 موظف على الأقل يعملون في الولايات المتحدة. وعندما بدأت الدراسة، كان هؤلاء الموظفون بشقيهما المهني والإداري يعملون بموجب عقود دائمة وكانوا يعملون حالياً أو مؤخراً من المنزل نتيجة للقيود المفروضة بسبب تفشي جائحة "كوفيد-19".
نتائج البحث حول مستقبل إدارة المواهب
توصلت دراستنا إلى ثلاث أولويات محددة بين موظفي المعرفة فيما يتعلق بالشكل الذي قد تبدو عليه إدارة المواهب في المستقبل:
1. يتوقع الموظفون بأغلبية ساحقة خيارات مرنة
أشارت الدراسة إلى أن 88% من موظفي المعرفة قالوا إنهم عندما يبحثون عن وظيفة جديدة، فإنهم سيبحثون عن وظيفة توفر المرونة الكاملة في مواعيد العمل والموقع الذي يمارسون من خلاله عملهم. كما يتوقع 83% منهم أن العجز في المواهب الماهرة على مستوى العالم يستوجب استفادة الشركات من نماذج العمل المرنة للوصول إلى المرشحين المناسبين بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه، ومع ذلك فإن 66% فقط من مدراء إدارة الموارد البشرية يؤمنون بصحة هذا الرأي. والأهم من ذلك:
- يعتقد 76% من العاملين الذين شملهم استطلاع الرأي أن الموظفين سيكونون أكثر ميلاً إلى إعطاء الأولوية لنمط الحياة (الاهتمامات الأسرية والشخصية) دون الالتفات إلى قربهم من العمل، وسيؤدون مهمات وظائفهم في الأماكن التي يستطيعون التركيز فيها على كلا الجانبين، حتى إذا كان ذلك يعني خفض الأجور.
- يعتقد 83% من الموظفين أن العاملين سيكونون أكثر عرضة للانتقال من المدن والمواقع الحضرية الأخرى إذا كان بإمكانهم العمل عن بُعد لغالبية الوقت، وهو ما سيؤدي إلى إنشاء مراكز عمل جديدة في المناطق الريفية.
وإذا أرادت الشركات أن تهيئ نفسها للفوز في المستقبل، فعليها أن تحرص على التقاء الموظفين أينما كانوا.
2. يريد الموظفون وضع تصور جديد لكيفية قياس الإنتاجية
ستحتاج الشركات في المستقبل إلى إعادة النظر في كيفية قياسها للإنتاجية؛ لأن المقاييس التقليدية عادت غير مجدية، وكذلك وجهات النظر القائلة بأن العمل الحقيقي لا يمكن إنجازه خارج المقرات المكتبية للعمل باتت غير مقبولة بحال من الأحوال. وقد أشارت الدراسة إلى أن الموظفين يريدون اليوم قياس إنتاجيتهم على أساس القيمة التي يضيفونها، وليس حجم الجهد الذي يبذلونه. ويتوقعون منحهم المساحة والثقة اللتين يحتاجون إليهما لأداء عملهم على الوجه الأكمل أينما كانوا.
- قال 86% من الموظفين إنهم يفضلون العمل في شركة تعطي الأولوية للنتائج النهائية دون الالتفات إلى كمية العمل. ما معنى هذا؟ هذا يعني أن الموظفين الجدد يرغبون في العمل لدى شركة لا تهتم كثيراً بكم العمل الذي يؤدونه، بل تصب القدر الأكبر من اهتمامها على الأثر الذي يمكنهم تحقيقه وإضافته إلى النتائج النهائية بالمعنى الشامل.
- ولكن ثمة فجوة هنا، فقد قال 69% فقط من مدراء إدارة الموارد البشرية إن شركاتهم تعمل حالياً بهذه الطريقة، ويقول نصف مدراء إدارة الموارد البشرية فقط إن مؤسساتهم ستكون أكثر إنتاجية بالكامل إذا شعر الموظفون بأن صاحب العمل أو مسؤولي الإدارة العليا لديهم يوكلون إليهم المهمات المطلوب إنجازها دون أن يفرضوا رقابة لصيقة على سير العمل في هذه المهمات.
تركز الشركات المهتمة بالتفكير الاستشرافي على سد هذه الفجوة، وتحرص على تصميم تجارب تتمحور حول العنصر البشري، وهي تمنح الموظفين المساحة التي يحتاجون إليها لإطلاق إمكاناتهم الكاملة وتحقيق نتائج تحويلية.
3. يريد الموظفون العمل مع فريق متنوع
هل هناك شيء محدد يبدو أن الموظفين والمدراء يتفقون عليه؟ يريد الموظفون العمل في شركة تعطي الأولوية للتنوع.
- يؤكد 86% من الموظفين و66% من مدراء إدارة الموارد البشرية أن تنوع قوة العمل سيصبح أكثر أهمية مع تغير الأدوار والمهارات ومتطلبات الشركات بمرور الوقت.
- تعد المقاييس الصادقة والمتاحة بسهولة للتعرف على مستوى التقدم المحرز في تحقيق التنوع والفجوات المتبقية ضرورية لضمان أن تكون الجهود المبذولة لبناء فريق متنوع قابلة للقياس وموجَّهة وذات تأثير حقيقي.
أهم الدروس المستفادة للقادة
ما أهم الدروس المستفادة لقادة الشركات فيما يتعلق بالتطبيقات العملية لهذه النتائج؟
1. اكتشف الكنوز الخفية
يجب على قادة الشركات بعد رفع القيود المفروضة على التقيد بالمواقع الجغرافية النظر إلى عمليات التوظيف في شركاتهم من زاوية أوسع وزيادة القدرة على استقطاب موظفين يستطيعون تعزيز إبداع المؤسسة وإنتاجيتها.
فعليهم أن يلتفتوا، على سبيل المثال، إلى الفئات غير المستغلة من المواهب، مثل "قوة العمل المنزلية"، ويمكنهم أن يستعيدوا الآباء والأمهات الذين ضحوا بحياتهم المهنية من أجل رعاية أطفالهم أو الأشخاص الذين تخلوا عن وظائفهم لرعاية أقاربهم المسنين. قد يعني ذلك أيضاً البحث عن مواليد جيل الطفرة الذين تقاعدوا، لكنهم ما زالوا يرغبون بالعمل بضع ساعات في الأسبوع. وقد يعني ذلك التوسع في تعيين المزيد من العاملين بدوام جزئي وبنظام التعاقد المؤقت والعمل المستقل لساعات أطول بعد أن باتوا يشكلون نسبة مئوية كبيرة من قوة العمل أكثر من أي وقت مضى. وبالطبع، فإن هذا يعني البحث عن المواهب العالمية التي قد تكون موجودة في أي مكان.
2. أعطِ الأولوية للتعلم والتطوير
أدت نماذج العمل الجديدة التي أفرزتها الجائحة والتغيرات في تفضيلات العملاء واحتياجاتهم إلى ظهور أدوار جديدة للشركات وموظفيها وبزوغ فرص جديدة لنموها ونموهم. وسيكون تحسين المهارات وصقلها عاملاً حاسماً في الاستفادة منها. كما توصلت الدراسة إلى ما يلي:
- يعتقد 82% من الموظفين و62% من مدراء إدارة الموارد البشرية أن الموظفين بحاجة إلى صقل مهاراتهم الحالية أو اكتساب مهارات جديدة مرة واحدة على الأقل كل عام من أجل الحفاظ على الميزة التنافسية في سوق العمل العالمية.
- يعتقد مدراء إدارة الموارد البشرية أن ضمان حصول المؤسسة على أحدث التقنيات التعاونية المستخدمة لتمكين التعلم المرن هو العامل الأكثر أهمية في تعيين أفضل المواهب والحفاظ عليها، ويؤكد 88% من الموظفين هذه الفكرة قائلين إنهم يتطلعون إلى ذلك عند البحث عن منصب جديد.
ولا مناص من التذكير هنا بما يلي: يجب على المؤسسات إعطاء الأولوية لصقل المهارات وتحسينها من أجل ستقطاب المواهب التي تحتاج إليها والحفاظ عليها لتنمية أعمالها. والمؤسسات التي تنجح في هذا المسعى لن تعزز الدافعية لدى موظفيها الحاليين فحسب، بل ستحظى أيضاً باهتمام ألمع المواهب من الموظفين الجدد وتتيح لنفسها فرصة الخروج من الجائحة ليس فقط كما كانت قبلها، وإنما ستخرج منها وهي أقوى وأفضل من ذي قبل.
شهد العام الماضي حدوث تغييرات جذرية في نظرة الموظفين إلى العمل وتصورهم له، ولكن بقي شيء واحد ثابتاً دون أن أي تغيير، وهو أن الشركات مطالبة بفهم أهم أولويات قوة العمل المستقبلية إذا أرادت استقطاب المواهب اللازمة لمواصلة النمو والحفاظ عليها. يجب عليها تبني نماذج عمل جديدة ومرنة وتشجيع أفراد قوة العمل على تصميم حياتهم المهنية بأنفسهم. وبذلك لن تعزز فقط عنصريّ الدافعية والاندماج لدى كوادرها البشرية الحالية، وإنما ستلفت أيضاً انتباه ألمع الموظفين الجدد وترتقي بأعمالهم إلى آفاق جديدة.