ماذا تعلمت من عملي في قسم الابتكار ضمن جامعة “أوكسفورد”؟

3 دقائق
shutterstock.com/phive
"تكفّ كومة من الصخر عن أن تكون كومة من الصخر، عندما يتأملها شخص وفي ذهنه فكرة تشييد كاتدرائية". أنطوان دو سانت إكزوبيري.

كان يمكن أن يُكتب الاقتباس عن الكاتب والصحفي والطيار الفرنسي الشهير، وفي الذهن تدور الأفكار حول عملية نقل التكنولوجيا التي تشهدها "أوكسفورد". أنشأت جامعة "أوكسفورد" مكتب نقل التكنولوجيا الخاص بها في عام 1988، استجابة للحاجة المتزايدة لإدارة التدفق المستمر للأفكار القابلة لحمايتها ببراءة اختراع (حوالي 300 سنوياً)، والناتجة عن الأبحاث الكثيفة التي تجريها جامعة "أوكسفورد" في كافة المواضيع. حدث هذا قبل 10 سنوات من نشر الحكومة البريطانية تقريرها لعام 1998، تحت عنوان "الورقة البيضاء حول القدرة التنافسية للمملكة المتحدة"، لتحفيز مبادرات السياسة الحكومية وقنوات التمويل والمساعدة في عملية الاستفادة من نتائج البحوث.

تلقيت عرض عمل من "جامعة أوكسفورد للابتكار" (Oxford University Innovation)، في عام 2008، عندما اتخذت الجامعة قراراً بزيادة الاستثمار في جَسر الفجوة بين الأفكار والسوق وتطوير الأنشطة الاستثمارية في إثبات جدوى المفهوم (كانت المحفظة الاستثمارية تتكون حينها من حوالي 3,500 براءة اختراع وصندوق لاختبار جدوى المفهوم وحوالي 60 شركة ناشئة). لقد كنت رئيس دعم وتمويل المشاريع الجديدة "نيو فنتشر آند سابورت فاندنغ" (New Venture Support and Funding)، في "أوكسفورد" لمدة 10 سنوات، وكانت تجربتي رحلة حقيقية بين تخيل المنتجات المبتكرة وتحقيق أنشطة ريادية جديدة استناداً إلى أفكار الباحثين (تتضمن المحفظة اليوم حوالي 5 آلاف براءة اختراع  و3 صناديق لإثبات جدوى المفهوم و5 صناديق استثمارية للمستثمرين الملائكة، وصندوق كبير الحجم لتنمية الشركات الناشئة تصل موجوداته إلى حوالي 800 مليون جنيه إسترليني وأكثر من 200 شركة ناشئة). لقد تعلمت أن نقل التكنولوجيا لا يحدث من تلقاء نفسه. فعلى سبيل المثال، تسجيل وحماية الملكية الفكرية هما مجرد نقطة انطلاق أساسية لنجاح سوق منتج مبتكر.

ومع ذلك، وبغض النظر عن إمكاناتها، لا يتجاوز العديد من الأفكار (حتى 95% في الولايات المتحدة، على سبيل المثال) مرحلة الحماية أو تسجيل براءة الاختراع. وعلى الرغم من أن البحوث المكثفة التي تجري في جامعة "أوكسفورد" في جميع المواضيع تُمول بميزانية بحث سنوية تبلغ حوالي 600 مليون جنيه إسترليني، يعتمد نجاح نقل التكنولوجيا الذي تقوم به شركة "جامعة أوكسفورد للابتكار" على عدد من العوامل، أهمها ثقافة ريادة المشاريع في الجامعة.

ومن وجهة النظر التشغيلية، توضح "أوكسفورد" على نحو جلي دور الباحثين ومكتب نقل التكنولوجيا والجامعة ذاتها والقطاع الخاص، وجميعها تعمل بصورة متعاضدة في إطار منظومة بيئة الابتكار. وأحد الجوانب التي تميز عملية نقل التكنولوجيا من جامعة "أوكسفورد" هو مبدأ عدم بدء مرحلة التسويق في وقت مبكر للغاية، وذلك لتجنب الترويج لمحفظة ملكية فكرية لم تصل إلى مرحلة كافية من الإعداد. لذلك، فإن أحد أدوار الصناديق الثلاثة لإثبات المفهوم لدى جامعة "أوكسفورد" هو تشكيل سلسلة الاستثمارات المستقبلية من قبل القطاع الخاص.

تعد "أوكسفورد" قصة نجاح لا مثيل لها في الوقت الحالي. فكيف يمكننا بالمثل تطبيق هذه المنهجية في مكان آخر؟ لا تستطيع مكاتب نقل التكنولوجيا بالجامعة فعل كل شيء بمفردها، حتى وإن حاول البعض القيام بذلك. ينبغي الاستفادة بشكل منهجي من مهارات أصحاب رأس المال المغامر (الجريء) والمستثمرين الملائكة والخريجين والصناعيين وغيرهم من المهنيين لتحديد وتطوير التكنولوجيا التي تحفل بأعلى الإمكانات التجارية. لقد توصلتُ من خلال تجربتي في جامعة "أوكسفورد" إلى أنه على الرغم من أن أفضل الممارسات المتاحة لتحقيق نتائج ملموسة قد أعطت النجاح المتوقع، لا تزال معظم الجامعات بحاجة إلى الوعي. يعد هذا الدعم الفكري والريادي لنقل التكنولوجيا ضرورياً ليس فقط لجَسر الفجوة بين الأوساط الأكاديمية والصناعة، ولكن أيضاً لجذب إمكانات المخترعين (رجالاً ونساء) غير المستغَلة والتي قلما يُعترف بها.

لقد علمتني السنوات العشر في جامعة "أوكسفورد"، أن تحقيق التميز يتطلب مهارة عالية التخصص يلعب فيها العامل البشري الذي يجسده مدراء نقل التكنولوجيا دوراً رئيساً. من أجل الاستعداد لهذا الدور، يجب علينا:

  • تطوير التدريب المناسب والمؤهل المعترف به لفئة مدراء نقل التكنولوجيا المهنية، بحيث تظهر كمهنة عالية القيمة.
  • التأكد من أن التأهيل يركز بشدة على التفاعل بين الثقافات المختلفة (الأكاديمية وفي ريادة الأعمال) وعلى التعلم من خلال التجربة.
  • تنفيذ آلية تمويل إثبات المفهوم تضمن سلسلة إمداد موثوقة ووفيرة للمستثمرين في المرحلة الأولية، لتفعيل منظومة بيئة أعمال بين القطاعين العام والخاص قائمة على أساس الابتكار. وأخيراً تخيل كاتدرائية راقية مصنوعة من العديد من حجارة الطوب المنقوشة يدوياً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي