كانت حياة شيريل ساندبيرغ تبدو مثالية، فقد كانت تعمل في وظيفة رائعة، وألفت كتاباً مؤثراً، ولديها عائلة محبة. ولكن في ربيع عام 2015، توفي زوجها ديف غولدبيرغ بسبب مشكلة في القلب، عندما كان الزوجان في عطلة في المكسيك. وفجأة أصبحت ساندبيرغ أرملة مكلومة.
بعد أن كافحتْ لاستعادة حياتها في المنزل وفي العمل، بدأت في الكتابة عن ألمها. وكتبتْ مقالاً طويلاً حول معاناتها وشعورها بالوحدة، ونشرتها على فيسبوك (Facebook) حيثما تشغل منصب الرئيس التنفيذي للعمليات (ولديها ما يقرب من مليوني متابع). وقد أطلق المقال مناقشات على الصعيد العالمي حول كيف يمكن للأشخاص التعامل مع المآسي.
وفي أثناء سعي ساندبيرغ لأن تستعيد حياتها، تواصلتْ مع زميلها آدم غرانت، المؤلف والأستاذ في كلية "وارتون" (Wharton)، لتتعرف على ما توصلت إليه البحوث حول القدرة على التعافي والصمود. وهو ما أدى إلى التعاون بينهما في تأليف الكتاب المنشور حديثاً "الخيار ب:مواجهة الصعاب وبناء القدرة على الصمود وإيجاد السعادة" (Option B: Facing Adversity, Building Resilience, and Finding Joy). تَحاور كل من ساندبيرغ وغرانت مؤخراً مع هارفارد بزنس ريفيو في مقر "فيسبوك" في مدينة مينلو بارك بولاية كاليفورنيا. وفي هذه المحادثة المحررة، يستكشفون ما يلزم لبناء القدرة على الصمود داخلك وداخل فريقك ومؤسستك.
هارفارد بزنس ريفيو: لماذا قررتِ أن تكتبي عن ألم فقدان زوجك؟
شيرل ساندبيرغ: فقدان ديف هو أصعب ما مررتُ به على الإطلاق، كنت أشعر في البداية أنني لن أصمد لدقائق ثم لأيام ثم لأسابيع ثم لشهور، وشعرتُ أن الناس ينظرون لي وكأنني شبح يخافون أن يتحدثوا إليه. مع تحول الأيام إلى أسابيع، كنت أشعر بالوحدة أكثر من ذي قبل. بعد مرور شهر على وفاة زوجي، كتبتُ منشوراً على "فيسبوك" حول معاناتي، لم أكن متأكدة من أنني سأشاركه، لكنني فكرت في أنه لا يمكن أن يزيد الأمور سوءاً بل قد يجعلها أفضل، لذلك شاركته.
هل كنت راضية عن الاستجابات التي لقيها منشورك؟
ساندبيرغ: لقد أفادني ذلك للغاية، فقد شعر أصدقائي وزملائي أخيراً أنه لا بأس من التحدث بصراحة حول ما حدث، وعدم إغفال ذكر الأمر عن عمد بعد الآن. أخبرتني إحداهن أنها كانت تأتي إلى منزلي كل يوم تقريباً، ولكنها كانت تخشى أن تدخل، وبعد مشاركتي هذا المنشور، دخلتْ منزلي. قال آخرون إنهم كانوا خائفين من أن يسألونني عما كنتُ أمر به، وبعد كتابتي المنشور بدأوا يسألونني. إضافة إلى استجابات أصدقائي، أذهلتني أيضاً استجابات الكثير من الأشخاص. فقد قال رجل تُوفيت زوجته قبيل عيد زواجهما الثالث إنه لتكريم ذكرى زوجته يحاول أن يساعد النساء في ميدان عمله، الذي يهيمن عليه الذكور، على النجاح. كما دعّم الأصدقاء والغرباء بعضهم البعض. أعتقد أن هذه الاستجابات هي التي أدت في النهاية إلى تأليف الكتاب.
ما مصدر عنوان الكتاب "الخيار ب"؟
ساندبيرغ: جاءتني الفكرة عندما كنتُ أبحث عن شخص ما ليغطي إحدى الفعاليات التي تجمع بين الآباء والأبناء. ووضع زميلي فيل خطة ولكن قلت له: لكني أريد ديف. فقال: الخيار أ غير متاح، دعينا نباشر العمل بالخيار ب.
كيف اشترك آدم معكِ في هذا العمل؟
ساندبيرغ: آدم زميل لي، وهو اختصاصي علم نفس وباحث عظيم، وقد سألته في وقت مبكر عما يمكنني فعله لمساعدة أطفالي على التغلب على هذه المحنة، فقد كانت أكبر مخاوفي ألا يشعروا بالسعادة مجدداً. أثناء عملنا معاً، علمنا أن القدرة على الصمود ليست شيئاً نمتلك منه كمية محددة، إنما شيء يمكننا بناءه في أنفسنا وأطفالنا ومؤسساتنا ومجتمعاتنا. وكان "الخيار ب" هو محاولتنا لمشاركة ما تعلمناه مع الآخرين.
بعد أن كشفتِ عن مشاعرك وضعفك، هل أصبحتِ الآن قائدة مختلفة؟
ساندبيرغ: عندما عدتُ إلى العمل كنتُ غارقة في أحزاني لدرجة أنني كنت أتحمل بالكاد قضاء اليوم أو حضور اجتماع واحد. وعندما كان الناس يقولون لي "حسناً يبدو أنه لا يمكنك المشاركة والمساهمة، انظري إلى حالك"، كانت ثقتي بنفسي تنهار أكثر فأكثر. وما كان يساعدني هو عندما يخبرني الناس بعد اجتماع ما، وهذا الأمر ينطبق بشكل خاص على مارك زوكربيرغ "الرئيس التنفيذي لفيسبوك"، أنني لم أجعل من نفسي أضحوكة وأنني طرحت وجهة نظر سديدة. لذا أحاول الآن الاضطلاع بهذه المهمة المتمثلة في مواساة الزملاء الذين يواجهون الشدائد، ومساعدتهم على إعادة بناء ثقتهم بأنفسهم. عندما تمر بمحنة، فإنها تكون مثل الجرح الذي ينزف في جوانب حياتك، وهذا أمر حقيقي للغاية. لذا، من المهم لجميع شركاتنا أن تمنح الجميع الوقت الذي يحتاجون إليه للحزن والتعافي. وبمجرد عودة الأشخاص إلى العمل، من المهم مساعدتهم على إدراك أنه لا يزال بإمكانهم المساهمة وعدم استبعادهم، لأنهم مضطربون ومكلومون.
هل تنصحين الأشخاص الذين يمرون بموقف شخصي صعب أن يعودوا إلى حياتهم العملية في أسرع وقت ممكن؟
ساندبيرغ: لا، بالتأكيد، لا توجد طريقة واحدة للحزن، وليس هناك نهج واحد للخروج منه، والوقت الذي يحتاجه شخص ما يختلف عما يحتاجه شخص آخر. في الكتاب نعرض قصة لامرأة عادت إلى العمل في اليوم التالي لوفاة زوجها، وقد شعرت أن زملاءها يلومونها على ذلك. هي فقط لم تتحمل المكوث في المنزل، وكانت تحتاج إلى مكان آخر تذهب إليه. وقد يحتاج أشخاص آخرون إلى شهور أو أكثر. فعلى كل شخص أن يعثر على الطريقة المناسبة له. وينطبق الشيء نفسه على مقدار المشاركة التي نرغب فيها. فقد انتهى بي الأمر بمشاركة ما أمر به بشكل أكثر انفتاحاً مما كنت أتوقع للتغلب على شعوري بالوحدة. إلا أنّ البعض لا يحبذون مشاركة مشاعرهم، وعلينا أن نحترم الوقت الذي يلزم كل شخص، وكذلك مشاعره.
عندما يعاني زميل من خسارة
كيف ينبغي أن تستجيب الشركات عندما يواجه الموظفون أزمة شخصية؟
آدم غرانت: تُظهر الأبحاث أن الشركات التي لديها برامج مساعدة توفر مساعدات مالية أو تمنح وقتاً للراحة عند المرور بأزمة، على سبيل المثال عندما يتدمر منزل زميل بفعل إعصار أو عندما يتعين عليه/عليها رعاية شخص مريض للغاية، يكون لهذا مردود إيجابي على الشركة بالفعل. لأن الموظفين يشعرون حينها أنهم ينتمون لشركة ترعاهم وتعتني بهم، ويفخرون بها بوصفها مكاناً "يتسم بالإنسانية" ويُخلصون لها. فهذه قضية حقيقية يجب أن تعمل المؤسسات على خدمتها.
غالباً ما لا يعرف الأشخاص ما ينبغي عليهم قوله لمواساة زميل يمر بمحنة، أو لا يقولون شيئاً على الإطلاق، أو يقولون ما لا يجب قوله، ما نصيحتك في هذا الصدد؟
ساندبيرغ: قبل كل شيء، يجب أن نعترف بالألم، أي أن نقر أن هناك أمراً جللاً يحدث بالفعل. قبل أن أفقد ديف، كنت أقول للزملاء الذين اكتشفوا إصابتهم بمرض السرطان أو الذين فقدوا أزواجهم إنني حزينة لأجلهم، ولكني لم أكن أتطرق لهذا الأمر مجدداً لأتجنب "تذكيرهم" به، ولكن فقداني لديف جعلني أدرك كم أن هذا سخيفاً، لا يمكنك أن تُذكّرني أنني فقدت ديف، لأنني لا أنسى ذلك أبداً. ولكن الإقرار بذلك هو ما يُحدث فرقاً كبيراً، أن تقول مثلاً "أعرف أنكِ وأطفالكِ تمرون بوقت عصيب". والأشخاص الذين يقولون أشياء من قبيل "ستتغلبين على هذه الأزمة" يتسمون بالعطف والرفق. ولكن من الألطف أن نقول "سنتغلب على هذه الأزمة معاً".
"القدرة على الصمود ليست شيئاً نمتلك منه كمية محددة إنما شيء يمكننا بنائه".
كم سيساعد أن نسأل مَن يمرون بمحنة إن كان بإمكاننا فعل شيء لهم؟
ساندبيرغ: من اللطيف أن نعرض المساعدة، ولكن أن يطلب الشخص المتألم المساعدة أو أن يفكر فيما يمكن أن يساعده، فإن هذا يضع عبئاً عليه. عندما تشعر بالحزن الغامر، ما الذي قد تطلبه؟ يعمل دان ليفي معي في فيسبوك، وقد كان ابنه مريضاً للغاية وتوفي للأسف. عندما كان دان في المستشفى، أرسل صديق له رسالة قائلاً: ما الذي لا تريد إضافته على البرغر؟ ولم يقل: هل تحتاج إلى أي شيء؟ ولهذا فإن القيام بشيء محدد يساعد الشخص المكلوم بشكل لا يصدق.
"النمو ما بعد الصدمة"
هل كانت لديكِ أي مخاوف حول تأليف هذا الكتاب أو عما سيكون صداه؟
ساندبيرغ: لا أعتقد أن أي شخص يمكنه أن يشارك شيئاً بهذا الانفتاح التام دون أن يشعر بالتوتر. لكنني كنت أحاول أن أفعل شيئاً ذا معنى لأتعافى من مأساة فقداني لديف، فقد كان ديف شخصاً معطاءً إلى أبعد حد. في الجنازة، صديقنا زاندر لوري، الذي يشغل الآن منصب الرئيس التنفيذي لشركة "سيرفاي مونكي" (SurveyMonkey) وهي الشركة التي كان ديف يديرها، سألَنَا عن عدد الأشخاص الذين تغيرت حياتهم بسبب شيء فعله ديف لأجلهم. وحينها رفع الكثيرون أياديهم. لذا، تكريماً لديف، آمل أن أساعد الناس من خلال مشاركة تجربتي، ومشاركة الأبحاث التي استكشفناها أنا وآدم، وأيضاً مشاركة قصص رائعة لأشخاص آخرين تجاوزوا الصعاب.
آدم، في ماذا تأمل بنشرك لهذه الأفكار؟
غرانت: لا أحد منا خبير في الحزن، فأنا أدرس الدافع والمعنى، وشيرلي تتحدث من واقع تجربتها الشخصية، وهذا يتعلق بما هو أكثر بكثير من الحزن. الأمر يتعلق بالمحن والشدائد التي تواجهنا جميعاً، وكيف نجد القوة لتجاوزها ،أو أحياناً لمجرد أن نصمد خلالها.
القدرة على الصمود تعني العودة إلى ما كنت عليه قبل الأزمة. ولكنك أيضاً تكلمت عن "النمو ما بعد الصدمة" (post-traumatic growth)، إذاً ما هي الفكرة وراء ذلك؟
غرانت: صاغ اثنان من علماء النفس - ريتشارد تيديشي ولورنس كالهون - هذا المفهوم. كانا يعملان مع والدين فقدا طفلاً لهم، وذكر الوالدان أنه إضافة إلى الألم الكبير الذي شعرا به، طرأت بعض التغيرات الإيجابية على حياتهما. ثم حاولتْ مجموعة كاملة من الباحثين معرفة ما الذي يعنيه أن تنمو وتنضج بعد تعرضك لصدمة. ووجدوا أن كثيراً من الناس شعروا أنهم أصبحوا أقوى، فقد قالوا أشياء من قبيل "لقد تجاوزت هذا، إذاً يمكنني أن أتجاوز أي شيء". وشعر بعض الناس بالامتنان لما لا يزال لديهم، وبعضهم كوّن علاقات أكثر عمقاً من تلك التالي كانت لديهم من قبل، وشعر بعضهم بوجود معنى وهدف جديد لحياتهم وأرادوا أن يستثمروا حياتهم.
شيرلي، هل يبدو لكِ هذا مألوفاً؟ هل شعرتِ بأي من هذه الأشياء؟
ساندبيرغ: نعم بالتأكيد، شعرت بالامتنان لما لدي، في وقت مبكر، قال لي آدم إن الأمور كان يمكن أن تكون أسوأ بكثير. قلت له: هل تمزح؟ كيف يمكن أن تكون الأمور أسوأ؟ وحينها قال آدم "كان يمكن أن يحدث هذا الاضطراب في نبضات القلب لديف أثناء قيادة السيارة وداخلها أطفالك". بسماعي ذلك شعرتُ بشعور أفضل، وقدّرت قيمة أن أطفالي بصحة وسعادة وعلى قيد الحياة. من غير البديهي أن يكون سبب تعافينا من أزمة ما هو تفكيرنا في أزمة أسوأ منها، ولكن هذا الأمر يساعدنا بالفعل على أن نشعر بالامتنان لما لا يزال بحالة جيدة في حياتك. لا أحد يرغب في أن ينضج بهذه الطريقة. وأنا قد أستبدل بالتأكيد عودة ديف بهذا كله، ولكن عندما نواجه الصدمة، يمكننا أن ننمو وننضج من جرّائها.
هل من الممكن أن ننضج دون أن نمر بمحنة؟
غرانت: هذا هو أحد الأشياء المثيرة للاهتمام حول العمل معاً، فقد جمعنا بين العلوم الاجتماعية والتجارب الحياتية التي مرت بها شيرلي. ردت شيرلي على هذا بقولها إذا كان هناك نمو ما بعد الصدمة، لماذا لا يكون هناك نمو ما قبل الصدمة أيضاً؟ وقد اندهشتُ للغاية مما قالته. ولكنها فكرة رائعة، فليس من الضروري أن نمر بأحداث مروعة لنتعلم بعض الدروس في حياتنا.
هل شهدتِ أمثلة لأشخاص نضجوا قبل التعرض لصدمة؟
ساندبيرغ: بعد وفاة ديف، أُلهمتْ صديقتي كاتي ميتيتش لتبدأ في كتابة خطابات طويلة لأصدقائها في أعياد ميلادهم، تخبرهم فيها عن سبب حبها وتقديرها لهم، وبدأ بعض أصدقائها في فعل الشيء نفسه. وهذه طريقة جيدة لتعميق العلاقات، وإيجاد معنى لحياتنا، والشعور بالامتنان لما لدينا قبل التعرض لأي صدمة. أعتقد أننا بذلك نبني القدرة على التحمل للاستعداد لأي محنة قد تواجهنا. فنحن جميعاً نواجه أزمات ونعايش شكلاً من أشكال "الخيار ب".
بناء القدرة على الصمود
هل هناك مجموعة من الأدوات يمكننا من خلالها بناء القدرة على الصمود؟
غرانت: في العمل، أقوى شيء هو التعلم من الفشل، فنحن جميعاً نخفق ونرتكب أخطاء. قد يكون من الصعب للغاية التغلب على هذه الإخفاقات، ولكن الطريقة الوحيدة التي يمكننا فعل ذلك بها هي بناء القدرة على الصمود والتحمل. تعلمت هذا عندما كنت في كلية الدراسات العليا. كنتُ أشعر بالرعب من التحدث أمام الجمهور، ولكن تعين عليّ فعل ذلك كي أصبح معلماً. لذا، حاولتُ الحصول على آراء وتعليقات من خلال تطوعي لإلقاء محاضرات لضيوف من صفوف دراسية أخرى، وبعد ذلك كنت أوزِّع عليهم استمارات لجمع تعليقاتهم وملاحظاتهم. وقد كانت قراءة تلك التعليقات مزعجة (فقد قال لي أحدهم إنني كنت متوتراً جداً لدرجة أنني جعلت الطلاب يهتزون في مقاعدهم)، ولكنني علمتُ ما هي أخطائي المنهجية، وتمكنت من وضع أهداف لمحاولة التحسن. سيكون من الرائع التعامل بهذا النوع من الانفتاح في وظائفنا بأن نشجع الآخرين على انتقادنا ومساعدتنا على التحسن.
يتحدث الجميع عن التعلم من الفشل، ولكن الكثير من الشركات لا تفعل ذلك على أكمل وجه، ما السبب في رأيك؟
غرانت: أعتقد أن الإجابة ببساطة هي "الأنا". نعلم جميعاً أن الفشل يُمكن أن يجعلنا أفضل إذا تعاملنا معه بوصفه فرصة للتعلم. لكنني لا أعرف أي شخص قد يرى أن عليه أن يفسد الأمور بشكل سيئ للغاية لمجرد أن يتعلم. لذلك عندما نفشل عادة ما يحدث ذلك على حين غرة، وبعد ذلك نحاول أن ندافع عن ذاتنا وصورتنا لنثبت لأنفسنا وللآخرين أننا لسنا أغبياء، وهذا هو ما يعترض طريق تطوير نفسك وإحراز تقدم.
كيف يمكننا أن نتعلم التعامل مع الفشل بطريقة بناءة؟
غرانت: عندما أعمل مع مسؤولين تنفيذيين أطلب منهم تسجيل، ليس فقط أدائهم في فترة محددة، ولكن أيضاً مدى تقبلهم للتعليقات بعد ذلك. ومن المدهش كم أصبحوا منفتحين تجاه التعليقات، خصوصاً فائقي الإنجاز الذين يرغبون بشدة في الحصول على درجة امتياز!
كيف نبني مؤسسة تفشل جيداً؟
غرانت: أول شيء هو غرس ثقافة التحدث بصراحة عن الإخفاقات والأخطاء. إيمي إدموندسن من كلية "هارفارد للأعمال" (Harvard Business School) استكشفتْ ما تفعله المستشفيات لتعرف كيف يتمكنون من تلافي الأخطاء الطبية الكبيرة. ووجدت أن الفرَق تتعلم أكثر، وتتمكن من تجنب المشكلات إذا كان لديها سلامة نفسية، أي إذا كانت تتحلى بروح المخاطرة، ومنفتحة فيما يتعلق بالأخطاء، وإذا كانوا لن يُعاقبوا على ارتكاب الأخطاء غير المقصودة.
تشجع فيسبوك الموظفين على ركوب المخاطر التي قد تقضي إلى الفشل. كيف يمكن غرس هذا الشعور في ثقافة المؤسسة؟
ساندبيرغ: تتمثل إحدى الطرق في التعلم من المؤسسات الأخرى. في إحدى السنوات سافر فريق إدارة "فيسبوك" إلى منشأة التدريب الخاصة بقوات المارينز الأميركية في كوانتيكو بولاية فيرجينيا. ومارسنا ببعض التدريبات الصعبة. ورأينا أنه بعد كل تدريب تُقدّم قوات المارينز تقريراً كاملاً حول كل ما سار بشكل خاطئ. في الماضي كنت أظن أن هذا النهج لا يُسفر إلا عن تراكم أوراق فوق بعضها. ولكننا تعلمنا أننا إذا أعددنا هذه التقارير وأدمجناها في ثقافة المؤسسات، ستواصل المؤسسات بذلك التعلم من التجارب.
تتكيف الشركات المرنة بشكل فعال مع الظروف المتغيرة. كيف يمكن تحقيق ذلك؟
غرانت: تتعلق المرونة بالسرعة وبالقوة التي تستجيب بها الشركات للأزمات. أفضل شيء يمكنك فعله هو وضع إجراءات اعتيادية يمكن تطبيقها في المواقف غير المتوقعة. تُعد شركة "سبيس إكس" (SpaceX) مثالاً مثيراً للاهتمام. أخبرنا رئيسها التنفيذي إيلون ماسك أنه بسبب فشل الصواريخ مراراً وتكراراً، طلب من موظفيه إعداد قائمة بأكبر 10 أسباب تعرض عملية إطلاق الصواريخ للخطر. (وقد اتضح أن السبب الحادي عشر هو ما أدى إلى أحد الانفجارات، لذا ربما يكون الدرس المستفاد من هذا هو طلب إعداد قائمة تتضمن أكبر 11 سبباً). تعرف المؤسسات عالية الموثوقية كيف تضع تلك الإجراءات الاعتيادية في موضعها الصحيح. لأنهم يعدون قوائم شاملة بالأشياء التي من الممكن أن تسير بشكل خاطئ، ثم يتحققون منها بشكل أولي، وفي كل مرة يفشل شيء ما على نحو غير متوقع، يضيفونه إلى القائمة.
هل "فيسبوك" تعد نفسها عن قصد لمواجهة الأزمات غير المتوقعة؟
ساندبيرغ: غالباً ما يقول مارك إن الشركات تفشل بطريقتين: عدم وضع خطة أو وضع خطة ليست طَموحة بما يكفي. ومارك لا يريدنا أبداً أن نفشل بالطريقة الثانية، لأننا بذلك سنكون قد فشلنا قبل حتى أن نبدأ. فأنت تحتاج إلى اتباع نظام ينطوي على وضع أهداف طموحة حقاً، وأن تُشعِر الموظفين أنه لا بأس من إعداد تقارير حول الإخفاقات والحصول على تقييمات وتعقيبات عليها مع العزم على التعلم منها وتصحيحها.
تنشر هارفارد بزنس ريفيو مقالات تُبين أنه يمكن بناء القدرة على الصمود داخل الأشخاص من خلال أخذ فترات توقف عن طريق فترات الاستراحة المجدولة وغير المجدولة أو عزل أنفسنا عن وسائل التكنولوجيا.
غرانت: هناك الكثير من الشواهد التي تدل على ذلك، ولكني أعتقد أننا نميل إلى تعريف فترات الاستراحة من منظور ضيق للغاية. أجرتْ كيم السباخ من "جامعة كاليفورنيا" (UC) في ديفيس بحثاً يوضح أن من أفضل الطرق لإعطاء الأشخاص فترات من الراحة هي بتكليفهم بمهام لا تتطلب تشغيل العقل. فالمهام الروتينية يمكن أن تصفي ذهنك لتتمكن من التفكير بشكل خلاق. بينما يتقدم الأشخاص ويطورون مهارات أكثر تعقيداً، يرتكبون الخطأ المتمثل في رفع المهام التكرارية عن كاهلهم. ولكن يمكن أن يساعدنا الانتقال بين المشكلات الصعبة والإبداعية، ومثلاً إدخال البيانات في جدول بيانات لعدة دقائق على إعادة شحن طاقتنا.
كثيرا ما يُقال إن روح الدعابة من الأمور الضرورية لبناء القدرة على الصمود. كيف يمكن أن نتحلى بروح الدعابة في أحلك الأوقات؟
ساندبيرغ: أعتقد أن التحلي بروح الدعابة أمر صعب للغاية. نيل سكوفيل، التي حررت كتابنا، كاتبة كوميدية تلفزيونية ولها أربعة أشقاء. في جنازة والدتها، وقفت ممسكة بمظروف وقالت "يحتوي هذا المظروف على اسم الطفل المفضل لأمي". أن تكون قادراً على الضحك في تلك اللحظات الحالكة للغاية، حتى لو كان ذلك لثانية واحدة أو حول الحدث نفسه، يساعد بدرجة كبيرة على التخفيف من الضغط النفسي. وكأنك تقول لنفسك "ستكون الأمور على ما يرام".
تحدثت عن كيفية بناء القدرة على الصمود لدى الأطفال، جزئياً بمساعدتهم على معرفة نقاط قوتهم. هل هذا النموذج يساعد الموظفين في ذلك أيضاً؟
غرانت: أعتقد ذلك، مع التنبيه على أن تنشئة الأطفال أصعب بكثير من القيادة. أحد دوافع القدرة على الصمود لدى الأطفال هو "الاهتمام"، أي الإيمان أن الآخرين يلاحظونك ويهتمون لأمرك ويعتمدون عليك. عندما يشعر الأطفال أنهم لا شيء، فإن العواقب قد تكون وخيمة مثل انتهاج السلوك المنحرف والمعادي للمجتمع والتصرف بعدوانية. وعلى هذا المنوال، تقع على عاتق كل قائد مسؤولية أن يجعل كل موظف يشعر أن له أهمية وأنه مُلاحَظ. هذا هو أحد الأسباب التي تجعل أسلوب الإدارة بالتجوال محبَّذاً للغاية. وينبغي لك أيضاً أن تُشعِر الموظفين أنهم يُعتمد عليهم. إذ يخشى العديد من القادة أن يطلبوا المساعدة، لكن الموظفين يرغبون في أن يشعروا أن مساهماتهم تُحدث تأثيراً. لذا، من أحد أقوى الأشياء التي يمكن للقائد القيام بها هو قول "لا أعرف الإجابة على ذلك".
التعامل مع الحزن الجماعي
أسفرتْ الانتخابات الأميركية عن شعور ربما نصف عدد السكان بأعراض تشبه أعراض الشعور بالحزن. كيف ينبغي للشركات أن تتعامل مع شيء من هذا القبيل؟
غرانت: سأتحدث عن ذلك من منظور الجامعة، كانت الأمور تسير بشكل أهوج، البعض يشعر بالبهجة والبعض الآخر يشعر بالإحباط وفئة قليلة لم تعرف بماذا يجب أن تفكر أو تشعر كما كان هناك الكثير من النقاشات حول مدى الصراحة التي ينبغي أن تتحلى بها جامعاتنا وأماكن عملنا تجاه التحدث عن السياسة. أؤمن بقوة بأهمية جعل الأجواء آمنة للسماح بالتبادل الفكري، فهذا هو الهدف من الجامعة. وقد قلتُ في أحد صفوفي "سنتحدث عن ديناميات عملية الانتخابات وكيف سيؤثر ذلك على القادة". قال العديد من الطلاب المتحفظين إنهم شعروا أنه من غير المقبول أن يكونوا جمهوريين في حرم جامعة من جامعات "رابطة اللبلاب". وهذا ليس جيداً، تماماً مثل أن تلغي صداقتك بشخص ما لأنه يتبنى رأياً سياسياً مختلفاً. ولكن ما يهم هو كيف يعاملك هذا الشخص؟ وما الذي يبديه من خلال تصرفاته اليومية؟
شيرلي، كتابك السابق "تقدمي إلى الأمام" (Lean In) كان من أفضل الكتب مبيعاً ولكن انتقده البعض بقولهم إن حياتك مختلفة عن حياة معظم الأشخاص وبالتالي فإن رسالة الكتاب لم تكن منطبقة على نطاق واسع من الأشخاص. إذاً هل تتوقعين ما قد يقوله النقاد هذه المرة؟
ساندبيرغ: أعلم كم أنا محظوظة، ليس في وفاة ديف، ولكن في العديد من الجوانب الأخرى في حياتي. فلديّ وظيفة رائعة، ومدير رائع، وإمكانات لا يمتلكها سوى قليل من الأشخاص. وأتفهم أن الِمحن والصعاب ليست موزعة بالتساوي. و"الخيار ب" لا يستند على قصتي فحسب، وإنما على أبحاث وقصص لكثير من الأشخاص الذين يحاولون التغلب على شتى أنواع الشدائد. فلا ينبغي لأحد أن يجتاز التحديات والصدمات وحده.