ملخص: مع أن الفكر السائد يشير إلى ضرورة أن تبحث الشركات عن فرص نمو قريبة من ميدان عملها الرئيس وقدراتها الأساسية، فالمؤلف يقول إن استراتيجية التنويع هي استراتيجية نمو فعالة، بشرط اتباع 4 قواعد: 1) التركيز على وحدة العمل؛ 2) السماح لوحدات العمل بتنفيذ استراتيجياتها الخاصة؛ 3) تعيين قادة وحدات العمل المبادرين الذين يتصرفون كأنهم رؤساء تنفيذيون؛ و4) غرس ثقافة تتيح المخاطرة بأمان.
تُعد استراتيجية التنويع من أبرز الطرق التي تعتمد عليها الشركات للنمو والتوسع، لكن الرؤساء التنفيذيين ومجالس الإدارة من خلفهم يخشون الإقدام على هذه الخطوة. لماذا؟ لأن الخبراء غرسوا في عقولهم أن التنويع مهمة عسيرة للغاية، وأنه ليس مضمون النجاح في أحسن الأحوال، ويمكنه في أسوئها أن يسبب انهيار الشركة؛ لا بد أنك سمعت مقولة: "التخصص هو أساس التميز في عصر العلم".
ولكني أجريت بحثاً مكثفاً حول التنويع، ووجدت أن تبنّي الاستراتيجية الصحيحة يمكّنك من تحقيق نتيجة قابلة للتنبؤ بدرجة كبيرة، والنتيجة هي نمو قابل للتنبؤ. حددت في هذا المقال 4 قواعد أساسية من شأنها أن تجعل التنويع خطوة مربحة لشركتك في سعيها لتحقيق النمو.
التركيز على وحدة العمل
على مدى عقود، تناول كم كبير من الأدبيات الأكاديمية مسألة مدى فعالية التنويع، سواء كان ذا صلة بالأعمال الأساسية للشركة أم لا. والاستنتاج العام هو أن "التنويع المترابط (مثل دخول قطاع جديد له أوجه تشابه أساسية بالقطاع الذي تنشط فيه الشركة) هو خطوة أكثر حكمة مقارنة بالتنويع غير ذي الصلة (أي دخول قطاع جديد بعيد كل البعد عن قطاع الشركة الحالي)". أي أن الشركات التي تنتهج التنويع باعتدال تتفوق في أدائها على الشركات التي لا تنتهجه أو تفرط فيه.
أشبّه هذه النظرية بتناول البصل: القليل من البصل يفيدك، والإكثار منه يضرك. وعلى المنوال نفسه، يؤمن بعض القادة بوجود مستوى أمثل للتنويع.
إشكالية هذه النظرية هي أنها تتمحور حول التنويع من منظور الشركات، فهو قائم على تقييم الأنشطة والأعمال على مستوى القيادة العليا أولاً؛ يثير هذا المنظور قلق الرئيس التنفيذي ومجلس الإدارة بشأن علاقة الأنشطة والمشاريع بشركتهم ومدى ارتباطها بأعمالهم الأساسية.
ولكن، ماذا لو تبنينا التنويع من منظور وحدة العمل بدلاً من ذلك؟ أكد مايكل بورتر منذ سنوات أن المنافسة في السوق تشتعل بين وحدات العمل في المقام الأول، لذلك من المنطقي النظر من هذه الزاوية.
لو صح افتراض أن التنويع المعتدل أفضل من عدمه أو المبالغة فيه، فهذا يعني أن وحدات العمل الشديدة الشبه بوحدات العمل الأخرى في الشركة لن يكون أداؤها بمستوى أداء وحدات العمل ذات الشبه المحدود بالوحدات الأخرى؛ وكذلك الأمر بالنسبة إلى وحدات العمل التي تختلف تماماً عن الوحدات الأخرى، إذ لن يكون أداؤها بجودة أداء وحدات العمل ذات الشبه المحدود بوحدات العمل الأخرى أيضاً.
بالتالي، تبدو حجة التنويع المترابط المعتدل غير منطقية من منظور وحدة الأعمال؛ أي أن الارتباط ليس بالمسألة الجوهرية في التنويع المقترح بهدف النمو؛ بل فرص نجاح وحدة العمل في حد ذاتها هي المسألة الجوهرية.
السماح لوحدات العمل بتنفيذ استراتيجياتها
يقلق بعض القادة من أن الإفراط في التنويع يؤدي إلى زيادة أعباء الإدارة العليا، ما يؤدي بدوره إلى تقييد فرص النمو المحتملة، ولكن هذه الفكرة تنطوي على افتراض ضرورة إشراف الإدارة العليا على محفظة الأعمال المتنامية والمتنوعة، وإذا تولت الإدارة العليا مهمة صياغة استراتيجيات تنافسية وخطط تشغيلية مفصلة لمجموعة متنوعة من وحدات العمل، فمن المؤكد أن ذلك سيشكل ضغطاً كبيراً عليها.
ولكن الشركات التي تهدف إلى النمو بالتنويع تتجنب هذه الضغوط بتبني نهج مختلف؛ فهي تفوض مدراء الأقسام بمهام وضع الاستراتيجية والتخطيط التشغيلي، فينفذون "النسبة العظمى من العمل"، على حد تعبير الرئيس التنفيذي لشركة بيركشاير هاثاواي، وارن بافيت، في حين يقتصر دور الرؤساء التنفيذيين والإدارة العليا على دعم أقسام الشركة.
وهنا، أنتقل إلى القاعدة التالية.
تعيين قادة وحدات العمل المؤهلين
يجب أن يمتلك مدراء وحدات العمل القدرات اللازمة، فمن دون مدراء مهرة في هذه المناصب، ستتعرض فرص نجاح جهود التنويع بتحقيق النمو للخطر وينتقل العبء الإداري مجدداً إلى الإدارة العليا، وإذا أدى هذا الوضع إلى نهوض الإدارة العليا بمهمة صياغة الاستراتيجيات والخطط التشغيلية لمختلف الأعمال، فهذه دلالة على تعثر نمو الشركة.
كان جاك ويلش من الرؤساء التنفيذيين الذين اتبعوا هذا المبدأ؛ إذ قال إن دوره يتمثل في اختيار أفضل الموظفين للعمل على الفرص الواعدة ومن ثم تخصيص الموارد على النحو الأمثل، ولا يفترض بالرئيس التنفيذي أن يشارك في صنع القرارات التشغيلية اليومية لأقسام معينة. وانتهى ويلش إلى أن مدراء الأقسام أو رؤساء وحدات العمل الفعالين يجب أن يتمتعوا بالمصداقية والوعي الذاتي والقدرة على إلهام الآخرين بأسلوبهم القيادي الصادق؛ أي أنه كان يبحث عملياً عن صفات الرئيس التنفيذي جميعها.
شركة ويسفارمرز (Wesfarmers) هي سابع أكبر شركة أسترالية من حيث القيمة السوقية، وتشتهر باستراتيجية التنويع التي تنفذها؛ يؤكد الرئيس التنفيذي السابق للشركة، مايكل تشيني، الدور الحاسم الذي يؤديه رؤساء وحدات العمل المبادرون في نجاح الشركة، إذ يجب أن يمتلكوا معرفة بالقطاع مع التركيز على المقاييس المالية الرئيسية، مثل العائد على رأس المال المستخدم. كما أكد تشيني أهمية أن تكون مميزات القائد المعنوية وقيمه مكملة لسماته السلوكية وأسلوبه القيادي، وتشمل هذه المميزات المعنوية الذكاء العاطفي، مثل الحساسية في التعامل مع الآخرين، والاهتمامات الواسعة التي تشمل مجالات متنوعة، والقدرة على فهم أثر المسائل المهمة في الشركة.
غرس ثقافة نمو وحدة الأعمال
لتحقيق نمو الشركة من خلال التنويع، تحتاج إلى تعيين المدراء المناسبين بالإضافة إلى غرس الثقافة التنظيمية المناسبة، وهنا لا يمكن أن تكون الثقافة المناسبة متحفظة تتجنب المخاطرة وبيروقراطية، بل يجب أن تكون حيوية جداً وريادية وتقبل المخاطر. وبالإضافة إلى تشجيع رؤساء وحدات العمل على تحقيق الأرباح، يجب حثهم على تحمل المخاطر سعياً لتحقيق الربح، ولا بد من تحفيزهم على التصرف وكأنهم مالكو الشركة.
يتمثل أحد العوامل الرئيسية في تحديد الفرص في ثقافة التفاعل مع أصحاب المصلحة والاستماع إليهم، والشركات الناجحة في التنويع تعطي الأولوية لفهم احتياجات عملائها ومورديها وموظفيها وتلبيتها، وهي على استعداد لإجراء تغييرات جذرية والاستحواذ على شركات مختلفة تماماً عن القطاع الذي تعمل فيه سعياً لتحقيق تلك الغاية.
لنعد إلى شركة ويسفارمرز، التي واصلت النمو بفضل عمليات استحواذ بارعة وتصفية الأعمال في الوقت المناسب في مجموعة من القطاعات، ولثقافتها دور محوري في نهج النمو الذي تتبعه، وهي تصفها على النحو الآتي: "نوفر الاستقلالية والمساحة مع حرية العمل دون خوف من الفشل، ونتحلى بالفضول وسعة الأفق ونتبنى عقلية تعاونية. ومع أننا قادة فكر، فإننا متواضعون ومستعدون لمشاركة المعرفة والتعلم المتبادل". يلخص الرئيس التنفيذي السابق، ريتشارد غويدر، الأهمية المحورية لثقافة الشركة في مسارها نحو النمو قائلاً: "إن بناء الثقافة صعب وهدمها سهل".
قد يكون إحجامك عن السعي للنمو من خلال التنويع سمة متأصلة نشأت بفعل الأدبيات الأكاديمية التي تفضل التنويع ذا الصلة على التنويع غير ذي الصلة. عليك أن تتجاهل هذا الفكر السائد، فهذا ما يفعله رواد الأعمال بكل تأكيد. وعليك أن تقتدي بهم، وأن ينصب تركيزك عند السعي إلى النمو على اقتناص الفرص للعمل في مجال مختلف؛ فلِم تحدّ نمو شركتك بتقييدها في مجال واحد؟