ملخص: قد يبدو قبول وظيفة لا تتناسب مع مستوى خبرتك حيث تتمتع بكل مؤهلاتها أمراً سهلاً، لكن المدراء يترددون بالفعل في تعيين شخص تفوق خبرته المستوى المطلوب، والحل يكمن في الأسلوب الذي تتبعه لتقديم نفسك، ابدأ بدحض الافتراضات التي قد يعتنقها مدير التوظيف عنك من خلال تقديم معلومات معاكسة. على سبيل المثال، قد يفترض مدير التوظيف أنك ستطلب راتباً مرتفعاً، ولدحض هذا الافتراض، قل: "أنا مستعد للعمل ضمن نطاق الأجر المحدد لهذا المنصب". أما فيما يتعلق بكيفية الحديث عن الوظيفة بحد ذاتها، فتتمثل إحدى الاستراتيجيات في اعتبارها فترة عمل مؤقتة؛ بمعنى أنك ستسهم بخبراتك لفترة زمنية معينة لمساعدة الشركة على تحقيق أهدافها وهدفك المتمثّل في الحصول على ترقية إلى منصب أعلى وأفضل. ومن الأفكار الأخرى أيضاً حثّ مدير التوظيف على توسيع نطاق المنصب؛ شارك أفكارك حول المسؤوليات الممتدة التي يمكنك توليها والمشاريع الجديدة التي يمكنك الإشراف عليها، وابحث عن طرق تتيح لك إضافة قيمة فريدة.
يلفت أحد الشواغر الوظيفية انتباهك، لكن الخبرة المطلوبة لا تتجاوز 8 سنوات، في حين أنك عملت 15 عاماً في هذا المجال، فهل تواصل عملية التقدّم؟ وإذا استُدعيت لإجراء مقابلة شخصية، فهل عليك الاعتراف بأن خبرتك تفوق مستوى الخبرة المطلوب؟ وما التدابير التي عليك وضعها في الاعتبار قبل تولي المنصب؟
ما الذي يقوله الخبراء؟
يوجد العديد من الأسباب التي قد تدفعك إلى قبول وظيفة لا تتناسب مع مستوى خبرتك؛ كالعمل في قطاع جديد، أو محاولة الانضمام إلى شركة معينة، أو الانتقال إلى مدينة جديدة، أو الرغبة في زيادة مستوى المرونة في حياتك الشخصية، أو الحاجة إلى العمل في أي وظيفة. لكن لا تفترض أن سيرتك الذاتية المثيرة للإعجاب ستضمن لك الحصول على عرض وظيفي، كما تقول أستاذة الإدارة في جامعة ولاية بورتلاند والمؤلفة الرئيسية لدراسة حديثة نُشرت حول هذا الموضوع، بيرين إردوغان، التي تشرح قائلة: "هناك تحيّز بالفعل، إذ لا يقبل مدراء التوظيف عادة تعيين شخص خبرته تفوق مستوى الخبرة المطلوب"، إذ يفترضون أنه سيشعر بالملل في هذا المنصب، وفقاً لأحد كبار المستشارين في شركة إيغون زيندر إنترناشيونال (Egon Zehnder International) ومؤلف كتاب "لا علاقة للأمر بالكيفية أو بالماهية، بل بالشخصية" (It's Not the How or the What but the Who)، كلاوديو فيرنانديز أراوز، ويضيف: "قد يظن المدير أنك ستترك العمل لاحقاً، وبالتالي سيكون توظيفك مضيعة للوقت والجهد، أو قد يعتبرك منافساً له. لذلك، احرص أولاً على جذب اهتمام المُحاورين"، وإليك بعض النصائح لمساعدتك في كسب اهتمامهم.
راقب سلوكياتك
من المهم أولاً ألا تكون متعجرفاً. تقول إردوغان: "قد تتوهم أن الشركة ستكون محظوظة بتوظيفك، فالشركات ترغب في تعيين الأشخاص المناسبين عادة، لكن قد لا يجد مدير التوظيف أي صلة بين مؤهلاتك العالية والوظيفة"، لذا، احرص على ألا تتباهى بنفسك أو تُبدي غرورك. "يجب ألا يفترض أي مرشح أن مؤهلاته تفوق مستوى الخبرة المطلوب. قد يُثني شخص ما على مستوى خبرتك ومؤهلاتك بالفعل، وهو تقييم محمود، لكن عندما تُصدر أنت التقييم ذاته عن نفسك فسيكون سلوكاً مذموماً". وبالمثل، إذا أثنى مدير التوظيف على مستوى خبراتك، فأبدِ تواضعك، وتوصي إردوغان بالقول: "أعلم أن خبرتي تفوق مستوى الخبرة المطلوب، لكنني متحمس بشأن الشركة والمنصب، وأتطلع إلى الإسهام بأفضل ما لدي من قدرات".
تحلّ بالشفافية (إلى حد معين)
إلى أي مدى يجب أن تكون صريحاً بشأن أسباب تقدمك للوظيفة؟ تقول إردوغان: "تعتمد الإجابة على ماهية أسبابك ودرجة قبولها اجتماعياً"، وتوصي بالتعبير عن اهتمامك تبعاً لأهدافك النهائية، كأن تقول المرشحة مثلاً: "أنا مهتمة بالوظيفة لأن لديّ أطفالاً صغاراً، وأعجبني جانب المرونة في العمل من المنزل"، أو "أرغب في أن أعمل في وظيفة مهامها معروفة ولا تتطلب سفراً كثيراً". (فذلك يدل على أنك قرأت متطلبات المنصب الشاغر ومزاياه بالفعل)، أو لعلك مهتم بالوظيفة لأنك أمضيت شهوراً في البحث عن عمل وبدأ الإحباط يتسلل إلى روحك، وتوصي إردوغان بالقول في هذه الحالة: "لطالما عملت في أدوار على أساس التعاقد الخارجي، وأتطلّع إلى فرصة الحصول على منصب دائم الآن". ينصح فيرنانديز آروز بأن تفكّر ملياً في كيفية الإجابة عن أسئلة حول سبب رغبتك في شغل المنصب والعمل في هذا القطاع، ويضيف: "القناعة عامل مهم، فأظهر نزاهتك".
احرص على دحض الافتراضات الشائعة عنك
قد يعتنق مدير التوظيف افتراضات معينة حولك وحول ترشّحك للمنصب، تقول إردوغان: "من المهم أولاً أن تتفهم مصدر قلقه وافتراضاته، وأن تقدم معلومات معاكسة". على سبيل المثال، قد يفترض مدير التوظيف أنك ستطلب راتباً مرتفعاً، ولدحض هذا الافتراض، استبعد موضوع الأجر من النقاش بالقول: "أنا غير متحفظ من ناحية الراتب، وقادر على العمل ضمن نطاق الأجر المخصص لهذه الوظيفة". وقد يفترض مدير التوظيف أيضاً أنك ستشعر بالملل وستترك العمل في الشركة بعد وقت قصير، وتقترح إردوغان دحض هذا الافتراض من خلال "إبداء حماسك تجاه العمل في الشركة"، و"الإشارة في سيرتك الذاتية إلى الوظائف التي عملت فيها فترة طويلة". أو قد يفترض مدير التوظيف أنك يائس أو "تعاني مشكلة ما"، ومن المفيد في هذه الحالة، أن تطلب من مرجع ما مساعدتك بحسب ما تقول إردوغان، كزميل أو مدير سابق، أو "شخص ما ضمن الشركة، أو صديق مشترك قادر على التحدث إلى مدير التوظيف ومدحك أمامه وإخباره بمدى اهتمامك بفرصة العمل".
وإذا لاحظت وجود شكوك حول مدى ملاءمتك للوظيفة، فينصح فيرنانديز آروز بتبني "منظور حل المشكلات"، والتفكير على نحو استراتيجي في الفوائد التي ستجنيها المؤسسة من توظيفك. وفيما يلي بعض الاستراتيجيات الممكنة مزودة ببعض التنبيهات:
فكر في مستقبلك بطموح
يقول فيرنانديز آروز: "لا يعيّن القادة المُلهمون الموظفين لسد حاجات العمل الحالية فحسب، بل من أجل المستقبل أيضاً". ويمكنك دفع مدير التوظيف على التفكير في الوظيفة من منظور أوسع "من خلال مشاركة أفكارك حول إمكانية توسيع نطاقها بطريقة حماسية". قد تكون مؤهلاتك أعلى من متطلبات المنصب الشاغر بالفعل، لكن يمكنك تحقيق المواءمة في هذا الصدد من خلال توسيع مسؤولياتك وتولي مشاريع جديدة، أو الإشراف على أقاليم ومناطق جغرافية إضافية. ويضيف فيرنانديز آروز: "كن سبّاقاً في تسليط الضوء على الفرص، وأثبت للمُحاور أهمية تعيين موظف يتمتع بخبرة عالية وليس موظفاً مبتدئاً".
صمم الوظيفة بما يتلاءم مع مؤهلاتك
تتمثّل الاستراتيجية الأخرى بحسب فيرنانديز آروز في "التحدث مع مدير التوظيف حول إمكانية تصميم المنصب الشاغر بما يتلاءم مع مهاراتك واهتماماتك، لكنها استراتيجية ذات حدين، فقد يفترض مدير التوظيف أنك تبحث عن مزايا أكثر" من جهة، وقد تكون فرصة جيدة لجعل الوظيفة أكثر جاذبية وملاءمة لخبراتك المميزة من جهة أخرى، لكن تذكّر أن الهدف هو "البحث عن طرق تتيح لك إضافة قيمة أكبر للوظيفة".
اعرض تقديم المساعدة بصورة مؤقتة
يتمثّل النهج الآخر بحسب فيرنانديز آروز في التحدث عن الوظيفة باعتبارها "فترة عمل مؤقتة"، بمعنى أنك ستسهم "بخبرات معينة" لتساعد الشركة "على تحقيق غرض أو هدف نهائي معين" لمدة محدودة من الزمن، شرط الاتفاق بأنك ستنتقل في النهاية إلى منصب أعلى وأفضل ضمن المؤسسة أو في مؤسسة أُخرى. ويمكنك أن تطلب من مدير التوظيف تخصيص مقدار معين من التعويضات لهذا العمل بشكل علاوة أو أتعاب أو مكافأة نجاح بعد أن تحقق هدفاً معيناً. ويضيف فيرنانديز آروز: "قد يقتنع مدير التوظيف بالفعل بفكرة أنك لن تترك العمل لحاجتك إلى النقود".
لا تكن متطلّباً
من الحكمة أن تفكر على نحو مُبتكر في كيفية جعل الوظيفية ملائمة لك، ومع ذلك، تُحذر إردوغان من المبالغة مضيفة: "ستتاح لك بالفعل فرصة تعديل الوظيفة وتوسيع نطاق مسؤولياتك بمجرد أن تنضم إلى المؤسسة وتفهم أسلوب سير العمل"، وتوصي باتباع نهج طويل الأمد: "انضم إلى الشركة، وقدّم أداءً يُظهر مدى استعدادك لتولي مزيد من المسؤوليات بمرور الوقت".
استجمع قواك
تقول إردوغان: "قد يغضب ذوو المؤهلات العالية وينزعجون عندما لا يحصلون على الوظيفة التي تقدموا إليها"، لكن عليك أن تقاوم رد الفعل هذا، "وتذكّر أن هناك الكثير من العوامل التي تدخل في قرار التوظيف والتي تخفى على المرشح، كالكيمياء الشخصية، ومن المحتمل جداً أنك لم تحصل على عرض لأن مرشحاً آخر ممن تقدموا كان ببساطة أكثر ملاءمة للوظيفة، "فلا تأخذ الأمر على محمل شخصي".
مبادئ يجب تذكرها
ما يجب أن تفعله
- اعلم أن مدير التوظيف يضع افتراضات (سلبية غالباً) عنك وعن طلبك، لذلك احرص على تقديم معلومات معاكسة لدحضها.
- بيّن مدى ملاءمتك للوظيفة عن طريق اقتراح طرق متعددة لأدائها.
- اطلب من مرجع ما التحدث مع مدير التوظيف بالنيابة عنك، كزميل أو مدير سابق.
ما يجب عليك تجنّبه
- أن تتباهى وتتصرف كأن الوظيفة لا ترقى إلى مستوى خبرتك، فذلك مجرد وهم.
- أن تفكر بمحدودية تجاه الوظيفة المعروضة، بل ابحث عن طرق لمواءمتها مع مهاراتك وخبراتك واهتماماتك.
- أن تصاب بالإحباط إذا لم تحصل على الوظيفة، إذ إن هناك العديد من العوامل التي تدخل في قرار التعيين، والتي تخفى على المرشح.
دراسة حالة رقم 1: كن واعياً بطريقة تقديم نفسك أمام مدير التوظيف
بعد تراجع الاقتصاد العالمي عام 2008، أفلست الشركة التي كانت لورين ماكآدمز تعمل لصالحها، فأصبحت عاطلة عن العمل بعد تمتعها بسنوات من الخبرة المهنية وخلفية في التطوير المهني وشهادة في الأعمال التجارية.
تتذكر قائلة: "شعرت بالإحباط بداية، وتقدّمت بطلبات كثيرة للعمل في المطاعم ومتاجر بيع الشطائر حتى"،
وبعد مضي عام من عملها في مناصب مؤقتة شغلتها لتغطية نفقاتها، تقدمت إلى وظيفة مساعد تسويق. "كانت الشركة تبحث عن موظفين مبتدئين، لكنني آمنت بقدرتي على جعل المنصب يتوافق مع خبرتي؛ وكل ما كان عليّ فعله هو إبلاغ مديرة التوظيف بأنني سأكون استثماراً ناجحاً".
وعندما ذهبت لورين للمقابلة، كانت مديرة التوظيف صريحة معها، تقول: "كانت قلقة من أن مؤهلاتي العالية ستجعلني أشعر بالملل في الوظيفة".
أدركت لورين ضرورة التحلي بالفطنة والذكاء الاستراتيجي في معالجتها تلك المخاوف، وعلمت بعد تقصّيها عن الشركة أنها بدأت مؤخراً بيع برمجيات خطط الأعمال وتقديم الخدمات الاستشارية، تقول: "أخبرت مديرة التوظيف أنني أمتلك خبرة وافية بهذه المنتجات"،
وأشارت أيضاً إلى أنها المرشحة المثالية لشريحة الزبائن المستهدفين للشركة: "بيّنت لها قدرتي على تحليل الأمور من منظور الزبون المحتمل ومن منظور الشركة أيضاً".
شاركت لورين خلال المقابلة أفكارها حول توسيع نطاق العمل أيضاً، فتحدثت عن مشاريع جديدة يمكنها تنفيذها، وسلّطت الضوء على المسؤوليات الموسعة التي يمكنها توليها.
وكانت جريئة في التعبير عن حماسها للوظيفة والشركة، لكنها أبدت تواضعها أيضاً، تقول: "أوضحت لها أن هدفي هو التعلم، ولاحظتُ أنه بمجرد أن أتسلّح بمعلومات عن الشركة ومنتجاتها وأسلوب تسويقها بشكل عام، ستتاح لي فرصة الإسهام في استراتيجية الأعمال ومبادرات التسويق الإضافية وتطوير المنتجات. وعندما أخبرتها مديرة التوظيف أن أهدافها تنطبق على منصب إدارة وليس على منصب مساعد تسويق، قالت لها أن ذلك ما تطمح إليه على المدى الطويل.
"أعتقد أنها أُعجبت بكل من ثقتي ورغبتي في أن أصبح موظفة دائمة على المدى الطويل".
حصلت لورين على الوظيفة، وسرعان ما جعلت مسؤولياتها تتوافق مع اهتماماتها ومهاراتها، وواصلت العمل لصالح تلك الشركة أكثر من 3 سنوات. وهي اليوم مستشارة مهنية ومديرة توظيف لصالح منصة ريزميه كومبانيون (resumecompanion.com).
دراسة حالة رقم 2: عبّر عن حماسك للوظيفة، ووضّح أن هدفك إضافة قيمة فريدة
منذ سنوات مضت، كان محمود حنيف، الذي تدرب ليصبح مدير علامة تجارية، ويحمل شهادة الماجستير في فلسفة إدارة التسويق، يعمل في شركة تعليمية بمدينة كراتشي في باكستان، لكنه كان متحمساً للعمل بقطاعات أخرى، لذلك كان منفتحاً على أي وظيفة تتيح له تلك الفرصة.
يقول: "لطالما رغبت في العمل في قطاعات أخرى أثارت اهتمامي، واكتساب مهارات جديدة أطبّقها على حملات التسويق والوظائف المستقبلية".
أجرى في أحد الأيام مقابلة لشغل منصب في الدعم التسويقي في إحدى شركات الأدوية، يتذكر قائلاً: "كان من المفترض أن يعمل المرشح لصالح مدراء العلامات التجارية، لكن دوره لم يكن مرتبطاً بالتسويق مباشرة، ولاحظت استناداً إلى تعليمي وخبرتي أن مؤهلاتي كانت أعلى من مستوى الخبرة المطلوب"، لكنه مع ذلك رغب في الحصول على الوظيفة.
سلّط محمود الضوء خلال المقابلة على خبرته وشرح أهدافه في مساعدة الشركة، يقول: "أخبرت مدير التوظيف بالقيمة التي يمكنني إضافتها. على سبيل المثال، علمت خلال المقابلات أن الشركة تعتمد على المعاملات الورقية بدرجة كبيرة، فاقترحت حلولاً من شأنها تقليل النسبة المئوية للورق المستخدم داخل الشركة".
وكان حريصاً على إبداء مدى اهتمامه بالمنصب وعبّر بصدق عن رغبته في الحصول على ترقية ضمن المؤسسة: "أخبرتهم أنني قادر على تحقيق أمر ذي قيمة وعن أملي في الحصول على ترقية إلى قسم التسويق الأساسي".
وعندما أفصح مدير التوظيف عن مكنوناته وقلقه من احتمال شعور محمود بالممل وتركه العمل، أشار محمود إلى وظائف أخرى في سيرته الذاتية أمضى فيها فترات طويلة. يقول: "أخبرته أيضاً أن لدي حافزاً كبيراً للعمل، وأنني أحب خوض تجارب جديدة. فالشخص الماهر قادر على ابتكار طرق جديدة لأداء عمله دون أن يشعر بالملل".
حصل محمود على الوظيفة، وواصل العمل فيها 3 سنوات.
وهو يشغل اليوم منصب كبير خبراء التسويق الرقمي في شركة بيور في بي إن (PureVPN) المشغّلة لشبكة افتراضية خاصة (في بي إن) تُدار ذاتياً، يقول: "هذه هي الوظيفة التي لطالما حلمت بشغلها".